* حاوره : عمادالدين موسى
خالد خليفة: كاتب سيناريو، وروائي سوري، من مواليد مدينة حلب، سنة 1964، تُرجمت أعماله إلى الكثير من اللغات. في رصيده- حتى الآن- ستّ روايات، هي: «حارس الخديعة» (1993)، و«دفاتر القرباط» (2000)، و«مديح الكراهية» (2006) التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة «بوكر» العربيّة، و«لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة» (2013) التي وصلت، أيضاً، إلى القائمة القصيرة لجائزة «بوكر»، وحازت جائزة نجيب محفوظ لعام 2013، و«الموت عمل شاقّ» (2016)، و«لم يُصَلِّ عليهم أحد» (2019) التي أُدرجت على القائمة الطويلة لجائزة «بوكر».
للكاتب، أيضاً، عدد من المسلسلات التلفزيونيّة، منها «سيرة آل الجلالي» (1999)، ومسلسل «هدوء نسبي» (2009). أجري هذا الحوار بالتزامن مع صدور أعماله الروائية الكاملة:
فازت، مؤخَّراً، الترجمة الإيطالية لروايتك «الموت عمل شاقّ» بجائزة PremioLattesTraduzione الإيطالية المرموقة، التي تمنحها Fondazione Bottari Lattes، ماذا تعني لك هذه الجائزة؟
– الحقيقة أني كنت سعيداً جدّاً لفوز مترجمة كتبي «ماريا أفينو» بهذه الجائزة المرموقة، عن ترجمتها لكتابي «الموت عمل شاقّ» الذي لم يتوقَّف، منذ بدء صدوره باللغات الأجنبية، خاصّةً الإنجليزية، عن الحضور في قوائم كثيرة، والفوز والمنافسة على كبرى جوائز العالم كما حصل لدى وصوله إلى نهائي جائزة الكتاب الوطني في الولايات المتَّحدة. هذه جائزة مهمّة وتستحقّها «ماريا».
هل من كتب أخرى لك مترجمة إلى لغات عالمية حيّة، وحصلت على جوائز؟ حبّذا لو تحدِّثنا عن حيثيات هذ الاحتفاء الغربي بالأدب السوري، من خلال تجربتك والاحتفاء بكتبك؟
– تقريباً، أغلب كتبي مترجمة إلى الكثير من اللغات. كما تعلم، إن رواياتي: «مديح الكراهية» و«لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة»، و«الموت عمل شاقّ» تُرجمِت إلى عدد كبير من اللغات. والآن، أنتظر ترجمة «لم يُصَلِّ عليهم أحد» بأربع لغات. هناك حركة دائمة، وتبنٍّ لكتبي من قِبَل دور نشر أجنبية، ومن قِبَل المترجمين. وهذا ليس احتفاء بشخصي وكتبي، إنما هو اعتراف باللّغة العربيّة وبأدب جيلي. هناك، اليوم، رغبة كبيرة جدّاً بترجمة الأدب العربي، وبدأنا نحضر وننافس على كبرى جوائز العالم. هذا جيّد،لكنه ليس كافياً لاختراق الأسواق العالمية، والبقاء فيها.
صدرت أعمالك الروائيّة الكاملة في طبعة جديدة، عن (دار نوفل) في بيروت. من أين أتت الفكرة؟
– لا توجد أيّة فكرة، انتهت عقودي مع (دار الآداب)، ويجب أن تكون كتبي في السوق، فجرى الاتِّفاق مع (دار هاتشيت أنطون) للنشر، والأمور تجري بسلاسة كما ترى. أحبّ أن أرى كلّ كتبي قادرة على المقاومة، وفي طبعات جديدة.
أغلب مؤلَّفاتك تصدر في طبعتين؛ واحدة في بيروت، وأخرى في القاهرة. ما السبب في ذلك؟
– الموضوع، ببساطة، له علاقة بالتسويق، الكتاب اللبناني غالي الثمن، ويجب أن توجد كتب أي كاتب في مصر التي مازالت تعتبر الأمّ الكبرى للقراءة والكتابة. وبالنسبة إليَّ، شغفي بالقاهرة وعلاقتي بها جعلاني مصمِّماً على رؤية كتبي في واجهات المكتبات المصرية، يتداولها القرّاء أي بالأسعار المصريّة التي أصبحت، اليوم غالية -أيضاً- نتيجة التضخُّم.
كيف تنظر إلى واقع القراءة في العالم العربي؟، وهل غدت الرواية -حقّاً- ديوان العرب، والأكثر مبيعاً وقراءة، في ظلّ انحسار الاهتمام بالشِعر وبقية الفنون الكتابية الأخرى؟
– واقع القراءة لم يتغيَّر، لأن سياسات التعليم لم تتغيَّر منذ خمسين سنة. هناك مبادرات فردية هنا وهناك، لا تكفي ليصبح الكتاب جزءاً من حياة البشر، لن ينعم العرب بالحياة الحقيقية دون الوصول إلى الديموقراطية والحرِّيّة، ومازالت الرواية تحتلّ مكانة أهمّ في جدول اهتمامات القرّاء، والموضوع له علاقة بانتشار الرواية عالمياً، لا عربياً فقط.
المُلاحظ، في رواياتك، أنك لا تركّز على شخصيّة معيّنة، بقدر اهتمامك بكلّ الشخصيّات. هل يمكننا القول إن البطل، لديك، هم جميع الشخصيّات؟
– دوماً، هناك سؤال تقني لديّ، بداية كتابة أيّة رواية: كيف سأكتب الرواية؟، وعبر أيّة شخصيات؟. وصيرورة الشخصية، عموماً، تخضع لتطوُّرات معقَّدة في أثناء الكتابة، ولا أعرف إلى أين ستنتهي. لذلك، دوماً هناك شغف حقيقي للعمل على عدّة شخصيات، لا على شخصية واحدة، إنها لعبة أحبُّها، وتقنية تتيح لي تجريب أشكال كثيرة لبناء الشخصيات ومراقبة تطوُّر علاقاتها بينها وبين ذاتها، وبينها وبين الشخصيات الأخرى.
ثيمة الموت، تكاد لا تفارق رواياتك؛ وكأنها صفة باتت تلازمك. ولعلّ رواية «الموت عمل شاقّ» خير مثال على ذلك. ما الرابط الخفي الذي يجمعك بالموت؟
– دوماً، أفكِّر: لماذا أصبح الموت تيمة رئيسية في كلّ كتبي؟ حقيقةً، لا إجابة لديّ، لكن هناك جاذبية في الكتابة عن الموت والحبّ، وأنا متورِّط في التفكير والعيش والكتابة عن هذه المتلازمة.
في رواياتك، تعود إلى حقبات زمنية مختلفة، كالثمانينات «مديح الكراهية»، والسبعينات «لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة»، والقرن التاسع عشر وبداية العشرين «لم يُصَلِّ عليهم أحد». هذا الشغف بالبحث التاريخي لديك، كيف تتحدّث عنه؟
– فقط، في «لم يُصَلِّ عليهم أحد» عدت إلى التاريخ، وكان يجب أن أجيب عن عدّة أسئلة بدأت التفكير فيها منذ عام 2006، حين بدأت أفكِّر في كتابة هذه الرواية، وعام 2008، حين بدأت بكتابة الملاحظات، كانت النتيجة التي أعرفها، مسبقاً، هي أن التاريخ لم يتوقَّف عن إعادة إنتاج نفسه. «مديح الكراهية»، و«لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة» من الأعمال المعاصرة، مازلنا نرى شخوصهما بيننا، لذلك لا أعتبرهما من روايات عن التاريخ، ولي عودة إلى التاريخ لكن ليس الآن، قد يكون بعد سنتين أو ثلاث. لديَّ، أيضاً، حكاية كبيرة أعمل عليها منذ سنوات. نعم، هناك جاذبية كبيرة في أسئلة التاريخ.
تبدو مُقلّاً في الكتابة، إلى حدّ ما، بعيداً عن الغزارة التي نعهدها من كُتّاب متفرّغين للكتابة، إذْ ثمّة فترة زمنية لا بأس بها بين إصدار رواية وأخرى؟
– الكتابة، عندي، ليس معناها النشر. غالباً، أعيد كتابة روايتي بمسوَّدات كثيرة: في «لم يُصَلّ عليهم أحد» أعدت كتابة الرواية 19 مرّة، وحين انتهت نسختها الكاملة، سنة 2017، كنت في المسوَّدة التاسعة أو العاشرة، لكن ذلك اقتضى مني قرابة سنة ونصف، والعمل لمدّة عام مع صديقتي المحرِّرة في (دار هاتشيت أنطوان) رنا حايك، وفيما بعد مع المحرِّرة في (دار العين) أريج جمال، رغم أن رنا كانت تتابع أوائل المسوَّدات، ونتحدَّث، مطوَّلاً، عن النسخ المقبلة. أحبّ هذه الطريقة في العمل، فحين يذهب الكتاب إلى المطبعة أفقد أيَّة علاقة معه، وللأبد.
نلت، في مسيرتك الممتدة لأكثر من ثلاثة عقود، جوائز عدّة، أبرزها جائزة نجيب محفوظ. كذلك ترجمت أعمالك إلى العديد من اللغات. ترى، كيف تنظر إلى تجربتك، وهل نلت الحفاوة المرجوّة؟
– الشيء المؤكَّد أن أعمالي استطاعت أن تدافع عن نفسها، ولم تستعمل وسائل الغشّ والنفاق والكذب والحسد، و(طقّ البراغي)، والاتِّكاء على شهرة كُتّاب آخرين للترويج، ولم تدخل في فلك العلاقات الاجتماعية، فكما ترى هناك أساليب جديدة للترويج، خاصّةً بالنسبة إلى كُتّاب وكاتبات يعتبرون الوصول إلى الشهرة قضيّة حياة أو موت، وهنّ مستعدّات لفعل أيّ شيء من أجل الوصول إلى الجوائز والشهرة التي أعتقد بأنها أسوأ ما يمكن أن يحدث لكاتب أو كاتبة. ليس لديَّ مظلومية، فكتبي تدافع عن نفسها، وتكسب قرّاء جدداً، كلّ يوم، ولغات أجنبية بشكل دائم، وتغري بعض الحاسدين والحاسدات ليتمسَّحوا بها من أجل أن يصيبهم نتف من شهرة.
برأيك، إلى أيّ مدى استطاعت الرواية السورية أن توثّق الألم السوري الراهن؟
– حاولت، وتحاول، وستبقى تحاول. قضيّة الكتابة عن الألم السوري الراهن لن تتوقَّف؛ لذلك هي ليست حكاية واحدة سنكتبها وننتهي منها، سيبقى السوريون، والعالم معهم، يكتبون وينتجون أفلاماً لأكثر من خمسمئة سنة عمّا حدث خلال السنوات العشر الماضية؛ لذلك، إن العمل مستمرّ.
إلى جانب أعمالك الروائية، كتبت عدداً من المسلسلات التلفزيونيّة المهمّة، إلى أي مدى يستفيد الروائي من كتابة السيناريو؟
– الروائي يجب أن يستفيد من كلّ شيء. أفادتني الدراما كثيراً، خاصّة في الموضوع المالي، والتقني. أعتبر ما كتبته للدراما كان تجربة أولى للَّعب وكيفية البناء والتعاطي مع عدد كبير من الشخصيات.
هل هي الرغبة في التنوُّع والانتقال من مجال إبداعي إلى آخر، أم ماذا؟
– الموضوع كان في غاية البساطة. حاجتي للمال هي التي أوصلتني إلى الدراما التي فتحت لي ذراعيها، وجعلتني لاعباً أساسياً في أثناء سنوات الإنتاج، وأقصد: من عام 2000 حتى 2010.
في السنوات الأخيرة من المأساة السورية، أصبح قسم كبير من السوريين خارج بلدهم، حيثُ ظهر ما يسمّى (ظاهرة الأدب السوري في المهجر). هل من الممكن أن يؤدِّي ذلك إلى تشكيل ثقافتين سوريَّتين؛ واحدة في الداخل، وواحدة في المهجر؟
– سيكون لدينا كُتّاب مهاجرون لا أدب سوري في المهجر، ولن يختلف ما سيكتبه هؤلاء الكُتّاب عن أدب الداخل، ما داموا يكتبون باللّغة العربيّة عن مواضيع الحياة السورية.
لمن يقرأ خالد خليفة؟ وهل من مشاريع جديدة لديك؟
– أعيد قراءة الكلاسيكيات، وأقرأ كلّ كتاب أستطيع تجاوز ربعه الأوَّل. نعم، هناك مشاريع أعمل عليها. أنا لا أتوقَّف عن العمل.
-
عن الدوحة الثقافية
دوشتونا بكاتب عادي لم نسمع عنه وحالتها لكاتب عالمي ويبدو أن السوريين جميعهم يتسببون بالصداع لكثرة شكاويكم وتبجحهم وكراهيتهم لبلدهم وعشقه التشرد والعمالة