محمد أركون حول الفرد والمجتمع


*أزراج عمر

في أغلب مؤلفاته المكرسة لتحليل بنيات العقل العربي– الإسلامي ونقده نجد المفكر الراحل الباحث محمد أركون يولي أهمية استثنائية لمفهوم “الشخص”، ويبحث فيها عن الأسباب التي حالت ولا تزال تحول دون التأسيس النظري لهذا المفهوم في الثقافة العربية وإنجازه عمليا في المجتمعات العربية والإسلامية.

في كتابه “الفكر الأصولي واستحالة التـأصيل: نحو تاريخ آخر للفكر الإسلامي” خصص محمد أركون فصلا كاملا لمناقشة هذه المسألة المركزية والخطيرة وكشف عن العوامل الثقافية والتاريخية والدينية والاقتصادية التي لعبت ولا تزال تلعب دورا أساسيا في إهمال بناء الشخص المستقل والحر في بلداننا وفي مقدمتها “التصرفات والإكراهات”، و”أشكال السلطات والتقاليد والأعراف” الزجرية والتسلطية ذات المرجعية الدينية المتخلفة أو ذات مرجعية نجدها في ثقافة الشعوذة الشعبية الخرافية وما يشتق عن الإثنين معا من سلوك وعلاقات اجتماعية أو ممارسات سياسية تعوق الحريات ومبدأ الشخصية القاعدية المستقلة.
وهنا نجده يقترح علينا مجموعة من الطرق والمنهجيات والأساليب والاستراتيجيات التي بموجبها يتحقق هدف تأسيس مفهوم الشخص في الثقافة العربية أولا وتحويل هذا المفهوم إلى ممارسة في مجتمعاتنا ثانيا.
يقترح المفكر محمد أركون الإمعان في إعمال التفكير في الكيفية التي تؤدي بنا إلى بناء المؤسسات العادلة والمشروطة باكتساب الثقافة الديمقراطية ببلداننا وجعل هذا أساسا مبدئيا لأنه: لا يمكن ضمان الحقوق الروحية والأخلاقية والثقافية للشخص البشري إلاَ بواسطة النظام الديمقراطي ودولة القانون..”.
وهنا يشترط توفر عدة عناصر وعوامل ضرورية منها “الازدهار الاقتصادي الذي يبقى ورقة مهمة عندما يُسيَّر مع المشاركة الديمقراطية” لكل المواطنين، وعلى نحو متزامن يدعو محمد أركون إلى التصدي الناعم “للموقف الدغمائي” الذي “يحذف كل تساؤل فلسفي” من خلال إدراك “حجم المهام الملقاة على عاتق نظام التعليم الجديد الذي ينبغي تأسيسه بأقصى سرعة ممكنة في البلدان العربية والإسلامية”.
لاشك أن مقترحات المفكر أركون المادية والثقافية والسلوكية مهمة ولكن عملية بناء الشخص المستقل في الثقافة العربية مرهونة بإعادة تشكيل خلية العائلة حيث تبدأ الصياغة الأولى للفرد قبل أن يصبح جزءا من المحيط الاجتماعي. في هذا السياق نرى أن فرانز فانون شديد الحصافة ومحق في دعوته إلى التوزيع العادل للسلطة داخل العائلة أولا وجعل هذا التوزيع توزيعا ديمقراطيا، وهنا ينهض أمامنا هذا السؤال:
هل تقبل الثقافة السائدة والمهيمنة، عن وعي أو دون وعي، في داخل عائلاتنا، التوزيع العادل للسلطة بين أفراد الأسرة ذكورا وإناثا؟
أليس المطلوب منا هو الانخراط المباشر في عمليات إعادة بناء الرأسمال الثقافي وشبكة العلاقات الاجتماعية وبنية السلطة بما في ذلك واقع التراتبية المستبدة في صلب مؤسسة العائلة عندنا، وكذلك إعادة تشكيل بنية اللغة نفسها بداخل النسيج العائلي وامتداداتها في المجتمع ككل، ووقف ظاهـــرة توارث القيم السلبيـــة من جيل إلى جيل فيه.
أرى أنه ينبغي علينا أن نحل هذه المشكلة التي يطرحها الباحث مصطفى صفوان، والتي يحصرها في هذه العبارة المسجلة أدناه، ودون ذلك فإن طموحنا في بناء مفهوم “الشخص” المستقل والحر، والذي هو بالضرورة نتاج للثقافة الحرة والمستقلة أولا، كما أن تفعيل هذا المفهوم وتحويله إلى علاقات وإلى ممارسة سلوكية ثقافية واجتماعية وأخلاقية وسياسية ثانيا، سيبقى مجرد أمنية معلقة في الفراغ.
تقول عبارة الباحث مصطفى صفوان التي ينبغي أن نفكر فيها بقوة ما يلي:
“وفيما يتأكد أن الفردية غير موجودة في الثقافة العربية أو تتهمَّش أمام الجماعة، أضف إلى ذلك أن البنية الاجتماعية العربية لا تزال في أكثر المناطق الريفية قبلية، أي أن الأوديبي لا يزال موزَّعا ولا يحصر في البنية الثلاثية. فالانتقال من التوزيع القبلي إلى الثلاثي الأوديبي يتطلب أجيالا، وإذا ما حصل بسرعة من دون تمهيد يؤكد مما لاشك فيه العنف”.
_______
*(العرب)

شاهد أيضاً

فصل من سيرة عبد الجبار الرفاعي

(ثقافات)                       الكاتب إنسان مُتبرع للبشرية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *