-
محمّد سناجلة
في زمن الروبوتات والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والنانوتكنولوجي والحوسبة السحابية والألعاب الإلكترونية، ومع دخول الثورة الصناعية للجيل الرابع فإن هناك مهناً كثيرة قد اندثرت، ووظائف أخرى في طريقها للانقراض. وفي المقابل فإن هناك مهناً ووظائف جديدة تظهر كل يوم لم يكن لها وجود قبل سنوات قليلة، وهناك أيضا مهن أخرى قادمة لم توجد بعد، فحسب دراسة للمنتدى الاقتصادي العالمي (Weforum) نشرت مؤخراً فإن 65% من طلاب المدارس الابتدائية الآن سيعملون بالمستقبل في مهن غير موجودة في زمننا الحاضر.
وهناك مهن جديدة تماماً تظهر كل يوم، وهي مهن وتخصصات لا تدرس حالياً في المدارس والمعاهد والجامعات، ولكن سيكون الطلب عليها كبيراً في المستقبل القريب، ومن بين هذه المهن والوظائف الجديدة مهنة قد تبدو غريبة للكثيرين لكن الطلب عليها يزداد يوما بعد يوم، وهي مهنة مدرب ألعاب إلكترونية (Electronic Games Coach) أو مدرب ألعاب فيديو (Video Games Coach) كما يطلق عليها آخرون، أو بكل بساطة “مدرب ألعاب” (Gamer Coach) فالمصطلح لم يستقر بعد على مسمى واحد.
295 مليار دولار
مع دخول جائحة كورونا العام الماضي، وتعطيل العمل في المؤسسات الحكومية والخاصة والدراسة في المدارس والجامعات، واضطرار مئات الملايين من البشر للمكوث في منازلهم بسبب الحظر الصحي في مختلف أرجاء العالم، فقد نما سوق الألعاب الالكترونية بشكل كبير، حيث وصلت قيمة هذا السوق إلى أكثر من 162 مليار دولار أميركي عام 2020، ويتوقع لها أن تصل إلى أكثر من 295 مليارا عام 2026 مسجلة نسبة نمو سنوي تصل إلى 10.5% وهي من أعلى نسب النمو في العالم لقطاع مهني واحد.
ويسعى مطورو الألعاب الإلكترونية باستمرار إلى تعزيز تجربة اللاعبين من خلال التطوير المستمر للألعاب القائمة التي تحظى بالشعبية، وإطلاق ألعاب جديدة كل يوم على مختلف المنصات مثل بلايستيشن وإكس بوكس والهواتف الذكية وغيرها من المنصات، ودمجها وتوفيرها عبر الحوسبة السحابية لجذب المزيد من اللاعبين كي يمارسوا اللعب معاً بغض النظر عن مكان وجودهم في العالم، وفي الحقيقة فإن الألعاب السحابية (cloud gaming) تقود السوق الآن، وتشكل تهديداً حقيقياً لسوق الألعاب الإلكترونية التقليدي.
جوائز بالملايين
ومثلها مثل الألعاب الرياضية الأخرى ككرة القدم والتنس والسلة، فإن هناك اتحادات دولية ومسابقات وبطولات عالمية للألعاب الإلكترونية تقدر جوائزها بعشرات الملايين من الدولارات، حيث يبلغ مجموع جوائز لعبة واحدة فقط من هذه الألعاب وهي لعبة “فورتنايت” (Fortnite) على سبيل المثال لا الحصر 30 مليون دولار، وتبلغ جائزة الفائز بالمركز الأول 3 ملايين، وهذه الجوائز تجذب سنويا عشرات آلاف اللاعبين من مختلف أرجاء العالم، بل وصنعت من مراهقين صغار مليونيرات في زمن قياسي.
هذا عدا الشهرة الواسعة التي يحظى بها اللاعبون المتميزون والفرق الفائزة بالبطولات، حيث تتم متابعة هذه المسابقات والبطولات من قبل ملايين الأشخاص في العالم، ويحظى الفائزون بها بشهرة منقطعة النظير لا تقل عن شهرة لاعبي كرة القدم المشهورين مثل ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو ومحمد صلاح.
مطلوب مدرب ألعاب إلكترونية فوراً
ومع نمو هذا السوق بشكل متسارع، وازدياد عدد البطولات والمسابقات الدولية لهذه الألعاب ودخول ملايين اللاعبين الجدد كل يوم، ورغبتهم في أن يصبحوا لاعبين محترفين يشاركون في المسابقات الدولية، والفوز بجوائزها المغرية، فإن الحاجة إلى مدربين متخصصين بهذه الألعاب تزداد يوما بعد يوم، وهؤلاء سيكونون نجوماً مشهورين بكل معنى الكلمة، وسيتقاضون رواتب بالملايين، ربما أكثر مما يتقاضاه مدربو كرة القدم المعروفون حالياً في العالم.
وسيكون عندنا جوزيه مورينيو الرقمي، وغوردان كلوب الإلكتروني، وزين الدين زيدان الافتراضي، وقس على ذلك في مختلف الألعاب الإلكترونية التي ليس لها عد ولا حصر، والتي ستحل رويداً رويداً محل الألعاب الرياضية التي اعتدنا عليها حتى الآن.
وقد بدأنا بالفعل نشاهد إعلانات توظيف لهذه المهنة من أندية متخصصة بهذه الألعاب في دول عديدة بما فيها عالمنا العربي، والتي تعلن عن حاجتها إلى مدربي ألعاب إلكترونية محترفين برواتب مغرية، ضمن شروط ومواصفات معينة خاصة بكل لعبة عليها أن تتوفر بالمتقدم لشغل هذه الوظيفة، حيث تسعى هذه الأندية لتشكيل فرقها الخاصة التي تحمل قميصها الافتراضي وشعارها الرقمي، وإعدادهم وتدريبهم بشكل احترافي للمشاركة في البطولات الدولية والفوز بجوائزها القيمة.
ويبلغ حجم سوق مدربي الألعاب الإلكترونية في العالم الآن نحو مليار دولار، وهو في ازدياد مستمر، وقفز سعر الساعة التدريبية من 15 دولاراً قبل جائحة كورونا إلى 25 دولارا في الساعة بعد الجائحة، بسبب الإقبال الشديد من قبل الموظفين والعمال وطلاب المدارس والجامعات الذين وجدوا أنفسهم محظورين في بيوتهم لساعات وأيام طويلة، ورغبة الآباء في التواصل مع أبنائهم واللعب معهم في عالمهم الرياضي الجديد.
العالم يتغير بشكل متسارع جداً، وما كان راسخا تلاشى وطواه النسيان، وما يبدو غريباً اليوم سيصبح هو المتجذر الراسخ في المستقبل القريب.