(ثقافات)
الحياة الاجتماعية في الأردن قبل قرنين (1)
رحلات السويسري بيركهارت في الأردن عام 1812
يحيى القيسي
“جون لويس بيركهارت” الرحالة السويسري الشهير مرّ في ديارنا سنة 1812 م وسجّل ملاحظات في غاية الأهمية, وقد أصدرت وزارة الثقافة الجزء الأول من كتابه “رحلات في الديار المقدسة والنوبة والحجاز” – ترجمة الباحث الأردني فيصل أديب أبو غوش. وقد جاء الكتاب المجلد في 550 صفحة, وضم مقدمة للمترجم وتعريفاً بالرحالة بيركهارت إضافة إلى المذكرات التي كتبت عن الفترة (1809- 1814) وتضم تفاصيل رحلته من لندن إلى مالطا ثم إلى حلب ورحلاته بعدها إلى دمشق وحوران ووادي نهر العاصي وحماة ولبنان وطرابلس ونابلس والناصرة وطبريا ووادي النيل وأسوان وبلاد النوبة.
مرّ بيركهارت في مناطق غور الأردن وسهل حوران, وعجلون, والبلقاء, وزار الكرك والطفيلة, ووصل إلى وادي موسى ومعان ودخل البتراء كأوّل أوروبي معيداً اكتشافها من جديد, والكتاب الذي يتميز بالسلاسة في النص وترجمته, والتشويق في عناصر حكايته, يشكّل مرجعاً نادراً لدراسة تلك القرى والقبائل التي كانت تسكنها, وعادات أهلها, وتساهم في فهم تاريخها, وما آل إليه أمرها اليوم, على أنّه من الضروري قراءة الكتاب مجدداً, وعرض ملامح أخرى توثيقية فيه ذات فائدة للباحثين والمهتمين.
من هو بيركهارت
ولد بيركهارت في لوزان بسويسرا, والتحق في السادسة عشرة من عمره بجامعة ليبزج ثم بعد أربع سنوات انتقل إلى جامعة جوتنجن, وكان تقديره مشرّفاً في الجامعتين. وقد رحل إلى لندن عام 1806 م, والتحق بالجمعية الأفريقية التي كانت تُرسل المكتشفين إلى إفريقيا, إذ رغبت أن ترسل يركهارت إلى اختراق هذه القارة عن طريق واحة فزان.
كانت الخطة أن يتم ارسال بيركهارت أولاً إلى حلب لمدّة عامين حتى يتقن العربية الدارجة, ثم يختلط بالبدو لسنة أخرى, وبعدها يصل إلى تمبكتو مع قوافل الحج العائدة من مكة عن طريق فزان. وقد ساعده ذلك على دراسة العربية أولاً في جامعة كيمبرج, وكذلك الدين الإسلامي.
كما تقمص بيركهارت شخصية العربي في لباسه, وعاداته, حتى لا يشكك بمقاصده أحد أو يعتبر “افرنجيا كافرا” في تلك الفترة الخاصة, وكان أحيانا في بعض رحلاته يكشف عن هويته الحقيقية لا سيما أمام القناصل الأوروبيين أو الباشوات الأتراك أو الرهبان والقساوسة, وأحياناً يدّعي أنه من مسلمي الهند, وأحيانا بأنّه تاجر, بل إنّه سمّى نفسه (إبراهيم الشامي) في مواضع أخرى, وظل في أغلب سفراته متنكرا في مهمته البحثية, ولا يطلع أحد على ما يدونه من كتابات أو رسوم أو نقوش حتى لا يتهم بالجنون كما يقول أو إنه من الباحثين عن الكنوز.
كان بيركهارت في الخامسة والعشرين من عمره حين وصل حلب, وقد ذاق الأمرين في رحلاته البرية والبحرية من بعد, فما الذي يمكن أن يضمن سلامة أوروبي شاب يتنقل في الصحراء بين قبائل متحاربة, وجيش انكشاري تركي, وقطاع طرق, ومتمردين على السلطة, وحرب ضروس في نجد والحجاز بين ابن سعود ومن يناصره من الوهابيين وخصومه؟
لذا كان على بيركهات أو إبراهيم أن يكون حذراً من الآخرين, وودوداً معهم في الآن نفسه, وأن يعرف كيف يتعامل مع كلّ من يقابله, فهو أمام الأتراك غيره أمام العرب, وعلى كل حال فهو يعتني بالتفاصيل عناية فائقة, ولا ينسى أن يمرّ على الطعام والشراب, واللباس, والعادات بعض ما يورده أحيانا يخضع لشيء من السخرية, ولكنه في النهاية يورد صورة مشرقة عن المسلمين وعلاقتهم مع المسيحيين مبطلا بذلك ما ورد من إساءات من مستشرقين آخرين.
صناعة ملح البارود في سوف
في الأول من أيار 1812م وصل بيركهارت إلى الطُرّة فالرمثا قادماً من تل شهاب السورية, ثم توجه مع دليل استأجره إلى سوف عن طريق قمة قفقفا, وقد روى أنّ الكتّة كانت حينها مهجورة من أهلها. “وقد جرت العادة أن يقوم كل بيت بصناعة ملح البارود ويبيع الزائد للأعراب المتجولين في المنطقة, وقد شاهدتُ في كل بيت هاوناً كبيراً لا يتوقف عن الدّقّ أبداً”، وهذا الوصف ينطبق على قرى بُرما, وجزازة ودبين أيضا.
وفي اليوم التالي زار خرائب جرش ووصف آثارها بدقة, وبعدها بحث عن دليل يقوده إلى السلط ” لم يتقدم أحد ليدلني على السلط, وذلك خوفا من بني صخر الذين هم في حالة حرب مع أهالي البلقّاء وحكومة دمشق حيث لا ينقطعون عن الإغارة عليهم..” أما عمان فقد وصفها بالخربة التي تسيطر عليها حامية من بني صخر.
ورغم أن بيركهارت كان يحمل عدة رسائل توصية لجميع شيوخ البلقاء وقائد الحامية التركية من باشا دمشق إلا أنّه كان يخشى على نفسه من بعض من لا يدين للدولة بالولاء, ولهذا وجدها فرصة ليزور قلعة عجلون وعين جنة وينحدر إلى الشمال باتجاه الحصن, وكان حال هذه القرية بائساً بسبب كثرة الضرائب المفروضة على أهلها, وتعسّف فرسان آغا طبريا, وبعدها واصل مسيرته شمالا باتجاه إربد أو البطين نسبة إلى عائلة البطاينة التي تسكنها – كما يقول- ثم واصل مسيره نحو مرو فبيت راس وحبراص (وهي القرية الرئيسية في منطقة الكفارات) والطريف في الأمر أنّ هذه القرية اليوم ليست كذلك في ظل وجود قرى رئيسية مجاورة لها مثل كفرسوم وحرثا وسحم.
زار بيركهارت آثار قويلبة القريبة أو أبيلا وهي من مدن الديكابوليس العشرة وتقع اليوم شرقي بلدة حرثا, ثم سار باتجاه صمّا وابدر وأم قيس, ووصف المنطقة ” معظم سكان أم قيس الحاليون يعيشون في الكهوف الأثرية ويشربون من آبار جمع, وبما أنّ هذه الآثار قد جفت قبل وصولنا فقد هجر الأهالي قريتهم ووجدناها خالية تماما من السكان“.
انحدر بعدها إلى الشريعة وحولها عرب المناضرة ويزرعون جانبي النهر بالحبوب والفواكه, وبدت له خصوصية تلك المنطقة الغورية, وقد عبر نهر الأردن باتجاه سمخ التي أمضى بها ليلة عصيبة كما يقول بسبب البعوض والقمل, وغادر في الصباح إلى الحمّة وينابيعها المعدنية الكثيرة, وبعضها ما يزال قائما إلى اليوم. “أعتقد أنه إذا قام أحد المتخصصين في علوم المعادن بفحص هذه المياه والتربة المحيطة فإني أجزم أن تعبه لن يضيع سدى, وفي شهر نيسان من كل سنة تزدحم هذه الينابيع بالقادمين من نابلس والناصرة للاستشفاء بمائها”. ثم زار قرية فيق في منطقة الجولان وقرى سورية أخرى حتى وصل إلى نوى فالكسوة ودمشق أخيرا.
المهم أن بيركهارت بعد سرده لهذا الجزء من كتابه خصص صفحات للتقسيمات السياسية الواقعة حنوبي دمشق وحتى نهر الزرقاء, حيث سمّى القرى والحدود التابعة لمناطق الغوطة, وبلاد حوران, وجيدور, والجولان، والقنيطرة, والكفارات, والسرو, وبلاد بني عبيد, والكورة, والوسطية، وجبل عجلون, ومعراض, والزويت, وذكر أن جميع المنطقة الواقعة من القنيطرة وحتى الزرقاء واقعة في حكومة آغا طبريا, كما قدم ملاحظات مهمة جدا على السكان في حوران ونمط حياتهم.
- تم نشر هذا المقال في صحيفة الغد الأردنية يوم 13-11-2005 ونعيد نشره في ثقافات تعميما للفائدة
يبدو أن كاتب المقال او المترجم الفاضل قد أخذته الحماسة واخذ يضيف اشياء لم ترد في كتاب او كتب بوركهارت. صحيح ان المؤلف ذكر ان عمان هي عبارة عن خربة ولكنه لم يتطرق إلى ذكر العشيرة التي تسيطر على هذه الخربة، وإنما ذلك إضافة من المترجم او كاتب المقال. كذلك في موضوع رغبته في الذهاب إلى السلط، او خوفه من بني صخر، لا وجود لهذا الكلام في كتب بوركهارت فهو لم يورد اسم مدينة السلط ولا اسم القبيلة، بل كان يرغب في الذهاب اى آثار البتراء التي سمع بها وكذلك لزيارة قبر هارون اخي النبي موسى.
وهناك مسألة مهمة يقول كاتب المقال ان عنوان الكتاب هو رحلات في البلاد المقدسة والنوبة والحجاز وقد جاءت الترجمة في 550 صفحة. الحقيقة ان ما ذكره كاتب المقال هو عبارة عن ثلاثة كتب: رحلة في البلاد المقدسة، رحلة في بلاد النوبة، ورحلة في الحجاز، وكل واحد من هذه الكتب الثلاثة يبلغ عدد صفحاته اكثر من 700 صفحة، فكيف تم جمعها وترجمتها في كتاب واحد بمجموع 550 صفحة. وهناك نقاط أخرى لا مجال لذكرها.
أرجو توخي الدقة في الكلام وخاصة عندما ينسب إلى شخص آخر.
وإنني مستعد لإثبات كلامي بالأدلة المادية لمن يرغب في ذلك.
الأخ د. هادي الطائي المحترم، شكرا على الملاحظة أما ما يبدو لك من إضافات فلا علاقة لكاتب المقال به، لأنني شخصيا صاحب المقال ورئيس تحرير موقع ثقافات، ولا يمكن أن اضيف من عندي أو اتدخل في الترجمة، أنصحك بقراءة الكتاب المترجم كاملا، وبالتالي يمكنك وضع ملاحظاتك وكتابة رد حول الموضوع ومستعد لنشره لك، شرط أن يستند إلى الترجمة مدار البحث وإلى كتاب بيركهارت الأصلي، مع الشكر- يحيى القيسي