فراس حج محمد : لكل زمن شعراؤه… والنقد يدور حول القدامى
أجرى الحوار: محمد الصادق
أصدر الشاعر الفلسطيني فراس حج محمد أخيراً، كتابه «الإصحاح الأول لحرف الفاء… أسعدت صباحا يا سيدتي»، وهو الكتاب التاسع عشر في سلسلة إصداراته الشعرية، والتي بدأها بأميرة الوجد، ومزاج غزة العاصف، منذ أكثر من 20 عاما. ومن عواصف السياسة إلى كتابة الغزليات، تنوعت مسيرة فراس الأدبية بين الشعر والسرد والدراسات النقدية، عبّر خلالها عن هموم وطنه، ومعاناة الشعب الفلسطيني. ومن القاهرة، تحدث فراس، في حوار مع «الجريدة»، عن مشروعه الثقافي المتكامل، ورؤيته للواقع الفلسطيني، وتشجيعه للأصوات الجديدة، مطالبا النقاد بأن ينتبهوا للجيل الجديد وما يقدمه من إبداع… وإلى التفاصيل:
-
أنت شاعر وقاص وناقد… ما الذي شكل تجربتك منذ البداية؟
– ربما أصعب ما يتحدث عنه كاتب أو شاعر هو البدايات، وسؤال التشكل المعرفي والكتابي غائم الإجابة، لأن الملامح لتلك الفترة لا تكون واضحة، وعندما يبدأ الكاتب في الانتباه إلى ذاته ووعيه بأنه ربما أصبح كاتبا أو أوشك أن يصبح كاتبا، يكون قد انشغل بتأثيث مرحلته الواقعية الحاضرة، والعمل عليها دون الرجوع إلى الخلف أو التفكير في البدايات. لكن في المجمل لا شك أن كل ما مر به الكاتب من ظروف اجتماعية وسياسية وثقافية منذ الطفولة حتى لحظة انبلاج الموهبة هي المسؤولة عن كل ذلك، فأنا في من كل شيء شيء، من كتب المدرسة إلى كتب المطالعة الخارجية وحكايات الجدة ومسامرة الوالد وأغاني الأعراس، كلها لها الأثر الذي لا يمحى، وتساهم في رفد الشخصية بعناصرها التي تشكلها.
-
هل تحدثنا عن إبداعكم الجديد “الإصحاح الأول لحرف الفاء- أسعدت صباحا يا سيدتي” و”وجدانيات” الذي صدر أخيرا؟
– هو الكتاب التاسع عشر من سلسلة إصداراتي الشعرية والنثرية والقراءات النقدية، كتاب “وجدانيات”، ضمنته رسائل الصباح شعرية ونثرية، يتحدث عن تجليات العاطفة الإنسانية بين الرجل والمرأة، وبين الكاتب وقرائه، ففكرته تتمحور حول كيف تكتب غزلا في امرأة ما، على امتداد فترة طويلة، وكيف يتلقى القراء ذلك وهواجسهم وتدخلاتهم، ما يعني أحيانا نوعا من الفضولية التي قد تصل إلى الإزعاج أحيانا، وإن أمدت الكاتب أحيانا أخرى بالسعادة والفرح بما تعنيه من مشاركة وجدانية متسعة الحضور.
-
في كتابك “نسوة في المدينة” قدمت تجاربك الواقعية وعلاقتك بعالمي “النساء”، و”فيسبوك “، ما أهم الرسائل التي أردت توصيلها للقارئ؟
– يندرج الكتاب حول ما عرف بالأدب الشخصي، القائم على الاعتراف والحديث عن الذات بكل ما تحمل من سيئات ومواجهتها بحقيقتها بعد انقضاء تجربة ما، وهنا تكمن رسالته، وهي هل لنا القدرة على مواجهة الذات والاعتراف بأخطائها الكبرى والصغرى، قبل مواجهة الآخرين واتهامنا بشتى أنواع التهم، إضافة إلى أنني في الكتاب أردت التنفير من تلك العلاقات الشاذة التي يغوص فيها أكثرنا، وأخيرا هي رسالة تتعلق بحرية الكتابة، والذهاب في هذه الحرية إلى أقصى مدى ممكن، مواجهة للمجتمع أفرادا ومؤسسات.
-
أكثر من تسعة عشر عملا ابتداء من “مزاج غزة العاصف”، الى “وجدانيات”.. أيهما أقرب لرؤاك: الكلمة أم الشعر؟ وهل استطعت تحقيق حلمك؟
– أتصور أن كل ما يكتبه الكاتب في مجموعه، شعرا ونثرا وحتى نقدا ومقالات اجتماعية وسياسية، يشكل مشروعه الثقافي الذي يعبر عن رؤاه وفلسفته، فالمسألة ليست شعرية أو نثرية. وإنما كل كتابة تحمل جزءا من هذا المشروع المتكامل الذي يعطي شخصية الكاتب المميزة في مسيرة الأدب المحلي أولا، وموضعه في الأدب القومي- العربي، ومن ثم العالمي ثانيا، وهذا مطمح كل كاتب، ومن هذا المبدأ لا يوجد كتاب أقرب للكاتب من كتاب آخر، وإنما كل كتابة مهما كانت، وكل كتاب مهما كان يجسد فكرة ما لا تكتب إلا بهذه الطريقة، أو هكذا ارتأى الكاتب أن يفعل.
-
هناك حضور قوي للحزن في إبداعاتك، هل يعود ذلك إلى تجليات الواقع الفلسطيني أم يتجاوزه إلى صورة أوسع وأعمق للحياة؟
– الحياة بحد ذاتها محزنة جدا، وهذا ما حاولت التعبير عنه في ديوان “ما يشبه الرثاء”، تبدأ بالبكاء وتنتهي بالبكاء، وما بين البكاءين سلسلة من المتاعب والمشاق، فلا يوجد في الحياة لذة إلا وفيها ألم وفيها نقص، ولا تدوم أي لحظة فرح فيها إلا قليلا. هذا بشكل عام للبشرية التي تعيش مصيرا أسود من الشقاء القدري الذي لا فكاك عنه إلا بالموت، ولذلك فإن أبجديات الواقع الفلسطيني ومصائبه تأخذ محلها ضمن هذا السياق من الوجع الإنساني العام وتذوب فيه.
-
كناقد، كيف ترى النصوص الأدبية المعاصرة، خصوصا في الشعر والقصة القصيرة؟
– لا أحب عادة الأحكام العجلى التأثرية، وعندي قناعة أن لكل زمان دولة ورجالا، ومفكرين وشعراء وأدباء يعبرون عن مزاج المجتمع وقضاياه، ولكن كما يقال “المعاصرة حجاب”، فكثير من الأدباء والمفكرين وصناع الثقافة لا يعرف مدى أثرهم وحقيقة ما أنتجوا إلا بعد رحيلهم، فكأنه لا بد من وجود مسافة فاصلة بيننا وبين الآخرين لنرى جيدا. أقرأ كثيرا من النصوص وخاصة من الجيل الجديد، وهناك إبداعات في الشعر والقصة والرواية والنقد بالفعل تستحق النشر والقراءة والتعريف بها، ويكفي النقد دورانا حول الأدباء السابقين، فقد استنفد أدبهم بدراسات كثيرة، على الناقد، وخاصة الناقد الأكاديمي عليه أن ينتبه للجيل الجديد وما يقدمه من إبداع.
-
قصائدك في معظم الأحيان تريد كسر التابوهات… إلى أي مدى نجحت من وجهة نظرك؟
– لا أتقصد كسر التابوهات، وإنما هو التعبير عن حاجة في الذات، وأعتقد أنني نجحت إلى درجة أن القارئ أصبح أقل نقمة شخصية عليّ وعلى ما أكتب، بل ربما أكثر اطمئنانا، وتجاوز الصدمة الأولى، واعتاد القارئ على مثل هذه النصوص الشعرية والنثرية، فأخذ يقرأ ويفكر، وأحيانا يتجاوز الظاهر والسطحي إلى ما هو أعمق.
-
في ظل الانحياز الكبير للمرأة في كتاباتك… هل حصلت المرأة العربية المبدعة على مكانتها المستحقة؟
– لا أعتقد أن المجتمعات العربية كلها سواء في النظر إلى المرأة المبدعة، لكن بالمجمل هناك تقدم كبير في هذا الشأن، وكنت قد ناقشت هذه المسألة باستفاضة في فصل خصصته للحديث عن شعر النساء بعنوان “وهج المرأة الشاعرة” في كتاب “بلاغة الصنعة الشعرية”، وناقشت كثيرا من الأسئلة المتعلقة بحضور المرأة المبدعة في المجاميع الشعرية قديما وحديثا وفي الدراسات النقدية، فوجدت أن الفارق كبير بينها وبين الرجل المبدع، وحاولت تفسير ذلك وإرجاعه لعقلية الرجل الذي يميل إلى أدب الرجال أكثر، ما خلا حالات قليلة، وكذلك هناك أسباب تتعلق بالمرأة المبدعة ذاتها التي تحاول أحيانا أن تسعى إلى اعتراف الأدباء والنقاد الرجال، ولم تأخذ زمام المبادرة لتكون هي نقطة ارتكاز في كثير من الحالات.
-
في كتابك: “بلاغة الصنعة الشعرية” كيف يحدث الشعر؟ أين موقع الموهبة في الصيرورة الشعرية؟
– الشعر بحاجة، ككل فن، إلى الموهبة، لكن الموهبة وحدها لا تصنع شاعرا عظيما، لا بد للشاعر من الاجتهاد والتجريب وارتياد مناطق بكر ليكون مبدعا ذا بصمة خاصة وصوت مميز، يخصه وحده.
-
ما هي مشاريعك المستقبلية؟