” تايكي ” والروح الإنسانية


خالد الظنحاني *



تعتبر مهرجانات وجوائز الإبداع التي تقام هذه الأيام على طول وطننا العربي وعرضه، حافزاً أصيلاً وكبيراً للرقي بالمنجز الفكري والثقافي والفني والإنساني، ففي نوفمبر الماضي، تجمّع أبرز نجوم الفن والإعلام والمجتمع العربي في منطقة البحر الميت، حيث حلوا ضيوفاً على المملكة الأردنية الهاشمية، لحضور فعاليات الدورة الثالثة لتوزيع جائزة “تايكي ـ جوردان أووردز” 2012، التي أقيمت في “مركز الملك حسين للمؤتمرات” تحت رعاية الأمير علي بن الحسين والأميرة ريم علي.

كان الحفل مبهراً ورائعاً، ذلك أن “مجموعة قنوات البث الأردنية” المُنظمة للحدث، أرادت له أن يكون لائقاً بمستوى ضيوف الفن والإبداع الذين حضروا من مختلف البلدان العربية من جهة، وأن يواكب الرقي الذي وصلت إليه الجائزة في دورتيها السابقتين من جهة أخرى.

وقد أبلت “المجموعة الأردنية” بلاءً حسناً في عملية التنظيم والاستقبال والحفل في عمومه، وهو ما انعكس بشكل واضح وكبير على نجاح الحدث أيمّا نجاح، فضلاً عن ما ناله المنظمون من رضى واستحسان ضيوف الأردن.

أما اسم “تايكي” الذي أطلق على الجائزة، فهو كمصطلح يعتبر رمز الحب والجمال والقوة عند اليونانيين القدامى، وهو كذلك رمز من رموز الأردن الأثرية الذي إن يممت وجهك شطر منطقة “أم قيس” الأثرية ستجد آثاره بارزة شامخة، تنبض بروح الحضارة الإنسانية وتاريخ الإنسان القديم.

وهو ما وافق المعنى اسمه، إذ إن “الجائزة” بالفعل نثرت ورود المحبة وجمال الكرم الأصيل وقوة الأداء التنظيمي بين زوايا المكان، وثنايا وحنايا جميع المدعوين لحفل توزيع جائزة “تايكي”.

وما لفت انتباهي خلال حضوري كضيف على الأردن؛ هو فكرة الجائزة التي ترنو إلى تكريم الإبداع وتبنّيه أينما وجد، من خلال جائزة ثقافية فنية غير ربحية، هي الأولى من نوعها في الأردن، حيث يؤمن القيّمون على هذه الجائزة أن الفن رسالة إنسانية سامية، ولذلك حرصوا على تفعيل مبدأ المسؤولية الاجتماعية لدى القطاع الخاص، وإدخاله كشريك معهم في دعم قضايا إنسانية، من خلال ما يتم تخصيصه من ريع يأتي من هذه المؤسسة أو تلك لصالح دعم قضايا الإنسان.

والجدير ذكره أن مبادرة “تايكي” الإنسانية الجـديدة تحمل عنوان “الأطراف الصناعية.. حياة أفضل”، وتم من خلال هذه المبادرة علاج عدد من المرضى غير القادرين ماديا، والذين فقدوا أطرافهم الطبيعية، وعاشوا حياة من المعاناة والعوز بسبب ما أصابهم من مرض وعجز، فجاءت هذه المبادرة لتعيد الفرحة إلى قلوبهم وترسم البسمة على شفاههم، وتعينهم في المقام الأول على تخفيف مصابهم، من خلال تزويدهم بأطراف صناعية تكفل لهم حياة أفضل.

وقد وُجّهت هذه “المبادرة” هذا العام إلى مخيمات النازحين السوريين، بدءاً من “مخيم الزعتري”، مروراً بجميع المخيمات السورية الواقعة في الأراضي الأردنية، بالتعاون مع “جمعية البداد الخيرية”، وهو أمر يحسب للقائمين على هذه الجائزة التي تسعى لأن تكون النسخة العربية من “الأوسكار” الأميركي.

وفي هذا المقام، فإننا نقف إجلالا وإكباراً للإخوة المنظمين، لما يبذلونه من جهود حثيثة وما يحملون في قلوبهم من هموم إنسانية نبيلة.

إن مبادرة إنسانية كهذه، مصدرها جائزة تُعنى بالدراما والطرب والإعلام، لأقوى دليل على أن الفن ليس بعيداً عن هذه اللمسات الإنسانية النبيلة، بل من المفترض أن يكون الفنان الحقيقي في عمق هذه المبادرات الإنسانية بصدق وإخلاص، بعيدا عن التمثيليات التي يقوم بها بعض الفنانين المتذاكين في مثل هذه المواقف الإنسانية لحاجة في أنفسهم، كونه صاحب جماهيرية وشهرة كبيرة، ويتابعه ملايين البشر، وبالتالي يحذو كل من يحب هذا الفنان أو ذاك حذوه في عمل الخير.

وعلى الجانب الآخر، فإننا ندعو المؤسسات الفنية والإعلامية المحلية والعربية لأن تكرس مفهوم المسؤولية الاجتماعية في الفعاليات الفنية التي ترعاها أو تنظمها، كمهرجانات السينما والتلفزيون والمسرح وغيرها، من خلال تبني المبادرات التي لا شك أنها تنهض بحياة فئة من البشر المحرومين من نعمة المال أو الصحة أو مقومات الحياة العامة.

نعم، في دنيا الناس هناك العديد من المبادرات الإنسانية المتنوعة، لكننا نتمنى أن تُكرس وتُرسّخ في المجتمع العربي بجميع أطيافه وفئاته وشرائحه، لتدخل في صميم فكر ووجدان أفراد المجتمع عموما، بحيث تشمل كافة مجالات الحياة، كالفن والرياضة والثقافة والاقتصاد… إلخ.

إننا من خلال هذه المبادرات العظيمة نحيا حياة السعادة والفرح، وهي تحيا بنا حياة الخير والعطاء، فلنجعلها ـ يا أبناء الأرض ـ من أولى أولوياتنا.


* شاعر من الامارات


( البيان )

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *