صعاليك الميتافيرس
قصَّة قصيرة
الأديب السُّوري موسى رحوم عباس
السُّويد
رغم كل محاولاتي للتقرب من أحفادي، وأحيانا بطرق أعتبرها قريبة من التزلُّف والنِّفاق، ومن ضمنها الرِّشى الصَّغيرة أحيانا، ومشاركتهم في حمل حقائب الملابس الرِّياضية، آخر مرة حضرت مبارياتهم المدرسية في كرة السَّلة علما أنني من عشاق كرة القدم، وحضرت معهم بعض أفلام الرسوم المتحركة ببعدها الثلاثي، وللحقيقة كان الأمر مثيرا للسخرية، بل كان أشبه بحفلة تعذيب شرق أوسطية لدي، حتى إنني تظاهرت بالتلذذ بتناول تلك الحلويات السَّخيفة التي لا تفارقهم، هذا التاريخ من الانبطاح لم يشفع لي، وكنتُ أرصد نظراتهم لي وكأنني مستحاثة من العصر الجُوراسي تعرض على قناة “ناشيونال جيكرافيك” وبخاصة عندما أفشل في مهمة من المهام التي أتطوع لها، وأعدها رصيدا لي أمامهم، من مثل طلب طعام من مطعمهم المفضل عبر التطبيق، أو شراء من المتجر الإلكتروني، وفي النهاية اضطر لإعطائهم بطاقة البنك ورقمها الذي لم يعد سريا، وربما حفظه حتى كلبهم الذي يشاطرنا غرفنا!
ظننت أنني اكتسبتُ أحدهم وهو الأكبر إلى صفي، وعددتُ ذلك نجاحا؛ فقد تمكنتُ من شقِّ صفوفهم وهذا نجاح بصورة من الصور، تعلمت ذلك مُذْ كنتُ هناك شرق المتوسط، وانتقلتُ للخطوة التالية وهي عزل الضَّحية، مستفيدا من خبرات مهنتي السَّابقة، دعوته لتناول الغداء خارج المنزل وفي الطريق طلبتُ منه بعبارات فيها من المواربة الكثير أن يشرح لي ما الذي يجعلهم يظنون أنِّي تمثالٌ من حجر تدمر، أو هيكل عظمي لقرصان فينيقي! هزَّ رأسه، وبعد صمتٍ لبرهة ليست طويلة، قال إننا في عالم لا تعرفه، ولا تنتمي إليه، عالم الميتافيرس هو عالم مابعد الواقع، بل واقعنا نحن الذي خلقناه موازيا لعالمكم الحقيقي، وأشار بيديه عندما لفظ كلمة ” الحقيقي” إشارة تدل على وضعها بين قوسين، وكأنَّه يتحفظ على هذا المصطلح، لم أشأ الاعتراض مكتفيا بالتظاهر بأنني استوعب ما يقول، وقمت بدفع فاتورة الطعام رغم مبالغته في الطلبات، متجاوزا هذا الاستغلال المباشر للظروف المحيطة، وقد يكون هذا التجاوز هو الذي دفع حفيدي الذي يحمل اسمي نفسه أيضا، أن يتصرف بشهامة، ويطمئنني بأنه يستطيع إدخالي إلى عالمهم، مما أسعدني، وجعلني أتمادى بالطلبات والإلحاح عليها، وهي عادة قديمة أيضا، جلبتها في حقيبة ذاكرتي المهترئة، فتح حاسوبه الثمين بتفاحته المعضوضة من طرفها، واستغرق بعض الوقت، ثم ضغط على جانب الشاشة؛ ليريني رجلا بالبعد الثلاثي له وجهي تماما وشعري الطويل، ولم ينس تلك الشامة الكبيرة على خدي الأيمن، مع لحية خفيفة يعلوها الشيب، لن أكذب سررتُ بصنيعه، وعددته دليلا على محبته لي، لكن هذا الشعور لم يصمد إلا لبضع ثوان، عندما نزلتُ قليلا في صورة الرجل الذي يشبهني؛ فوجدته عاريا! خجلت جدا، ورفعت نظري إليه معاتبا ولائما، كيف لي أن أكون عاريا أمام المليارات من البشر في عالم الميتافيرس عالمهم! بقي ثابت النظرات مطمئنا أنه لم يرتكب أية حماقة، وأشار بيده لي أنْ أهدأ، وأكفّ عن التسرع في الحكم على الأشياء، وبدأ يُفصِّلُ كيف تسير الأمور في عالمهم هذا: هذه يا جدُّ أرموزتك ( AVATAR ) أي أنت الافتراضي، أو أنتَ ولستَ أنتَ! وبما أنها ستكون أنتَ في كلِّ أعمالك لا بد أنْ تُلبسها في كلِّ مرَّةٍ اللباس اللائق لكل مناسبة، يعني في الاجتماعات تلبس البزَّة الرسمية وربطة العنق المناسبة، وعلى الشاطئ الشُّورت القصير والقمصان اللاتينية تلك التي تحمل صور نخيل هاييتي وجوز الهند في الدومنيكان، وفي الحفلات والأعراس التوكسيدو والقبعة الرسمية، حاولت مقاطعته، لكنه استرسل في شرحه بصوت يشبه الرُّوبوت أو الرُّجل الآلي، أما الأحذية فهي الأخرى يجب تبديلها من الرَّسمية إلى الرِّياضية إلى الخفيفة ذات الفتحات التي تسمح للقدمين بالتنفس، والسَّاعات والخواتم والمجوهرات كلُّ ذلك يجب أن يكون في خطتك وميزانيتك، وأرموزتك هذه أو أنتَ الافتراضي ستقوم بالسِّياحة عبر العالم من السانتامونيكا بكاليفورنيا إلى سان تروبيه بجنوب فرنسا، إلى البندقية بإيطاليا، وحتى كرانس مونتانا بجبال الإلب السويسرية أو أهرامات مصر وسوق الحميدية بالشام ، ويمكنك أقصد أنت الذي ليس أنت أن تتنزه مساءً على الجسر العتيق في الرَّقة!! لم أستطع الصمت بعد ذلك؛ فانفجرت بوجهه، كيف ذلك؟ وأنت ما زلت تتركني عاريا أمام خلق الله!!
-
أخرج بطاقة البنك أولا!
-
ما علاقة البنك بذلك؟
-
ألا تريد أن تستر عريك؟
-
بلى، أريد، وبكل تأكيد.
-
حدد نوع الملابس والمناسبة والمكان، وسنقوم بالأمر كما يجب أن يكون!