“رغبة” سمية عبد المنعم: كشف المسكوت عنه

*منال رضوان

(رغبة) هو الاسم الذي اختارته الكاتبة الصحفية والروائية سمية عبد المنعم لتعنون به مجموعتها القصصية الصادرة في عام ٢٠١٨

 وكما نعلم، فبما أن العنوان يعد هو الركيزة الأصيلة والأساسية التي تمثل النص المقابل لمتن المجموعة؛ لذا فنحن أمام هذه النصوص التي يشير وبقوة مضمونها إليها.. رغبة هي حزمة من أقاصيص تبرز الحالة الإنسانية التي تؤدي بصاحبها إلى اتخاذ سلوكيات إرادية أو لا إرادية نحو ما من شأنه إبراز التفاعلية الأخرى في معادلة الوجود الإنساني للنفس البشرية، والتي تتكون من روح وجسد. بين الأسلوب اللافت من حيث رصانته وبين أقاصيص غاية في التنوع والثراء، قررت سمية خدش خباء الخرس المغلف برجفة المسكوت عنه؛ اتقاءً للوم أو مخافة نظرة الأحكام سابقة التجهيز للوعي الجمعي الذي أمسى يغط في سبات التجريم والتحريم؛ بينما هناك الكثير من الخبايا يمكنها أن تستتر وراء الأبواب المغلقة والأرواح الموصدة والممهورة بخاتم تلاوة نصوص العيب! فها هنا بين مكتوب قيل ومسكوت عنه قبع كسجين شبق من خلف السطور،; تخلت الكاتبة عن القلق الذي يساور المرأة خشية البوح وحدثتنا من دون حجاب، حيث تمكنت من ترك حرية الوثب لمن أراد التقام نصوصها; ليصنع وحده كمتقلي رؤيته الخاصة، فتمنحه طرف الخيط ليُكون رأيه فيما يقرأ، فبدت كتابتها تفاعلية لا تقريرية حول مسائل عدة متشابكة وملتبسة كختان الإناث والاتهام بمثلية النوع وزنا المحارم والشبق الجنسي وغيرها، وتمكنت باقتدار من جعلك الشريك الأصلي في إزالة وشم الخرس من فوق عقول قد أتعبها الارتعاب من الولوج في مثل هذه القضايا.

هنا تقتحم سمية بجرأتها الخبايا؛ ففي قصة سعاد.. وأعتقد أنها من القصص القليلة في المجموعة التي حددت سمية أسماء أبطالها.. قدمت قصة الشاب الذي أقام علاقة مع خادمته قبل سنوات وكيف أن علاقة محرمة غير متكافئة يمكنها أن تظل عالقة بروحه وإن غادرت جسده. كما تتكلم عن قضية الختان في قصتها كشك خشبي؛ وتخلط في مفارقة عجائبية بين دموع الأم حزنًا على ابنتها وبين تكبيلها إياها لاتيان هذا الفعل الشنيع وقضم برائتها بدعوى متناقضة ( البنات الحلوين لازم يتطاهروا)! أثمن كثيرًا فكرة عدم ذكر أسماء لشخوص أو أماكن محددة؛ لتبيان أن تلك الرغبات المبتورة في أغلب النصوص يمكن وأن تحدث; في أي مجتمع تتوافر فيه ظروف حدوثها. الأسلوب من حيث اللغة، اعتمدت سمية رصانة الفصحى ذات الجرس الموسيقي وبانسيابية أشبه ما توصف بالانسيابية الشعرية حتى في أجرأ المشاهد الوصفية؛ حيث تعمدت الكاتبة المرور عليها كمن يثب بوثبات تكاد لا تلامس الأرض بغية تحقيق الهدف المنشود وإحراز النقاط التي تجمعت في سلة الوجدان بشكل تراكمي يتضح تأتيره بمجرد الانتهاء من قراءة المجموعة، فالأسلوب فضلًا عن سلامته لغويًا أشبه ما يكون بقصيدة النثر؛ حيث خفف الجرس الموسيقي في نهاية أغلب القصص من وطأة الحدث؛الوصف الصارخ والصادم في بعض الأحيان للمشاهد الجنسية حيث يعتبر هو الطرح الأجرأ والأذكى في هذه المجموعة التي ترنو إلى التقدير الفني لمحاكاة الواقع* وما كان إلا تعبيرًا عن الظلم والانتهاك والقهر في أقسى صوره ولا يعد ذلك غريبا، بل هو عين الواقعية التي سبق وأن علق عليها د. حامد أبو أحمد بقوله (انها تقوم بالتقاط جزيئات الواقع وتسجيلها وصقلها) *. التسلسل..لا يمكننا تصور إخضاع نصوص مجموعة قصصية لتسلسل كرونولوجي (Chronlogy) وإلا اتهمنا الجميع بالجنون، لكنها سمية التي سارت بالدرب ذاته الذي تحدثت عنه د. سيزا قاسم في إشارة إلى د.يوسف إدريس في استخدام تلك الميكانيزمية في بعض قصصه، وللإيضاح ما تحدثتُ عن ذلك إلا لوجود تلك المقاربة التي استخدمتها الكاتبة في قصة الخروج ثم قصة كلتاهما، وبناء عليه أفلا يمكننا اعتبارهما يمثلان ذلك التتابع في تسلسل زمني للتوقيت غاية في الدقة؟! السرد.. هنا بدا الأوضح ذلك الصوت السردي المباشر في أغلب الأحيان، والذي يكون مناسبًا في مثل هذه الحالة من التكثيف الشديد لابراز الفكرة وأعتبره كومضات الفلاش وقد اتضح جليًا في قصص مثل بلوغ ولقاء أو في مثال هو الأوضح والأبرع في قصة (لَقطة)حيث تصور امرأة وصانع مخيط ( ترزي) وفي سبعة أسطر يمكن أن يحدث الكثير كما يمكننا أيضًا أن.. نتوقع الكثير وفي النهاية لا يسعني غير تمني الخير لصاحبة ذلك القلم الفريد وأطالبها ألا تتوقف عن البوح حتى وإن اتهمت من قبل البعض بتهمة خدش الخِباء.

هوامش: – دراسات في خطاب الدكتور حامد أبو أحمد، د. محمد زيدان. – روايات عربية قراءة مقارنة د. سيزا قاسم – كتابات نقدية ٢٧٠ الهيئة العامة لقصور الثقافة ٢٠٢٠ – موسوعة كمبريدج المجلد الأول في النقد الأدبي القرن الثامن عشر تحرير ه. نِسبت، ك. راوسون، مراجعة وإشراف: فاطمة موسى إصدار ٢٠٠٦ . – قراءات نقدية في القصة القصيرة، أحمد رجب.

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *