فيفيان ماير : مصورة أميركية مهووسة بشوارع المدن والأوضاع الإنسانية

(ثقافات)

فيفيان ماير : مصورة أميركية مهووسة بشوارع المدن والأوضاع الإنسانية

 

هادي ياسين

طوال سني شغفها بالتصوير الفوتوگرافي ، التقطت ” ڤيڤيان ماير ” نحو 150000 صورة ، وهي التي أمضت نحو 40 سنة من عمرها في مهنة ( مربية أطفال ) .

و توصف ” ماير ” بأنها ( مصورة شوارع ) ، شوارع شيكاگو ــ بالدرجة الأولى ــ و نيو يورك و لوس أنجلس . فضلاً عن تصويرها لمعالم مدن كثيرة في العالم .

التقاطات ” ڤيڤيان ماير ” تركز على الأماكن العامة : الشوارع ، البنايات ، الحانات ، المحال ، المنعطفات .. و من خلالها تلتقط أوضاعاً إنسانية لأشخاص لم يدركوا أنهم كانوا هدفاً للقطات فوتوغرافية لكاميرا إمرأة أمريكية مهووسة بالتصوير .

عندما نراجع صور ” ڤيڤيان ماير ” ، سنجد أنها كانت تتبع هاجسها فحسب . كانت تختار مواضيعها التي تستهويها ، و تختار زاويتها التي تجدها مناسبة كما تروق لها و ليس وفقاً لتعاليم خاصة بتعلم دروس فن التصوير الفوتوگرافي .

صوّرت ” ماير ” التقاطات لعابرين في الشوارع و المحال و الأماكن العامة ، هم صنعوها دون علمهم ، لكن ” ڤيڤيان ماير ” التقطتها من زاويتها . عينها الفوتوگرافية الحساسة الحاذقة هي التي التقطتها . هذه اللقطات كانت ( مختلفة ) فوتوگرافياً في ذلك الوقت بطبيعة الحال ، و كانت ذات قيمة فنية عالية ، ولكنها ليست كذلك الآن ، على أن قيمتها لا تُقدّر بثمن .. من الناحية التاريخية . ذلك أنها وثقت ( شكل ) الحياة حينها . كانت تلتقط الأوضاع الظريفة غير المقصودة للأشخاص و اللقطات التي تشكل نفسها بنفسها دون عمد للأشخاص و البنايات ( الهندسة المعمارية في شيكاگو و لوس أنجلس و نيو يورك ) و الظلال و المرايا ، و كانت مهمة ” ماير ” هو اقتناص هذه اللقطات و توثيقها فوتوگرافياً و ليس تصميمها أو تجهيزها ، فهي مصورة قناصة بامتياز .

ولدت ” ڤيڤيان ماير ” في مدينة نيو يورك ، عام 1926 ، لأب نمساوي ــ هو مهندسُ بُخار ــ يُدعى ” چارلز ماير ” ( و يُعرف أيضاً بإسم ” فيلهلم ” ) و لأم فرنسية إسمها ” ماريا جاوسو جوستين ” و التي تنقلت معها في العيش بين أمريكا و فرنسا ، حيث أقامت الأم فترة قرب أقاربها في قرية ( سانت بونيه إن چامبسور ) عند جبال الألب .

و عندما شبت ، و قد بلغت الخامسة و العشرين من عمرها ، راحت ” ڤيڤيان ماير ” تتنقل لإكتشاف طريقها وحدها ، حتى استقرت في شيكاگو فامتهنت تربية الأطفال لدى العوائل ، على مدى أربعين عاماً . و ذات سنوات عملت لدى عائلتين معاً ، و وصفتها عائلة ” گينسبيرگ ” بأنها مثل ” ماري بوبينز ” الذي هو فيلم موسيقي من بطولة ” جولي آندروز ” التي نالت عنه جائزة الأوسكار ( مولودة في 1 أكتوبر / كانون الأول 1935 ، و هي حالياً في السابعة و الثمانين ) .

و قد عُرف ــ لاحقاً ــ عن ” ڤيڤيان ماير ” أنها كانت تجوب الشوارع باستمرار و هي تحمل كاميرتها و تلتقط عشرات الصور يومياً . و قد عاشت حياة هامشية ، على الرغم من أنها عُدت ــ لاحقاً ــ من معالم أي مدينة عاشت فيها . و عندما توفيت في 21 إپرِل / نيسان عام 2009 ، عُثر على صناديق ضمت نحو 150 ألف شريحة فيلمية من تصويرها ، فيها أعدادٌ كبيرة من الشرائح السالبة . ولكن قبل وفاتها بعد سقوطها من مقعد خشبي و ارتطام رأسها عند الشاطئ ، أقيم مزاد علني لمحتويات صناديق رافقتها طوال أربعين عاماً ، كانت تقول عنها ” ماير ” أينما حلّت ( لقد أحضرت معي حياتي كلها ) .

في ذلك المزاد ، الذي حصل عام 2007 تحديداً ، اشترى الشاب جامع التحف الفنية ” جون مالوف ” أحد تلك الصناديق بمبلغ 380 دولاراً ليعثر في داخله على نحو 40 ألف صورة في حالة سالبة بالأسود و الأبيض . و في العام 2009 حصل ” مالوف ” على 150 ألف شريحة ، صورت فيها ” ڤيڤيان ماير ” الحياةَ و معالمها في العديد من مدن العالم ، بين عامي 1950 ــ 1960 ، في : تايلاند ، مصر ، هونج كونج ، فيتنام ، ماليزيا ، الصين ، اليمن ، كندا ، إيطاليا ، المغرب ، سوريا ، الفلبين و فرنسا ، سويسرا و تركيا .. مستخدمة كاميرا آلمانية من نوع ( روليفلكس”و تلك الرحلة تم تمويلها من بيع مزرعة تعود لعائلتها . ) .

Rolleiflex

عمد ” مالوف ” الى تظهير جميع الصور السالبة ، و التي لم ترها ” ڤيڤيان ماير ” نفسها . فقد كانت مهووسة بالتصوير فقط ، أي أنها كانت تصور و تخزن دون تحميض ، و يبدو أنها كانت تجرفها لحظةُ اقتناص اللقطة فقط ، و كأنها كانت تجمد لحظات الزمن من أجل أن يأتي شخص مثل ” جون مالوف ” ليحمّضها و يعرضها على الأجيال من متحسسي اللحظات التاريخية المؤثرة ــ بصمت ــ في الحياة .

لذلك يمكننا أن نعد حالة ” ڤيڤيان ماير ” حالة استثنائية و غريبة في تاريخ الإبداع ، حالة مبدعة ( قد لا تعد نفسها مبدعة ) تبذر و تمضي .

في عام المزاد نفسه ( 2007 ) إشترى ” راندي برو ” و ” رون سلاتري ” بعض صناديق ” ڤيڤيان ماير ” و عملا على ترويجها ، ولكن الإستجابة كانت فاترة . إذ لا أحد يعرف من هي ” ڤيڤيان ماير ” حتى اخترق ” جون مالوف ” الحاجز عبر الإنترنت ، بعد أن حمّض الشرائح السالبة و قدّم تعريفاً بها و شرحاً لقيمتها الوثائقية ( الحياتية ) . فتمكن من فتح باب التعريف بها عالمياً ، فانتبه الأمريكان و غيرهم الى قيمتها و أهميتها الفنية و التاريخية .

هكذا ظهرت المقالات و الكتب و الأفلام الوثائقية عن ” ڤيڤيان ماير ” التي عاشت حياتها ككاميرا و تركت أثرها كفوتوگراف . فظهر الفيلم الوثائقي ( اكتشاف ڤيڤيان ماير Finding Vivian Maier ) عام 2013 و ترشح للأوسكار ضمن جائزة أفضل فيلم وثائقي . و إضافة الى ” جون مالوف ” ، فقد كان هناك ” رون سلاتري ” و ” راندي برو ” اللذان اقتنيا آلاف الشرائح الفوتوگرافية لـ ” ڤيڤيان ماير ” و عرضاها . ولكن الجهد الأبرز و الناجح كان لـ ” جون مالوف ” .

عندما بلغت ” ماير ” سناً حرجاُ من الشيخوخة و في وضع مالي حرج ، باتت على وشك الطرد من شقتها ، فعمل الأخوان گينسبورگ ” ــ اللذان كانت مربيتهما خلال فترة طفولتهما ــ على تحسين وضعها بإسكانها في شقة مناسبة في حي ( روجرز بارك ) في شيكاگو . و قبل ذلك لم تكن ” ماير ” قادرة على دفع أجور تخزين صناديقها ، فعُرضت للمزاد ، و هي تلك التي اقتناها ” جون مالوف ” و ” راندي برو ” و ” رون سلاتري ” .

في نوڤمبر من عام 2008 سقطت ” ڤيڤيان ماير ” من كرسيها فارتطم رأسها بالجليد الصلب ، ما ضاعف سوء حالها ، صحياً ، و لم تستطع المستشفى أن تسعف تلك الحال ، فتم نقلها الى دار العجزة في أطراف شيكاگو .. فتوفت في 21 أبريل 2009 ، تاركةً إرثاً فوتوگرافياً غير مسبوق في ثرائه من حيث الكم ولا في قيمته من حيث الدقة .. و ما يمكن أن نسميه ( المرض الفوتوگرافي ) .

شاهد أيضاً

سوسن دهنيم وأحمد زايد يوقعان كتابيهما في أبوظبي للكتاب

(ثقافات) سوسن دهنيم وأحمد زايد يوقعان كتابيهما في جناح مؤسسة العويس بمعرض أبوظبي للكتاب   …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *