في الثناء على العمل والكتابة


*لطفية الدليمي

1

يوم بلا عمل : زمن بلا أمل ، صباح بلا خطة للكتابة : متاهة مضببة ووقت منذور للفناء ، هكذا أراني إذا مر يوم دونما كتابة صفحة واحدة أو قراءة بضع صفحات من كتاب أو ترجمة صفحة من كتاب ثمين ، يوم بلا عمل وقفة حيرى على مشهد العالم الذي يمضي قدما في مسارات التجدد والتحولات ويدعنا وراءه في خمول التردد.
عمل الكاتبة والكاتب ليس هينا ولا يسيرا فهو يتطلب عدة وفيرة من اللغة المتقنة والخيال الخصب والتجارب و يستدعي امتلاك زاد وفير من المعارف والمرائي والصور والمشاهد والخبرات من أجل متابعة الكتابة ومواصلة الإنجاز ، فلا يمكن الكتابة عن حياة نابضة عبر استهلاك النصوص قراءة وتمثلا ذهنيا حسب ، بل يتطلب الأمر خوض التجارب الحية والرحلات والتعامل مع الحياة وتفاصيلها وأسرارها والتمّاس اليومي مع الفنون والجماليات والبؤس البشري والتعرف إلى الأرض والطبيعة والناس والاطلاع على الطبائع والسلوكيات والتحولات الحاصلة على حيوات البشر في عصر تتسارع فيه وتيرة التغيرات والأحداث اليومية وتبدلات المناخ وتقلبات الاقتصاد العالمي التي تشكل التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية للمجتمعات.
شخصيا أمجد العمل وأعمل ليل نهار لأسباب عديدة منها : أن العمل صلاتُـنا وعبادتنا المقدسة التي توثق صلتنا العظمى بالكائنات والكون والزمن.
وأن متعة العمل في الكتابة والترجمة والقراءة لا تضاهيها أية متعة أو سعادة أخرى في الحياة وأن العمل يمنحنا كشوفات متلاحقة ويفتح أمامنا طرقا مدهشة للمعرفة والأمل والترفع عن الصغائر و- العمل درعنا الجميل الواقي من الانجرار للحياة الاستهلاكية وتبديد الزمن والروح والعمل وسيلتنا لتجاوز أوجاع الوطن وآلامنا الشخصية وفجيعتنا بالبشرونحن نعمل لكسب قوتنا بزهو وكرامة وكبرياء .
2
يقول الفيلسوف الألماني توماس فاتسيك ” العمل مهم للحياة، نحتاج للكثير من العمل ولا يكفينا القليل ” هكذا ينظر المفكر إلى موضوعة العمل منتقدا تكرار الشكوى من ضغوط العمل والاعتقاد الخاطئ السائد لدى الكثيرين بأن الحياة تبدأ مع نهاية يوم العمل..
ويعقب الفيلسوف فاتسيك بأنّ ثمة رابطا وسببا قويا بين العمل ونجاح الحياة العاطفية للمرء، فالشخص الذي لا يعمل ولا يقدم منجزا مشهودا وملموسا إزاء شخص يرتبط به عاطفيا سيشعر بانعدام قيمته الإنسانية وعبثية وجوده ، مما يفضي به إلى الاكتئاب وفشل علاقاته الإنسانية .
العمل في الكتابة يختلف جذريا عن العمل الوظيفي الروتيني الرتيب ،فالكاتبة / الكاتب الحيوي متجدد الرؤية والأفكار لا يستسلم للأمر الواقع والظروف القاسية و التجارب المريرة بل يصهر خلاصتها في معمله الإبداعي ويحولها بقدراته الرؤيوية ونشاط مخيلته إلى عمل إبداعي مؤثر.
يتحدث فاتسيك عن تجربته الشخصية ويعترف ببساطة ووضوح أنه عمل في العديد من الوظائف والأعمال المملة والمجهدة وذات الرواتب الضحلة البائسة ، كما عمل في وظائف كان يمقتها وتحمل كل تبعات تلك المرارة التي تولدها ممارسة أعمال لا نحبها ،فالأسوأ من كل ذلك هو عدم وجود وظيفة أو عمل على الإطلاق ، ويعترف فوتسيك : عندما لا اعمل أراني شخصا ميتا و يعترف كولن ويلسون في كتاب سيرته الذاتية الأخير ( الحلم من أجل غاية ما) . إنه عمل من أجل أن يعيش ويعيل زوجة وطفلين ، في أعمال تافهة وصعبة وعاش مشردا ينام في الشوارع وكان يبيع قسائم الاشتراك في المجلات الأدبية ليذهب بعدها ويستغرق بالقراءة والكتابة على مدى الساعات الطوال في مكتبة المتحف البريطاني ويدون ملاحظاته على ما يقرأ.
______
* المدى

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *