هل الصحافة الورقية ستعلن الحداد في القريب العاجل؟


خلود الفلاح *



هل هناك أحد حتى هذه اللحظة يعلم كيف سنقرأ الصحف في العقد القادم؟ هل ستستمر ورقية؟ أم سنتبعها على أجهزة الابتوب والآي باد؟ أم ستصبح ككتب الجيب؟ هل أصبح الفيس والتويتر واليوتيوب منافس قوي للصحيفة الورقية؟ أم ان كل ما يتم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي مصدره الرئيسي الصحافة الورقية؟ إذا كانت الصحافة الورقية في مأمن وستواصل صدورها دون منافس فما الذي دفع مجلة عريقة مثل “نيوزويك” الاعلان عن توقف نسختها الورقية نهاية العام الماضي وخروج غلافها لذلك الأسبوع متشحا بالأبيض والأسود فيما يشبه النعي.. وعليه العنوان التالي: اليوم الأخير. المجلة التي كانت تبيع أكثر من ثلاثة ملايين نسخة في الأسبوع، وتحقق نسبة إعلانات كبيرة، باعتبارها مجلة النخبة في أميركا، اضطرت للموت ورقيا. حيث يبين تقرير من شركة إحصاءات ان محرك البحث غوغل وفي ستة أشهر الأولى من العام 2012 قد حقق ارباحاً وقدرها 10.9 مليار دولار من الإعلانات.
وفي عالمنا العربي مازال الورقي والالكتروني صديقين، ففي يوم 28_ مارس بمدينة بنغازي احتفلت دار الكتب الوطنية بافتتاح مكتبتها الالكترونية المحتوية على أرشيف كبير من المعلومات والكتب والأبحاث الليبية والعربية والأجنبية. حيث تحوى المكتبة على أكثر من 1500000 مرجع في الأدب العربي والعالمي والفنون وشتى العلوم والمعارف بالإضافة إلى كل إصدار عربي من عام 1800 حتى الوقت الراهن. وفي ختام مؤتمر الناشرين العرب الثاني بمكتبة الإسكندرية, مارس الماضي تحت عنوان “تمكين المعرفة وتحديات النشر العربي” تم إصدار عدد من التوصيات جاءت حصادا لنقاش استمر ليومين, ومن أبرزها التوصية بمقاضاة القائمين على محرك البحث الشهير “جوجل” لاستباحته حقوق المؤلفين من ناحية. وفي جانب آخر دعت التوصيات إلى الاستفادة من وسائل الاتصال الحديثة (الوسائط الالكترونية) فيس بوك, يوتيوب, والمنتديات الإلكترونية فى تنمية عادة القراءة والتواصل مع الجمهور. 
ويوضح رئيس تحرير صحيفة “أخبار اليوم” المغربية الصحفي توفيق بو عشرين: إن التشبث بالصحافة الورقية ليس حالة حنين إلى الماضي (نوستالجيا) بشكل مَرَضي ولا نزعة محافظة ترفض الاعتراف بالواقع وتفضل العيش في جلباب الأب والجد وجد الجد. أبدا، الصحافة المكتوبة ليست ورقا ومدادا ومطابع. إن الصحافة الورقية أسلوب في الكتابة وعمق في التناول ورصانة في التحرير وتقاليد عمرها أكثر من قرنين.. وكل هذا تراث ساهم في صناعة قصة “السلطة الرابعة” التي طبعت القرن الماضي ببصمات لا تنسى، وأضاف: مؤسسات الصحافة الورقية مطالبة برفع أثمان بيع الصحف لكي تحقق نوعا من التوازن بين مداخيل الإعلانات والمبيعات، التي لا تشكل اليوم إلا نسبة رمزية من مجموع مداخيل المؤسسات الصحافية. لماذا؟ لأن مداخيل الإعلانات ستتراجع حتما مع تدني عدد قراء الصحافة الورقية وارتفاع عدد مستهلكي المادة الإعلامية الإلكترونية. ولهذا على الصحافة الورقية الخروج من منافسة غير متكافئة ومن معركة خاسرة، والتوجه نحو النخبة القادرة على دفع ثمن مادة صحافية رصينة وجيدة ومهنية ومستقلة، لا يتدخل المعلن للتأثير على خطها التحريري ولا ينشغل طاقمها بتوسيع مجال استهداف فئات واسعة.

كبسة زر تحقق الهدف 

يقول الكاتب والصحافي بجريدة “الشرق الاوسط” اللندنية معد فياض: بالرغم من ان المنافسة بين الصحافة المطبوعة، الورقية، والالكترونية بلغت اشدها وتحولت إلى ما يشبه الحرب المعلنة بين صرح قديم وراسخ، واعني الصحافة الورقية، وعملاق حديث ومتطور تكنولوجيا ويتبع آخر التقنيات الرقمية، الصحافة الإلكترونية إلا ان الغلبة حتى الآن في عالمنا العربي تبدو للصحافة الورقية.
في اوربا والولايات المتحدة ودول متقدمة اخرى مثل اليابان والصين واستراليا تغزو الصحافة الالكترونية، اجهزة الكمبيوتر والآي باد والهواتف النقالة “الموبايلات” بقوة، وتمكن الجمهور من متابعة آخر الاخبار والقصص الاخبارية والمنوعة والاقتصادية مدعومة بالصور وبالتسجيلات الرقمية الفديوية وبالصوت، وهذا ما يمنح الصحافة الالكترونية ميزة التفوق والتقدم الشاسع عن الصحافة الورقية، يضاف إلى هذا ان الصحافة الالكترونية تتيح للقارئ ان يتتبع ويرصد آخر الأخبار والقصص وبعد لحظات أو دقائق من وقوعها، كما يهيء لرجال الأعمال ومتابعي أرقام البورصات في العالم أحدث فعاليات وأسعار الاسهم عبر العالم، لهذا نجد ان الصحافة الالكترونية هي الاكثر شيوعا وطلبا ومتابعة، كما ان هذه الصحافة تختصر للقارئ مساحة الصحيفة المطبوعة فلم يعد المتتبع للأخبار بحاجة إلى حمل الصحيفة المطبوعة في القطارات والباصات والمقاهي. وما يؤكد صحة ما نذهب إليه هنا حول زيادة جمهور الصحافة الالكترونية هو ارتفاع نسبة الاعلانات في هذه الصحافة من جهة والتقليل من عدد نسخ الصحافة المطبوعة. والموضوع تجاوز مسالة الصحافة إلى الكتب الالكترونية. ففي القطارات وقطارات تحت الأرض “المترو” تشاهد نسبة كبيرة من المسافرين منشغلين بمطالعة كتبهم المفضلة من خلال اجهزة الديجتال، وبإمكانه خزن اعداد كبيرة تصل إلى الالاف من الكتب في تلك الاجهزة الصغيرة والخفيفة، أي إنهم يحملون مكتباتهم الضخمة معهم في حقائبهم أو جيوبهم. ويضيف فياض:على العكس من ذلك تماما نجد ان الصحافة الالكترونية تمضي ببطأ وخجل في عالمنا العربي، ونستطيع ان نؤشر صحيفة “ايلاف” التي أسسها ويرأس تحريرها الصحافي والكاتب الناجح عثمان العمير، رئيس تحرير صحيفة “الشرق الاوسط” اللندنية الأسبق باعتبارها أول وأهم صحيفة الكترونية وقد حققت نجاحا باهرا، ربما كونها الأولى والوحيدة بمواصفات الصحافة الالكترونية العربية، والأهم من هذا ان صاحبها، العمير، يتمتع بخبرات مهنية وعلاقات واسعة في العمل الصحافي ورصد لها راس مال لا يتوفر للعديد من المغامرين في هذا المجال. ويوضح فياض أن الصحافة الالكترونية عربيا وفرت مجالات مفتوحة وواسعة أمام اي شخص أو جماعة أو حزب لينشأ صحيفته الخاصة ويبثها من خلال الشبكة العنكبوتية، لكن محاولات غالبية من هؤلاء تبدو متواضعة حتى الآن، وتحولت محاولات غالبيتهم إلى مواقع الكترونية تنشر الأخبار والمقالات وبعيدة عن المهنية.
ويؤكد فياض عربيا الصحافة الورقية هي المنتصرة والمسيطرة على الساحة الإعلامية، فالقارئ العربي ما يزال يريد ان يتحسس ورق الصحيفة بأصابعه وان يقرأ باسترخاء ويتابع “بمزاج”، يضاف إلى ذلك ان القارئ العربي ما يزال متخلف عن ركب المتابعة التكنولوجية واستخدام اجهزة وتقنيات الكمبيوتر والأجهزة الرقمية، ومن يبرع بذلك هم الشباب الذين لا يضعون مسألة متابعة الصحافة الالكترونية في اولوياتهم. الاهم من هذا وذاك هو المعلن، والإعلانات هي الممول الرئيس لأي صحيفة أو مجلة ونسبة الاعلانات في أي صحيفة دليل نجاحها واتساع انتشارها وتوزيعها، فالمعلن العربي يفضل الصحافة الورقية ولا يفكر بالصحافة الإلكترونية
لكن غالبية أصحاب ورؤساء تحرير الصحف المطبوعة باتوا يفكرون بالمستقبل، وهم يدركون ان المستقبل للصحافة الإلكترونية لهذا يضعون صحفهم على مواقع إلكترونية فجريدة واسعة الانتشار عربيا وعالميا مثل”الشرق الأوسط” طورت كثيرا من موقعها الالكترونية وضمنته أخبار مسجلة فيديويا وتعمل على تجديد الأخبار باستمرار لتتهيأ للمنافسة القادمة في مجال الصحافة الالكترونية.
ويقول الصحفي سامح قاسم من صحيفة الدستور المصرية: لا أظن أن المنافسة مستعرة لهذه الدرجة بين الصحافة الورقية والالكترونية فكل منهما له جمهوره وستظل الجريدة الورقية هي المصدر الاساسي للإطلاع على الأخبار ومتابعة المقالات، وأضاف قاسم:أما المواقع الأخبارية وما شابه ذلك من مواقع رغم زيادة زوارها دقيقة بعد دقيقة إلا انها لا تلبي رغبة الجمهور العربي المرتبط ارتباط بالغ بصحيفته الاثيرة -ايا كانت- منذ سنوات لابد من سن قوانين تمنح الصحفيين العاملين في الفضاء الالكتروني مزيد من الضمانات التي تكفل لهم حرية التعبير والنشر. 

وتقول رئيس تحرير صحيفة فسانيا الليبية سليمة بن نزهة: المنافسة قوية جدا بين الصحافة الورقية والإلكترونية فالخبر الذي قد يستقبله القارئ في صباح اليوم التالي من وقوعه سيجده حاضر بكبسة زر جهازه المحمول، في نفس ساعة حدوثه ومع ذلك لا غنى عن الصحافة الورقية، وتضيف بن نزهة: اعتقد أن حرية النشر في فضاء اعلامي شاسع يسمى النشر الالكتروني أصبح لا حد له، وهذا يتطلب ضرورة تفعيل قوانين جديدة خاصة بالنشر الالكتروني. 


شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *