فيلم ” أميرة” إسفاف وتطبيع مجاني بغلاف فلسفي!!

(ثقافات)

 فيلم ” أميرة” إسفاف وتطبيع مجاني بغلاف فلسفي!!

زياد أحمد سلامة

 أميرة: فيلم من إنتاج  أردني- مصري- فلسطيني مشترك، صدر سنة 2021، للمخرج المصري محمد دياب.   وهو من بطولة تارا عبود في دور أميرة، إلى جانب كُل من صبا مبارك وعلي سليمان.

 قصة الفيلم:

يستعرض الفيلم، قصة الفتاة المراهقة “أميرة” ذات السبع عشرة عاماً، والتي نشأت معتقدة أنها جاءت إلى الدنيا نتيجة عملية تلقيح صناعي من نطفة مهربة لوالدها في سجن “مجدو” وهو ما يمنحها شعورًا كبيرًا بالفخر باعتبارها ابنة مناضل فلسطيني أسير، ولكن في إحدى الزيارات مع أمها للسجن يطلب الزوج من زوجته إنجاب طفل آخر بذات الطريقة وهو ما ترفضه أم أميرة في البداية ثم تعود لتوافق عليه.

  تنجح عملية التهريب؛ لكن المفاجأة تقع عندما يعلن الأطباء أن النطفة “الثانية” التي استلموها هي لشخص عقيم لا يمكنه الإنجاب إطلاقا وهو ما يدفع عائلة الزوج ومعها أميرة للشك أولا في سلوك الأم وتبدأ عملية مطابقة للبصمة الوراثية مع جميع المحيطين بالزوجة لكن دون جدوى.

وبعدما تضيق الدائرة على الأم تعترف بخيانة الزوج مع زميل سابق له بالسجن كان قد حمل لها رسالة في الماضي وتصبح على وشك دفع حياتها ثمنا لهذا الاعتراف، ويظهر الطبيب الذي أشرف على عملية التلقيح ويؤكد أن الحمل كان نتيجة العينة المهربة.

تواصل “أميرة” عملية البحث عن والدها البيولوجي إلى أن تصل لقناعة بأن حارس السجن الإسرائيلي الذي هرَّب النطفة قام باستبدالها بنطفته وتنقلب حياتها رأسها على عقب.

سوء نية وتشويه

لاقى الفيلم ردة فعل عنيفة من قبل الجمهور، لا سيما أسر المعتقلين الفلسطينيين، فقد وجدوا فيه تشويهاً لشرف زوجات الأسرى، وفيه نسف لطهارة فكرة تحدي العدو والإنجاب رُغم أنفه، وفيه أيضاً إيحاء للأطفال الذين جاؤوا عن هذا الطريق في التشكيك في أنسابهم ومصداقية الرواية التي قيلت لهم بأنهم “أبناء أبطال تحدوا السجان والحصار”.

  من هنا تمت إدانة الفيلم وشجبه من قطاع واسع من الجمهور ومن الفنانين وأهالي الأسرى وكل المعنيين بالقضية الفلسطينية. وبناء على اتصالات بين وزارتي الثقافة في فلسطين والأردن تم إيقاف عرض الفيلم.

 أصل فكرة النطف المهربة

 ولدت فكرة النطف المهربة من داخل سجن “هداريم” لدى الأسير “عباس السيد” المحكوم بالسجن المؤبد مدى الحياة، وذلك من باب سد حاجة الأسير وزوجته التي تغيَّب عنها سنوات طويلة وحرمهما الاحتلال نصيبهما في الإنجاب، وكانت المحاولة خطوة لتحدي وكسر قيد الأسرى.

  نجح الأسرى في تهريب نطفهم وإنجاب(102) طفل وطفلة بهذه الطريقة، وكان الأسير “عمار الزبن” من مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية، والمحكوم بالسجن المؤبد 27 مرة، أول من هرّب النطف، ليرزق فيما بعد بطفله “مهند” هو أول طفل فلسطيني يولد عن الطريق النطف المهربة من سجون الاحتلال الإسرائيلي.

  التثبت من النسب:

  لحساسية القضية من وجهة شرعية، ولمَّا كان الشرف قضية خطيرة في المجتمع الفلسطيني، كان لا بد من توثيق عملية الإنجاب هذه من أولها إلى آخرها، فحرص كل أطراف العملية على أن يكون هناك أربع شهود داخل المعتقل يشهدون على إخراج النطفة؟ وكذلك التأكد من أنها تنقل بواسطة الأهل وذلك بحضور شهود لعملية التسليم، وفي الطرف الآخر تخضع الزوجة لجملة فحوصات تحضيرية قبل زرع النطفة؟ فكل النطف المُهربة تم فحص تحليل الحمض النووي لها وسجلت نسبة الخطأ فيها “صفر”، وهو ما ينفي صحة ما أورده الفيلم.

وكذلك حرص (المهربون) على أن عملية (التهريب) لا تمر بيد السجان ومن المستحيل أن تقع بين أيدي من يرفضون هذه الفكرة ويحاولون إفشالها، كما أنه يتم وضعها في بنك النطف، وتجري عملية فحص DNA قبل زراعتها في رحم زوجة الأسير”.

 عملية التوثيق الدقيقة هذه تنسف فكرة الفيلم من أساسها وتشكل صفعة لطالبي الجوائز والمال والشهرة على حساب المصداقية وخدمة القضية بشكل صحيح.

وجهة نظر المخرج“.

 أصدر مخرج فيلم “أميرة” محمد دياب، بيانًا توضيحيًا بعدما أثار الفيلم غضبا ورفضا عند المشاهدين العرب حيثما كانوا، أعلن خلاله وقف عرض الفيلم كرامة للأسرى. وقال بأن الفيلم يتناول معاناة وبطولات الأسرى وأسرهم ويظهر معدن الشخصية الفلسطينية التي دوماً ما تجد طريقة للمقاومة والاستمرار، ويحاول أن يغوص بعمق في أهمية أطفال الحرية بالنسبة للفلسطينيين. وأضاف المخرج: اختيار الحبكة الدرامية الخاصة بتغيير النطف جاء ليطرح سؤالا وجودياً فلسفياً حول جوهر معتقد الإنسان وهل سيختار نفس اختياراته لو ولد كشخص آخر. وقال بأن الفيلم ينحاز لفلسطين، فالبطلة أميرة تختار أن تكون فلسطينية وتختار أن تنحاز للقضية العادلة. والفيلم يشجب ويدين ممارسات الاحتلال المشار إليها بشكل صريح في الجريمة التي يتناولها الفيلم.

  كتب الناقد الأدبي الدكتور “عادل الأسطة” من نابلس حول الفيلم وقارنه برواية غسان كنفاني “عائد إلى حيفا” الإنسان في نهاية الأمر قضية ” فقال: ثمة طفلة ولدت كانت لنطفة ضابط إسرائيلي لا لأسير فلسطيني يفترض أنه هو والدها.   ماذا سيلم الآن بأكثر من مائة مولود فلسطيني ولدوا بالنطف المهربة ويقبع آباؤهم في السجون؟

 ثم أضاف فقال: أعتقد أن الأمر أكبر من فكرة طريفة مثيرة. إنه يدخل في باب التشكيك بالنسب، وهذه قضية حساسة جدا، مع أننا منذ قرأنا رواية غسان كنفاني (عائد إلى حيفا) الصادرة عام ١٩٦٩ نكرر ما ورد فيها: “الإنسان في نهاية الأمر قضية”.

صار خلدون الفلسطيني (بطل رواية كنفاني)، حين ربته عائلة يهودية، جنديا في الجيش الإسرائيلي، علما بأنه عرف في فترة متأخرة أنه من صلب أبوين فلسطينيين، وقياسا عليه فإن نطفة الضابط الإسرائيلي المزعومة في الفيلم، حين تربى تربية فلسطينية لأبوين يعانيان من الاحتلال الإسرائيلي، سوف تنضم إلى المقاومة الفلسطينية وتحارب الضابط الإسرائيلي وقد تقتله.

انتهى ما قاله الدكتور عادل الأسطة.

خلدون في رواية كنفاني قبل أن يعيش في ظل الأسرة اليهودية، كان عربيا أخذته تلك الأسرة أثناء خروج الفلسطينيين من حيفا عام 1948 وربته على أفكارها ومعتقداتها وموقفها المعادي للعرب، وبعد أن زار والداه حيفا بعد حرب 1967 واجتمعا به في بيتهما الذي تركاه أثناء تلك الهجرة اللعينة، والتي سكنته تلك الأسرة اليهودية، آثر البقاء في البيئة التي ربته، ولم تشده جذوره العرقية لينحاز إلى جانب أصله البيولوجي.

  وهنا سيعيش هؤلاء الأطفال الذين تكونوا من نطف يهودية (حسب الفيلم) في بيئة عربية معادية لصاحب النطف البيولوجية، مما يعني أنهم سينحازون إلى الوسط الذي نشأوا فيه، وبالتأكيد سوف لن يكون هناك حل وسط يدعو إلى التعايش السلمي بين الطرفين.

من جهة أخرى… الوجه الآخر للنطف المهربة… أبناء الجواسيس المدسوسين

في ظل الصراع مع العدو الصهيوني جرت عدة حالات زواج من عربيات مسلمات ومسيحيات بيهود؛ إذ شكلت أجهزة المخابرات الإسرائيلية مطلع الخمسينيات من القرن العشرين وحدات تجسس باسم (المستعربين) مكونة من يهود يتقنون اللغة العربية بلهجاتها الفلسطينية واندسوا في الوسط العربي في فلسطين المحتلة عام 1948 بين العرب الذين لم يهاجروا، واستطاعوا إيهام الناس بأنهم عرب مسلمون، كانوا على اطلاع بالعادات والتقاليد الفلسطينية وبعض أحكام الإسلام ويقومون بتأدية الصلاة وقراءة القرآن الكريم، ولذلك تم زواجهم من عربيات، وقد كتب الأستاذ “معتز بالله محمد” مقالاً بعنوان “المستعربون: جواسيس إسرائيليون في فراش العرب” استقى معلوماته من مصادر صحفية (إسرائيلية) ومن القصص التي حدثنا عنها:

 “باريس، 1964. جلست سيدة فلسطينية من عرب 48 خلف منضدة متواضعة في غرفة صغيرة في السفارة الإسرائيلية بعد أيام قليلة من وصولها فرنسا. وإلى الجانب الآخر من الطاولة جلس رئيس عمليات جهاز الموساد في فرنسا في تلك الفترة شموئيل (سامي) موريا الذي كان يجهّز السيدة العربيّة لصدمة كبيرة، فقال لها:

“زوجك ليس من اعتقدتِ، هو ليس عربيًّا. زوجك يهودي كان في مهمة من قبل وزارة الدفاع داخل قريتكم. صحيح أنكما تزوجتما وأنجبتما أولادًا، لكنّه شخص آخر ليس الذي تعرفينه”. السيدة الفلسطينية لم تحتمل هول الصدمة فوقعت في غيبوبة استدعت معالجتها سريعاً.

   كيف بدأت العمليّة ولماذا انتهت؟ وما هي قصة المستعربين الحقيقيّة، كما استعرضتها تقارير في صحيفة “يديعوت أحرونوت”ومجلة “إسرائيل ديفينس” الإسرائيلية وتقرير ثالث في موقع “سيحا ميكوميت” العبري، نشر بتاريخ 31 يوليو 2016؟

 يقول الصحافي والناشط الاجتماعي والسياسي “نوعام روتم” في تقريره المنشور على “سيحا ميكوميت”: “هل سمعتم عن المستعربين؟ أتعلمون كيف بدأوا؟ ليسوا مثل بلطجية اليوم الذين ينتحلون صفة عرب لساعة أو ساعتين ويطلقون النار على الأطفال الذين يرمون الحجارة. ذات مرة وقبل أكثر من ستين عامًا، كانوا جواسيس حقيقيين. ليس لأنهم أفادوا في شيء ما، لكنهم لأكثر من 12 عامًا عاشوا كفلسطينيين في الجليل والمثلث وحتى بين البدو في النقب، تزوجوا بنساء فلسطينيات، وأنجبوا أطفالًا، وعملوا في المصانع الفلسطينية، وفعلوا كل شيء وكأنهم فلسطينيون. كل هذا كجزء من عملية اتضح بعد 12 عامًا، أنها عديمة الجدوى”.

 بدأت القصة عام 1952، بعد أربع سنوات فقط من إعلان قيام “دولة إسرائيل”. كان الفلسطينيون الذين احتلّ الجيش الإسرائيلي قراهم خلال نكبة العام 1948، ونجوا من مقصلة التهجير، يعيشون تحت حكم عسكري، فلكلِّ قرية حاكم عسكري معيّن من جيش الاحتلال. كان الاعتقاد السائد لدى القادة في منظومة الأمن الإسرائيلية أن الجيوش العربية ستغزو إسرائيل عاجلًا أم آجلًا وتحرر الأراضي المحتلة، وأنّ الفلسطينيين (عرب 48) سوف يشكّلون “طابورًا خامسًا ينضمّ للعدو العربي في القتال”.

 على هذه الخلفية جاء تشكيل وحدة المستعربين ذلك العام، بمبادرة إيسار هرئيل، المسؤول في ذلك الحين عن جهازي الموساد و”الشين بيت” (الاسم القديم لـ”الشاباك”).

  في قاعدة قريبة من مدينة الرملة، درب موريا الشبان الذين يتحدثون العربية بطلاقة، وتعلموا الحديث باللهجة الفلسطينية المحلية، ودرسوا القرآن والشريعة وتعلموا الصلاة، وحصل كل واحد منهم على قصة مفصلة محبوكة جيدًا لحياته المفترضة كان عليه حفظها جيدًا، كما تعلموا هناك استخدام الشيفرة واللاسلكي والسلاح.

 دخل بعض هؤلاء المستعربين السجن إلى جانب بعض العرب الذين شكوا فيهم في بادئ الأمر، لذا قال لهم كبيرهم موريا: “أمرت شبابنا بالاستمرار في التصرف بشكل عادي. قلت لهم لدى كل واحد منكم مصحف في جيبه، اجلسوا في الزاوية واقرأوا فيه، ولا تنظروا إليهم، اجلسوا في زاويتهم وواصلوا التلاوة، ولنرٓ من سينكسر أولًا “.لكن هذه الخطوة لم تزد المساجين “الحقيقيين” إلا شكاً، فقرروا وضع المستعربين في اختبار… انتظروا يوم الجمعة، يوم صلاة المسلمين، وطلبوا منهم أن يؤم أحدهم المصلين ويلقي خطبة كالتي يلقيها الإمام في المسجد. قالوا لهم “إذا نجحتم في إلقاء خطبة – فسوف نتأكد أنكم مسلمون، وإذا لم تفعلوا فستكون نهايتكم سوداء”. سادت أجواء من التوتر خلال خطبة الجمعة. لكن أظهر المستعربون خبرة كبيرة في الدين الإسلامي وتجاوزوا الاختبار. دراسة الدين التي تلقوها في دورات الشاباك آتت أكلها. وعندما انتهت الخطبة استقُبل المستعربون بالأحضان من قبل باقي السجناء، وعندما أطلق سراحهم، حافظوا على علاقات صداقة مع بعضهم.

 جاءت الخطوات الأولى متردِّدة، قدّم عدد من المستعربين أنفسهم لأهل القرى والمدن العرب على أنَّهم متسلِّلون عبروا الحدود وعادوا للوطن. آخرون وصلوا إلى وجهتهم الجديدة مدرّسين في منظومة التعليم العربية. حرص الشاباك على توفير عمل لهم كمدرسي قرآن، ما منحهم مكانة مرموقة في البيئة الجديدة. ونتيجة لانطلاء دورهم الذي أدوه ببراعة على العرب هناك تزايدت الضغوط عليهم للزواج. ونصحهم رؤساؤهم [من اليهود] بالإقدام على هذه الخطوة لضمان نجاح المهمة، وحتى لا ينظر إليهم بتشكّك. وبالفعل تزوج معظمهم فتيات عربيات من دون أن يعرفن الهوية الحقيقة لأزواجهن. عُقد القران بحسب الشريعة الإسلامية، وأجريت حفلات الزفاف وفقًا للتقاليد الفلسطينية.

 في بداية الستينيات، دارت نقاشات حادة في قيادة الشاباك ونشبت خلافات كبيرة حول مسألة استمرار نشاط الوحدة، أو بشكل أدقّ حول طريقة إنهاء المهمة. كان واضحًا للجميع أن الفائدة الاستخبارية للمستعربين صفر مقارنة بالثمن الشخصي الذين دفعوه. كان واضحًا أن كل يوم يمر يفاقم المأساة التي تنتظر العملاء وأسرهم، عندما يضطرون للكشف عن سرهم العظيم. فجاء القرار بتفكيك الوحدة، لكن “موريا” وجد نفسه في أزمة كبيرة: هل يبقي على النساء والأطفال في القرى العربية، ويعيد المستعربين فقط إلى أحضان عائلاتهم الأصلية، أم يطلب من النساء اعتناق اليهودية، والاستمرار في تربية أولادهن كيهود. عارض المستعربون أنفسهم التخلي عن أسرهم، لذلك جاء القرار بكشف السر وإعادة توطين الأسر في بيئة إسرائيليّة.

  كان موريا في تلك الفترة مبعوث الموساد إلى فرنسا، ويعود بالذاكرة ويقول: “أذكر أنني قلت لإحدى النساء “سيدتي، زوجك ليس مسلماً، بل يهودي. هو يحبك، لكنه لن يتخلى عن أسرته. تعالي إلى إسرائيل، لتعيشي كيهودية، وتربي أبناءك كيهود، وسوف نهتم بك حتى سن الـ 120”. لم تجب السيدة، لأنها ببساطة فقدت الوعي.

  استدعي ثلاثة حاخامات إلى سفارة إسرائيل في باريس، بينهم شلومو جورن، الحاخام الرئيسي للجيش الإسرائيلي، لتهويد النساء وفقًا للشريعة اليهودية. حار الحاخامات بشأن الأطفال، هل يمكن اعتبارهم يهوداً أم مسلمين. في نهاية الأمر أفتوا أنّه بالرغم ممّا جاء في الشريعة اليهودية حول أنّ الابن على دين أمه، لكن على ضوء الظروف الخاصة لتلك الحالة والتي ولد فيها الأطفال نتيجة لمهمة آبائهم، يمكن اعتبارهم يهودًا، من دون الحاجة لإجراءات التهويد الرسمية.

 بعد تهويد الزوجات المسلمات، أجريت طقوس الزواج اليهودية وسط إجراءات مشددة. ولإنقاذ المتهودات من القتل على خلفية شرف العائلة [من قبل أهل النساء العرب] تقرر إبقاؤهنّ لفترة في باريس، وهناك جرى دمجهم في عائلات يهودية، وارتاد الأطفال مدارس يهودية.  بالطبع لم توافق بعضهن على هذا الحل، إحداهن قبلت بالحل وبقيت في باريس، وبعد وفاة زوجها (اليهودي)، وكما يقول الصهاينة الذين استمروا في رعايتها حيث” كان يصل كل شهر إلى منزلها بفرنسا مندوب عن الشاباك ويترك في يدها النقود. في وقت لاحق، عرفنا أن المرأة التي كانت تحظى بإعانة دائمة من الشاباك، تزوجت في باريس من مسؤول كبير في منظمة التحرير الفلسطينية”.

  وتابع: “أصيب أطفال المستعربين بصدمات نفسية حادة في طفولتهم. كانت أعمارهم تقريبًا بين خمس وستّ سنوات عندما انكشفت الحقيقة، واضطروا للتنازل عن هويتهم العربية. كانوا مضطرين أيضًا لقطع العلاقة بعائلات أمهاتهم الفلسطينيّات. تخيل أن اسمك اليوم أحمد وصار روني، كانت هذه مأساة الأسر. حاول هؤلاء الأطفال إعادة الاندماج، ونسيان الماضي، ومن أين جاءوا، لكنهم لم يكونوا قادرين. عدد يسير منهم نجح في الحياة، لكن غالبيتهم بقيت في الخلف. وهم يعانون مشاكل حتّى اليوم”.

  معظم أبناء المستعربين لم يلتحقوا بالجيش الإسرائيلي. سأل أحدهم أسرته قبل التجنيد “أسأوجّه بندقيتي نحو الأسرة العربية أم نحو الأسرة اليهودية؟”، ولم يزل سؤاله بلا إجابة.

(معتز بالله محمد: مقال بعنوان “المستعربون: جواسيس إسرائيليون في فراش العرب” موقع (رصيف 22) 3/8/2016 (بتصرف)

هل كان الأجدر بالقائمين على العمل – ما داموا قد فلسفوا عملهم بمحاولة الإجابة على سؤال الوجود والانتماء ودور البيئة في النشأة- أن يبحثوا كثيراً في ملفات القضية الفلسطينية، ويظهروا نوايا الطرف الآخر الحقيقية،  على غرار ما فعله الفيلم المصري (أولاد العم) الذي أُنتج عام 2009؛ الذي تقوم فكرته على حكاية زواج مسلمات بجواسيس يهود خدعوهن وأوهموهن بأنهم مسلمون.   وقد لعب بطولته الفنان شريف منير ؛ الذي مثَّل دور ضابط مخابرات إسرائيلي خدع زوجته (منى زكي) التي اعتقدت لسنوات طويلة أنه مسلم مصري، وأنجبت منه خلال زواجهما طفلين، لم تكن بطبيعة الحال تعرف أنه في مهمة رسمية من الموساد الصهيوني.

الفيلم يسعى لحصد الجوائز على حساب الحقيقة:

  في مهرجان البندقية الإيطالي لاقى الفيلم ترحيباً حاراً، فتم التصفيق له مدة تسع دقائق، وحاز على ثلاث جوائز من مهرجان البندقية كما شارك بمهرجان الجونة (المصري) السينمائي حيث شارك في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة.

هذه الجوائز والاستقبال الحار، في ظننا أنه ليس لجودة الفيلم الفنية، ولا لفكرة إثبات قدرة الفلسطينيين على تحدي سجانيهم، وليس أيضاً للفكرة الفلسفية التي أراد المخرج تسويقها وهي الإجابة سؤال وجودي فلسفي حول جوهر معتقد الإنسان وهل سيختار نفس اختياراته لو ولد كشخص آخر”

 مهما كان قصد المؤلف ووجهة نظره، كانت الآثار السيئة للفيلم وما حصل من تشويه لفكرة “الإنجاب رغم الأسلاك الشائكة” والتشكيك في طهر وشرف أسر الأسرى لا سيما زوجاتهم، وما سيسببه من آثار نفسية سيئة عند الأطفال المتولدين يجعل الفيلم في موضع الشك والريبة، وهو بهذا الشكل يخدم العدو خدمة كبرى.

زياد أحمد سلامة

ziadaslameh@yahoo.com

عمان في 9/12/2021

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *