(ثقافات)
الأميركية دوروثي لانج وأعمالها الفوتوگرافية
هادي ياسين
لا تحمل أعمال الأمريكية ” دوروثي لانج ” ( 1895 ــ 1965 ) الفوتوگرافية مسحة فنية ، كالتي باتت تطبع الفوتوگراف الآن ، فعملها كان يعتمد آلة تصوير اعتيادية في أماكن اعتيادية بالكاد تستطيع أن تقتنص فيها لقطة خارجة عن المألوف ، و بالتالي فإن أعمالها محض وثائقية ، لكن هذه الأعمال تنطوي على قيمة تاريخية من حيث توثيقها لمرحلة و جانب من الحياة الأمريكية . فهي ــ في الأصل ــ مصورة صحفية لصالح إدارة الأمن الزراعي في فترة الكساد الكبير التي سادت طوال الثلانينيات من القرن العشرين إثر الأزمة الإقتصادية التي ضربت الولايات المتحدة و العالم ، و التي يرى المؤرخون أنها بدأت مع انهيار سوق أسهم السوق المالية الأمريكية يوم الثلاثاء 29 أكتوبر 1929 ، و الذي سُمي بـ ( الثلاثاء الأسود ) . و الواقع إن هزة ذلك الكساد في الولايات المتحدة قد بدأت في 4 سبتمبر من ذلك العام ولكنه تمدد نحو دول العالم في شهر أكتوبر مع انهيار سوق الأسهم تلك .
عملُ ” دوروثي لانج ” في إدارة الأمن الزراعي كان يفرض عليها التواجد في المزارع ، حيث بات المُنتَج الزراعي هو الحل الأمثل في مواجهة تلك الأزمة ، و التي على أثرها هجرت الناسُ المدنَ و توجهت الى المزارع لتوفير قوتها . لذلك نجد أن أعمال المصوّرة بعيدة نوعاً ما عن المدن ، إنما موضوع أعمالها التصويرية هو الهجرة الى الأرياف و المزارع ، و هذه الأعمال صورت البؤس الذي كانت عليه الناس في تلك الفترة ، و تأتي أهمية و تاريخية تلك الأعمال من كونها قد وثقت تلك المرحلة العصيبة ببُعدها الإنساني .. بغض النظر عن أهميتها الفنية .
ولدت ” دوروثي لاىج ” و شقيقها ” مارتن ” في نيوجرسي لعائلة آلمانية من جيل المهاجرين الثاني الى الولايات المتحدة ، و قد أصيبت بشلل الأطفال في سن السابعة ، فترك أثراً على حركة ساقها اليمنى أثناء المشي ، و عن تلك المشية تقول ” لانج ” : ( لقد شكلتني ، و وجهتني ، و ساعدتني ، و أهانتني ) . و إذ نشأت في مانهاتن فقد اكتسبت من تجوالها ــ في شوارع نيويورك ــ دقة الملاحظة و هي تراقب الأشخاص ، و قد وجدت في التصوير الفوتو گرافي حيزاً لترجمة مُراقباتها البصرية . و ربما تأثرت لاحقاً برؤية زوجها الرسام الأمريكي المعروف ” ماينارد ديكسون ” ( 1875 ــ 1946 ) الذي كان يرسم المناظر الطبيعية في جنوب غرب الولايات المتحدة ، و لعل ذلك تطابق مع تصويرها للأماكن في المزارع و الأرياف و فضاءاتها التي غلفها البؤس في فترة الكساد .
أول الأمر ــ بعد أن درست التصوير في جامعة كولومبيا ــ ركزت عملها على البورتريت ، قبل أن تغادر نيويورك عام 1918 و تتزوج من ” ماينارد ديكسون ” عام 1920 ، و الذي أنجبت منه طفلين ، هما : ” دانيال ” و ” جون ” ، و خلال فترة زواجهما التي دامت فترة 15 عاماً تغيرت نظرة ” لانج ” للتصوير مما انعكس على طبيعة عملها كمصورة في دائرة الأمن الزراعي خلال فترة الكساد ، فصورت البؤس الذي رافق حياة الناس تلك الفترة ، حيث افتقروا الى المأوى و الطعام .. رفقة الجفاف و العواصف الرملية و الأمراض و شحة الأدوية ، حيث ثمة 14 مليون عاطل عن العمل في ذروة الكساد ، و هجرة نحو 300 ألف شخص ــ من رجال و نساء و أطفال ــ نحو المزارع .. أملاً في العثور على العمل و الطعام ، الأمر الذي دفع ” دوروثي لانج ” الى ترك الأستوديو و التوجه الى الأماكن التي توزع فيها الباحثون عن المأوى و الطعام .. مستخدمةً كاميرتها المتواضعة و سيارة ( فورد ) .
على الرغم من بساطة أعمال ” دوروثي لانج ” ــ من حيث الجانب الفني لأعمالها الفوتوگرافية ــ إلا أنها تنطوي على قيمة تاريخية من حيث توثيقها لأدق مراحل الحياة الإجتماعية و الإقتصادية في تاريخ أمريكا الحديث .. خلال القرن العشرين .
مرتبط
إقرأ أيضاً
رسائل دوروثي أزبورن *فرجينيا وولف/ ترجمة: بثينة الإبراهيممما يصدم القارئ العادي للأدب الإنجليزي أن يعرف أنه مر بموسم…
-
-