أطلق قمرك لأتنفّس

(ثقافات)

 

أطلق قمرك لأتنفّس

 

كريم ناصر

الأيامُ تشتعلُ، حتى إنّها تمضي كالزوارق،

ها هي تتناثرُ كفقاقيعِ الغيوم،

وتموتُ كسلاحف استلقتْ على ظهرِها

في موجةٍ هرمة..

سنقفُ أنت وأنا عاريينِ،

خارجينِ من كهوفٍ مطوّقةٍ بعظامِ الذئاب،

إنّنا وحيدانِ في البريّةِ كدمائنا،

حتى البيت بجوارِنا معتمٌ، كعشبةٍ هجرتها الأمطار

حتى النَسر الأحمر أكلَ فراخه

ورمى عظامَها في ضوءِ القمر.

أطلقْ قمركَ لأتنفّسَ،

وأرشدْ دمي

ليتوغّلَ في رمادِ مدنِنا الميـّتة

ليُزهقَ على الربوةِ غيمة تفاجئ الجبلَ،

لسانُها يلتفّ على دورقٍ فاضل.

لنمضِ

هذا هو طريقنا، المطرُ ليس لنا

ولا كذلك صهيلُ الخيول

ما إن تقطن الريح بالجبال،

حتى تلتهب تحت أرجلنا كنارِ المنجنيقات.

كان الوطنُ يحتضر

كناقوسٍ أُدميَ رأسهُ بعصا الريح،

وكان يرتعدُ

كراقصٍ زلِقتْ حنجرتهُ من المِنصَّة،

كان ينتظرُ الشمسَ

التي هي في أقصاه.

ألا تنظر؟!

أمامنا صخرةٌ وعرةٌ تغرز أنيابَها في القناطر،

ليلٌ ما يتّكئُ على عجيزةِ عنزة،

صباحٌ عارٍ

بعدهُ

فتىً وسيمٌ

ينتحي ركناً قصيّاً، عيناهُ تذرفان

دماً..

عمداً تنهمرُ أيّها الماءُ

لا زورقَ في المنزل، ولا مِزرابَ في الشرفـة.

سيدي أسرجْ لي قطاراً يَصْهِل في الليل

يلوي عنقهُ حسبما يُريد.

سنقفُ أنتَ وأنا لنغالبَ معاً رحيقَ الذكرى

ونجرعَ الرياح،

نلتحم ببركِ الرماد،

لنعيدَ التُرسَ إلى الناصية.

أنظر

إنَّ ظهورنَا تقوَّستْ مثـل جبالٍ تكتنفها الأعاصير..

المرأة ترتجف

الشَحْرُور يرتجف

الحمائم تفقدُ أعصابَها في المطر..

أطلقْ قمركَ لأتنفّس..

ما قيمة ريحانة لم تثبْ، لم تتّعظ؟

كوابيسُ من الدمِ تهطلُ كالثلجِ،

هاتِ الملكَ سأدفنهُ في الظلام..

أنتَ وأنا درويشانِ هَوَيا في الصحراء

سندبادانِ بلا ماءٍ بلا شجر،

مهرانِ حديديانِ أُلقيا في اليم

وعلينا أن نفذلكَ المياه..

فالأيائلُ تقذفُ أحشاءَهـا

الدموعُ تجفُّ مراراً،

كغيومٍ تدلعُ ألسنتها من العطش..

عمداً سأقرعُ  الطبول المبعثرة

في المفازة.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *