الصحافة الورقية والأجل المحتوم!

*د. عبدالله الطوالبة

تبدو الصحافة الورقية، بين وسائل الإعلام الجديد وكأنها أطلال ماضٍ انقضى، تنتظر مواراتها في متحف التاريخ. والدليل، أن الصحافة الورقية خاصتنا تتلقى الوعود بإعادتها إلى الحياة ، منذ عشرة أعوام على الأقل. لكن مسارها إلى النهاية المحتومة، يواصل انحداره إلى أن بلغت ما هي عليه اليوم من أوضاع بالغة الصعوبة تتحدث عن نفسها بنفسها، ولا تحتاج إلى مزيد بيان.

حتى لو أن هناك في الحكومة من يتعاطف مع أطلال الصحافة الورقية، فليس بمقدوره أن يفعل لها شيئاً ذا بال، سوى تطييب الخواطر بالعواطف والمجاملات. لماذا؟

اولاً: المعلومة أصبحت تلاحقنا على مدار الساعة، وانتهى زمن انتظارها صباح اليوم التالي. هذا يعني ببساطة ان زمان الصحافة الورقية انتهى.

ثانياً: لم تعد الصحافة الورقية رقماً فاعلاً في معادلة الإعلام، والحكومات أكثر من يعرف ذلك. فكيف إذا أضفنا إلى ذلك، أن الحكومات فعلت ما بوسعها فعله لإنعاش الصحافة الورقية، ومع ذلك لم يجدِ ما فعلت نفعاً؟ كما لجأت ادارات الصحف إلى الهيكلة أكثر من مرة، لكن الإنحدار تواصل.

ثالثاً: يمكن إطالة عمر الصحافة الورقية لبعض الوقت ولكن بشروط، أهمها تغيير المحتوى وأساليب التحرير وتقديم مضمون مختلف عن المعتاد. هذا يتطلب كوادر صحفية مختلفة، على الصعيد الفكري بخاصة. وأعتقد أن هذا الشرط، في ظروفنا صعب التحقق، إلى درجة تكاد تقترب من تخوم المستحيل.

رابعاً: لو خطر ببال مسؤول حكومي يتوفر على قدر من الفطنة والذكاء، واقترح إجراء استفتاء شعبي بخصوص دعم الصحافة الورقية، وتم بالفعل اجراؤه بحيادية وشفافية، أنا متأكد إلى درجة كبيرة جداً، أن النتائج ستكون محرجة.

خامساً: الأجيال الشابة تخلت عن الصحافة الورقية، التي لم تعد تعني لهم شيئاً. وأعتقد أن كلاً منا يلمس ذلك في بيته.

سادساً: لم تعد الصحافة الورقية تجذب المعلنين. يُضاف إلى ذلك ما طرأ على سوق الإعلان من مستجدات ليست في صالحها كما هو معلوم. فكيف ستستمر هذه الصحافة، في وقت لم يعد يقرأها أحد، وتقلص حجم الإعلانات في صفحاتها إلى مستوى يستدعي البكاء على الأطلال؟!

سابعاً: صحف عربية وعالمية عملاقة، توقفت عن الصدور او تحولت إلى صحف إلكترونية، مثل الحياة اللندنية والسفير اللبنانية والإندبندنت البريطانية. وقد شمل هذا المصير صحفاً ومجلات ورقية كثيرة.

نكتفي بهذا القدر من حقائق نعتقد بوضوحها، كما الشمس في رابعة نهار تموزي في صحراء العرب.

ولا بأس من التذكير بأن معاندة التاريخ غير ممكنة، ومعاكسة حركة الحياة ستبوء بالفشل.

* كاتب من الأردن

شاهد أيضاً

يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت

(ثقافات) يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت حسن حصاري منْ يمُدُّ لي صوْتا غيرَ صوْتي الغائِب؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *