عن هوية الرواية

(ثقافات)

عن هوية الرواية

سعيد الشيخ

هناك ظاهرة درج العديد من النقاد ومحرري الصفحات الثقافية عليها، عند ذكر أي عمل روائي في منح العمل جنسية المؤلف، أي إذا كان الروائي يحمل الجنسية المصرية، فإنّ العمل يُنسب إلى مصر، على الرغم من أنّ أحداث الرواية تجري بعيداً خارج حدود البلد، وشخصياتها تحمل هموماً أخرى، وتواجه تحديات لا شأن لموطن الكاتب بها.
لا أعتقد أنّ الوصف هنا على سعة من الدقة، ويعطي بُعداً حاسماً للتعريف بهوية الرواية، وعوالمها وبيئتها التي تتحرك في فضائها شخصيات العمل. في الواقع هناك روائيون كتبوا عن عوالم بعيدة لا تخص هويات بلدانهم التي يحملــــونها، فهل يجوز تحميلها جنسية الكــــاتب، وماذا لو كان هذا الكاتب يعيـــــش في المهجر، ويحمل جنسية البلد الذي يستضيفه، هل يُعقل عندئذٍ أنْ يُقال عن هذه الرواية بأنها ألمانية وتلك سويدية؟ وفي الدخول إلى فحوى الروايات يتبادر إلى أذهاننا السؤال التالي: هل يجوز مثلاً أنْ نقول عن رواية تتحدث عن النكبة الفلسطينية، وكتبها روائي لبناني بأنها رواية لبنانية، لأنّ كاتبها يحمل فقط الجنسية اللبنانية.

أمثلة كثيرة

وتحضرني في هذا المجال أمثلة عديدة، يمكن ذكر بعضها لتوضيح فكرتي أكثر: رواية «نجران تحت الصفر» الصادرة عام 1977 للروائي الفلسطيني يحيى يخلف، هي رواية تتناول واقع العلاقات العربية في زمن الثورة اليمنية، التي اندلعت ضد الإمام الذي كان يحكم اليمن قبل سقوطه. ويرصد يخلف في الرواية عبر شخصية «أبو شنان» مشاهد الذل والعبودية في شبه الجزيرة العربية، وتحديدا في مدينة نجران في زمن كتابة الرواية، حيث صوّر يخلف في الرواية أعضاء جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وعددا من المناضلين السابقين وحرس الأمير، وقافلة «خصيانه» وغيرها من الصور التي استطاع يخلف رصدها أثناء عمله كمدرّس في هذه المدينة السعودية. فهل يجوز أنْ نمنح الهوية الفلسطينية للرواية لأن كاتبها فلسطيني؟
«باب الشمس» الصادرة لأول مرة عام 1998هي رواية فلسطينية بامتياز للروائي اللبناني إلياس خوري، ونقـــــول: رواية فلسطـــينية نظراً لمضمونها، حيث تقوم على حكايات المتسللين الفلسطينيين، الذين كانوا يحاولون العودة الى فلسطين بعد ضياعها عام 1948. فقد شاعت في بداية الخمسينات ظاهرة العائدين خفية الى وطنهم بعد الطرد الأول. أعداد كبيرة ممن سئموا أيام المنفى الأولى كانوا يتسللون عبر الحدود والأسلاك الشائكة وخطر الموت، لكي يعودوا الى قراهم المهدمة وبيوتهم التي سكنها آخرون. لقد اجتهد الكاتب إلياس خوري وهو يتقصى حكايات بعض الشخصيات داخل المخيمات الفلسطينية في لبنان، ليستخرج هذه التحفة الروائية الرائعة عن حياة الشقاء الفلسطينية. فهذه الرواية تعيد قراءة تاريخ فلسطين، من خلال سرد حكايات بعض اللاجئين التي تتناسل من بعضها بعضاً على طريقة «ألف ليلة وليلة»، حكاية تطلع من حكاية.

كذلك رواية «الطنطورية» التي صدرت عام 2010 عن دار الشروق المصرية للأديبة المصرية رضوى عاشور. تسرد الرواية سيرة متخيلة لعائلة فلسطينية، منتسبة إلى قرية الطنطورة، بين سنتي1947  و2000 تم اقتلاعها من أرضها بعد اجتياح العصابات الصهيونية للقرية، لتعيش تجارب اللجوء في لبنان والإمارات ومصر. تنتظم الرواية حول خط من الأحداث والوقائع التاريخية كالنكبة واللجوء الفلسطيني والحرب الأهلية اللبنانية والاجتياح الإسرائيلي للبنان. أمّا رواية «وليمة لأعشاب البحر» للروائي السوري حيدر حيدر، التي حُظرت في عدة بلدان عربية، بسبب اتهام كاتبها بالتطاول على الأديان. هذه الرواية كيف تكون سورية الهوية وآفاق أحداثها تدور عن معاناة توزعت أمكنتها بين العراق والجزائر.

وشخصياً، كنت في عام 2018 قد وضعت رواية «أرجوحة بلاء»، وربما هي التي أوحت لي أفكار هذه المقالة بعد قراءتي في بعض المواقع والصحف في خبر الإعلان عن صدورها بأنها رواية فلسطينية. مع أنّ الرواية لم تتضمّن ما يوحي بأنها تنتمي إلى فلسطين. فالرواية لم تحمل أسماء أماكن يشغلها الفلسطيني، ولا أحداثها كانت خاصة بالإنسان الفلسطيني، من دون أن يستشعر القارئ بما قصدته من أنْ لا يكون للرواية زمان أو مكان. وأنّ الرواية تتحدث عن بيئة عربية محكومة بالعادات والتقاليد، تحت سلطة أبوية، وعلى القارئ وحده أنْ يستنتج في أي حقبة تاريخية تعود أحداث الرواية.

الرواية تشكل هويتها

وغير هذه الروايات، هناك الكثير من الروايات العربية والأجنبية، التي سجلت جنسياتها في فهارس الأدب حسب جنسية الكاتب، وهذا برأيي خطأ فادح ترتكبه بعض الأوساط الثقافية. فالعمل الروائي هو الذي يشكل هويته الذاتية، من خلال شخصياته وبيئته. لأن أي عمل روائي يجب أنْ ينتمي إلى العالم الذي تتحرك به الشخصيات، حسب دورها وانتمائها الاجتماعي. وهذا بالضبط ما ينطبق مثلاً على الروايات التي نصفها بالعالمية، حيث هذه الروايات كانت لها سمات إنسانية، وهي بالتالي تنتمي للإنسان أينما وجد وبلا قيود أو حدود.
هوية الرواية تبرز بين السطور، وليس بما يحمله الروائي من هوية وطنية.

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *