اعتماد الرميكية: بين ملوك الطوائف والمعتمد بن عباد

(ثقافات)

اعتماد الرميكية: بين ملوك الطوائف والمعتمد بن عباد

ثائر أحمد سلامة: كندا

رأينا (اعتماد الرميكية) في مسلسلين من كتابة الدكتور المبدع “وليد سيف”، كان الأول مسلسل “المعتمد بن عباد “الذي تم بثه عام 1982 وهو من إخراج الأستاذ “عبد الوهاب الهندي” وبطولة الفنان الراحل “أسامة المشيني” والمبدعة “نضال الأشقر” التي لعبت دور “اعتماد الرميكية”.

 وكان المسلسل الثاني هو مسلسل “ملوك الطوائف” الذي تم بثه عام 2005 وهو من إخراج الراحل “حاتم علي” ولعب الفنان “تيم حسن دور المعتمد بن عباد” في حين لعبت “سلاف فواخرجي” دور “الرميكية”.

  حاولنا في هذه العجالة المقارنة بين تقديم العملين والممثلتين للدور نفسه، وأين نقاط الالتقاء والاختلاف بينهما؟

لا ينفك العقل البشري عن عقد المقارنات بين الأعمال المتشابهة، إما بغية أن يتصيد معلومات تجلي له الصورة بشكل أدق، أو لتوثق له الموقف الذي يمتزج مع كينونته الإنسانية، حين يبحث عن تجسيد (ما) لقطعة (ما) من نفسه “عاشت” في ذلك الموقف، كيف جسدها وجلاها الكاتب والممثل، فيبحث -بين العملين الفنيين- في مثال يرتقي بذلك الحدث بما يوافق صورته في نفسه، فيقارن: في أيهما كان الاقتراب أكبر؟ أو ليقارن بين قيمة فنية وأخرى، وقدرات ممثل مع آخر!

ولقد علمتني الحياة أن أنظر لكل عمل في ضمن ظروفه التاريخية، والإمكانيات التي أتيحت له حتى لا ينصرف الذهن عن الاستفادة بعمل قديم صُوّر بميزانية محدودة، وإمكانيات -كانت وقتها- متاحة، إلى عمل آخر استفاد كاتبه من ترك المجال له مفتوحا ليضخم إبداعه ويجليه بأدق صورة.

لذلك، فإن لمسلسل المعتمد بن عباد (القديم) الذي كتبه أسطورة العصر الدكتور وليد سيف في سنة 1982 من القيمة الأدبية والتاريخية والفنية العالية، ما يدفع المرء لدراسته، والوقوف على الرسالة التي حملها، مثلما لمسلسل “ملوك الطوائف” من القيمة الفنية والأدبية والتاريخية العالية، مع فارق الإمكانات والزمان والخبرة، ودور المخرج في نقل العمل للجمهور -والذي قد لا يوافق الرسالة التي أرادها كاتب النَّص في بعض الأحيان- وثقافة الجمهور المخاطَب بالعملين.

لكنني لا أنوي المقارنة بين العملين، إلا أنني أردت الوقوف على تشخيص الفنانة القديرة السيدة “نضال الأشقر” لشخصية اعتماد الرميكية، مقارنة بتجسيد السيدة “سلاف فواخرجي” للشخصية نفسها، والذي أظهر لي بوضوح أثر التقلبات الفكرية التي راجت في المجتمع اليوم، وفي فهم الفنانات المُحْدَث لشخصية “المرأة”، مَن هي المرأة؟ وكيف تجسد شخصيتها لتنقل لنا الصورة اللائقة بتلك المرأة.

فأن يُتاح لفنانة ما أن تجسد شخصية أسطورية لامرأة غانية، بالغة الثقافة، حاضرة الذهن، شديدة الذكاء، تمثل امرأة انتقلت من عالم الجواري إلى سدة الحكم، واستطاعت بذكائها الفائق أن تدير دفة الأحداث مع زوج محب لها، وأن تستدرك -بذكائها- ما لم يلتفت إليه زوجها من أنواع الرجال حوله، وتفهمهم وتفهم غاياتهم، وتدبر عليهم، وأن تحد من غلواء المعتضد (والد المعتمد بن عباد) المندفع الحدِّي، حين كان ينوي إقصاء ملاهي ولده المعتمد عنه ليفرغه للحكم، فإن هذا كله يمثل اختبارا حقيقيا لتلك الفنانة التي ستجسد هذا الدور الاستثنائي، وستنعكس ثقافتها حول المرأة وقوة حضورها ومعالم شخصيتها، على ما ستنقله بتجسيدها لذلك الدور!

وأخطر ما نلحظه من فارق بين أداء السيدة الأشقر والسيدة فواخرجي هو أن الأخيرة أظهرت المرأة المتجسدة في ذلك الدور، وفي مواقف أكثر من أن تعد بمظهر “الشيء” الناتج عن غلبة ثقافة “تشييء الأنثى” أو تسليعها، [أي تحويلها إلى مجرد شيء] فحرصت على ما يرافق تجسيد ثقافة التشييء من حركات تجسد الحضور الجسدي المرتكز على الصفات الشكلية الخارجية للأنثى، وهندامها، وحركاتها، في غنج ظاهر، يحرص على أن يرتكز تقدير المشاهدِ على ركيزة المظهر الجسدي، المستعرض للقوة الأنثوية من خلال المظهر بصورة تطغى على تجسيد الأنثى من خلال الثقافة والذكاء والحضور،

وحين ندرس النص ندرك أن هذا التجسيد لم يكن مرادا للكاتب أبدا، وإنما كان من فعل المخرج، لذلك فإن اللوم لا يخص من قامت بأداء الدور وحدها، إذ إن المخرج الراحل “حاتم علي” لم يحدَّ من غلواء ذلك التجسيد، ولا حدَّ من ذلك مصممو الملابس والمشاهد. بل كأني بهم قد استثمروه بشكل واضح.

ولم يخفف من تلك الغلواء إلا القالب الذي صب الدكتور “سيف” الدور فيه، والحوار والمواقف التي تظهر بوضوح أن الدكتور “سيف” لم يكن ليرتضي ذلك التجسيد وذلك الحضور، بل أشبع الحوارات والمواقف بما يجلي صورة المرأة التي لم يختلف تجسيدها الذي كان في “المعتمد بن عباد” عن “ملوك الطوائف”، تلكم التي وصفت الرميكية بالثقافة والذكاء والحضور القوي، وفرضت نفسها بقوة في المسلسلين، فكان ذلك التشييء إقحاما واقتحاما على النص وعلى العمل برمته.

على أن هذا التشييء يختفي في ملوك الطوائف إثر الانتقال من رغد العيش إلى شظفه، فنرى قوة في أداء فواخرجي هناك.

في المقابل، لا نجد، ولا في مشهد واحد من السيدة “الأشقر” شيئا من هذا التشييء، بل نجد الحرص على أن تكون المرأة التي تتجسد فيها معالم الذكاء والشخصية القوية، والتواضع بالاعتراف بالأصل والمنبت، والرفد لزوجها، والبكاء المر على فقد الولد وفت الكبد على فلذة الكبد، وذلك في إطار واضح يظهر سعادتها الغامرة في محياها في كنف المعتمد، ويجسد دورها كامرأة في قلب صناعة الأحداث!

لقد أثرت ثقافة تشييء المرأة في المجتمعات على مستوى العالم كله، إثر الهجمة الإعلامية الشديدة التي ركزت في المرأة على صفاتها الأنثوية الخارجية الجسدية فقط، وتغافلت عن هويتها الإنسانية: ثقافة وعلما، وأدبا، ودينا، وعلو همة، ودورا في الحياة، لذلك كان هذا المقال للتنبيه على أن يقارن متابع المسلسلين على هذه الناحية حتى يدرك أن المرأة العظيمة ليست “شيئا جنسيا”، ولتتنبه المرأة إلى أنها ترتقي وتسمو بأن تكون امرأة لا بأن تكون مجرد شيئ وحسب!.

أبو مالك، ثائر سلامة

30-04-2022

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *