صدور الطبعة الإنجليزية من “قد لا يبقى أحد” لهيثم حسين

*عارف حمزة

 

غيرت الحرب السورية الكثير من خارطة الإبداع لدى أجيال متعددة من الكاتبات والكتاب السوريين، وصارت مدخلا مناسبا لترجمة أعمال كثيرة إلى اللغات الأجنبية، وهذا ما جعل بعض المترجمين يطرحون على دور النشر أسماء راسخة في الأدب السوري، لم تنل حقها سابقا من الترجمة.

ويعتبر الكاتب السوري الكردي هيثم حسين (ولد عام 1978) أحد الأسماء الشابة التي لاقت أعماله المترجمة الترحيب في صحافة البلدان التي ترجم إلى لغاتها، فبعد ترجمة روايته “إبرة الرعب” إلى الفرنسية والتشيكية والكردية، أصدرت دار “عرب” اللندنية للنشر والترجمة كتابه “قد لا يبقى أحد” وهو سيرة روائية أصدرتها سابقا دار “ممدوح عدوان” عام 2018.

في هذه السيرة تبدو كتابة صاحب رواية “رهائن الخطيئة” كأنها عن كل أسرة سورية صار من المستحيل جمع أفرادها في مكان وزمان واحد بعد تشتتهم عن بعضهم البعض، وهو ما تعرض له الكاتب شخصيا حيث تشتت والداه وإخوته الثمانية بين عدة دول بعدما كانوا يسكنون في منزل واحد.

سيرة عامة

تنقل حسين بين عدة مدن -بينها دبي وبيروت والقاهرة وإسطنبول- قبل استقراره منذ سنوات قليلة في لندن. ويبدو أن إقاماته المتنقلة تلك واطلاعه على قصص العشرات من الأفراد والعائلات، جعلت فكرة هذا الكتاب راسخة، بمعنى أن يكون سيرة للمجموع وليس للفرد الواحد. وهذا ما يجعل العمل لا يفقد طزاجته حتى بعد ترجمته.

وصحيح أنها ليست التجربة الأولى لحسين مع ترجمة أعماله، إلا أنها المرة الأولى التي تترجم له رواية كاملة إلى لغة المكان الذي يقيم فيه حاليا.

يقول صاحب رواية “عشبة ضارة في الفردوس” للجزيرة نت إن صدور الترجمة في لندن، حيث يقيم، منحته فرصة التلاقي مع القراء الإنجليز، وتلمس انطباعاتهم وآرائهم أكثر، والتواصل بطريقة مباشرة واكتشاف تأثيرات الكتابة، وما يمكن أن تحدثه من دوائر وكيف يمكن أن تصل الكتابة للقراء.

وأضاف بأن هذه تجربة “مختلفة وجديدة لي، وعلى الرغم من أنه سبق أن ترجمت رواياتي إلى لغات أخرى، كالفرنسية والتشيكية، إلا أنني لم أحظ بفرصة التواصل الحي مع القراء يوما بيوم وبهذه الحميمية. هنا أشعر بقيمة الكتابة وقدرتها على فك العزلة، وتبديد الغربة، ومد المزيد من جسور التواصل بيننا وبين الآخرين”.

يرى حسين (مؤسس ومدير موقع “الرواية نت”) أنه كان من المهم جدا بالنسبة له أن يصل الكتاب إلى القارئ الإنجليزي لأنه معني به “وهناك كثير من الرسائل الموجهة له” وهذا لا يعني أن المؤلف كتب له “بل كتب ليكون شهادتي على واقعي وجزء من واقعه أيضا، الواقع الذي يجمعنا معا في هذه الجزيرة، وكتب عني وعن بعض التقاطعات بيننا في بلادي وبلاده، وكيف أن ما حدث ويحدث يؤثر عليه أيضا، ولا أحد يمكن أن يكون بمنجى عن تأثيرات الخراب في أي بقعة على وجه الأرض”.

بهجة الناجي

لم ينطلق حسين في كتابه من وجهة نظر الضحية، ولا مما يمكن توصيفه ببهجة الناجي.

ويقول حسين إنه لم يجامل ولم يحاب ولم يسترض أحدا، بل “حرصت على أن أكتب بصدق عما عايشته وأعايشه من مشقات، وما مررت به من صعوبات، وكيف أن الغربة تفتك باللاجئين في ملاجئهم، في الوقت الذي يكونون موضوعين في زاوية محددة بائسة لا تعبر عنهم وعن حياتهم وواقعهم”.

ويكمل “فمن جهة ينظر إليهم في بلادهم أنهم محظوظون فقط لأنهم تمكنوا من النجاة بأرواحهم ووصلوا إلى فردوس الغرب المتخيل. ومن جهة ثانية ينظر إليهم في مغترباتهم ومنافيهم على أنهم يجب أن يكونوا ممتنين لأنهم يحصلون على الدعم والرعاية والأمان على حسابهم، وقد ينظر إلى بعضهم على أنهم قد يكونون بؤرا إرهابية، أو مشاريع ذئاب منفردة في يوم ما، ويجب الحذر منهم، وإبقاؤهم تحت السيطرة والمراقبة”.

واستطرد صاحب الكتاب النقدي “الرواية بين التلغيم والتلغيز” بأنه لا يمكن العيش تحت وطأة مشاعر الامتنان دوما، ولا الاستمرار تحت ضغط التشكيك والنبذ والاتهام المبطن، المتجدد بين وقت وآخر، وليست هناك إمكانية للتخفيف من حدة مشاعر القهر التي تجتاح اللاجئين وتتلبسهم سوى بالبحث عن سبل لفهم أنفسهم وواقعهم أكثر، من دون جلد للذات أو هروب إلى الماضي، ولا لوذ بالتوهمات بقرب انجلاء الكوارث التي دفعتهم للجوء، كي لا يظلوا معلقين في متاهة الانتظار، وفي مستنقع حالة المؤقت التي يمكن أن تستنزف طاقاتهم وتبدد أحلامهم وتنهب أعمارهم.

ويحكي حسين كيف دفعته الأمكنة الجديدة التي وجد نفسه فيها إلى الغوص في داخله، ومراجعة ذاته وأيامه المنصرمة واستعادة ذكريات الأسى والقهر والهدر التي يحملها معه كأعباء تثقل كاهله، وهو الذي أقنع نفسه أن الزمن القادم لا يحتمل المضي تحت أعباء تلك الأحقاد والأحزان والمآسي، وأنه يحتاج للتخفف من حمولتها ليتمكن من العبور إلى غده بأقل الخسائر الممكنة.

ويتساءل الكاتب: هل السيرة قيد بمعنى ما؟ هل أكتب رغبة في تعرية ذاتي وغيري أمام مراياي الداخلية وأمام القراء الذين قد تستهوي بعضهم نماذج من الكتابة الفضائحية؟ هل يكون في تشبيه الكتابة بأنها فن الاستعراء نوع من المبالغة أو الإيهام أو الاتهام؟ هل يتعرى الكاتب وهو يدون أجزاء من سيرته أو حين يسربها في أعماله؟

أغاثا كريستي وأفكارها المتسرعة

على غلاف الكتاب الذي صدر سابقا بالعربية وضع حسين عنوانا فرعيا لكتابه يناجي فيه الكاتبة أغاثا كريستي “تعالي أقل لك كيف أعيش”.

وعن سبب هذا الاختيار قال حسين للجزيرة نت “توجهت في العنوان الفرعي إلى الروائية الشهيرة أغاثا كريستي، وهي بالإضافة إلى أنها رمز من رموز الأدب الإنجليزي، فإنها عاشت في مدينتي قبل عقود، في الثلاثينيات من القرن العشرين، مع زوجها عالم الآثار الراحل ماكس مالوان، وكتبت يومياتها ومذكراتها حين كانت هناك، وكانت لديها بعض الأفكار التي يمكنني وصفها بالمتسرعة وغير الدقيقة عن الناس هناك، لذلك حاولت مناجاتها، وتحريض القارئ الغربي على القراءة باستدراج شخصية مألوفة له، بحيث يشعر بالألفة مع الاسم ويبحث بالتالي عما وراء العنوان والمناجاة واكتشاف دوافعي والتعرف على حكاياتي في عالمين مختلفين، بينهما تقاطعات كثيرة، واختلافات كثيرة”.

القارئ الإنجليزي

يبدو أن رأي الروائية الإنجليزية المعروفة كارول ماغين في كتاب “قد لا يبقى أحد” كان مفصليا بالنسبة لصاحب الكتاب النقدي “الرواية والحياة”. فقد قال حسين مواصلا حديثه “أبهجني وطمأنني أن التلقي الإنجليزي والغربي لسيرتي، وما ورد فيها من أفكار ورؤى وتصورات، يمكن أن تلقى أذنا صاغية، ويمكن أن تقرأ بمعزل عن الأحكام المسبقة المقيدة التي تصنفنا ضمن صناديق مغلقة، ولا تفسح أي مجال للتواصل والتحاور والتعارف”.

من جهة أخرى يبدو أن ترجمة الكتاب إلى لغات أخرى قد حققت بعض رغبات حسين لتغيير نظرة القارئ الغربي، أو “تبديد الجهل بالآخر نسبيا، والتعرف عليه عن كثب وعلى أفكاره وهواجسه وهمومه ومآسيه، يمهد أكثر للتفاهم والتعايش، تحققت بصيغة ما، وما تزال تحتاج للوصول لقدر أكبر من الغربيين الذين ينطلقون من أحكام مسبقة في تعاطيهم مع عالمنا”.

وعن توالي الترحيب بكتابه هذا، تحدث حسين عن رأي المثقفة والرحالة الإنجليزية ساندرا بوتر زوجة عالم الآثار الراحل المعروف تيموثي بوتر، التي قالت له إن الكتاب أعجبها حقا ووصفته بأنه صادق جدا. فـ “كتبت عنه وأوصت بقراءته، ليطمئنني أكثر أن الحجب والجدران غير المرئية التي تفصل بين الناس، سواء في الغرب أو الشرق، يمكن أن تخفف عبر التواصل والكتابة بصدق وجرأة ومن غير بحث عن إرضاء الآخرين فقط لكسب تعاطفهم، أو استجداء شفقتهم”.

ترجمة كتاب “قد لا يبقى أحد” إلى الإنجليزية بمثابة إتاحة الفرصة للقارئ الآخر (الغربي) أن يطلع من جهة إلى صوت الأجيال الجديدة من الكتابة العربية والسورية، ويقرأ (من جهة أخرى) وقائع الآلام والخراب والتهجير وصدمة الاقتلاع وصدمة العيش إجباريا خارج المكان وخارج العائلة.

المصدر : الجزيرة

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *