سيمون دو بوفوار : رسائل عاشقة إلى نيلسون ألغرين

 ( ثقافات )

               

 سيمون دو بوفوار : رسائل عاشقة إلى نيلسون ألغرين(الرسالة 4)

         

ترجمة : سعيد بوخليط

 سنة 1947 : سيمون دو بوفوار في الولايات المتحدة الأمريكية :

بدعوة من جامعات أمريكية عديدة،سافرت سيمون دو بوفوار إلى الولايات المتحدة الأمريكية،بحيث مكثت هناك طيلة الفترة الممتدة من شهر يناير غاية ماي.

خلال شهر فبراير،في نيويورك،التمست ماري غولدستين من صديقها نيلسون ألغرين،حين زيارته مدينة شيكاغو،الذهاب قصد التعرف على الكاتبة.

فعلا اجتمع بها وقضيا معا ليلة،وعند ظهيرة اليوم التالي،اصطحب ألغرين بوفوار في جولة شملت أحياء المدينة المهمشة،وكذا حانات الحي البولوني.

بعد ذلك، أخذت بوفوار القطار المتجه إلى لوس أنجلس.

                            (الرسالة 4)

 17ماي 1947

داخل الطائرة

السبت ظهرا،نيوفندلاند

عزيزي،أيها الطيِّب الرائع”الشاب النيئ”(1)،لقد جعلتني مرة أخرى أذرف العبرات، لكنها دموع ناعمة،حلوة،مثل كل الأشياء الصادرة عنكم.أخذت منذ قليل مكاني داخل الطائرة،ثم فتحت كتابكم،وضع بعث لدي رغبة الكتابة إليكم،تأملت الصفحة الأولى،وانتابتني لحظتها الحسرة لأني لم أطلب منكم سابقا،تدوين بعض الكلمات من توقيعكم،ثم تمكث هنا حروفكم العذبة والجذابة والجميلة.

أسندت جبهتي على نافذة الطائرة،وانهمرت دموعي فوق زرقة البحر،لكنها دموع عذبة،دموع الحب،حبّنا،أحبّكم.

سألني سائق التاكسي :

-“هو زوجكم؟”

-”لا، مجرد صديق”

ثم أضاف بنبرة مفعمة بالودِّ :”كمْ بَدَا حزينا !”وانطلق يحدثني عن باريس بمحبة.

خيرا فعلتم لأنكم لم تصحبوني،غاية شارع ماديسون ومطار لاغوارديا،فقد صادفت هناك أشخاصا كثيرين أعرفهم مع أفظع الأصوات وأقبح الوجوه الفرنسية،يدرك الله مدى بشاعتها.لقد انزعجت إبانها،عجزت لحظتها عن البكاء، فقط منزعجة.

أقلعت الطائرات،أحب الطائرات،فحينما أبلغ مستوى معينا من الانفعال،أكتشفها وسيلة التنقل الوحيدة المتناغمة مع حالة فؤادي.يتشكل هذا الكلّ بفضل الطائرة، الحب، السماء، الحزن، والأمل.أفكر فيكم،أستعيد باهتمام كل التفاصيل. أنا بصدد قراءة كتابكم الذي أفضله على نصوصكم الأخرى.

قدَّموا لنا ” ويسكي” وطبق غذاء شهي :دجاج بالقشدة، ثم مرطب مثلج بالشوكولاتة. كنتم لتستمتعوا لو تمليتم معي هذا المشهد الطبيعي، والسحب، والبحر، والساحل، والغابات، والقرى، مثلما نكتشف مرأى اليابسة جيدا، ثم ابتسمتم حيال نفس ابتسامتكم الدافئة ذات الملمح الطفولي.

من فوق سماء جزيرة نيوفندلاند،أرخى سلفا الليل سدوله،في حين لازال توقيت نيويورك عند حدود الساعة الثالثة زوالا.جزيرة في غاية الجمال،تغمرها صنوبريات متجهمة وكذا بحيرات حزينة إضافة إلى لمسة ثلجية. حطت الطائرة ويلزمنا الانتظار هنا طيلة ساعتين.

أين تتواجدون تحديدا حاليا؟ربما على متن طائرة أخرى.حين عودتكم إلى منزلنا الصغير،سأكون هناك مختبئة تحت السرير وبين طيات كل الزوايا.دائما بصحبتكم، من الآن فصاعدا،على امتداد شوارع شيكاغو الحزينة،تحت سكة القطار الهوائي،ثم في الغرفة المنزوية.

سأكون معكم مثل زوجة عاشقة بجانب زوجها المعشوق جدا.لن نمتلك حينها ساعة منبهة لأننا لسنا بصدد حلم،بل واقعة رائعة بدأ حقا حكايتها للتَّو.أحس بكم معي،ترافقني حيثما ذهبت،ليس فقط نظرتكم بل عبر حضوركم الكلِّي.

أحبّكم،ولايمكنني إضافة شيء ثان.

تأخذونني بين ذراعيكم،ألتصق بكم،أقبّلكم مثلما فعلت سابقا.

                                              سيمون

هامش :

 : (1) ولد ألغرين سنة 1908،وهو أصغر سنا من بوفوار  بفارق سنة واحدة.

 *المصدر : رسائل سيمون دو بوفوار، غاليمار،1997 .

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *