علي الوردي : خطاب النقائص والاكتمالات

*لطفية الدليمي

تابعتُ مساء الجمعة الفائتة ( 1 تشرين أوّل ) محاضرةً – تبعتها سلسلة نقاشية – على منصّة ZOOM مع الدكتورة ( نادية هناوي ) . كان عنوان المحاضرة ( علي الوردي في الميزان ) ، وأدارها الدكتور ( عامر هاشم الصفار ) الذي بات شاخصاً ثقافياً عراقياً مميزاً انطلق في المهجر البريطاني .

ليس غريباً أن تكون الدكتورة نادية هي المستضافة في هذا اللقاء للحديث عن الوردي؛ فقد نشرت حديثاً آخر كتبها ( نقائص ونقائض : علي الوردي في الميزان )، كما كتبت بعضاً من المقالات التي كانت مثابات تمهيدية لمادة كتابها .

علي الوردي مادة إشكالية بطبيعتها ، وثمة عناصر عديدة تضافرت لرفع منسوب النزعة الإشكالية في التعامل مع علي الوردي ، وليس غريباً أن يتعامل الكثير من العراقيين مع الوردي بمقاربة تصنيمية قبيحة حتى بات ( القول ماقال الوردي ) في كلّ شؤون السوسيولوجيا العراقية ؛ بل إجتهد الوردي نفسه في مدّ جسور السوسيولوجيا العراقية نحو مضامير السايكولوجيا والتأريخ والأدب والدين ، وهذا الفعل ليس بمثلبة معرفية أو منقصة بحثية ؛ لكنّ هذه الجسور إقتصرت على تشخيص وقائع عيانية منتخبة عملت فيها المجسّات السوسيولوجية ( الوردية ) بطريقة قريبة من المسرودات التخييلية المفتقدة للإحالات المرجعية . ربما كانت التقلبات المعرفية للوردي والتي عكسها في كتبه مصداقاً لرؤيته وتعامله مع الواقع السوسيولوجي العراقي ، ولاينبغي هنا من باب الإنصاف والنزاهة أن نتغاضى عن حقيقة أنّ علم الإجتماع مادة معرفية تراها السلطات الحاكمة مصدراً خطيراً يهددها إذا ماتكشّفت الحقائق على الأرض ؛ لذا ليس من بديل أمام الباحث سوى اعتماد المناورة والمسالك الإلتفافية .

نجح الوردي في أن يكون ( قصّخوناً ) حداثياً ؛ فهو سارد ماهر يجيدُ مخاطبة العقل العراقي الشعبي على وجه التحديد ، وتبقى آراؤه الاشكالية مصدر جدال شعبي وأكاديمي لاأحسبهما سينقطعان أو يتفقان ؛ لكنّ هذا لاينبغي أن يوضع في إطار ( النقائص في مواجهة الإكتمالات ) : ليس الوردي أوّل شخصية تثير إشكاليات معرفية على صعيد تأصيل ظواهر مجتمعية محدّدة، ولن يكون آخر الشخصيات بالتأكيد، وتلك طبيعة المعرفة البشرية اللايقينية والتي تتقلّب وتتعدّل وبخاصة في ميدان ( علم الإجتماع العراقي ) الشبيه بكثبان رملية متحرّكة .

نجحت الدكتورة هناوي – كما أحسب – في إثارة موضوعات دقيقة تخصّ ظاهرة الوردي، ومنها : غياب إحالات الوردي المرجعية في كتاباته التي تميل إلى التعميم المفرط للخاص على العام ، التعتيم الذي فُرِض فرضاً على سابقين للوردي ( عبد الفتاح إبراهيم تلميذ المدرسة الفابية وصاحب الكتاب الرائع “على طريق الهند “، والدكتور محسن مهدي خريج هارفرد والأستاذ المخضرم في جامعة شيكاغو والباحث المميز في فلسفة التأريخ ) ، كما ألقت الدكتورة هناوي أضواء على تفاصيل أخرى أتفق معها وأختلف بدرجات متفاوتة، وهذه طبيعة البحث العلمي الذي لانستطيع فصله بمقصّ معرفي حاد عن الخلفية الإجتماعية والمعرفية والنفسية للباحث . الموضوعية الخالصة أكذوبة كبرى في ميدان الانسانيات بل وحتى المباحث العلمية .

لابأس أن يتفق فلان مع الدكتورة هناوي أو يختلف معها ؛ لكن لابدّ من الإشارة إلى شغفها المعرفي الذي لايهدأ ، وقد أشارت إلى هذه الحقيقة في خاتمة محاضرتها عندما قالت أنّ التعشيق المعرفي بين المجالات البحثية المختلفة يفتحُ العقول والعيون على ظواهر نسقية يعجز عنها أولئك الذين يدورون في أفلاكهم الخاصة ولايسعون للتفلّت منها نحو آفاق جديدة .

تستحقّ الدكتورة نادية هناوي كلّ التقدير والتنويه بجهودها الكبيرة، وليس مقبولاً الإفتئاتُ على هذه الجهود تحت غطاء ” باطريركية ” أكاديمية أو مجتمعية .

(هنا رابط المحاضرة على اليوتيوب:

 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *