نوال السعداوي: ظالمة أم مظلومة؟! (دراسة مطوَّلة)

*زياد أحمد سلامة

المقدمة:  

لماذا الكتابة عنها:

ما يدفعنا للكتابة عن نوال السعداوي أنها أثارات ما أثارت من أفكار وآراء لا بد من معرفتها والوقوف عندها، فقد كان لها أتباع ومتؤثرون بأفكارها لا سيما فيما يُعرف بقضايا المرأة، فقد كانت السعداوي بارزة في هذا المجال، ولها كتب ومؤلفات ومواقف في هذا الشأن. ولها آراء حادة وصادمة حول الديانات لا سيما الإسلام وما فيه من عقيدة حول الذات الإلهية والموت والجزاء والجنة والنار، والعبادات والأخلاق والزواج والطلاق والميراث وغير ذلك، لهذا نرى أنه ينبغي التعرف على هذه الأفكار من مصادرها بشكل موضوعي محايد.

******

“جريمتي الكبرى أنني امرأة حرّة في زمن لا يريدون فيه إلا الجواري والعبيد، ولدتُ بعقل يفكّر في زمن يحاولون فيه إلغاء العقل”.  ….. نوال السعداوي

أثارت وفاة الدكتورة نوال السعداوي يوم موجة من ردود الفعل المتباينة، فطائفة راقتهم أفكارها وطروحاتها رأوا فيها ثائرة عظيمة عملت على تغيير المفاهيم السائدة لا سيما تجاه المرأة وقضايها، وأنها حاولت إخراج المرأة من ظلمات العادات والتقاليد وقيود الموروث بما في ذلك الدين؛ إلى الحرية والعدل والمساواة، وأنها أنقذت نفوساً كثيرة من “ختان الإناث” وموتاً محققاً بحجة عدم العذرية وجرائم الشرف وغير ذلك… وفي المقابل، رأينا من يعدد ما اعتبره مساوءها وخطاياها، وحمدوا الله على أنه أراحهم من “الشيطان الأبيض” وهو لقب أُطْلِق عليها من قبل أهل الجزائر، وكما قالت هي في مقابلة مع المذيع “سامي كُليب” من خلال برنامج “زيارة خاصة” الذي أذاعته قناة الجزيرة.

من هي نوال السعداوي؟

نوال السيد السعداوي (27 أكتوبر 1931)، طبيبة أمراض صدرية ونفسية، تخرجت في كلية الطب في القاهرة عام 1954، بدأت حياتها المهنية طبيبة للأمراض الصدرية في مستشفى القصر العيني، ثم انتقلت بعدها إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتنال درجة الماجستير في علوم الصحة من جامعة كولومبيا عام 1966، وهي كاتبة وروائية ومسرحية، وحسب موسوعة ويكيبيديا فقد كانت مدافعة عن حقوق الإنسان بشكل عام وحقوق المرأة بشكل خاص.

جاء في ذيل الحوار الذي أجرته صحيفة «جارديان» مع نوال السعداوي عام 2015 إن حلمها الأول كان أن تصبح راقصة، إذ كانت تحب الموسيقى، وفي وقت لم يستطع والدها أن يشتري بيانو لها. وأمام ذلك، قالت الصحيفة إن السعداوي حولت انتباهها بدلاً من ذلك إلى القراءة والكتابة.

كتبت السعداوي واحداً وستين كتابا منها: الوجه العاري للمرأة العربية وهو تحليل كلاسيكي عن اضطهاد المرأة في العالم العربي، ومذكرات طبيبة، وأوراق حياتي، ومذكرات في سجن النساء، وغيرها من الكتب، التي حصدت بها العديد من الجوائز؛ فحصلت على جائزة الشمال والجنوب من مجلس أوروبا 2004م، وعام 2005م فازت بجائزة إينانا الدولية من بلجيكا؛ وجائزة ستيغ داغيرمان من السويد 2011م، وجائزة شون ماكبرايد للسلام من المكتب الدولي للسلام بسويسرا.

قالت قبل وفاتها إنها رُشحت لجائزة نوبل للآداب أربع مرات، إلا أنها لا تنتظر فوزها بالجائزة، مضيفة: “لا أنتظر شيئًا من جائزة نوبل لأنهم يرشحونني كل عام، وجائزتي الكبرى القراء والقارئات، وليست أي جائزة أخرى”. وأُثر عن السعداوي أنها لا تحب جائزة نوبل للسلام، لأنها تراها جائزة مسيّسة أكثر مما هي جائزة أدبية.

حُبست خلال اعتقالات سبتمبر/أيلول الشهيرة في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، عام 1981مع أعداد كثيرة من المعارضين السياسيين، فقد عارضت اتفاقيات كامب ديفيد، ثم خرجت من السجن بعد اغتيال السادات بشهرين، وفي عهد حسني مبارك خرجت من مصر أواخر حقبة الثمانينيات وعادت إليها في منتصف التسعينيات من القرن الماضي. وحاضرت في العديد من المراكز العلمية والأكاديمية، مثل جامعات هارفرد وكولومبيا والسوربون. كانت أول سيدة ترشح نفسها لمنصب رئيس الجمهورية، كان ذلك عام 2005 مقابل حسني مبارك، وبطبيعة لم تفز لأسباب منها تزوير الانتخابات، توفت بعد صراع مع المرض يوم 21/3/2021

المؤثرات المحيطة

ساهمت العائلة في تكوين البنية الفكرية التي ستشكل جزءاً من شخصية نوال السعداوي؛ وتقول بأن من أوائل وأكثر الناس تأثيراً فيها: والدها ووالدتها وجدتها الفلاحة، فوالدها الشيخ سيد السعداوى دَرَسَ في الأزهر وكلية دار العلوم والقضاء الشرعي، وصفت والدها بأنه كان ناقداً للتعليم الأزهري وواسع الأفق، قالت لسامي كليب (في برنامج زيارة خاصة المذاع في قناة الجزيرة) بأن والدها كان يشجعها على النزول للمظاهرات، التي كانت تهتف بسقوط الحكومة والإنجليز، وقام المتظاهرون بالدوس على صورة الملك، وقالت عن والدها بأنه كان مؤمنا بالمساواة بين الولد والبنت إلا في مسائل طفيفة ومؤمنا بأهمية التعليم للجنسين،  كان لديه تسعة أبناء من الذكور والإناث علَّمهم جميعًا تعليمًا جامعيًا؛ وتقول بأنها كانت أكثرهم تفوقا ، لذا أكثر من تشجيعها وبالتفاخر بها، وتصف أباها بأنه ثائر على الأزهر ووزارة المعارف و له مصادمات كثيرة معهما  لذا نفوه عشر سنوات في (منوف) و هكذا ليس مستغرباً أن ينجب المتمرد على الأزهر و المؤسسة الأبوية مَنْ تتمرد عليهما هي الأخرى . وأكدت على أن والدها كان يَعتبر الإيمان بالوراثة باطلاً.

وشجعها أن تكون أديبة، فقال لها ذات يوم:” إن الوزير يقيلوه بقرار ويعينوه بقرار لكن الأديبة أو الأديب لا أحد يشيل ولا أحد يحط”.

عن تأثير أمها، تقول: “والدتي كانت من الثوار، شاركتْ في العمل الوطني ضد الإنجليز ودخلت السجن بسبب ذلك، فأخرجها والدها – كان عسكريا – من المدرسة وزوَّجها بوالدي، تذكر نوال عن طفولتها فتقول: “أنا كنت طفلة شقية جداً، والمدرسون كانوا يقولون لي ــ إنتي هتروحي جهنم ـ لكن والدتي كانت بتقول مفيش نار في الآخرة دي رمز”. هذه العبارة ما فتأت نوال ترددها وكأنها نص مقدس وكان له تأثير قوي في تفكيرها، وربما كانت عبارة هذه السيدة الأمية التي على الأغلب لم تقصد بها حرفيتهاـ دافعاً للابنة إلى إنكار أي وجود للحياة بعد الموت.

كان لأمها دور مهم في تشكيل شخصية نوال إذ وقفت إلى جانبها عندما رفضت أن يزوجها أهلها وهي في العاشرة.

وقالت لبرنامج (إكسترا المقدم في إذاعة لندن) بأن أمها كانت متوحشة مع أبيها، وقالت في مقابلة أخرى بأن والدها لم يكن يرفع صوته في وجه أمها، ولكن الأمر حدث ذات مرة، فهددت المرأة زوجها بأنها ستترك البيت؛ وهي على استعداد أن تعمل غسَّالة في البيوت، وبعد تسوية الأمر لم يعد الأب يرفع صوته في وجه امرأته وهذا الموقف كان ذا أثر عميق في بناء شخصيتها

معاملة العائلة والمجتمع في تفضيل الذكور على الإناث بنى في نفسها أولى لَبِنَاتِ التمرد، فتذكر عن أخيها وكان أكبر منها، “رفع يده عاليًا ليصفعني، رفعت يدي أعلى من يده وصفعته”. ووصفت السعداوي فورة غضبها حين قالت لها جدتها ذات يوم إن “الولد يساوي 15 بنتا. البنات آفة”. وتقول الدكتورة أمنية أمين المترجمة وصديقتها لبي بي سي عام 2020: “لقد رأت أن هناك شيئاً خاطئاً فعبرت عن رأيها دون خوف. لم يكن باستطاعة نوال أن تدير ظهرها”.

الزوج: تزوجت منال السعداوي ثلاث مرات انتهت كلها بالطلاق والانفصال، قالت:” وحين أراد زوجي أن يلغي وجودي، ألغيت وجوده من حياتي، وحين صاح زوجي الثاني: أنا أو كتاباتي، قلت: كتاباتي، وانفصلنا” زواجها من الدكتور شريف حتاتة المعروف بشيوعية أثر في توجهها الفكري حيث استطاع استمالتها إلى التفكير المادي المجرد بعيداً عن الغيبيات والماورائيات، وتعمق لديها مفهوم العلم التجريبي وأنه لا ينبغي الإيمان إلا بما هو واقع ملموس، فلذلك أنكرت المفاهيم القائمة على الإيمان بما لا تراه ولا تحس به، فأصبحت مفاهيم الإيمان كالجنة والنار مجرد رموز، وأما الذات الإلهية فلم تكن أكثر من مفهوم للعدل فقط.

نظام التربية: عن تأثير نظام التربية في البيت والمدرسة وغياب التوجيه الصحيح قالت أثناء عقد “ملتقى الرواية”، أمام عدد من الأدباء: إن نظام التربية والتعليم الخاطئ هو الذى يقتل الإبداع والقدرة على التأمل فى الأجيال الجديدة، مستشهدة فى ذلك بقصة حدثت لها، وهى صغيرة عندما سألت والدها من خلق النجوم فقال لها الله، فسألته ومن خلق الله، فقال لها لا تقولي مثل هذا الكلام ثانية، لأنه عيب وحرام، مشيرة إلى أن أساليب التربية تلك هى التى جعلت المبدعين والمبدعات عندما يخرجون عن المألوف، كفرة فى نظر المجتمع.

يقول الكاتب “نزار حسين راشد” في مقال بعنوان “نوال السعداوي: ما لها وما عليها”: “وفي الحقيقة فإن جذورها الفكرية، تجدها في كتاب سيمون دي بوفوار المعروف “الجنس الآخر”، وهذه كانت قضيتها الأساسية، ومنطلقها كان الحملة على ختان الإناث”.

مفتاح شخصيتها:

“مصر لا تستحقني”…. نوال السعداوي

لا يحتاج المرؤ إلى مجهود كبير ليلمس قوة الشخصية لدى نوال السعداوي، وما تتمتع به من صرامة فكرية، نقصد بها دفاعها عن آرائها بكل قوة مهما كانت ردة فعل الآخرين تجاهها، أضف إلى ذلك غرور واضح في تقديمها نفسها ومعتقداتها، وعناد في مواقفها، وثبات على آرائها، وهنا إطلالة سريعة على هذه المفاتيح في شخصية نوال السعداوي:

  غرور أم اعتداد بالنفس!

قد يسميه البعض غروراً، وقد يسميه البعض اعتداداً بالنفس؟ على أية حال هي ترى في نفسها علماً وفضلاً على الآخرين مهما كانت منزلتهم العلمية، لذلك قالت لسامي كليب بأنها أهم من الشيخ محمد متولي الشعراوي، والدكتور طه حسين، والأستاذ عباس محمود العقاد والأستاذ قاسم أمين، فقالت: أنا كنت أختلف تمامًا مع الشيخ الشعراوي. هو لم يفهم جوهر الدين. كان كل كلامه لا يتعدى اللفظ القرآني. الإسلام ليس لفظاً، الإسلام جوهر، هو الذي يجب أن ندافع عنه، أنا كنت دائماً أختلف معه، أنا كنت دائماً أقول لهم نحن جعلناه (أي الشعراوي) نجمًا، مَن الذي جعل منه نجمًا؟ الحكومة. بينما أنا كنت ممنوعة أن أرد عليه، قلت لهم (للحكومة) لو تعطوني فقط خمس دقائق وهو يتكلم ساعة لأرد عليه رفضوا هم يريدون حجاب العقل.

وقالت أيضاً: يمكن أن أدرس (الدين) وأكون أفقه من الشيخ الشعراوي، وأنا أعلم في القرآن أكثر من الشيخ الشعراوي رحمه الله، لقد دَرَسْتُ الأديان وقارنت بين القرآن والتوراة والإنجيل، هو لم يفعل ذلك، كان متخصصًا في القرآن الذي لا يمكن أن يُفهم دون أن تقارنه بالكتب الأخرى، لأن العلم يبدأ بالمقارنة والتجربة والتجريب.

أما عن قاسم أمين فقالت: أنا كتبي أهم مليون مرة من كتب قاسم أمين، وقالت عنه أيضاً: أنا رأيي أن أربعين كتابا في اللغة العربية (تقصد كتبها) هي أهم من كتاب قاسم أمين. قاسم أمين كتب كتاباً واحداً وكان كتاباً تقليدياً جداً (لقاسم أمين كتابان عن المرأة هما: تحرير المرأة، والمرأة الجديدة، وأمين مِن رواد ما يسُمى قضية تحرير المرأة).

وعن طه حسين قالت: نعم دخل طه حسين إلى الوزارة، ولكي يدخل يجب أن يخضع للحكومة قليلاً، أنا رفضت أن أكون وزيرة لأنني رفضت الخضوع، لا بل حتى رفضتُ أن أكون رئيسة وزراء، أنا رفضت أن أقابل السادات وهذا سر غضبه علي، أنا رفضتُ أن أذهب وأقابله، أنا أقول إن الوزراء أقل مني بكثير. والدي كان يقول إن الوزير يقيلوه بقرار ويعينوه بقرار لكن الأديبة أو الأديب لا أحد يشيل ولا أحد يحط.

وفي حوار للصحفي “أحمد عدنان” معها نُشر في موقع “إيلاف-صحيفة المدينة-2002 وأعاد أعادت نشره عدة موقع قالت: أنا أهم من طه حسين لقد كان رحمه الله وزيرًا ولعب دوراً سياسياً وثقافياً سليمًا، أنا أيضا لعبتُ دورا ثقافيًا وسياسيًا وطبيًا مؤثرا مِن دون وزارة وتصديت للمحرمات الاجتماعية، طه حسين لم يقم بهذا، طه حسين تحسب له الريادة والأولوية، ولكن هذا لا يعني أن مصر توقفت عن إنجاب الرواد، وأنا منهم. ولكن الفرق أنني لست في السلطة ولا أتزلف لها، لذلك تجد أن هذه الفئة المبدعة تعاني من التعتيم والحظر، وهذه للأسف الشديد سُنة ابتدعتها ثورة يوليو، لذا علَّك تلحظ، أن (نجوم) العهود المختلفة بعد الثورة يختلفون من عهد لآخر لا وفق العطاء الفكري والثقافي للأمة بل برضا السلطة عنهم.

وعند سؤالها عن أهم المفكرين الذين أثروا فيها؟ قالت بأنها تأثرت بالكثير من المفكرين، “لأنني أقرأ بالعربية والفرنسية والإنجليزية التي درست لها عدداً لا يحصى، أتذكر أنني تأثرت كثيرا وأنا مراهقة بسيرة طه حسين (الأيام)، ولكننا اليوم تجاوزنا ذلك الجيل بمراحل، حتى قاسم أمين وهدى شعراوي فقد تجاوزتهم كتبي ببون شاسع” وتابعت فقالت: لا شك أنهم رواد، ونحن اليوم أيضا رواد”.

ومن مظاهر (الغرور/الاعتداد بالنفس) إجابتها على سؤال كيف ربتْ أطفالها دون مبدأ الثواب والعقاب؟ فقالت: ربيتهم بمبدأ “الجائزة هي ما تعمل” لا تهمني جائزة نوبل، وحين رُشحت لجائزة الدولة التقديرية رفضتُها، جائزتي هي عملي، و هي أن يجيئني أمثالك (أي الصحفي  أحمد عدنان الذي يقابلها)، واعتمدتُ في مبدئي على الكتب و القراءة ، لأن الكتابة التي من القلب تدخل القلب، و تستشعر هذا وأنت تقرأ لي، تشعر أنك تقرأ لفلاحة تكتب من واقعها وليست أكاديمية تتقعر الألفاظ وتعيش في برج عاجي، أنا كتبي يقرأها فتيان وفتيات لم يتجاوز عمرهم 13 سنة ولعلمك، إن الرجال المتنورين في العالم العربي مثلك يحبون كتاباتي، غير صحيح أن الرجل يحاربني أو أنني أحارب الرجال، لقد جاءني رجل من الصعيد ليقبل يدي، قال لي: “كدت أقتل ابنتي لأنها لم تنزف ليلة الزفاف لولا أنني قرأت كتابك (المرأة و الجنس)”.

ومن مظاهر اعتدادها بنفسها أنها طلَّقت زوجَها لمَّا رَفع صوته عليها كما صرحتْ هي بذلك. وعلى هذه الخلفية قالت: هناك شيء خاطئ في مفهوم حكم الآخرين. أنا أحكم نفسي ولستُ بحاجة إلى شخص ما ليحكمني، سواء في الولاية أو في المنزل”.

من مظاهر اعتدادها بنفسها إصرارها أن تقدم نفسها كما هي، فقالت إجابة على سؤال عن سبب رفضها أن يهديها زوجها أي هدية؟: هديتي هي الإنسانية، أكبر هدية عندي هي المعاملة بحنان وإخلاص، أنا لا أرتدي عقداً أو حتى خاتمًا للزواج ولا أصبغ شعري ولا أضع الماكياج، لأنني واثقة من نفسي جداً، وأحب أن أكون على طبيعتي، من أرادني كما أنا فأهلا وسهلا، لماذا يجلب لي هدية؟! ماذا أفعل بها؟ ابتسامته في وجهي هدية، وقفته بجانبي في الأزمات هدية، دفاعه عني في غيابي هدية، هذا هو الحب، وليس أن يجلب لي هدية ثم يخونني، أنا لم أقبل مهرًا، وزوجي لا ينفق عليَّ لأنني لست عالة، نحن ننفق على البيت مناصفة، ليس عدلا أن يكدح الرجل ويتعب وأنا أجلس في البيت دون أن أعمل شيء، ماذا أفعل في وقتي؟ وكما قلت لك أنا لست عالة.

 التمرد:

“لقد وُلِدَتْ بروح قتالية”، هكذا قالت عنها الدكتورة “أمنية أمين” المترجمة وصديقتها للـ (B.B.C) عام 2020.

التمرد هو المفتاح الثاني من مفاتيح شخصيتها، قالت: لقد درستُ الطب وأصبحتُ طبيبة ثم تمردتُ على التعليم الطبي مطالبة بتغييره، بعدها فهمت المجتمع وتمردت عليه، و تلحظ هنا أن تمردي على الأشياء نابع من فهمي وممارستي، لأنه لا يمكن أن تكشف مساوئ الشيء دون أن تعيه لتتعرف عيوبه، بإيجاز .. كنت محظوظة ببيئتي وأسرتي وتعليمي، تخيل كانوا سيزوجونني وأنا في العاشرة لولا معارضتي ووقوف والدتي بجانبي.

تقول السعداوي: أخي أكبر مني، رفع يده عاليًا ليصفعني، رفعتُ يدي أعلى من يده وصفعته. وحين أراد زوجي أن يلغي وجودي، ألغيتُ وجوده من حياتي، وحين صاح زوجي الثاني: أنا أو كتاباتي، قلت: كتاباتي، وانفصلنا، وحين انتفض وزير الصحة: الطاعة أو الفصل، قلت: الفصل.

  الثبات على الرأي:

مما يُحسب للدكتورة نوال السعداوي، الثبات على مواقفها وآرائها ولو صادمت مصالحها (رغم مخالفتنا للكثير من آرائها ومواقفها)، ومن المواقف التي انسجمت نوال فيها مع نفسها، أنها تركت زوجها الذي كان يقاسمها فكرة (النسوية) عندما شعرت منه ازدواجاً بين الفهم والتطبيق، جاء في إحدى مقابلاتها: تزوجتُ ثلاث مرات، وكان الزوج الثالث، شريف حتاتة، والد ابني، كان رجلاً حراً جداً، وماركسياً، وتم سجنه 13 عاماً. عشت معه 43 عاماً، وأخبرتُ الجميع: هذا هو الرجل (النَسْويُ) الوحيد على وجه الأرض. ثم بعد ذلك اضطررت للطلاق أيضاً. كان كاذباً. كان على علاقة بامرأة أخرى (مع أنه بلغ التسعين). إنه تعقيد الشخصية ذات الطابع الأبوي. ألّف كتباً عن المساواة بين الجنسين، ثم خان زوجته. أنا متأكدة أنّ 95% من الرجال هكذا”.

وحين سألتها مذيعة (B.B.C) زينب بدوي في حوار أجرته عام 2018 عن إمكانية تخفيفها حدة انتقاداتها، قالت: “كلا. يجب أن أكون أكثر صراحة، يجب أن أكون أكثر عدوانية لأن العالم بات أكثر عدوانية، ونحن بحاجة إلى أن يتحدث الناس بصوت عالٍ ضد الظلم”. وأضافت “أتحدث بصوت عالٍ لأنني غاضبة”.

  البحث عن العدالة والحرية:

تقول السعداوي بأنها كانت متفوقة في المدرسة ولم يكن أخوها كذلك، ومع ذلك كان يأخذ كل الامتيازات بصفته ذكراً، وعندما سألت والديها عن سبب هذا التفضيل للذكر على الأنثى أجيبت بأن الله أرد ذلك! فهل صنعت هذا الإجابة (الخاطئة شرعاً بالتأكيد) شرخاً في العلاقة بين نوال والدين بشكل عام وجعلها تبحث عن العدل بين الجنسين في كل الديانات، وبطبيعة الحال لم تجد الإجابة التي تصورتها هي لمعنى العدالة.

تقول بأنه لا يوجد خطوط حمراء لإعمال العقل، وأنها لا تفكر في عواقب ما تكتب، وقالت بأنها تكتب ما يدور في عقلها وتفكيرها وخيالها، “لأنني لو فكرتُ في العواقب فلن أكتب”.  وقالت بأنها لم تمسَّ من المحرمات سوى الخُمس، ولا يزال هناك أربعة أخماس من المحرمات لم تُمس بعد.

  في مسرحية “الإله يقدم استقالته” سمَّت البطلة / نفسَها “بنت الله” لأنها حرة، ولأن المسيحيين يسمون المسيح ابن الله”

وعن التفاوت الطبقي قالت لسامي كليب في لقائه معها في برنامج قناة الجزيرة “زيارة خاصة”: كنت ضدَّ النظام الطبقي الأبوي لأني بحكم تربيتي أو بحكم طفولتي كنت أقرب لأسرة والدي الفلاحين الفقراء، كنتُ أكره عائلة أمي لأنهم أغنياء وطبقة عالية متعالية، كنت أحس أن لهم نظرة طبقية سلطوية عليَّ فكنتُ أكره التقسيم الطبقي للمجتمع وأكره أيضاً التقسيم الأبوي للمجتمع بسبب الاضطهاد الذي كنت أراه دائماً حولي. كنتُ أحلم بمجتمع غير طبقي؛ بأن يكون الناس متساويين، فلا غني ولا فقير.

استمر معها الشعور بالطبقية ومحاربتها فقالت في المقابلة نفسها: نحن نعيش في عالم طبقي أبوي رأس مالي قائم على الاستعمار والاستغلال الخارجي والداخلي، الحكومات المحلية تابعة للإمبراطورية الأمريكية الآن. وقالت بأن الأديان نشأت في مجتمع طبقي أبوي عبودي.

وقالت لأحمد عدنان في حوارها معه: أود أن أشير بداية أنني لا متحيزة لعبد الناصر ولا متحاملة على السادات، ولكنني سررت بالتغييرات التي أنجزها عبد الناصر في فترة حكمه وأبرزها تذويب الفوارق بين الطبقات والمساواة ودفع المرأة للعمل بأجرٍ ومقاومة الإمبريالية الغربية المتمثلة وقتها في الصلف البريطاني والأمريكي بعدها، وهذا ما دفع الغرب حينها للتآمر عليه وهزيمته وساعدهم في ذلك أن سياسة عبد الناصر الداخلية كانت قائمة على القمع لا الحوار وهذه هي أكبر عيوبه وأخطائه.

تحرير المرأة وتحرير المجتمع:

يقول د. وليد القططي في مقال له بعنوان” نوال السعداوي. وتحرير المرأة”[رأي اليوم 28/3/2021] لم تقتصر كتابات نوال السعداوي على وصف معاناة المرأة عموماً، والمرأة العربية والمصرية خصوصاً، ولم تكتفِ بتحليل أسباب معاناتها- وفق رؤيتها ـ بل تعدى ذلك إلى تكوين مفهوم خاص لقضية (تحرير المرأة)، فوضعتها في إطار تحرير المجتمع كله، وجعلتها جزءاً من التغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والديني، فكتبت في كتابها (المرأة والجنس) أنَّ تحرير المرأة جزء من تحرير المجتمع كله من النظام الرأسمالي وقيمه التجارية والأخلاقية، وأنَّ كفاحها من أجل التخلّص من قيم الرأسمالية وتقاليدها هو الكفاح المجدي، وأنَّ نجاح حركة تحرير المرأة يرتكز على مقدار نجاح المرأة في المساهمة في تغيير المجتمع نحو المساواة والعدالة للجميع. وفي نفس السياق رأت في كتابها (قضية المرأة المصرية السياسية والاقتصادية) أنَّ لتحرير المرأة مما أسمته عبودية الرجل يجب أن يكون لها كيانها الاقتصادي والاجتماعي والنفسي المستقل، فالثمن الذي ستدفعه المرأة في العبودية أكبر من ذلك الذي ستدفعه من أجل تحررها. وإضافة للقوة الاقتصادية فإن امتلاك القوة السياسية للمرأة سيؤدي إلى انتزاع حقوقها كما جاء في كتاب (الوجه العاري للمرأة العربية) فالحرية تُؤخذ ولا تُمنح. وربطت بين كرامة المرأة وحريتها واستقلالها الاقتصادي في كتاب (المرأة والغربة)، فترى في قضية تحرير المرأة قضية سياسية واقتصادية ضد جميع أنواع الاستغلال الذكوري بمختلف أشكاله.

وإذا كان فقدان استقلال المرأة الاقتصادي من أبواب فقدانها لحريتها وكرامتها واستقلالها، فإنَّ فقدان استقلال مصر الاقتصادي يؤدي إلى نفس النتيجة، ولذلك كتبت في كتاب (أوراق حياتي) تنتقد المعونة الأمريكية لمصر في عهد السادات عقب اتفاقية كامب ديفيد، “”من أجل استمرار المعونة تحدث التنازلات… الدولة التي تعيش عالة على غيرها كالمرأة أو الطفل الذي يعيش عالة على غيره”. وتساءلت كيف سيكون الفرد مستقلاً في وطنٍ غير مستقل؟ وربطت بين كرامة المرأة والوطن في كتاب (توأم السلطة والجنس)، فقالت: ” المرأة العاجزة عن الدفاع عن كرامتها وحريتها لا تستطيع أن تدافع عن كرامة الوطن وحريته”.

نوال السعداوي والسياسة:

مفهوم الدولة المنشودة

الدولة التي تريدها السعداوي هي دولة مدنية لا دور فيها للدين بأي شكل مهما كان، وترى أن الدولة يجب أن تكون ديمقراطية بالمعنى “الصحيح!” للديمقراطية، فلا تكون منَّة وتفضلاً من الحاكم ولا أن تُرسمَ على عينه فهي ترى أن الأحزاب الموجودة (في مصر) ليست أحزابا حقيقية إنما أحزاب ورقية، لأن الأحزاب الحقة هي التي تنجبها الديمقراطية من رحم المجتمع وليس من قصر الرئاسة، وتتساءل: هل من الديمقراطية أن تغلق جمعيتي (جمعية تضامن المرأة العربية) سنة 1991م لأننا عارضنا حرب الخليج؟!

وقالت: أنا أعارض الدولة الدينية، (ربنا) يجب أن نبعده عن السياسة لأنني لا أستطيع أن أناقش أو أعارض (ربنا)، اعبد الإله الذي يرضيك ويحقق مصالحك ومطالبك، لكن لا تفرضه عليَّ أو على الدولة، لأن كل المواطنين في الدولة سواء، على اختلاف حالتهم المادية أو شريحتهم الاجتماعية وانتمائهم الديني، لماذا أكون كامرأة أقل مواطنة من الرجل لأن الدين الرسمي للدولة هو الإسلام؟

وقالت: نحن في حاجة الي ثورات وثورات متعاقبة متتالية، خاصة في مجال الفكر والسياسة والتعليم والثقافة، نحن في حاجة لتغيير النخب المثقفة المنافقة الطافية علي سطح المجالات جميعا في كل العهود، نحن في حاجة لتغيير القوانين المزدوجة المتخلفة، علي رأسها قانون الأحوال الشخصية للمسلمين والأقباط معًا، نحن في أشد الحاجة الي  قانون مدني واحد  للمسلمين والأقباط يقوم علي المساواة الكاملة بين الجميع دون تفرقة علي أساس الدين أو الجنس أو المذهب أو غيره، هذا هو الطريق الأوفق للقضاء علي الفتنة الطائفية في بلادنا، وتوحيد الشعب المصري اجتماعيا وثقافيا في العائلة والدولة.

  الديمقراطية: في حديثها مع (الصحفي أحمد عدنان) تحدثت السعداوي كثيراً عن السلطة والنظم السياسية ليس في العالم العربي فحسب بل في العالم أجمع. حيث كانت تنظر إلى الديمقراطية على أنها مجرد وهم في الغرب، وهي أكثر من ذلك في العالم الشرقي، فلا يوجد نظام سياسي في العالم يريد أن يكون الناس أحراراً أو مستقلين ويحكمون أنفسهم. قالت إنها تكره كل الحكومات، فليس هناك الكثير للاختيار بينها، سواء في الغرب أو في الشرق أو في الشمال أو في الجنوب. بالنسبة للسعداوي، هناك شيء خاطئ في مفهوم حكم الآخرين. حيث كتبت “أنا أحكم نفسي ولست بحاجة إلى شخص ما ليحكمني، سواء في الولاية أو في المنزل”.

كانت لها رؤيتها الخاصة في الحكم حيث أنها أشارت كثيراً أن الناس لديهم رؤى خاصة بهمم تمكنهم أن يحكموا أنفسهم من خلالها، لكنهم ممنوعون من ذلك طوال الوقت. كانت هذه الفكرة تبحث في استغلال الناس لإمكاناتهم التي تمكنهم من تغيير حياتهم بدلاً من الشعور بالعجز. وترى أن رسالة الكاتب هو معالجة عجز الناس ونقصهم، وهي العملية التي تساهم في كشف النقاب عن عقول الناس. على عكس الحكومات التي تعمل بطرق خفية للغاية للسيطرة على أدمغة الناس، وغسل الأدمغة من خلال وسائل الإعلام. ما تشير إليه السعداوي هنا هو أن هناك إمكانية لنا للتعبير عن أنفسنا وانتقاد طبيعة الدولة أو المجتمع، ولكن هذا لا يمكن أن يتم من خلال أجهزة الدولة أو بوساطة موظفين برعاية الدولة الذين تكمن مصالحهم في نشر أو دعم مُثُل الدولة وقيمها. وتتساءل كيف يمكن للقلة الذين يمثلون الحكومة أو الدولة أن يسيطروا على الأغلبية؟!

ترى نوال السعداوي أن ازمة العرب هي ازمة سياسية وثقافية، وقالت بأنها لا تفصل بين السياسة والاقتصاد والثقافة والمرأة والجنس، كلها مرتبط بعضها ببعض، وحين يقع ركن واحد يتهاوى المبنى بأكمله.

وقالت: لكن الثورة الحقيقية الصحيحة تشمل جوانب الحياة جميعا العامة والخاصة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والجنسية والثقافية والتعليمية، الجنس جزء من حياة الناس قد يسمو أو ينحط حسب قدرتهم على الصدق والكرامة والحرية والديمقراطية، الديمقراطية ليست حرية الكلام فى البرلمان فقط أو فى الصحافة والإعلام، لكن الديمقراطية سلوك يومي، يتدرب عليه الإنسان.  وقالت عند بداية أحداث ثورة يناير 2011 في مصر: “غداً ٢٥ يناير تخرج الملايين من الشعب المصرى إلى الشوارع والميادين، من أجل استمرار الثورة، من أجل تحقيق أهداف الثورة التى لم تتحقق بعد: كرامة عدالة حرية، شاركت النساء فى الثورة ودفعن حياتهن ودماءهن وعيونهن وكرامتهن ثمنا للحرية والكرامة والعدالة، لكن القوى السياسية التى قفزت على الثورة تريد إقصاء النساء، وعزلهن تحت اسم الأخلاق أو الدين، لكن الزمن لا يعود إلى الوراء، ولا توجد قوة قادرة على قهر النساء أو خداعهن باسم الدين أو الأخلاق.

  التبعية السياسية للغرب: تقول السعداوي بأن حدثين قضيا على العالم العربي: كامب ديفيد أنور السادات وحرب الخليج، بسببهما اليوم نحن في الحضيض، وقالتْ: لو تابعتَ مشهد القضية الفلسطينية لوجدتَ الأنظمة تتوسل أمريكا للتدخل .. بالله أي عار بعد هذا على شعوبنا؟ وقالت: لابد أن نفرق بين الشعوب والأنظمة في العالم العربي، المستبد العربي دوما كان عميلا للاستعمار البريطاني ثم الأمريكي والإسرائيلي.  وقالت: لقد وضعتْ أزمة العراق الأخيرة (1991م) المثقفَ العربي في معضلة أنه إذا لم يعارض الاحتلال فهو يؤيد الاستبداد أو العكس .. كيف كان من الممكن أن يخرج من مأزقه؟

قالت بأن هناك ثلاث معضلات في الحالة السياسية: المستبد – إسرائيل – التبعية لأمريكا، وقالت: نحن نعيش في عالم واحد على شكل هرم، يحكمه شرذمة من أصحاب الأموال والسلع في واشنطن وإسرائيل هي اليد اليمنى للولايات المتحدة والشركات متعددة الجنسيات في المنطقة. السياسة الدولية تؤثر في السياسة الإقليمية التي تؤثر في المحلية المؤثرة في العائلة، والاستبداد العربي صنيعة وحماية السياسة الدولية فالسادات مثلا كان محميًا من أمريكا وحين لبى مطالبها كلها رفعت عنه الحماية فقُتل، وما ينطبق على السادات ينسحب على غيره.

في حديثها مع الصحفي أحمد عدنان اتهمت السعداوي صدام حسين بأنه عميل لأمريكا ولكنه اختلف معها على جزئية احتلال الكويت التي قضت على ما بينهما بتخطيط أمريكا نفسها، واعتبرت أن اجتماعه بالسفيرة الأمريكية قبل الحرب مؤشر مهم على أن الديكتاتور دائما ما يكون غبيًا، أمريكا هي التي تصنع الطغاة وتحميهم وينتهون حين ترفع يدها عنهم، لذا صنعتْ لنا المعضلة التي تحدثتُ عنها حتى يصمت المثقفون خوفا من أن يتهموا بأنهم مع صدام، وقالت: أنا لست مع صدام ولا مع أمريكا، أنا مع شعب العراق الذي يموت كل يوم سواء بيد الاستبداد أو بيد الاحتلال.

اليسار: قالت عن القوى اليسارية: إن التيار اليساري انتهى ومات في العالم العربي، وحدًا أدنى أقول إنه أصبح لا قيمة له بسبب واحد: أنه لم يتطور إنسانيا واقترن بشكل أو بآخر بالفساد الأخلاقي.

  الاستبداد: تساءلت السعداوي فقالت: هل الخيار لا يكون إلا بين الاستبداد المحلي وبين الاستعمارية الرأسمالية الغربية؟ قالت في حوارها مع أحمد عدنان: أريد حرية الناس والشعب، انظر إلى مثال كاسترو، هو ليس مع الاستبداد ولا مع الاستعمار، “مطلع عين أمريكا” وهو يجاورها في دويلة صغيرة جدا، ورغم الدعاية التي وجهوها ضده ومحاولات اغتياله ظل كما هو لالتفاف الشعب حوله، وهذا يدل على أنه من الممكن أن ترفض المستعمر الخارجي والمستبد الداخلي، وأمريكا كلما وجدت تكرارًا لهذا النموذج في آسيا أو أفريقيا سعت لإسقاطه، عبد الناصر قُتِلَ قتلاً لهذا.

  السعداوي مع حُكَم مصر!

موقفها من الملكية: قالت بأنها شاركت في مظاهرات أيام النظام الملكي وداست على صورة الملك (فاروق).

كانت تكن إعجاباً خاصاً للرئيس جمال عبد الناصر، فقال بأنه الوحيد الذي شذ قليلا (عن العمالة للغرب)، وقالت بأنها ليست (ناصرية) الفكر، ولا متحيزة لعبد الناصر ولا متحاملة على السادات، و لكننها سُرَّت بالتغييرات التي أنجزها عبد الناصر في فترة حكمه وأبرزها تذويب الفوارق بين الطبقات والمساواة ودفع المرأة للعمل بأجر ومقاومة الإمبريالية الغربية المتمثلة وقتها في الصلف البريطاني والأمريكي بعدها، وقالت بأن هذا ما دفع الغرب حينها للتآمر عليه و هزيمته؛ وساعدهم في ذلك أن سياسة عبد الناصر الداخلية كانت قائمة على القمع لا الحوار و هذه هي أكبر عيوبه و أخطائه بالإضافة إلى فساد عبد الحكيم عامر و زبانيته في القوات المسلحة، ومن الغرابة أنها نظرت لعبد الناصر بعين المحب التي قال فيها الشاعر:

وَعَينُ الرِضا عَن كُلِّ عَيبٍ كَليلَةٌ *** وَلَكِنَّ عَينَ السُخطِ تُبدي المَساوِيا

لهذا لم ترَ سجون عبد الناصر ومعتقلاته وتعذيبه للمعارضين ومخالفي الرأي، فعندما سألها الصحفي أحمد عدنان عن السجون والمعتقلات التي فتحت للإخوان والمعارضين؟ نظرت للمسألة من زاوية معاملته لصنف (مدلل) من المعارضين، صنف الشيوعيين الذين كان منهم زوجها شريف حتاتة، فقالت: زوجي د/ شريف حتاتة مكث 10 سنوات في السجن في عهد عبد الناصر وخرج دون خدش، عبد الناصر لم يكن دمويا مثل صدام حسين. بل وأنكرت أن عبد الناصر كان يتلقى مساعدات أمريكية، فقالت إجابة على سؤال أحمد عدنان بأن عبد الناصر كان يأخذ معونة من أمريكا مثله مثل غيره ..فَلِمَ نميزه عنهم ؟ فقالت: خطأ .. هذا لم يحدث إلا في عهد السادات، أمريكا حاربت عبد الناصر لأنه رفض مساوماتها على تمويل السد العالي ولم يفرط في السيادة وحرر قناة السويس وذهب إلى روسيا، فاتهموه بالشيوعية، والمعونة / العار علينا التي تتحدث عنها تعود إلى أمريكا مرة أخرى أضعافا مضاعفة؛ هذه التصورات المغلوطة نتيجة طبيعية لتضليل الساسة والإعلاميين العرب للشعوب العربية”.

كنا نود أن الدكتورة السعداوي كانت أكثر موضوعية وإحاطة في المسألة، فلم يتعرض زوجها الشيوعي للتعذيب، لأن عبد الناصر كان يستخدم الشيوعيين ورقة ضغط على الاتحاد السوفيتي، فعندما كانت علاقته تسوء معهم كان يحبس الشيوعيين ويُكْرِم نزلهم في سجونه، ويطلق سراحهم عندما تتحسن علاقته بالسوفيات، ولكن الأمر مختلف مع معارضيه الإخوان المسلمين، ولستُ أدري إن كانت اطلعت على بعض مؤلفاتهم التي تحدثوا فيها عن تعذيبهم في سجون عبد الناصر مثل “البوابة السوداء” لأحمد رائف و”أيام من حياتي” لزينب الغزالي.

النظر بعين واحدة جعلها تعتبر استبداد عبد الناصر ودكتاتوريته مجرد أمر عارض، فلما سألها الصحافي أحمد عدنان عن ميولها الناصرية بسؤاله: يبدو يا دكتورة أن نفي تهمة (الناصرية) لن يكون سهلا بالنسبة لك ؟!  قالت:  هذا هو التفكير الديني الذي أرفضه، حدية الأبيض أو الأسود، عبد الناصر إما أن يكون ملكا أو شيطانا، أنا ضد تقسيم الناس إلى ملائكة و شياطين، عبد الناصر كان وطنيًا حاول أن يرتقي ببلاده، نزيها لم يتقاض راتبًا من أمريكا مثل السادات، عيب عبد الناصر أنه كان ديكتاتورا، والفرد الواحد لا يفعل شيئا كما أن اليد الواحدة لا تصفق، لقد طالبنا بالتغيير في عهد عبد الناصر فاضُطِهدْنا مِن أعوانه وعزلوه عن الناس، عبد الناصر لم يكن أبدا مثل السادات، لقد فتح الأخير للتيارات الإسلامية الباب على مصرعه أما عبد الناصر فحرص على محاربتها و القضاء عليها.

عن السادات: قالت لصحيفة لـ “الموندو” الإسبانية: السادات دعم التطرف الإسلامي ودمر البلد.

عارضت نوال السعداوي اتفاقات “كامب ديفيد” وأعلنت رفضها، فعرضها هذا للسجن عام 1981 وكذلك كانت سياسات السادات الاقتصادية المحلية محل نقمتها وبالتالي غضبه عليها فسُجنت مع مئات المعارضين الذين كان أغلبهم من الإسلاميين. عند إطلاق سراحها مع مَن تم اعتقالهم بعد مقتل السادات أسست جمعية تضامن النساء العربيات، وهي أول منظمة نسوية قانونية مستقلة في مصر مكرسة لتعزيز مشاركة المرأة النشطة في المجتمع العربي. لكن بعد وقت قصير من معارضة الجمعية لحرب الخليج الأولى عام 1991، حظرتها السلطات المصرية.

اعتبرت أن السادات لم يحرر سيناء لأن الثمن كان باهظاً، فقالت لأحمد عدنان: لم يحررها وإن حررها فبأي ثمن؟ ببيعه القضية العربية وقضائه على الجامعة العربية!!، وأصبحنا نسمى (الشرق الأوسط) بعد أن كنا نسمى (العالم العربي).

وترشحت في الانتخابات الرئاسية عام 2005 ثم شاركت في الانتفاضة الشعبية ضد حكم الرئيس السابق حسني مبارك عام 2011.

السيسي: ترى السعداوي أنّ ثورة يناير 2011 أُجْهِضَتْ؛ لكن المرحلة التي تمر بها مصر الآن أحسن من عصر الرئيسين السابقين أنور السادات وحسني مبارك، بالرغم من الأخطاء الكبيرة التي تقوم بها الحكومة والدولة بحبس الشباب والمفكرين والشعراء، وتناقض ذلك مع الدعوة لتجديد الخطاب الديني.

  من الإخوان إلى الإلحاد

في مقال نشره الدكتور رشاد البيومي (نائب المرشد العام للإخوان المسلمين في مصر) في مجلة المجتمع العدد 1927 مقالاً خلاصته أن نوال سعداوي كانت أول طالبه محجبه في كلية الطب. وأضاف قائلاً: وقد رأيتها في ندوه أثناء احتفالنا بذكري المولد النبوي الشريف وكان أول المتحدثين د سعيد رمضان (زوج ابنة الشيخ البنا) والثاني الاذاعي المتميز المأمون أبو شوشه   أما المتحدثة الثالثة فكانت نوال السعداوي التي تحدثت عن زوجات الرسول صلي الله عليه وسلم.

وشهادة أخرى عن إخوانية السعداوي ذكرها زميلها في دراسة الطب الدكتور محمود جامع في كتابه “وعرفت الإخوان” حيث يقول: قد لا يعرف البعض أن الدكتورة الشهيرة نوال السعداوى، صاحبة الانحرافات الخطيرة والأقوال الكفرية التى تسخر فيها من نصوص الكتاب والسنة، كانت فى يوم من الأيام من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، بل ومن المتحمسين لها. يقول جامع: كان معنا فى نفس الدفعة فى كلية الطب الدكتورة نوال السعداوى التى نجحنا فى ضمها للإخوان، وتحجبت فى ملبسها، وغطت شعرها، وكانت ملابسها على الطريقة الشرعية، ونجحت فى أن تنشئ قسمًا للأخوات المسلمات من طالبات الكلية، كما أنشأت مسجدًا لهن بالكلية، وكانت تؤمهن فى الصلاة، وكنت أنا ضابط اتصال بينها وبين الإخوان. وأقنَعتْ نوالُ كثيرًا من زميلاتها بالانضمام للأخوات المسلمات، تحضهن على الصلاة والتمسك بالزي الإسلامي، فى وقت كان الحجاب بين النساء نادرًا، وكانت تخطب فى المناسبات الإسلامية، وفى حفلات الكلية باستمرار”.

ولكن السعداوي تنكر بشدة انتماءها لجماعة الإخوان المسلمين، فقد سألها سامي كليب في لقائه معها في برنامج قناة الجزيرة “زيارة خاصة” إن كانت شيوعية؟ فقالت: هذه أيضًا شائعة تشبه شائعة انضمامي إلى الإخوان المسلمين، أنا يا سيدي لم أنضم لا للإخوان ولا للشيوعين ولا كنت ماركسية لكنني وكما درستُ الاسلام درستُ الماركسية وقرأتُ سارتر وأرسطو والفكرَ الوجودي ..قرأت كثيرًا ولتيارات مختلفة. وأنكرتْ السعداوي معرفتها بالدكتور جامع، فقالت لسامي كليب: بأنها لا تذكره ولا تعرفه شخصياً.

وعن علاقتها بالإخوان أثناء دراستها قالت: أذكر أنه كان معي من الإخوان المسلمين الدكتور عمر شاهين زعيم الإخوان، كان يدعوني لأنى أنا طالبة الطب الوحيدة المتمردة التى أنزل المظاهرات، ووالدي كان يشجعني على النزول فى المظاهرات، وكنا نهتف بسقوط الحكومة وسقوط الإنجليز، ودسنا على صورة الملك، وما إلى ذلك، وكان حبى للغة العربية سببًا فى أن يدعوني الشيوعيون لألقى كلمة فى عيد العمال، وكان الإخوان يأتون لى ويقول عمر شاهين: يا أخت نوال نريدك أن تلقى كلمة فى الهجرة، وعندما مات زميلنا أحمد المنيسى فى القنال، وكان فدائيًا، طلبوا منى أن ألقى كلمة، فصعدت إلى المنصة وألقيت كلمة، فتوهم هذا الطبيب [محمود جامع] الذى كتب هذا الكلام أنى أنا كنت مع الإخوان. وقالت بأنه لم تتم دعوتها للانضمام للإخوان أصلاً، بل إنهم كانوا يرونها شيوعية، وأنها لم تكن معجبة بأفكار الإخوان لا سيما حول الحجاب.

  هي والأزهر

لم تكن العلاقة بين الأزهر والسعداوي علاقة طيبة، ففي 2004، أوصى مجمع البحوث الإسلامية، التابع لمؤسسة الأزهر، بمنع روايتها “سقوط الإمام”، معتبرًا أنها تتعارض مع ثوابت الإسلام.

قالت الكاتبة الروائية نوال السعداوي في لقائها مع برنامج «بلا قيود»، على تليفزيون «بي بي سي» عام 2018 إن الأزهر الشريف «قوة رجعية خطيرة»، وأنها طالبت من القاهرة بمخاطبة الناس وليس مؤسسة الأزهر.

وقالت في لقاء مع قناة الحوار: يجب أن يكون التعليم في الأزهر إبداعياً في الفكر، وليس من وظيفة الأزهر نقد الأعمال الفنية والأدبية، وقالت بأنه ليس في الفن حرام وحلال.

من جهة اخرى اشترطت أن تعقد مناظرة مع شيخ الأزهر آنذاك، محمد سيد طنطاوي، من أجل عودتها من منفاها الاختياري فى أوروبا. الأمر الذي دفع شيوخ الأزهر وقتها لرفض الاقتراح، مؤكدين أنها “زوبعة من زوابع الدكتورة نوال”. كان موضوع المحاورة، كما أرادت نوال، مسرحية “الإله يقدم استقالته فى اجتماع القمة” التى رُفضت على المستوى الأزهري، إذ قدم مجمع البحوث الإسلامية بكامل أعضائه بلاغاً ضدها إلى النائب العام، ما جعل الحاج مدبولي، أشهر ناشر وقتها إلى إحراق نحو 4000 نسخة من المسرحية التى طبعها.

ليست المسرحية فقط ما كانت تريد أن تناقش شيخ الأزهر فيه، بل ما أثارته كذلك من ضرورة كتابة اسم الأم مقترناَ باسم الشخص، فصارت نوال، نوال بنت زينب، وصارت ابنتها منى حلمى، (منى نوال حلمى). يذكر أن الكاتب الراحل عبد الله كمال عندما كان رئيسا لتحرير روز اليوسف رفض مقترحاً قدمته الكاتبة منى حلمى بتوقيع مقالاتها باسم “منى نوال حلمى” مثلما تدعو والدتها، وذلك بحجة أن المجلة متعاقدة مع منى باسمها العادى. (موقع مبتدا، محمد الشماع، 22/3/2021)

هاجمت شيخَ الأزهر محمد سيد طنطاوي عندما أيد فرنسا في مسألة حظر الحجاب على المسلمات، متهمة إياه بأنه يُسيس الفتاوى التي يصدرها، فقالت: في الواقع فإذا كان شيخ الأزهر جاداً فيما فعله فهو لا يعرف الإسلام، لكن الحقيقة هي أنه أدلى بتصريح سياسي. إنه يعلم جيداً أن الحجاب ليس فرضاً إلهياً، لكنه تحت سلطة قوية؛ لذا كان تصريحه يحمل الكثير من التناقضات. فجزء مما قاله صحيح: إن فرنسا حرة في أن تفعل ما تشاء. لكن الجزء الآخر من البيان غير صحيح. هذا أمر خطير. بما أنه أعلى سلطة دينية رسمية في الدولة، فيجب على جميع النساء أن يرتدين الحجاب. لكن بما أن العديد من النساء المصريات لا يستجبن لنصيحته، بما في ذلك زوجة الرئيس مبارك، فكان عليه الاستقالة”.   (وائل الشيمي: رحلة في عقل كاتبة أثارت الكثير من الجدل، موقع منثور 23/3/2021)

وعقدت المذيعة منى الشاذلي مناظرة بين الدكتور محمد عمارة ونوال السعداوي في برنامج “القضية لم تُحسم بعد” ردَّ فيها على الكثير من آرائها وأفكارها المناوئة للإسلام لا سيما في قضية الميراث ومطالبتها بالمساواة التامة بين الورثة في الميراث.

  مكافأة أم استحقاق (هل كانت في خدمة المشروع الغربي)

من الملاحظ أن أفكار السيدة نوال السعداوي تنال الإعجاب في العالم الغربي، وكأنهم يقولون لها “هذه بضاعتنا ردت إلينا”، وهذا الاندغام في الأفكار مع الغرب، وهذا التكريم الذي لاقته هناك، جعل الدكتور محمد عمارة يتهمها مباشرة في ندوة معها بأنها تكتب للغرب وتخدم أهدافه، ومن الطبيعي أن تنكر السعداوي ذلك بشدة في الندوة ذاتها (مناظرة بين محمد عمارة ونوال السعداوي في برنامج القضية لم تحسم بعد، وكانت مقدمة الندوة السيدة منى الشاذلي”.

مُنحت الدكتورة السعداوي عدداً من الجوائز من العالم الغربي، منها ثلاث درجات فخرية:

عام 2004 حصلت على جائزة الشمال والجنوب من مجلس أوروبا.

عام 2005 فازت بجائزة إينانا الدولية من بلجيكا.

في عام 2012 فازت بجائزة شون ماكبرايد للسلام من المكتب الدولي للسلام في سويسرا.

شغلت نوال العديد من المراكز الأكاديمية في جامعة القاهرة وهارفرد، وييل، وجامعة كولومبيا، وجامعة السوربون، وجورج تاون، وجامعة ولاية فلوريدا، وجامعة كاليفورنيا، لتعود بعدها إلى مصر في منتصف التسعينيات.

تفتخر السعداوي بأن الجامعات الغربية فتحت ذراعيها لها فقالت: لماذا أدرس في جامعات أمريكا وأحوز أعلى أجر على محاضراتي هناك؟ أدرس لديهم مادة (الإبداع والتمرد) وهي مادة غير موجودة في أي جامعة عربية وأقول لهم إنني أتمنى أن يسمعني الشباب المصري والعربي مثلكم، أنا لا أدرس في أي جامعة عربية لأنهم يعيبوني بالتخصص، ولكن هناك حين يسمعون ما أقوله وأدرِّسه للطلبة، يتهافتون عليَّ ويعطونني أعلى أجر. وهنا دلالة واضحة على أن هزيمتنا الفكرية أنجبت هزيمتنا السياسية والاقتصادية.

