أزمة الصحافة الورقية




فتوح الشاذلي*


في خطوة مفاجئة قررت صحيفة الإندبندنت أعرق الصحف البريطانية التوقف عن الصدور. قرار الشركة المالكة للصحيفة حدد عدد 26 مارس ليكون آخر عدد مطبوع يصدر في الأسواق.. قرار التوقف شمل الإصدار اليومي والأسبوعي.
الخبر أثار ارتباكا شديدا في الصحافة العالمية لأن الإندبندنت صحيفة عمرها 30 عاماً وهي تعد من الصحف الرائدة في بريطانيا.
عندما توقفت صحيفة كريستان ساينس مونيتور التي تعد من الصحف الشهيرة في الولايات المتحدة وكان هذا التوقف في عام 2009، أي منذ 7 سنوات تصور المراقبون لأوضاع الصحافة أن الأمر لا يعدو كونه حالة فردية وأنه لن يمثل ظاهرة على الأقل في المدى القريب.. واليوم بعد توقف الإندبندنت فإن المعادلة تسير في اتجاه آخر وأن الأمر لا يتوقف عند توصيف الحالات الفردية ولكنه يتحول إلى ظاهرة.
عندما زرت الصحف البريطانية منذ ثلاث سنوات قال لي أحد قيادات صحيفة الجارديان إن الصحافة الورقية أصبحت مهددة من الصحافة الالكترونية وإنها – أي الصحافة المطبوعة – لن تستطيع الصمود أكثر من 10 سنوات.. ولكن يبدو أن عجلة التغيير تسير بصورة أسرع من هذه التوقعات والدليل توقف الإندبندنت.
وأذكر في جولتي بصحيفة الجارديان التي يزيد عمرها على 180 عاماً أن رئيس تحرير الصحيفة الذي تخطى الستين وقتها قرأ التغييرات المتلاحقة مبكرا وبدأ يستعد لما هو قادم فما كان منه إلا أن أعطى اهتماما أكبر لموقع الصحيفة الإلكتروني.. حتى أن اجتماع مجلس التحرير الذي حضرته وقتها أعطى للموقع وقتا أطول من الصحيفة المطبوعة.. فعل الرجل هذا رغم علمه بأن الجارديان ستكون آخر صحيفة بريطانية تتوقف عن الاصدار الورقي وذلك لأسباب كثيرة أهمها ارتباط القارئ بها وعدم تأثر توزيعها كثيرا بالتطورات الجديدة.
في الإندبندنت تحدثوا معي وقتها عن الانخفاض الكبير في توزيع الصحيفة الورقية وقالوا إنهم قد يضطرون إلى التوقف وإن اهتمامهم الأكبر بالنسخة الالكترونية التي لاحظت فيها تطورا هائلا.. قالوا هذا بكل شفافية ولم يخجلوا من إعلان أرقام توزيعهم.. ولكن يبدو أن التطورات كانت أسرع من تقديراتهم.
إن التطورات المتلاحقة باتت تهدد الصحافة الورقية وتفسح المجال أمام الصحافة الإلكترونية التي تتقدم بخطوات مذهلة، ولم يعد أمامنا إلا الاعتراف بهذه الحقيقة والاهتمام أكثر بالإعلام الإلكتروني الذي سيمتد تأثيره إلى الإعلام المرئي أيضا.
أعتقد أن السر في هذا التحول هو التفاعل الذي تحقق بين القارئ والصحافة الإلكترونية.. ذلك التفاعل اللحظي الذي يفتقده في الصحافة المطبوعة.
زرت الصحف البريطانية استعدادا لمشروع إعلامي تأخر ثلاث سنوات واليوم وهو على وشك الصدور أعتقد أن أكبر فائدة تحققت من هذه الزيارة هو أننا سنبدأ من حيث انتهى الآخرون.
وإذا كان التحول إلى الإعلام الإلكتروني أصبح حتميا إلا أن عشق القلم وعطر الحبر والورق سيظل ذكرى جميلة لن تموت.. وكان أستاذ الجيل مصطفى شردي رحمه الله يقول: «حبيبة القلب عطرها حبر وورق».. نعم ستظل حبيبة القلب حتى آخر العمر.
* الدستور.

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *