*حسام معروف
تدمج الشاعرة الأردنية تقوى الخطيب ما بين الواقع العربي اجتماعيا وسياسيا والشعر، مقدمة قصائد تصف الحال العربي وتعبر عن الحالة الشعورية بالتفكك وضبابية الرؤية المستقبلية في مجموعتها الشعرية الأولى ”على مقام الرست“ الصادرة عن دار خطوط وظلال للنشر والتوزيع 2021.
وتنقل الخطيب _بما تحمله قصائدها من تلميحات وتشكيل_ نبرة البؤس الذي يهيمن على أفكار الشباب في المجتمعات العربية، تبعا للواقع المرير بكل أشكاله، كما وتكتب الشاعرة عن الانتصارات الذاتية والانكسارات، في عمر الشباب، وذكريات العمر القصير، والطفولة المارة كنسمة، واللحظات مع الأصدقاء الذين رحلوا بعيدا.
كما تكتب عن وحشة حياة الإنسان دون الحب بمفهومه الهائل ”الدرب موحشة/ ليس فيها غير هذا النبض“.
لحن ذبول
وتعبر في قصائدها كذلك عن سطوة الوقت على عمر الإنسان، وانقضاء التفاصيل الجميلة بفعل الزمن، كأنما يفتعل جرما في حق المرء ”العمر قناص/ يفتش في تفاصيلي لتكتمل الجريمة“.
وفي جانب اكتشاف الذات والعبء الثقيل الملقى على كاهل المرء، تصنع الخطيب محاكاة للحزن والمآسي داخل الذات، مبينة حالة الاعتياد على الحمل الثقيل والكم المرهق من الجراح والنزف ”والمنتجات حولي/ تدندن لحن الذبول“.
وتلجأ تقوى الخطيب إلى لغة مبسطة منسابة، تسترسل فيها المعاني دون انقطاعات أو إبهام، وتتميز الجملة في قصيدتها بالإيحاء إلى الطرف الآخر للمعنى، وهو ما يمكن اعتباره لب الشعر الحديث، فعلى الرغم من إتباع الشاعرة التفعيلة، والغنائية في قصائد، ونظام العمودية في أخرى، إلا أنها أضافت للقصائد جوهر الشعر الحديث، بما يمتلكه من مشاكسة في الصورة والمعنى وتراكب بين الموضوع ووحدات النص.
وتتنوع طريقة الخطيب في تقديم قصائدها باستخدام المحاكاة الذاتية تارة، من خلال ضمير (الأنا) والوصف الذاتي الداخلي، وأيضا من خلال الخطاب الجمعي وكي الوعي، باستخدام ضمير المخاطب الجمع، كما وامتلأت القصائد بالأسئلة التي تفكك جمود الواقع السيئ وعرضه شعريا.
صمت
وفي القصيدة التي تحمل عنوان المجموعة ”على مقام الرست“ تتناول الشاعرة حال السكينة التي تتملك الجسد والروح الإنسانية في التوحد مع الحبيب والموسيقى.
وتصف القصيدة كيف يلجأ المرء إلى الصمت، ويكتفي بسيطرة الهدوء على حواسه، هذه العزلة المؤقتة القصيرة، هي بمثابة لحظات اكتفاء واقتراب من الاكتمال.
وتوغل القصيدة في مساحة المعنى المائل للتقديس، بكثافة حضوره على الجسد، وأنه سبيل للتخلص من الأحزان القديمة التي لطالما أرهقته.
مركب دون شراع
وتذهب الشاعرة لترسم ملامح الضياع العربي والتراجع عن التوحد في القضايا المحورية، إذ تمثل القيود في النص شكل الكفن، فيكون مَن بداخلها موتى، لا يمكنهم تحريك الساكن، أو العبور بالمركب الذي ينقصه الشراع، كما تشير الشاعرة في عنوان القصيدة.
وتتحدث تقوى الخطيب عن حال مدينة القدس العربية، التي يحاول الطرف الآخر نفي عروبتها، ونقل ملكيتها لمن لا يستحقها، وتتقاطع مع هذا في نص ”ملح العمر“ إذ تؤكد قدسية التراب، ونزعة الكرامة عند المرء السوي.
كما وترثي الشاعرة الحال العربي، من التفكك وعدم وضوح الرؤية للمستقبل، باسترجاع بطولات الماضي، والحنين إلى القوة العربية في موقعة ميسلون في سوريا.
ملامح الموت
فيما ترجع من بعد ذلك لتبكي حال العراق، وما وصلت إليه إحدى أهم مدن العروبة (بغداد) من التردي والسقوط والنزيف الدائم الذي يتكبده الإنسان والطبيعة هنالك في يومياته، إذ ترسم الشاعرة ملامح الموت التي تملأ الطرق في بغداد، وكيف أن الأغراب قد تمكنوا من اغتيال الحياة فيها.
في مجموعة ”على مقام الرست“ تجربة مليئة بهاجس الشاب العربي، أمام الواقع الذي تنشأ عليه أجيال متعاقبة، تعايش حالا يتغير للأسوأ بمقتضياته السياسية والاجتماعية والفكرية، إذ تقدم تقوى الخطيب تجربة أولى محملة ببعض الأفكار الشائكة، ولغة تحمل من الجمالية ما يصونها، كما وتوحي بالميل إلى التحرر من عباءة القصيدة العمودية في مجموعات تالية.
-
عن موقع ارم نيوز