أنا لا أشربُ القهوة

أنا لا أشربُ القهوة

أحـمـد الـشَّـهـاوي

 

أنا لا أشربُ القهوة ، التي يسمُّونها تركية أو عربية ، فقط أشربُ الكابيتشينو أو النسكافيه باللبن ، ولا أطيقه بلاك ” سادة ” ، ولم أتناول هذا النوع من المشروبات إلا متأخرًا من عمري .

فأنا كائنٌ يحبُّ الشَّاي كعادة الفلاحين وأهل الريف ، ولم أعُد أشربُ سوى كوبين أو ثلاثة يوميًّا ، إضافة إلى كوبين من النسكافيه في مكتبي بالأهرام . وقد تخليتُ عن السكَّر ، وصرتُ أميلُ إلى الشَّاي الأخضر ، ولا أدري سببًا لذلك .

ويمكنُ لي أن أبقى طويلًا بلا شربٍ للشَّاي ، إذ عوَّدتُ نفسي منذ الصغر ألا أدمنَ شيئًا ، أو أكونَ أسيرَ عادةٍ ما من العادات التي لا يستغنِي عنها الناس ، وشُرب الشاي عادة اجتماعية ، وطقس إنسانيٌّ ، لكن كل تعوُّد يمكن الاستغناءُ عنه ، إذا أراد الإنسان وأصرَّ على ألَّا يكونَ أسيرًا أو عبدًا لشيء .

ولم أشرب الشَّاي إلا بعد سنة 1975 ميلادية ، أي سنة وفاة أبي عن تسعةٍ وأربعين عامًا ؛ لأنَّ أبي كان يمنعُ دخُول الشَّاي إلى البيت ، وكنا نشربُ مشروباتٍ أخرى في مقدمتها اللبن ، والحلبة ، والخلطة ، ولما كُنتُ أطالبُ بالشَّاي كان يقولُ لي : الشَّاي ينشِّف الدَّم . ولمَّا صرتُ أبًا ، سألتُ أحمد ابني وكان صغيرًا وقتذاك ، وكنا نجلسُ في أحد مطاعم المعادي قبل سفره إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، ماذا تشربُ ؟ قال باطمئنانٍ وثقةٍ : شاي مثلك ، فقلتُ له : إن الشَّاي ينشِّف الدم، فقال : من قال لك ذلك ، قلتُ له أبي ، فقال : كان يضحك عليك ، وطلبتُ له شايًا ، وطلب مني ذكر أسباب علمية لمسألة نشفان الدَّم هذه .

وأضاف ” الشاي يُعتبر أكثر المشروبات استهلاكًا بعد الماء ” ومرت السنون ، وأدركتُ أنَّ أبي كان على حق

فالكافيين الموجُود في الشَّاي يعيق عمل الذاكرة المُؤقَّتة للدماغ ، وتذكُّر بعض الأسماء ، لذا ينصحُ بعدم شُرب الشاي في أيام الامتحانات ، لأنه يزيدُ ضربات القلب ، ويؤثِّر على امتصاص الجسم للحديد والكالسيوم .

وإنعامًا في لبس القناع الثقافي ، يدَّعي البعضُ من ” الشُّعراء والكُتَّاب ” أنهم لا يستطيعون الكِتابةَ إلا بتناول المنبِّهات والمُسْكِرات وسماع فيروز ؛ كي ينشِّطوا غُدَّةَ الإبداع لديهم ، لكنَّني أعرفُ الكثيرين وأنا منهم الذين يكتبُون في أي وقتٍ ، وتحت أي ضغطٍ ، من دون أن يشربوا أو يسمعوا ، على الرغم من أنَّني أعرفُ أنَّ الشَّاي ( الشَّاي لفظٌ مشتقٌّ من اللغة الفارسية تشاي أو چای، وهي كلمة مشتقة من أصول صينية ، حيث إن أصلَ الشَّاي جاء من الصين واليابان ، واكتشف قبل نحو منذ خمسة آلاف عام ) قد جاء ذكرُه في المصنَّفات الصينية في القرن الثالث الميلادي بديلًا للأنبذة القوية ، وممَّا لا يعرفهُ الكثيرون أن شجرَة الشَّاي كريمةٌ ومُعمِّرةٌ إذ تظلُّ قادرةً على الطَّرح والمنْح ، حيث تظلُّ تنتجُ لنحو نصف القرنٍ من الزَّمان ، ولعلنا نرى ونحنُ نصنعُ الشَّاي أنَّ ملعقةً صغيرةً من الشَّاي قادرةٌ على منحنا كوبًا مُعتبَرًا نحتسيه بمتعةٍ ولذَّة .

وتذكر المصادر التاريخية أنَّ الشَّاي لم ينتشر في العالم إلا في القرن السابع عشر الميلادي وما بعده ، وقد كانت أول شحنة من الشاي قد وصلت إلى أوروبا في عام 1610 ميلادي وهو أول عهد الأوربيين بالشاي .

ولكل شاعرٍ أو كاتبٍ أو مبدعٍ طقوسه في العيش والكتابة وممارسة الحياة والنظر إلى نفسه والعالم ، ورؤيته للحَرْف ، وأنا أحترمُ هذه الطقوسَ ، ولكنها ليست كتالوج أو مانيفستو أو قانونًا أو دستورًا مقدَّسًا ينبغي على الجميع الالتزام بها ؛ كي يدخلَ دائرة الإبداع ، ويشيرَ الناسُ إليه بالأصابع ، أو يرضى عنه ” كهنة ” الكِتابة ، الذين لم يضبطهم أحد متلبِّسين بالقراءةِ منذ سنواتٍ بعيدةٍ .

ولستُ ممَّن يدمنُون سماع فيروز ، كما يردِّد ” شعبُ الكتابة ” ليل نهار ، وليست من الأوائل بالنسبة لي ، فهناك كثيرون يسبقونها ، كما أنَّ موسيقى الرحبانية هي أدنى عندي من موسيقى بليغ حمدي ، ومحمد عبد الوهاب ، ومحمد الموجي ، ورياض السنباطي ، وسيد مكاوي ، ومحمد فوزي ، وسيد درويش ، ومحمد القصبجي ، و زكريا أحمد ، وكمال الطويل ؛ لأنها مستقاة من الألحان الغربية ، واعتمدتْ في كثيرٍ منها على الاقتباس ، والمقاربة من سيمفونيات عالمية ، كما أن نسبة الابتكار والخلق فيها ضعيفة .

*عن المصري اليوم

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *