“معك تكتمل صورتي” للروائية زينب عفيفي.. الزيف إبحار فى الحلم

*منال رضوان

تدور الأحداث فى إطار رومانسي نفسى حول حالة يُوَصّفُها الطب النفسانى بأحلام اليقظة المفرطة، وهى حالة وإن كان قد تم تصنيفها على أنها ليست مرضًا فصاميًا غير أنها من الممكن أن ترتبط ببعض الأمراض النفسية والذهنية الجبرية والمتسلطة كالفصام أو الوساوس القهرية.

«أحلام اليقظة المفرطة» هو ما تعانى منه فاطمة بطلة الرواية، على إثر فقدانها لشقيقتها منذ سنوات بعيدة، لكنها تظل تتماهى معها كالنصف مع نصفه حتى تقرر القيام برحلة إلى باريس لنيل جائزة ما، تعكس مرايا الروح أثناء هذه الرحلة الكثير من الأحداث كصور ضبابية تختفى حينا وتظهر فى أحيان كثيرة.

فاطيما الراحلة هى الوجه الآخر الذى تلتقطه ذاكرة كاميرا الوجدان ويخزنه العقل بلا وعى؛ ويجعلنا نكتشف من خلال تسلسل الأحداث كيف رحلت عن عالمنا وكيف عاشت بنبض فاطمة التى اختلط واقعها بأحلامها طوال الوقت، ونظل حتى نهاية الرواية لا نعرف أيهما الأصدق.

ولعل الكتابات النفسية تعد الأعقد دومًا لكونها ذلك اللون من الأدبيات التى تترسخ فى وجدان القراء ولا تغادرهم دونما تغيير ما قد يطرأ على أرواحهم، التى تفاعلت وتشابكت مع الشخوص والأحداث، كما تظل محلاً للدراسات النقدية والتحليلات النفسية والرسائل العلمية التى تَلِجُ إلى داخل النفس البشرية؛ تصف خلجات أفئدتها ودفقات مشاعرها وتبرز نوازعها عبر حبكة درامية سيكولوجية لا تخلو من جماليات النص الأدبى. وتقدم لنا زينب عفيفى رواية هادئة من النوع المخملى تركز فيها على علاقة التوأمة بين شقيقتين شُطِرت إحداهما عن الأخرى إثر تعرضها لحادث سير، وما مدى التغيرات التى طرأت على بطلة الرواية جراء ذلك الفقد.

أما عن الرواية؛ فمن حيث الأسلوب بدت الكاتبة موفقة فى تعمد استخدام السرد المباشر مع الحوار الذى ظهر فى مواضع محددة. وعلى الجانب الآخر؛ فقد توارى السرد غير المباشر إلا من ومضات طفيفة خيل إلينا أن فاطمة تحدث شقيقتها المنتقلة من خلالها، وهذا ما أعتبره إضافة غاية فى الذكاء؛ حيث إن شخصية كتلك تعانى اضطرابات نفسية وضلالات رؤى؛ لن تمكنها بحال أن تصور لنا عالمها بدقة من خلال السرد غير المباشر. المفردات سلسة لا تشتت ذهن القارئ الذى ربما أعد نفسه لرحلة رومانسية منذ السطور الأولى تبدأ بباريس وتنتهى عند لوحة زيتية تلخص زينب لنا فيها مضمون فكرتها.

الإطار المكانى: تنوع وثراء لصور وصفية عن أماكن ذكرتها الكاتبة تحديدا كباريس أو لبنان. وبرغم عمق الفكرة غير أن سلاسة السرد تنقلنا بهدهدات ناعمة غاية فى العذوبة، ليخيل إلينا أنها تمسك بقلم يكتب على ورق من حرير حتى فى أشد مشاهد الرواية صعوبة، وهو موت فاطيما. دونما الاستغراق فى طرح خمار تجارب قاسية أو سقيا الألم لمن عانى تجارب مماثلة، وظنى أنها وفقت فى ذلك إلى حد بعيد. هنا تم التأكيد على الخواء الذى تشعر به فاطمة من خلال مفردات مثل برج إيفل (وصف الهيكل العظمى العملاق) وهيكل فارغ. قلبان فارغان. وعلى كتفيها العاريتين.

كما أجادت التعبير عن حالة التوأمة فيما بين الموت والحياة كوجهين لعملة واحدة من خلال استخدام مفردات ترسخ للفكرة بين الأصل والصورة، فظهر ذلك فى مفردات عدة مثل الكاميرا والمرايا وزجاج المترو العاكس ونافذة زجاجية ونيجاتيف وغيرها.

فى النهاية أعتبر هذا النص الأدبى المتميز تجربة تحمل الكثير من الثراء؛ ينفذ بعمق إلى ذواتنا، فبداخل كل منا يقبع ذلك الجزء من الرغبات المبتورة أو الأحلام المفقودة التى تداعب أخيلتنا وتتقاسم معنا واقعنا دومًا حتى تكتمل الصورة.

*المصري اليوم

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *