المترجم الصيني شوي تشينغ: أعشق اللغة العربية لأنها اختارتني

* حاوره : حسن الوزاني

ترجم العديد من الأعمال الأدبية إلى الصينية

شوي تشينغ قوه: أعشق اللغة العربيةلأنها اختارتني

يواصل المترجم الصيني شوي تشينغ قوه مسيرتَه الطويلة على مستوى علاقته العاشقة باللغة العربية التي امتدت على أربعين سنة. حصل على الدكتوراه في الأدب العربي من جامعة الدراسات الأجنبية ببكين عام (1992م). عمل عميداً لكلية اللغة العربية في نفس الجامعة، وأميناً عاماً لجمعية بحوث الأدب العربي في الصين.

راكم العديد من أعمال الترجمة، حيث نقل إلى الصينية أعمال جبران خليل جبران وأدونيس ومحمود درويش ونجيب محفوظ وسعد الله ونوس، إضافة إلى مشاركته في ترجمة (ألف ليلة وليلة). وعلى مستوى الترجمة في الاتجاه المعاكس، تعاون مع الباحث السوري فراس السواح في ترجمة كتاب (الحوار) لكونفوشيوس، وكتاب (التاو تي تشينغ) للمعلم لاو تسي، وكتاب (منشيوس) لمنغ تسي.

¯ تُرجع، في أكثر من تصريح لك، علاقتك باللغة العربية إلى المصادفة.. كيف تمَ ذلك؟

– بالفعل، علاقتي باللغة العربية كانت وليدة المصادفة إلى حد كبير. ذلك لأنني حينما دخلت الجامعة في عام (1981م)، كان النظام المعمول به في جامعتنا، وهي إحدى الجامعات العريقة في الصين المتخصصة في تدريس اللغات والثقافات الأجنبية، هو أن الجامعة توزع اللغات المختلفة على الطلاب. ومازلت أذكر ذلك الصباح الذي كنت أقف فيه في ميدان الجامعة، لأستمع إلى أحد المسؤولين، وهو يقرأ أسماء الطلاب واللغات التي عليهم دراستها. وكان حظي أن أدرس اللغة العربية، لذلك أقول إن اللغة العربية هي التي اختارتني، ولست أنا الذي اخترتها.

¯ ترجمتَ العديد من النصوص الأدبية العربية إلى الصينية، من بينها أعمال جبران خليل جبران، ونجيب محفوظ، وأدونيس، ومحمود درويش، وسعد الله ونوس وغيرها. هل تشعر بأنك وفقتَ في الإسهام في توسيع قراء الأدب العربي بالصين؟

– أعتقد أن معظم ترجماتي أحدثت أصداء جيدة في الأوساط الثقافية الصينية، ومكنت القراء في الصين من معرفة الثقافة العربية المعاصرة، وساعدت إلى حد ما، على تغيير الصورة النمطية التي تركتها الوسائل الإعلامية السطحية في أذهان الشعب الصيني عن الإنسان العربي. إذ يعرفون من خلال هذه الترجمات أو غيرها أن هناك إبداعات أدبية ذات قيمة جمالية وفكرية عالية، وأن الإنسان العربي مثل أي إنسان آخر، له هموم وتطلعات لا تختلف كثيراً عما لدى الآخرين. وأذكر أن شاعراً صينياً قال لي ذات مرة، عن انطباعاته بعد قراءة أعمال أدونيس: رغم أن أدونيس يتحدث كثيراً في كتاباته عن الواقع العربي، ولكنه، أي هذا الشاعر الصيني، يشعر بأن هناك أملاً في حياة المجتمع العربي والثقافة العربية، لأن القدرة على مساءلة الذات هي في حد ذاتها دليل على قوة وحيوية هذه الثقافة، وعلى إمكانية تجديدها وتحسينها.

من مؤلفاته

¯ كيف ترى، بشكل عام، اهتمام المثقفين والقراء الصينيين بترجمة الأعمال الأدبية العربية؟

– بصراحة، هذا الاهتمام ليس كبيراً، وهو يخص أدباء قلائل، مثل جبران ونجيب محفوظ، وأدونيس، ومحمود درويش. وأعتقد أن السبب الرئيسي يرجع إلى قصورنا نحن المشتغلين بالأدب العربي، في ترويجه بين القراء في الصين، وفي تقديم مزيد من الترجمات والبحوث الرائعة. وقد يكون هناك سبب آخر أعمق، وهو أن الآخر، بالنسبة إلى معظم المثقفين الصينيين، كان ومازال يقتصر على الغرب المختلف المتقدم، فاختفى الآخر العربي، أو الهندي، أو الأفريقي عن أنظار معظمهم إلى حد كبير، وهذا قصور كبير في رأيي، لا يليق بمكانة الصين في العالم سياسياً واقتصادياً، إذ يصعب على الصين أن تتبوأ مكانتها المناسبة في العالم إلا إذا كان مثقفوها يكتسبون رؤية كونية حقيقية لهذا العالم ولثقافاته وآدابه.

¯ كيف تنظر، من موقع تجربتك، إلى الصعوبات التي يمكن أن تواجه المترجم الذي يشتغل على النصوص العربية، سواء النثرية منها أو الشعرية؟

– العقبات التي تواجه النثر تختلف عن تلك التي تواجه الشعر. بالنسبة إلى النثر، أعتقد أن العقبة الأولى تكمن في تباين الخلفيات الثقافية والاجتماعية على مستوى العالمين العربي والصيني، والتي قد يصعب فهمها من طرف المترجم، أو تذوقها من طرف للقارئ. كما أن هناك عقبة تتعلق باستعمال اللغة العامية في بعض الأعمال، علما أن بعض الكتاب يستخدمون أحياناً تعبيرات ذات صبغة لغوية محلية في أعمالهم، يصعب على المترجم فهمها.

من مؤلفاتهوبالنسبة إلى ترجمة الشعر، أظن أن هناك عقبتين أيضاً. تتجلى العقبة الأولى في صعوبة الحفاظ على الموسيقا أو الإيقاع الداخلي للشعر العربي. إذ إن الشعر العربي الحديث، وعلى الرغم من تخلصه من القوافي والأوزان التقليدية، يمتاز إجمالاً بنوع من الموسيقا الداخلية، وهو الذي يجعل الشعر شعراً، ولكن أحياناً يصعب على المترجم الحفاظ على هذه الموسيقا الداخلية في النص المترجَم. وقد حدث لي مراراً أنني ترجمت قصيدة عربية، ووفقت في نقل معانيها وصورها، ولكني لا أقتنع بالنص المترجَم، لأنني حين أقرؤه لا أجد جمالاً فيه من حيث التركيب اللغوي، أي من حيث الموسيقا، بينما أجد هذا الجمال في النص العربي؛ لذا أضطر إلى عدم نشر القصيدة. وتكمن العقبة الثانية في فهم بعض القصائد. إذ إن الشعر الحديث يمتاز بالغموض إجمالاً، في كل لغات العالم، وللغموض جماله الخاص طبعاً، ولكن في بعض الأحيان، تواجه المترجم قصيدة لا يستطيع فهمها مهما بذل من الجهد والتأمل. لذلك، فالمترجم قد يعاني كثيراً عندما يترجمها، وحتى إذا انتهى من الترجمة فهو لا يعرف إن كان النص المترجم جميلاً أم لا، كما لا يعرف إن كانت القصيدة الأصلية جميلة أم لا. وأنا أعاني هذه المشكلة أحياناً. ولكن، إجمالاً، والحمد لله، أستمتع بالشعر الأصلي وبترجمتي.

¯ شهدت السنوات الأخيرة بروز الصين كبديل مهم على مستوى الحوار الثقافي الذي يمكن أن يجمعها بالعالم العربي.. كيف تتمثل وضعية هذا الحوار؟

– أعتقد أن الحوار الحقيقي بين ثقافتينا مازال ضعيفاً وشحيحاً، خاصة على مستوى المفكرين والأدباء والمبدعين في كافة المجالات العلمية والثقافية. إذ ينبغي إيلاء مزيد من الاهتمام بالحوار بين ثقافتينا بشكل عميق وحقيقي، بعيداً عن الرسميات والبروتوكولات والمجاملات، حتى يتناول قضايا مهمة تهم الجانبين. أقول ذلك لأن الأمتين العربية والصينية مستهدفتان، وتتم شيطنتهما بين حين وآخر.

من مؤلفاته¯ اشتغلتَ عميداً لكلية اللغة العربية في جامعة الدراسات الأجنبية.. إلى أي حد يسهم الجانب الأكاديمي في تعميق الحوار الصيني – العربي؟

– الجانب الأكاديمي يلعب دوراً كبيراً لا يستغنى عنه في تجسير الحوار الصيني – العربي. ففي جامعتنا مثلاً، أطلقنا مشاريع ثقافية كثيرة في السنوات الأخيرة تعنى بالحوار الصيني العربي الثقافي والأكاديمي، وربما كان أكثرها نجاحاً برنامج زيارة النخب الثقافية العربية إلى الصين، فقد تم ترتيب زيارات العديد من كبار الأدباء والمفكرين العرب إلى الصين، منهم أدونيس، وسعدي يوسف، ونوال السعداوي، وجمال الغيطاني، وسمير أمين، وسلوى بكر وفراس السواح، وغيرهم. كذلك قمنا بترجمة سلسلة من الكتب الثقافية والأدبية العربية، إضافة إلى إقامة مهرجانات ومعارض وأمسيات شعرية أو فنية ومحاضرات عن الثقافة العربية والحوار الصيني – العربي. كل هذه الفعاليات أسهمت في تعزير العلاقات الثقافية بين الصين والعرب وزيادة التفاهم بين الشعبين، خاصة على مستوى النخب والشباب.

  • عن الشارقة الثقافية

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

تعليق واحد

  1. محمود سعيد

    الأستاذ الكبير شوي تشينغ الصديق العزيز:
    لحسن حظي عثرت على هذه المقابلة، أنت علم صيني عالمي عظيم، أتمنى لو أمكنني الحظ برؤيتك ثانية أيها العزيز، أنا استحضر دورك في خدمة لغتيك الصينية والعربية دائماً، وأنت مثلي الأعلى. لقد أشرت إلى الغموض في الشعر العربي الحديث، وأظنه اتجاه مفتعل، وسيزول ما إن يتعمق اتجاه الحداثة ويجد الشعراء طريقهم.
    تحياتي القلبية
    دمت استاذاً وأخاً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *