قراءة في رواية سهر الورد للدكتور نضال الصالح.

(ثقافات)

قراءة في رواية سهر الورد للدكتور نضال الصالح

هدى أبوغنيمة

منذ مايقارب ثلاثة عقود من الزمن , قرأت كتاب الدكتور عبد الرحمن بدوي الموسوم بعنوان (( شخصيات قلقة في الإسلام)) ناقش فيه الكاتب آراء المستشرق ماسينيون عن الشيخ شهاب الدين السهروردي والحلاج , الذي ظهر توظيفه في الشعر العربي الحديث والرواية العربية .

لست في صدد ا لاستعراض لمعرفتي بالموروث الصوفي ,بل هو تداعيات آثارتها في ذهني رواية سهر الورد للدكتور نضال الصالح وقد وظف فيها شخصية الشيخ شهاب الدين السهر وردي وإشراقاته توظيفا يرمز إلى مايجري  في عصرنا من حروب أهلية وطائفية وعرقية مما يذكرنا بوضع الغرب في أوروبا في العصور الوسطى.لعل عصر السيولة المعرفية والثقافية والعرقية التي نعيشها في زمن التقنية الحديثة وتحكم المركزية الغربية بالأطراف يجعل الأسئلة مشروعة حول كثافة بروز الرموز الصوفية في الرواية العربية .أتراها تأكيدا للهوية في عصر ((الهويات القاتلة ))1؟  لعلها   احتجاج فني ,ونأي بالذات الإنسانية عن التطرف والطغيان والاستبداد وأجواء الكراهية السائدة في العالم الصاخب المثقل بالصراعات المادية والطائفية والعرقية ودعوة إلى التحررمن انغلاق الأصوليات الدينية والسياسية والفكرية ,في عصر سريع التحولات في كل حقول المعرفة والفكر. وضع الدكتور نضال في الصفحة الأولى ثلاث إشارات هي :1مجمل النصوص الشعرية مما ينطوي تحت علامة إشراق هو للشيخ شهاب الدين السهروردي. 2المعلومات الواردة حول الأماكن التاريخية في حلب والسيرة الشخصية للسهروردي هي من مؤلفات تزيد على ستين مؤلفا تمت الإشارة إليها في سياق السرد .3أي  تشابه بين بعض الشخصيات والواقع هوأحد أمرين: محض مصادفة أحيانا ,وعن سابق إرادة  وتصور أحيانا أخرى.

ملخص مركز الحكاية :يروي يحي قصته مع الحياة تحت عنوان على قلق كأن الريح تحتي مستدعيا المتنبي صوت الوجدان الجمعي العربي في زمن يشبه زمننا قائلا: لم تكن تحتي فحسب ,بل من جهاتي جميعا ,ولم أكن مثل المتنبي أحركها يمينا أو شمالا ,بل كانت تعبث بي مثلما تعبث بقشة ناحلة  في أرض مزدحمة  بحصى حادة الحواف ,ما إن كانت تنجو من نصل حصاة

حتى كانت ترتطم بنصل أخرى ,وهي تحشرج بما كان المتنبي قال قبل مايزيد على ألف سنة : على قلق كأن الريح تحتي…. تلك هي حكايتي مع الحياة ,بل مايكثف حكايتي معها منذ غادرت رحم امي قبل أربعين سنة إلى هذه الساعة , التي أكتب فيها على ضوء شمعة طاعنة في الذبول,في ممرضيق أحتمي به من الموت الذي لم يعرف إغفاءة قصيرة له منذ أول رصاصة في لظى هذا الجحيم    الذي        تعرفين ويعرف أهل حلب جميعا.وتروي سهر الورد وهي التي تشارك في تقديم الرواية قائلة: هذه الرواية كتبها نصفها أو يزيد يحي بنفسه ,بذوب روحه ومشاعره وصدقه مع نفسه  ومع الحقيقة كما قال لي قبل أن أسافر .كنت ,كلما قرأت جديدا مما اختارعلامة له بنفسه كأن الريح , ازددت يقينا بأن ثمة روائيا هاجعا فيه,وشاعرا أحيانا,وبانه لو شاء أن يكتب رواية ,فإن ذلك لن يعجزه مهما كان من أمر الاختلاطات الكثيرة التي تنهش الحياة الثقافية في البلد شأن كثير مما ينهش البلد نفسه.تحيلنا     هذه المقتبسات من الرواية  إلى المورث التاريخي والمعرفي الذي تزخر به حلب  وإطار الكاتب الأكاديمي           المعرفي الثقافي وقدرته على استدعاء أر قي مافي ذلك الموروث من بعد إنساني ومعرفي    إلى ذاكرة             القارئ ويحيله إلى البحث في التاريخ والرموز التاريخية والصوفية .وأحداث الزمان لنتمثل صوت المتني  وهو ينشد لسيف الدولة الحمداني وسوى الروم خلف ظهرك روم فعلى أي جانبيك تميل؟ ولنتمثل على مستوى المكان ما مرعلى حلب من أحداث ورموز تاريخية ثقافية

امثال عبد الرحمن الكواكبي والمتنبي  والسهروردي وإبراهيم هنانو والني يحي عليه السلام والمعروف بيوحنا المعمدان  وسعد الله الجابري وقامات أخرى في الأدب والفن والعلم.والنضال الوطني. واالرموز الصوفية ومقاماتها وأبرزها السهروردي رمزا لروح المحبة  والتسامح              الديني الذي كان مقربا من الملك الظاهر ابن صلاح الدين الأيوبي في زمن حروب الفرنجة وقتله الملك الظاهر بعد ان ثارعليه مشايخ حلب واتهموه بالزيغ وانحلال العقيدة , مصحوبين بكثير من الدهماء ومضو ا إلى الملك الظاهر,ورجوه بأن يهدر دمه ,فردهم بخفي خيبة وخذلان يقينا بتميزه في العلم ,فكتبوا إلى صلاح الدين ليدرك ولده قبل أن تفسد عقيدته بسبب تقريبه إليه فما كان من صلاح الدين إلا أن كتب بخط القاضي الفاضل إلى الملك الظاهر قائلا له((إن هذا الشاب  لابد              من  قتله ولاسبيل إلى إبقائه حيا …..)) فحبسه الملك الظاهر اتقاءلثورة الناقمبن عليه ومات السهروردي مخنوقا في سجنه.

قد يتساءل القارئ هل أراد الكاتب إضفاء قيمة معرفية لقصة حب قامت عليها الرواية ؟بين ة والدراسات مع زميل مغضوب عليه وهما الدكتور يحي  والدكتورة  ورد الصقال         الباحثة ا لأنثربولجية التي أوفدتها الدولة إلى فرنسة لتنال درجة الشرف في تخصصها ورفضت كل العروض المغرية لتنال امتبازات في الجامعة التي درست فيها وآثرت العودة إلى وطنها لتجد نفسها بسبب فكرها المتجدد وإدانتها للفساد والمصالح واسترضاء ذوي الشان لاشأن لها.بل تلعن الساعة التي اتخذت فيها قرارا بالعودة إلى بلدها.ورغم اختلاف الدين يجمع بينها الحب والفكر والانتما ء الى الهوية الواحدة ومبادئها  ليبارك زواجهما الشيخ السهروردي. رمزا للمحبة والتسامح اللذين عصفت بهما الريح الصرصر والفتن الطائفية والمطامع السياسية لغايات لا علا قة لها  بجوهر تعاليم الأديان          سوى غواية السلطة ومكاسبها.

لم تكن التداعيات التاريخية والتركيزعلى قصة الحب التي اشترك في روايتها يحي وسهر الورد

سوى تقنية فنية ترتبط ارتباطا وثيقا بالبعد الإنساني للحكاية الأصلية وإضفاء لمسة من الفانتازيا على الرواية الواقعية ,بل تدعونا إلى القول أن التاريخ لايعيد نفسه بل التجربةالجمعية      الإنسانية بكل مافيها من خير وشر وصراع هي التي تعيد التاريخ . تدعو هذه الرواية القارئ إلى البحث الشاق بين الأنقاض والخرائب التي تراكمت عبر العصور على البعد الإنساني والحضاري للذ ات الجمعية العربية بكل مكوناتها الحضارية.

شاهد أيضاً

عبد الصّمد بن شريف يُحاضر بفاس حول تحوُّلات الإعلام بالمغرب

(ثقافات) عبد الصّمد بن شريف يُحاضر بفاس حول تحوُّلات الإعلام بالمغرب متابعة: إدريس الواغيش احتضنت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *