غسان زقطان
لا تخطئ العين سمات الشاعر الثائر في خالد أبو خالد، وذلك الانسجام المثالي بين المظهر الجسدي، ونبرة الصوت العميقة المحملة بلهجة الريف الفلسطيني، وبين النص الشعري الطويل المتدفق المتكئ بقوة على الموروث الشعبي وذاكرة الناس والسير الشفاهية، والعناوين التي تدرجت لأعماله منذ قصيدته المطولة “الرحيل باتجاه العودة”/ 1970 وحتى مشروعه الأخير الثلاثية التي تبدأ بالشام وتنتهي بالشام وبينهما فلسطين.
المتتبع لحياة أبو خالد المولود في العام 1937 سنة بعد استشهاد والده القائد القسامي “محمد صالح الحمد” بالقرب من “دير غسانة”، سيلتقط بسهولة القدرية الغريبة التي ربطته بفكرة الثورة، لقد بحث عنها وانتظرها كنبوءة متحققة بثقة العارف، لم يلتحق بصفوفها، كان يعرفها ويصغي إلى تراكمها في الطرق التي يسعى فيها ويميز أصواتها ويقرأ إشاراتها وهي تتجمع في شوارع المنفى ووجوه الناس، بينما هو يجمع بدأب ذاكرة فتى يتيم شقيَ وتربى ونضج على ضريح والده الثائر.
لم يعلمه أحد مبادئ الثائر وقيمه وسلوكه وثقافته، كان وعبر حياة قاسية يصوغ نفسه ليكون ملائما لها، كان يعرف بحدس عميق أنه لا يملك مكانا آخر وأنها مكانه الوحيد.
خالد أبو خالد يشبه عقد السبعينيات ونهوض الفلسطينيين وفكرة “الميليشيا” بدلالاتها الشعبية النبيلة، قبل أن تغرقها الوظائف، كان يشبه “فتح” التي انطلقت في الفاتح من 1965، قبل أن تكبلها السياسة، وواصل سقاية هذا التشابه حتى رحل في دمشق التي كان يحبها والتي كانت تذكره بنابلس، دمشق الصغيرة، كما قال أكثر من مرة.
مرة قال لي في مقهى في دمشق، إنه قرأ قصائدي، أظنه كان يقصد مجموعة “رايات” التي أصدرتها في دمشق 1984، قلت: هل أعجبتك؟، شعريا، كنت متحفظا كبعض أبناء جيلي على المباشرة والتطويل والنفوذ “السياسي” في معظم قصائد شعراء السبعينيات، وكنا خضنا جدالات حول ذلك.
صمت أبو خالد قبل أن يقول، نعم، معظمها، ثم أكمل بهدوء وهو يحشو التبغ في غليونه: ولكنها قصيرة.
-
عن الأيام الفلسطينية