اختارت مجلة «تايم» الأمريكية «السعداوى» ضمن أهم 100 امرأة في العالم على مدار القرن الماضي، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة.

يقول د. وليد القططي في مقال بعنوان” نوال السعداوي. وتحرير المرأة” نشره في جريدة رأي اليوم 28/3/2021:”ذهبت نوال السعداوي نحو نموذج التيار الغربي للمرأة، المستورد من أوروبا وأمريكا، والذي يعمل على تحرير المرأة من الإسلام وليس بالإسلام، وعتق المرأة من الفطرة وليس من الظلم، في محاولة لجعل المرأة تفقد هويتها كعربية ومسلمة، ويتميع دينها كفرد ومجتمع، وتنتكس فطرتها كإنسان وأنثى… وما إلى ذلك من أثر على الأمة بفقدان هويتها، وتمييع دينها، وانتكاس فطرتها.

بعيداً عن نظرية المؤامرة، والاتهام بدون دليل، نرى أن احتفاء الغرب عادة بمن يهاجم الإسلام، أو التراث وأعلام التراث، أو يروج لأفكار الغرب ووجهة نظره في الحياة؛ يسمح لنا بالسؤال إن كان يتم ذلك ببراءة وإنسانية؟!

 النسوية وتحرير المرأة

يُعَرِّف معجم أوكسفورد النسوية بأنها: الاعتراف بأن للمرأة حقوقًا وفُرَصًا مساوية للرجل، وذلك في مختلف مستويات الحياة العلمية والعملية.  وعلى هذا فالنسوية حركة تريد إعطاء المرأة ما للرجل من حقوق وفرص في جميع مجالات الحياة.

تعتبر الدكتورة نوال السعداوي من أبرز المطالبين بالنسوية في العالم العربي، وهي امتداد لمن سبقها في المطالبة بهذه “الحقوق”.

تقول السعداوي: “كنت ناشطة نسوية عندما كنت طفلة لأنني كنت غاضبة لأن أخي يتمتع بحقوق أكثر. لذا فإن النسوية بالنسبة لي ليست نظرية قرأتها باللغة الإنجليزية. إنها طريقة حياة، مثل الاشتراكية، مثل المساواة. وأنا لا أؤمن بالنسويات اللائي يفصلن بين الاغتصاب الجنسي والاغتصاب الاقتصادي. ففي الغرب مثل إنجلترا وأمريكا بعض النسويات مغرمات جداً بالتحدث فقط عن الاغتصاب الجنسي. ويفصلونه عن الاغتصاب الاقتصادي والعقلي، كما يحدث عندما يتم غسل دماغ شخص ما بواسطة وسائل الإعلام أو التعليم. لذلك أرى كل ذلك على أنه نسوية بمعنى أوسع”.

في منتصف السبعينات، طرحت نوال فكرها النسوي في كتاب “الأنثى هي الأصل”، مكررةً فكرة نشأة الحضارة على مبدأ تقديس الأنثى في مجتمعات أمومية رومنسية لا تعرف الحرب. وفي منتصف الثمانينات، طرحت نقدها للذكورية في كتاب “إيزيس” لتنتصر للإلهة الأنثى في وجه الإله «رع»، لأنه أمر بالختان والإِخصاء ضد المستضعفين فقط، وهم النساء والعبيد.

وقالت في كتابها إن استقلال المرأة نفسها وخروجها للعمل هو السبيل الوحيد لتحرير النساء من المجتمع الذكوري. ورأت أن الدين والمجتمع يتعمدان تجاهل وإقصاء دور المرأة وتأثيرها في تاريخ الأمة أجمع؛ لكونها “امرأة”، مشيرة إلى أن المرأة هي مكتشفة الحروف واللغة كما أن المرأة اكتشفت علم الفلك، فكانت “إيزيس” هي إله المعرفة في الحضارة الفرعونية.

السعداوي تريد مشاركة فعالة عضوية في أي مسألة وألا تكون مجرد (ديكور) وواجهة للعرض، فقالت عن دور المرأة في الإسلام، وبالتحديد عن دور السيدة خديجة في انتشار الإسلام وحماية الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) من الكفار؛ بأنه لولا دور السيدة خديجة لما انتشر الإسلام.  وعن سبب عدم تركيزها على النماذج البارزة للمرأة في الحضارة الإسلامية حيث شاركت في تأسيس الدولة الاسلامية وشاركت في بيعة العقبة “أي في أعلى مراتب الولاية السياسية” وتولت الحسبة على الأسواق وراوية للحديث ومؤتمنة على الدين، فلماذا لم تلتفت السعداوي إليها على الرغم من عظمتها، ألا تعد هذه النماذج كافية لتحرير المرأة بالإسلام وليس تحريرها من الاسلام؟ فأجابت بقولها: لا يكفي أن تشارك المرأة في تأسيس الدولة الإسلامية أو المسيحية أو الدولة اليهودية أو غيرها، يمكن للمرأة أن تكون رئيسة دولة ورئيسة وزراء دون أن تتمتع النساء في بلدها بحقوق الإنسان، أرجو أن تراجع أحوال النساء  في عصر السيدة عائشة أو السيدة تاتشر أو السيدة ميركل أو السيدة جولدا مائير أو السيدة بناظير بوتو لتدرك أن هؤلاء النساء في قمة الحكم اشتغلن بالسياسة والحكم مثل الرجال، وبعقول الرجال، ولم يلعبن دورا مهما لتحرير الملايين من النساء الأخريات، بل العكس صحيح، مثلا تاتشر لعبت دورًا ضد حقوق نساء إنجلترا لصالح النظام الرأسمالي الأبوي العنصري المسيحي، وكذلك تفعل ميركل بنساء ألمانيا، وكذلك تفعل الأخريات اللائي يصعدن سياسيا واقتصاديا  في ظل النظام الطبقي الأبوي، الذي يحكم عالميا ومحليا. هذا ما جاء في مقال الأستاذ محمود القيعي والذي عنوانه: “وفاة الكاتبة المصرية نوال السعداوي عن عمر ناهز 90 عامًا.. وتفاصيل آخر حوار معها” نشرته صحيفة رأي اليوم”.

قالت نادية هانوي في مقالها في “القدس العربي، 2/4/2021″ والذي عنوانه:” نوال السعداوي: موقع المرأة من المرأة”: ” لم تتوان نوال السعداوي من تكرار القول إن النسوية لن تكون قوة سياسية منظمة وواعية بحقوقها وأهدافها، ولها قدرتها على الفعل واتخاذ القرارات الكبرى؛ إلا إذا حررت المرأة مثيلتها المرأة، فالنساء لن يحررهن إلا النساء أنفسهن. والأنثى الحقيقية هي المتحررة العقل، والمرأة إنسانة كالرجل تماما، ولها أهليتها التي هي أعظم نعم الله التي ينبغي ألا تهدر؛ بل توظف وأهمها التفكر العقلي بحرية وصدق. وهذا ما حاولت السعداوي فعله وهي تؤلف وتنشر وتحاضر وتناظر وترفض وتؤيد”.

قال الكاتب محمد سامي الكيال في مقاله:” نوال السعداوي: نسوية الموجة الثانية في انقلاب الثلاثين من يونيو، القدس العربي، 26/3/2021″:إلا أن السعداوي لم تكتف بتكرار الدعاوى العامة لتيارها السياسي، فقد استطاعت، في وقت مبكر، بفضل عملها الطبي، خصوصاً بين نساء الطبقات الأدنى، استشفاف دور الممارسات الطبية السلطوية على أجساد الإناث، مثل الختان وكشوف العذرية، في صياغة الهوية النسائية والأدوار الجندرية، ما يجعلها رائدة، في السياق العربي، لاكتشاف دور السياسات الحيوية Biopolitics في صياغة الذوات وتطويع الأجساد”.

وعن دور المرأة ومكانتها في البيت وأنه يتجاوز دورها التقليدي، قالت عن شهرزاد بطلة العمل الأدبي الكلاسيكي” ألف ليلة وليلة”: هل عبقرية المرأة هي أن تقضي حياتها في تسلية زوجها كل ليلة بالحكايات؟ لم يكن في حياة شهرزاد إلا هذه المهمة المتعلقة بزوجها شهريار، مهمة تشويقه وتسليته وتدليله، وولادة ثلاثة أبناء ذكور له، لم يكن لشهرزاد حياة خارج جدران البيت الأربعة، كانت متفرغة لزوجها، المرأة ليست زوجة فقط أو أما فقط، المرأة إنسانة كاملة العقل والشخصية، لها أدوار متعددة في الحياة خارج البيت، في كل مجالات العلم والأدب والسياسة والثقافة والاقتصاد والفلسفة، وكل شيء.

يقول د. وليد القططي في مقال له بعنوان” نوال السعداوي. وتحرير المرأة”[رأي اليوم 28/3/2021]: ركزّت نوال السعداوي على معاناة المرأة العربية والمصرية، فذكرت من خلال مجموعتها القصصية (أدب وقلة أدب) مجموعة من المشاكل المعاصرة للمرأة من خلال شخصيات رواياتها مثل: النظرة المزدوجة لكل من سلوك الرجل والمرأة، والزواج القصري من الأثرياء العرب، والاستغلال الجنسي للنساء، والقتل الفكري والنفسي للبنات، وزواج الصغيرات القاصرات، وختان الإناث، والعنف الذكوري ضد المرأة، وتمييز القانون المصري ضد النساء. وفي كتاب (المرأة والغربة) توضح قهر المرأة الجسدي والنفسي المتستر وراء الفضيلة، وتصف كيف تفقد المرأة ذاتها داخل الزواج، فتصبح زوجة فلان أو أم فلان، فتفقد اسمها عندما يقرر الرجل الزواج بأخرى أجمل أو أصغر أو أغنى. وتنتقد في كتابها (الأغنية الدائرية) التمييز المجتمعي في عقوبة الزنا بين الرجل والمرأة حتى لو كانت المرأة هي الضحية بالرضا أو بالإكراه. وربطت بين السلطة والدين والجهل كثالوث يُعمّق معاناة المرأة المصرية من خلال روايتها (موت الرجل الوحيد على الأرض)، فنسجت بواسطة واقع بعض النساء الريفيات كيف تتحالف السلطة ممثلة في عمدة القرية، والدين ممثلاً في إمام الجامع، والجهل متمثلاً في حلاق القرية، على إيجاد مجتمع تكون فيه المرأة وسيلة للإمتاع فقط.

سأل الصحفي أحمد عدنان الدكتورة السعداوي عن دورها ومكانتها في حركة تحرير المرأة فقال لها: لو تعمقنا في مشروعكِ (تحرير المرأة) وهو أول ما يلتصق بالأذهان فور ورود اسمكِ، نلحظ أنه في أواخر القرن 19 وأوائل العشرين وتحديدًا في قاسم أمين ومَنْ بعده هدى شعراوي، ثم أنت في نهايات القرن العشرين وأول القرن الحالي نلحظ اختلافا بين المدرستين: قاسم أمين لم يرد أن يهدم البناء .. أراد فقط أن يرمم مواطن الضعف والخلل فيه، نوال السعداوي على عكسه تريد هدمَ البناء والبناء محله، قاسم أمين اعتمد (النص) أداة له ونوال السعداوي اعتمدت العقل والمنطق، كيف تقرئين هذا الاختلاف؟ فقالت: أنا لستُ امتدادا لقاسم أمين أو هدى شعراوي على الإطلاق، آمنتُ بتحرير المرأة لأنني ولدتُ امرأة في بيئة فقيرة وبدأتُ أشعر بظلم المجتمع لي، مشروع قاسم أمين كان مشروعا سطحياً جدًا، ليس هناك معنى لأن تضع المرأة (مكياجا) وتذهب إلى الجامعة وتتزوج وبعدها تتحجب وترضى أن تُضْرب من زوجها حين يقول المجتمع لها ذلك، هذا ليس تحررا.

سُئلت عن مفهومها لـ “تحرير المرأة”؟ فقالت: هو أن تكون المرأة إنسانة كاملة الإنسانية، تشعر بمسؤولية تامة وكاملة إزاء نفسها أولا ثم المجتمع، وهذه هي خلاصة مشروعي للمرأة في العالم وليس في العالم العربي فقط.

رغم دعواتها للمساواة التامة بين الجنسين في الحياة العامة والخاصة، إلا أنها دعت (في برنامج مساء القاهرة 7/8/2016) لوجود حزب للنساء على غرار حزب العمال والفلاحين، والهدف منه إيجاد كيان يطالب بحقوق المرأة كونها مهمشة ومقهورة.

إذا أرادت اقتصار العضوية على النساء فقط فهذا مخالف لمبدأ المساواة، وإنْ أرادت أن يكون الحزب شاملاً للذكور والإناث ولكن يكون من أهدافه المطالبة بحقوق النساء، فدعوة فائضة عن الحاجة ومن قبيل لزوم ما لا يلزم، لأن هذه المطالبة يجب أن تكون من خلال جميع الأحزاب والقوى الموجودة ومن خلال تشكيل ثقافة عامة عند عامة الناس لهذه الأفكار.

ومن أشهر أقوال نوال السعداوي عن المرأة:

المرأة تضحى بعقلها من أجل سجن الأمومة الذي تخلصتُ أنا منه.

كثير من السيدات العبقريات انتهت عبقريتهم بالقهر الزوجي والأمومة.

المرأة ليست ملاذًا للرجال ولها دور أساسي في المجتمع.

صِدَام مع الإسلام

أولاً: مع الفكر الإسلامي:

ليس الإسلام دين الدولة

بما أنَّ نوال السعداوي علمانية تؤمن بفصل الدين عن الدولة؛ فمن الطبيعي أن تنكر وجود دولة إسلامية تقوم على الاحتكام للشريعة الإسلامية وحدها، وأن تنادي بما يُسمى بالدولة المدنية والتي تكون قوانينها وأنظمتها وتشريعاتها بشرية فقط. بل إنها أنكرت أقل من وجود “الدولة الإسلامية”، وهو أن يكون “دين الدولة الإسلام”، سألها المذيع “سامي كليب” في لقائه معها في برنامج قناة الجزيرة “زيارة خاصة” عن طلبها ـ عندما ترشحت لرئاسة الدولة المصرية عام 2005 ـ اسقاط الدين من الدستور، مما يعني فصل الدين عن الدولة، وسألها: الا تعتبرين أن هذا الأمر طوباوياً؟  يعني كيف يمكن أن يتححق في دولة مسلمة كمصر في دولة يؤمن شعبها كثيراً بالصلاة والصوم بالإسلام وما إلى ذلك؟ هل يمكن الفصل بين الدين والدولة؟ فأجابت:

“طبعاً أريد أن أقول إن شعبنا مثل أي شعب ثان، لمَّا أتى عبدُ الناصر غيّر كل النظام وألغى الفوارق بين الطبقات وضرب التيارات الإسلامية وجعل الأزهر مدنيا وعمل جامعة الأزهر جامعة مدنية؛ لم يتكلم أحد وصفقوا له تصفيقا حادًا، وقالت إن الشعب المصري ليس كما يظنه الناس “متدروشاً ومتديناً”، وأضافت: الشعب المصري الذي هو والدي وأنا. عندما يأتي حاكم عادل ويتكلم في الاقتصاد بالعدل وضد الاستعمار يبقى معه، [أي سيؤيده الشعب] ولكنَّ الشعبَ مُجّهلٌ في هذا الوقت، وقالت بأنها تريد القول بأن الشعب المصري كان أكثر وعياً، وقالت: “عندما كنت أنا صغيرة كنا أكثر وعياً من التلامذة في هذا الوقت، يعني طالبات الطب في هذه الأيام ناقشهن تكلم معهن أغلبهم محجبات”.

معنى كلامها أن الشعب سيصطف مع الحاكم وقراراته مهما كانت مخالفة لما اعتاد عليه هذا الشعب.

المعنى نفسه كررتْهُ في حوارها مع الصحفي أحمد عدنان عندما سألها عن مشروع طلب تأسيس حزب مصري جديد يرأسه حفيد أحمد لطفي السيد والذي من أهم ما في بنوده: الدعوة إلى إسقاط المادة المتعلقة بالدين من الدستور وإلى انسلاخ مصر من بعدها العربي” فقالت: أنا مع الدعوة إلى إسقاط البند المتعلق بالدين من الدستور المصري ” الإسلام هو الدين الرسمي أو الرئيسي لمصر”، لأن بيننا أقباط، ولأن الدين مسألة متعلقة بين العبد وربه وليس لأحد أن يفرض دينه وربه وطريقة عبادته على الناس، ولهذا أنا من أشد المعارضين للدولة الدينية لأن ربنا لا دخل له بالسياسة. وعند سؤالها: ألا يمكن أن تكون هناك وحدة إسلامية؟ قالت: لا .. أنا ضد إقحام الدين في الدولة والتحالفات.

وقالت: نحن في حاجة الي ثورات وثورات متعاقبة متتالية، خاصة في مجال الفكر والسياسة والتعليم والثقافة، نحن في حاجة لتغيير النخب المثقفة المنافقة الطافية علي سطح المجالات جميعا في كل العهود، نحن في حاجة لتغيير القوانين المزدوجة المتخلفة، علي رأسها قانون الأحوال الشخصية للمسلمين والأقباط معا، نحن في أشد الحاجة الي  قانون مدني واحد  للمسلمين والأقباط يقوم علي المساواة الكاملة بين الجميع دون تفرقة علي أساس الدين أو الجنس أو المذهب أو غيره، هذا هو الطريق الأوفق للقضاء على الفتنة الطائفية في بلادنا، وتوحيد الشعب المصري اجتماعيًا وثقافيًا في العائلة والدولة.

الدولة المدنية:

أثناء دراستها الطبَّ (1951 ـ 1954) أعجبت بشاب قبطي وأرادت الزواج منه، وتقول بأن والدها (الأزهري) وافق على ذلك وقال لها بأن رفض زواج المسلمة من كتابي ليس من الإسلام، ولكن القوانين حالت دون ذلك، ولهذا فهي تطالب بقانون مدني، وقالت بأن الزواج بين أي شخصين بغض النظر عن الدين يحقق العدل، وتساءلت: ما ذنب الفتاة إن ولدت مسلمة ليكون الدين مانعا لها من الزواج ممن ترغب به؟ ثم قالت بأنَّ الزواج بين الأديان يمنع الفتنة الطائفية!

أكدت نظرتَها للدولة المدنية بقولها: لا دولة في الإسلام، ولكن: هل يمكن للجماعات الإسلامية المشاركة في الحكومات القائمة؟ أجابت أحمد عدنان عندما سألها هذا السؤال قائلة بصرامة: لا ليس من حقها. إنهم سفاحون مجرمون. وضعوا اسمي وغيري من المثقفين والمفكرين الشرفاء والمخلصين على قوائم الموت، ولو مررنا على جرائمهم فإنها لا تعد ولا تحصى، إذا كان رأيي يخالف رأيك فهذا ليس دافعا لقتلي، حارِبْني بالتجاهل أو بالرد عليَّ ولكن ليس بالتكفير وسفك الدماء كما تفعل هذه الجماعات. لهذا أنا أعارض الدولة الدينية، (ربنا) يجب أن نبعده عن السياسة لأنني لا أستطيع أن أناقش أو أعارض (ربنا)، اعْبِدِ الإلهَ الذي يرضيك ويحقق مصالحك ومطالبك، لكن لا تفرضه عليَّ أو على الدولة، لأن كل المواطنين في الدولة سواء، على اختلاف حالتهم المادية أو شريحتهم الاجتماعية وانتمائهم الديني، لماذا أكون كامرأة أقل مواطنة من الرجل؟ لأن الدين الرسمي للدولة هو الإسلام! لماذا يتزوج الرجل أربعاً وأنا لا؟! هذه إهانة لي”. هذا ما قالته للصحفي أحمد عدنان وهو الذي وضع كلمة (ربنا) بين قوسين، فهل كان في ذلك يتساءل عن سبب استخدامها اسماً يشير إلى الله عز وجل؟! على كل حال سنرى أنها ترى (الله تعالى) مجرد روح!.

الإسلام والحضارة: لا حضارة إسلامية

اختلف الباحثون في تعريف الحضارة، فقيل بأنها “نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي، وتتألف الحضارة من عناصر أربعة: الموارد الاقتصادية، والنظم السياسية، والتقاليد الخُلقية، ومتابعة العلوم والفنون” أي هي “مجموع المفاهيم عن الحياة” وهذه تشمل وجهة النظر حول الحياة وما قبلها وما بعدها، والمفاهيم الثقافية وأسلوب الحياة وطريقة العيش، وفيها قوانين وأنظمة منبثقة من وجهة النظر هذه. وعلى ضوء ذلك فالحضارة الإسلامية: مجموعة النظم والقوانين والتشريعات التي جاء بها الإسلام ونظم من خلالها أسلوب عيش المسلمين وطريقة حياتهم.

سألها سامي كليب: تقولين لا توجد حضارة إسلامية نقية وإنما هي مبنية على الحضارات المسيحية واليهودية والفرعونية؟ فأجابت: نعم، قلت هذا، وأضافت: أنا أقول الحقائق التي تعلمتها من التاريخ إنه لا يوجد حضارة نقية، الحضارات متداخلة فعلاً.

يبدو أن السيدة السعداوي تعاملت مع “الحضارة الإسلامية” على أنها جزء من الحضارة الرأسمالية؛ تستقي الأنظمة والقوانين وأسلوب الحياة من أي مجموعة بشرية أو حضارة أخرى، ولم تدرك خصوصية الإسلام الذي يرفض أخذ مفاهيمه ونظرته للحياة من الآخرين، ويبدو جلياً أنها خلطت بين المدنية التي تعني الأشكال المادية للأشياء المحسوسة التي تستعمل في شؤون الحياة. وبين مفاهيم “الحضارة” كما سلف، فالعلم والصناعة والاكتشافات والاختراعات وأساليب التجارة والزراعة مثلاً كلها أشكال مدنية ساهم المسلمون في إيجادها كما شاركهم في ذلك كل شعوب الأرض، لقد ظنت السيدة السعداوي أن الإسلام قد أخذ مفاهيمه الاقتصادية أو الاجتماعية وحتى الدينية من الآخرين، لقد حافظ المسلمون كثيراً على النقاء الحضاري / الفكري، وكانوا يميزون بين ما يصح أخذه عن الآخرين وما لا يصح أخذه. ونتيجة لهذا الخلط أجابت أحمد عدنان بقولها عن الحضارة الإسلامية: “هي جزء من حضارة عامة، مبنية على الحضارات المسيحية و اليهودية والفرعونية، لا توجد حضارة نقية، جميع الحضارات متداخلة، وأنا ضد التقسيم إلى حضارة غربية أو شرقية نحن نعيش في حضارة واحدة .. هي حضارة رأسمالية أبوية طبقية متدينة وبكل أسف، تستخدم الدين مخلبا للسيطرة”.

من المؤكد أن السعداوي بَنَتْ حكمَها على تداخل الحضارة الإسلامية مع الحضارات الأخرى بناء على الواقع الذي عاشته في القرن العشرين حيث اختلط الحابل بالنابل في أفهام الناس، ونتج ذلك أيضاً عن قراءتها المفاهيم الإسلامية لا سيما النص القرآني قراءة استشراقية، بمعنى أنها بحثت عن النقاط المشتركة بين الإسلام وغيره من الأديان والحضارات الأخرى وقالت: هذا تأثير اليهودية، وهذا تأثير المسيحية، وهذا ناتج عن الأخذ عن الروم، أو الفرس، وما هكذا يا نوال تورد الإبل.

هل النص القرآني ثابت أم يمكن تجاوزه؟

   يجب أن يتغير مفهوم الإسلام وتتغير معه عادات المسلمين . . .

                                                                           نوال السعداوي

قالت السعداوي بأنه يمكن تجاوز النص القرآن الثابت مقابل المصلحة، أكدت ذلك في مقابلتها مع سامي كليب، فقالت: “ويقولون هذه كافرة عندما أقول إذا تعارض النص مع المصلحة غُلِّبت المصلحة، لأن المصلحة متغيرة والنص ثابت، وقالت: أنا طبعاً ضد التطبيق الخاطئ وضد التأويل الخاطئ وأنا أريد أن أقول إن النص أيضاً يقبل التغيير، عندما يتعارض النص مع المصلحة غُلِّبت المصلحة على النص، وعند سؤالها إن كان النص القرآني قابلاً للتغيير أجابت في تلك المقابلة بوضوح: نعم النص في القرآن يتغير والنصوص في الكتب الدينية كلها تغيرت، وضربت أمثلة بوجود نصوص في القرآن تحدثت عن الرق والجواري، وليس الآن لهما أي وجود.

وقالت ما نصه بالعامية المصرية: “النص يتغير غصبا عني وعنك وعن الجميع، المصلحة العامة والإنسانية تغيره. المسيحية تغيرت. النص المسيحي تغير. النص اليهودي تغير. جميع النصوص تغيرت النص القرآني تغير. نصري حامد أبو زيد يقول لك القرآن خطاب وليس نصاً”.

سألها الصحفي أحمد عدنان: قال أحد المفكرين: “ارتكزت الحضارة الإسلامية دوما على النص، لذا أي رغبة تجنح نحو التغيير في أي مجتمع إسلامي لا بد أن تمر من تحت عباءة النص”! كيف تعلقين على هذه المقولة؟ فأجابت:

غلط، العجز والتخلف هما من يحيلان للنص، الإنسان هو الذي يصنع النص وليس العكس، وكأننا صنعنا صنمًا اسمه (النص) بيدنا ثم عبدناه، الإنسان هو الذي خلق القانون ثم كسره للصَّالح العام ولم يجعل القانون سيفا مسلطاً على رقبته، وهنا الإبداع. وقالت: لا بد أن يكون (نظام)، هناك نظام حالي، ومن المستحيل أن تتبع النظام القديم، إبداعك يزيل القديم ويخلق نظاماً جديدًا، مثلا أنا غيرت مفهوم ارتباط الشرف بغشاء البكارة، وربطتُ الشرف بالعدل والعقل والصدق، إذاً لا بدَّ من هدم النظام القديم بشرط تقديم النظام الجديد، هناك خطأ في تفكيرنا أننا نخاف من كلمة (هدم)، انظر إلى عملية بناء الإنسان، هناك خلايا تهدم وخلايا تبنى، لا يوجد (بناء) فقط ولا يوجد (هدم) فقط، هناك بناء وهدم أيضا في الفكر كما في الجسد.

غني عن القول إن غيابَ واقع أي مسألة يعني تجميد النص الذي تحدث عنها وعدم العمل به، فالنَّصُ باق، ولكن ممارسته العملية هي التي تغيرت، فأين إسقاط النص أو تغييره هنا، فإذا انتفى واقع وجود عبيد وجواري لا يعني حذف النصوص التي تحدثت عنها.

يُفهم من كلام السعداوي أنه يتوجب تقديم المصلحة على النص، وزعمت أن فريقاً من علماء المسلمين قال بذلك، كان عليها ذكر أمثلة تؤيد قولها، لم يقل أحد بتقديم المصلحة على النص سوى ما نُسب للإمام نجم الدين الطوفي، حيث تُعتبر مقولته الشهيرة: “تقديم المصلحة على النص”، لقد تم توظيف هذه العبارة بمهارة لدى بعض العلمانيين في العصر الحديث لتكون بساطاً يسير عليه أي تحريف معاصر يرغب في تخطِّي بعض النصوص الشرعية. ومع الجهود العلمية الحثيثة في توضيح هذه القضية وبيان الشذوذ والخلل فيها إلا أنَّ المقالة الطوفية ما تزال حاضرة في أي مشهد ثقافي يرغب في حذف بعض أحكام الشريعة. نريد أن نقف مع هذه القضية في سؤالين جوهريين: ما قصة هذه المقالة؟ وما علاقة التحريف المعاصر للشريعة بنظرية الطوفي؟ تبدأ القصة من أن نجم الدين الطوفي -وهو من فقهاء وأصوليي الحنابلة المبرِّزين (ت 716هـ)- عندنا أخذ بشرح  حديث: «لا ضرر ولا ضرار» في كتاله “شرح الأربعين النووية” (انظر: شرح حديث: «لا ضرر ولا ضرر»؛ ص: [17-18] ملحق بكتاب: المصلحة في التشريع الإسلامي ونجم الدين الطوفي. لمصطفى زيد). وخلاصة الأمر في نظرية الطوفي أنها تقوم على خمس قواعد جوهرية:

1 -المصالح لا تُقدَّم على النصوص القطعية. 2

-المصالح لا تُقدَّم على النصوص الشرعية المتعلقة بالعبادات والمقدرات.

3 -المصالح المقصودة هي المصالح الشرعية التي جاءت الدلائل الشرعية باعتبارها.

4 -أنه لا يُلجأ إلى تقديم المصالح إلاَّ بعد تعذُّر الجمع بين المصلحة والنص.

5 -أن تقديم المصالح هو من باب تخصيص العموم وليس من الافتيات أو الردِّ الكلي للنص الشرعي.

فحقيقة كلام الطوفي قريب من تقرير عموم الأصوليين في الموضوع في المبحث الأصولي الشهير (تخصيص النص)؛ حيث يُقرِّر الأصوليون أن عموم النص قد يكون ضعيفاً أو محتملاً لبعض الأفراد فيتم تخصيصه بناءً على نصٍّ آخر أو قياس أو مصلحة ضرورية أو حاجية ملائمة للشريعة، مع اختلاف بينهم في مدى إعمال هذه القاعدة وفي المسميات الأصولية التي يطلقونها على هذا الباب، فحقيقته في النهاية أنه من تخصيص النص بالنص، ومن إعمال النصوص جميعاً، ومن منهجية دفع التعارض عن النصوص، فالطوفي لم يخرج عن قاعدة الأصوليين هذه، لكن تعبيره عن رأيه الفقهي بهذه الصياغة “تقديم المصلحة على النص” لم يكن موفَّقاً ولا مُهّذَباً مع الدليل الشرعي، وقد كان سبباً لأن تتخذ مسماراً تشق به كلُّ قطعيات الشريعة، وأصبح الطوفي بعدها منبراً يعلو عليه كلُّ محرِّف تائه ليصرخ في وجه الشريعة باسم الطوفي، فرحمه الله وعفا عنه.[انظر موقع “طريق الإسلام”: مع نظرية المصلحة عند نجم الدين الطوفي منذ ،24/11/2013].

ثانياً: في الفقه:

السعداوي والحجاب:

قبل أن نرى رأي السعداوي في الحجاب، لا بد أن نعرف ما هو الحجاب وما حكمه في الإسلام؟

الحجاب هو تغطية المرأة جميع جسدها بالثياب ما عدا الوجه والكفين، وحكم ارتداء الحجاب بهذا الشكل هو الفرض، ولم يخرج أي عالم من علماء المسلمين برأي مغاير لهذا الحكم، كأن يقول بأن لبس الحجاب سنة أو مباح، والدليل الشرعي على وجوب وضع الحجاب من القرآن والسنة، فأما من القرآن فقد ورد في آيتين على الأقل، الأولى وفيها:” وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ  * النور31}  فالأمر الخاص بالحجاب هنا أن تضع المرأة خمارها على رأسها ثم تنزله على صدرها  “والخُمُرُ: جمع خِمار،  وهو ما يُخَمَّر به، أي: يُغطى به الرأس” والآية الثانية: قوله تعالى:{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا * الأحزاب59} ومعنى الجلباب كما في لسان العرب: هو ما تُغطي به المرأة الثيابَ من فوق كالملحفة (لسان العرب:1/273) (الملحفة هي الملاءة).

ومن السنة النبوية الشريفة: قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما: “يا أسماءُ إنَّ المَرأةَ إذا بلغتِ المَحيضَ لم يَصلُحْ أن يُرى منها إلَّا هذا وَهَذا، وأشارَ إلى وجهِهِ وَكَفَّيهِ”[صحيح أبي داود رقم 4104].

الآية الأولى تأمر بتغطية الرأس ومنطقة الصدر والرقبة، والثانية أن تغطي سائر الجسم، والسنة وضَّحت الأمر بالتفصيل.

وغني عن القول بأن سبب إلزام المرأة بالحجاب والطلب منها تغطية جسدها ما عدا الوجه والكفين واختلاف الطلب بين المرأة والرجل ليس معللاً شرعاً، أي لم يبين الله تعالى سبباً محدداً لهذا الفرض، فيتم الالتزام به لمحض التعبد فقط، وهذا يعني أنه لا يُنظر لموضوع على أساس إثارة الشهوة أو إثارة الفتنة، أو أن يكون له علاقة بالأخلاق أو طبيعة البلاد من حيث البرودة وارتفاع الحرارة، وإنما من حيث كونه أمر الله تعالى.

بالعودة إلى نوال السعداوي وآرائها في الحجاب، فهي تنكره بشدة وتعتبره رمزاً للقمع واضطهاد المرأة، بل وتراه خطوة للوراء، بل الأكثر من ذلك؛ فهي تعتبر كل تشكيلة الحجاب الفكرية والسياسية والدينية عودة للوراء. وقالت لسامي كليب: حجاب المرأة لم يدخل عقلي، ووالدي لم يطلب منى أن أتحجب، والحجاب لا علاقة له بالإسلام، يعنى لو درسنا التاريخ سنجد أن حجاب المرأة سابق على الإسلام وعلى المسيحية، المسيحيات يتحجبن فى الكنيسة، واليهوديات محجبات.

وقالت لسامي كليب: الحجاب مفروض للجواري والعبيد، والأسوأ منه حجاب العقل، لأنه لا يمكن لقلة أن تتحكم في الأغلبية دون حجاب العقل، وينطبق نفس الشيء على حجاب الوجه. حجاب المرأة نشأ في العصر العبودي. وتحجُّب المرأة موروث تقليدي قديم مأخوذ من اليهودية… ولا علاقة بين الحجاب والإسلام … وقالت بلغتها العامية: “علماء اليومين دول مجانين وجهلة همه لسه بيلصقوا الحجاب بالإسلام، دول بيشوهوا الإسلام”.

ترفض نوال السعداوي فكرة ارتداء المرأة المسلمة للحجاب، فهي على حسب قولها ضد اعتبار أن المرأة عورة. فالأخلاق في سلوك المرأة وعملها وليس في تغطية شعرها الذي يعد تزييفاً للأخلاق. لا بد أن ننظر للمرأة على أن لها عقل.  الحجاب هو رمز سياسي ولا علاقة له بالإسلام. فلا توجد آية واحدة في القرآن تأمر بالحجاب صراحة. لقد تخرَّج والدي من جامعة الأزهر ولم ينادي بالحجاب قط. إنهم يستخدمون النساء كأداة سياسية في لعبة سياسية. كثير من الناس يدركون ذلك، لكن النظام التعليمي يضع الحجاب في الذهن. حجاب العقل أخطر.”

وعابت على النساء مسايرة التيار السائد وأنهنَّ لم يكنَّ متحرراتٍ من الضغوط والمؤثرات المحيطة، فقالت: المرأة وضعت الحجاب وفقًا للأسلمة، وضيقت الجينز وفقا لموضة الغرب.

قالت بأن تغطية المرأة جسدها يساوي التعري تماماً، فقالت لأحمد عدنان: أنا ضد أن تتعرى المرأة وضد أن تتغطى، أنا إنسانة ولست جسدًا يُغطى أو يُعرى، ما مشكلة (الشَّعر)؟ إنهن يغطين شعورهن ويغمزن بأعينهن للرجال! لا علاقة بين الأخلاق والحجاب، ولقد ذكرتُ أيضًا أن (الماكياجَ) حجابٌ وهاجمته، وقلتُ إنني ضد العري وهاجمته أيضا، تُغطى المرأة لأنها بضاعة جسدية وتُعرَّى لأنها بضاعة جسدية، لذلك في الناحية المقابلة لا يُعرَّى الرجل ولا يغطى. وهاجمت الرسام محمود سعيد الذي كان يرسم المرأة عارية، وقالت: لقد قلت لماذا تتعرى المرأة / الموديل أمام الرسام ليرسمها، ألا يستطيع أن يرسم امرأة بملابسها، أنا ضد الفساد الأخلاقي، محمود سعيد رسام من الطبقة العليا الفاسدة أخلاقيًا التي تعري المرأة أو تحجبها، هو نفسه رسم المرأة إما محجبة أو عارية.

تعتقد نوال أنّ الحجاب والنقاب من صور العبودية وضد الأخلاق والأمن، وأنّ الحجاب لا يعبر عن الأخلاق. فلماذا تتحجّب المرأة ولا يتحجّب الرجل، بالرغم من وجود شهوة لكل منهما؟

كما بينتْ أن الملابس ليس لها وظيفة، وإنما هي متعلقة بالجو، وليس لها وظيفة أخلاقية أو تعبر عن الأخلاق، ولكنها لم تلبث أن تقول (في مناسبة ثانية) بأن الحجاب ضد الأخلاق.

وحول القول بأن الحجاب يحد من نظر الرجال الشهوانية للمرأة، قالت: يجب أن يحاسب الرجل الذي ينظر للمرأة بشهوة لأنه فاسد (قناة يقين 28/1/2015) وقالت بأن على الدولة أن تمنع النقاب!

قالت هويدا طه في مقال لها بعنوان ” زيارة خاصة لامرأة متمردة في زمن الحجاب” منشور في موقع “الحوار المتمدن”-العدد (1591) 24/6/2006: “غضب منها أساتذة في جامعة بمدينة نيويورك-كانت تدرس فيها كأستاذ زائر-عندما انتقدت تسليع المرأة الغربية وتعرية جسدها بهدف الربح. وغضب منها كذلك أشاوس وأساطين الثقافة العربية-الإسلاموية لانتقادها هوسهم بتغطية المرأة العربية-وهي التي بحوزتهم-من رأسها إلى أطراف أصابع قدميها”.

قال د. وليد القططي في مقاله “نوال السعداوي وتحرير المرأة، رأي اليوم 28/3/2021) وأخطأتْ حين وضعتْ الحجاب والتعري في درجة واحدة من إعاقة تحرير المرأة في كتاب (مذكرات طبيبة)، فاعتبرت التعرية والتغطية وجهان لعملة واحدة، فالملابس من وجهة نظرها ليس لها وظيفة أخلاقية. وتجاوزت ذلك إلى اعتبار الحجاب رمزاً لعبودية المرأة. وذهبت أبعد من ذلك بنقدها أحكاماً شرعية وردت في نصوص قطعية الثبوت والدلالة جاءت في القرآن والسُنّة.

الختان

 ختان الذكور: إجراء جراحي لإزالة الجلد الذي يغطي طرف القضيب. وهو إجراء شائع نسبيًا يخضع له الصبيان حديثو الولادة في بعض الأماكن حول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة.

يُعد الختان من الشعائر الدينية أو الثقافية بالنسبة إلى العديد من العائلات المسلمة واليهودية، بالإضافة إلى القبائل البدائية في إفريقيا وأستراليا. وقد يكون أيضًا نوعًا من التقاليد العائلية، أو العادات الصحية الشخصية أو الرعاية الصحية الوقائية. تقول الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال (AAP) إن فوائد الختان تفوق مخاطره.  [(ختان الذكور) -Mayo Clinic (مايو كلينك)].

ختان الإناث: حسب تقرير للـ B.B.C. البريطانية، يُعرف ختان الإناث بأنه عملية قطع أو استئصال متعمدة للأعضاء التناسلية الخارجية للمرأة. وتشمل العملية في أغلب الأحيان استئصال أو قطع الشفرين والبظر، وهي عملية تصفها منظمة الصحة العالمية بأنها “أي عملية تلحق أضرارًا للأعضاء التناسلية الأنثوية لأسباب غير طبية”.

وحسب ألـ B.B.C. تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 200 مليون فتاة وسيدة على قيد الحياة اليوم خضعن لشكل من أشكال ختان الإناث. وعلى الرغم من أن ممارسة هذا العملية تتركز بشكل رئيسي في 30 دولة في أفريقيا والشرق الأوسط، إلا أنها تُمارَس في بعض الدول في آسيا وأمريكا اللاتينية، كما تقول الأمم المتحدة إن بعض المهاجرين الذين يعيشون في غرب أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا ونيوزيلندا يمارسونها.

  ماذا قالت نوال السعداوي عن الختان؟

من بين تجارب طفولتها التي وثقتها السعداوي بوضوح، خضوعها لعملية ختان في عمر السادسة. ووَصَفت في كتابها “الوجه العاري للمرأة العربية” خضوعها للجراحة المؤلمة على أرضية الحمام بينما وقفت والدتُها إلى جوارها. وعلى مدار حياتها، ناضلت السعداوي ضد ختان الإناث، واصفة إياه بأنها أداة لقمع النساء.

نتيجة لهذه التجربة نشأت في نفسها “عُقدة”، جعلتها تُناصب العداء لتلك الممارسة وتجعل مُحاربتها شغلها الشاغل.

علقتْ عام 2007 على وفاة الطفلة صاحبة الاثنتي عشرة سنة، “بدور شاكر” أثناء عملية “ختان”: “بدور، هل كان يجب عليكِ الموت لتنيري هذه العقول المظلمة؟ هل كان يجب عليك دفع هذا الثمن بحياتك؟ يجب على الأطباء ورجال الدين أن يعلموا أنّ الدين الصحيح لا يأمر بقطع الأعضاء التناسلية. كطبيبة وناشطة في مجال حقوق الإنسان أرفض تماماً هذه العملية، كما أرفض ختان الذكور، وأؤمن أنّ الأطفال جميعاً؛ ذكوراً وإناثاً، يجب حمايتهم من هذا النوع من العمليات”. وكانت السعداوي نشرت عام 1972 كتاباً بعنوان “المرأة والجنس”، ناقدةً جميع أنواع العنف التي تتعرض لها المرأة كالختان و”الطقوس الوحشية التي تقام في المجتمع الريفي للتأكد من عذرية الفتاة.

وقالت أيضاً: أنا ضد ختان الإناث والذكور. أقول هذا من منطلق كوني طبيبة، كما أقول أيضاً بصوت عالٍ إن كل المعلومات الطبية تقول إن قطع جزء من جسد الطفل فيه خطورة شديدة. تاريخياً، فكرة الختان جاءتنا عن طريق العبودية وليس لها علاقة بالإسلام. إنه لمن المضر قطع جزء مهم من جسد المرأة، فدول مثل السعودية وسوريا والعراق وتونس لا تعرف فكرة ختان الإناث. لقد ذُكر في التوراة أن بني إسرائيل وذرية إبراهيم سيكون لهم الأرض الموعودة مقابل أن يختنوا الذكور. أؤكد أن الختان عادة ليس لها علاقة بالإسلام أو الطب. هل منطقي أن نقوم بقطع جزء من الطفل الذي خلقه الله سليماً؟!”

وعن ختان الذكور تقول: (نفسي أعرف بتختنوا الرجاله ليه؟ وإيه الهدف؟ أنا دكتورة وأقولها بالفم المليان الختان سواء كان للراجل أو للبنت خطر جدا وظاهرة صحية خطيرة تهدد سلامة الفرد في المجتمع والختان مالوش أي هدف إيجابي بالعكس ده كله سلبيات .. وزي ما قدرت أمنع ختان المرأة في مصر مش حسكت على ختان الرجل ويجي يوم اللي بيمنعوا فيه ختان الرجال .. وبعدين أصلا الختان للراجل أو للمرأة عادة يهودية قديمة دخلوها أعداء الإسلام للدين الإسلامي).

ولكن كلامها حول ختان الذكور بالذات وأضراره يخالف ما تقوله الجهات الطبية المختصة، تقول الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال (AAP) إن فوائد الختان تفوق مخاطره. ومع ذلك، فإنها لا توصي بعمل الختان الروتيني لكل حديثي الولادة الذكور. تترك الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال قرار الختان للوالدين، وتدعم استخدام المخدر الموضعي بالنسبة للأطفال الذين يخضعون إلى هذا الإجراء. يمكن أن تكون للختان العديد من الفوائد الصحية التي تشمل: يسهل الختان من غسيل القضيب، انخفاض خطر عدوى المسالك البولية. انخفاض خطر العدوى المنقولة جنسيًا. الوقاية من مشكلات القضيب. في بعض الأحيان، قد يكون من الصعب أو المستحيل إرجاع القلفة على القضيب الذي لم يتعرض للختان (تضيق الفوهة). قد يؤدي ذلك إلى التهاب القلفة أو رأس القضيب. من فوائد ختان الذكور انخفاض خطر الإصابة بسرطان القضيب.  (ختان لذكور -Mayo Clinic / مايو كلينك).

الحكم الشرعي في ختان الإناث:

قالت دار الإفتاء المصرية، إن ختان الإناث حرام شرعًا، كما أن الأطباء جزموا بضرره. وأضافت الفتوى أن ختان الإناث من قبيل العادات وليس من قبيل الشعائر، فالذي هو من قبيل الشعائر إنما هو ختان الذكور باتفاق؛ يقول شمس الحق العظيم آبادي في “عون المعبود” (14/ 126): [وحديث ختان المرأة رُوي من أوجه كثيرة، وكلها ضعيفة معلولة مخدوشة لا يصح الاحتجاج بها] وقال العلامة ابن المنذر: [ليس في الختان -أي للإناث-خبرٌ يُرجَع إليه ولا سُنَّةٌ تُتَّبَع]

وذكرت دار الإفتاء المصرية لقد عبَّر عن هذا جماعة كثيرة من العلماء بعد بحوث مستفيضة طويلة وبعبارات مختلفة: منهم المرحوم الشيخ محمد عرفة، عضو جماعة كبار العلماء، في مقال له في مجلة الأزهر رقم 24 لسنة 1952م في صفحة 1242؛ حيث قال: “فإذا ثبت كل ذلك فليس على من لم تختتن من النساء من بأس، ثم استطرد فقال: وإذا مُنِعَ في مصر كما مُنِع في بعض البلاد الإسلامية كتركيا وبلاد المغرب فلا بأس، والله الموفق للصواب”، كما يقول فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي: “أما بالنسبة للنساء فلا يوجد نص شرعي صحيح يُحتَجُّ به على ختانهن، والذي أراه أنه عادة انتشرت في مصر من جيل إلى آخر، وتوشك أن تنقرض وتزول بين كافة الطبقات ولا سيما طبقات المثقفين”.[أحمد بدراوي، ما هو حكم الشرع في ختان الإناث؟ الإفتاء تجيب، صحيفة الشروق الإلكترونية، 6/2/2020].

فحص العذرية ومسائل الشرف

  “لا يحق لكائن من كان الكشف عن العذرية”

                               الحوار المتمدن (24/1/2012) نوال السعداوى:  

نشرت جريدة «المصرى اليوم»)22/1/2012) تصريحًا للدكتور فخري صالح، رئيس مصلحة الطب الشرعي، وصف فيه كشف العذرية، الذي أجراه المجلس العسكري على المتظاهرات بجريمة «هتك عِرْض» يُعاقب عليها كلُ من أمر بتوقيعها، وإنْ كان رئيس الجمهورية، موضحاً أنه ليس كشفاً على العذرية إنما كشف على غشاء البكارة، الذي لا يحق لأي طبيب أن يجريه.

قالت نوال: وأنا أتفق مع الدكتور فخرى صالح فى هذا الجزء من تصريحه، لكنى أختلف معه فى الجزء الآخر، الذى يقول فيه إن الطب الشرعي وحده هو الذى يحق له الكشف عن غشاء البكارة، بشرط وجود أمر من جهة قضائية، وقد آن الأوان أن نكشف الغطاء عن هذا الظلم الكبير، الذى تتعرض له البنات فى بلادنا تحت اسم العذرية، أو سلامة غشاء البكارة، كيف تقتل البنات جسديا أو نفسيا، بسبب جهل الأطباء بهذا الغشاء، الذى لا علاقة له بالأخلاق أو العفة، فى كلية الطب لم نَدْرُسْ شيئاً عن هذا الغشاء، لا يتدرب طلبة وطالبات الطب على فحوص العذرية، لأننا لا نكشف على العذراوات ولا تشرح كتب الطب ما هى العذرية، وما هى أنواع أغشية البكارة، ومعظمها لا ينزف ليلة الزفاف، لأسباب بيولوجية بحتة، لا علاقة لها بالاتصال الجنسى بالرجل. إن علم الطب مثل العلوم الأخرى يتطور مع تطور المجتمعات، ويُسْقِط من العلوم كثيراً من الخزعبلات، التى تسقط مع تطور السياسة والاجتماع والأخلاق والأديان، لا توجد ثوابت فى مجال العلم أو أي مجالات أخرى، لأن التغير هو قانون الحياة، كشفَ الطبُ أن التكوين البيولوجى يختلف من إنسان إلى إنسان، وأن عمليات الختان من العمليات العبودية الضارة بصحة الرجال والنساء، وأنه ليس فى جسد المرأة أو الرجل ما يثبت ما يسمى العذرية، هذه الحقائق الطبية بكل أسف لا يدرسها الأطباء فى بلادنا حتى اليوم، بسبب المحاذير الأخلاقية التى لا علاقة لها بالطب أو الأخلاق، لا أعرف كيف يكشف الطبيب الشرعي على ما يسميه غشاء البكارة؟”

وقالت: إذا ولدت البنت دون هذا الغشاء (كما هو حال ٣٠٪ من البنات) فماذا يفعل الطبيب؟ هل يقول عنها عذراء أو غير عذراء؟ وهل يعرف الطبيب أنواع الأغشية المتعددة، التى لا تنزف، وقد تتمزق لمجرد ركوب الحمار أو الحصان أو العجلة، وقد لا تتمزق على الإطلاق إلا بعد ولادة الطفل الأول، لولا الثورة المصرية وفضيحة فحوص العذرية التى أجراها المجلس العسكري للمتظاهرات، لما أصبح الأمر منشوراً فى الصحف كم فتاةٍ تُقتل فى الخفاء تحت اسم الشرف وهي بريئة؟  أرجو من الأطباء فى مصلحة الطب الشرعي أن يقرأوا كتابي «المرأة الجنس». على الأطباء أيضا الاطلاع على الدراسات التى تقوم بها بعض المنظمات النسائية عن جرائم قتل البنات تحت اسم الشرف فى المدن والقرى المصرية، وكم من البنات يتم اغتصابهن فى الطفولة من عمر سنة واحدة أو شهور قليلة حتى سن الرابعة عشرة، بواسطة رجال كبار فى الأسرة ذاتها، مما يُسمى زنى المحارم، تُخفي الأسرة الأمر خوفًا على سمعتها، ويوجَّه اللوم للبنت لمجرد أنها البنت، تعاقَب وحدها، قد يقتلها الأب أو العم أو الخال ذاته، الذى اعتدى عليها، كم من حالات صادفْتُها فى عملي الطبي ونشرْتُها فى كتبي، على مدى خمسة عقود عن الضحايا البريئات الصغيرات اللائي يدفعن أرواحهن فداء الرجال الفاسدين.

الزواج والطلاق

هي لا تنكر مبدأ الزواج وأنْ يقترن رجلٌ بامرأة، وكشفتْ في مقابلة مع صحيفة “الجارديان” البريطانية عام 2015 أنها تزوجت ثلاث مرات وطُلقت، ولفتت إلى أن زوجها الأخير (شريف حتاتة) كان جيدًا لكنها اكتشفت خيانته، وأنه كان يقوم بعلاقات نسائية، [وتم الطلاق عام 2010] حيث زعمت أن 95% من الرجال يخونون زوجاتهم، وكشفت أنها انفصلت عن زوجها الثاني بسبب «الشخير»، لكنها قالت في الوقت ذاته إنها لا تصلح لدور الزوجة، عندما أوردت سبب طلاقها من زوجها الثاني. كما كشفت   في حوارها، أن زوجها الأول انفصلت عنه بسبب الإدمان، حيث أدمن بعد الهزيمة في واحدة من الحروب ضد القوات البريطانية في السويس، خلال فترة الاحتلال البريطاني لمصر.

لنوال السعداوي اعتراضات على بعض ما يتعلق بالزواج كتسمية المهر وتوثيق العقد، وصرحت بأنها لم تأخذ مهراً عند زواجها، وقالت بأنها عارضت الزواج بوثيقة، وقارنت بين توثيق عقد الزواج بوثيقة بشخص استدان من آخر ألف جنيه وطلب منه كتابة كمبيالة بالمبلغ، وقالت بأن ما يحدث بالنسبة للزواج أن المرأة عندما تتزوج وتكتب “المهر” فهذا يعني أن الرجل “اشتراها” بدفعه مبلغ وقدره كمقدم، وعند الطلاق يدفع لها مبلغاً آخر، ورقة الزواج أو عقد الزواج هي أكبر امتهان للزواج.  وعن حفظ الحقوق في حال عدم توثيق العقد قالت: إذا الرجل لم يحافظ على حقوق المرأة بلا ورقة أو عقد فهو لا يستحق أن يعيش معها، لا يعقل من وجهة نظري الشخصية أن يخلص الرجل لزوجته لأجل ” ورقة”. حفظ حقوق الزوجة أو الزوج يكون في الضمير والأخلاق قبل أي شيء.

الزواج المدني: تؤيد السعداوي الزواج العرفي وقالت بأن علينا تغيير الأعراف والعادات لتقبل فكرة الزواج العرفي، ورأت بأنه حل لمشاكل الزواج الرسمي. هذا ما قالته لقناة الحوار، وفي ظني أنها خلطت بين الزواجين المدني والعرفي، في الزواج العرفي يتم العقد بصورة شرعية تامة، ولكن لا يتم توثيق العقد في المحكمة، بينما الزواج المدني هو اتفاق على الزواج بين رجل وامرأة لا يخضع للشروط الشرعية، إنما يخضع لاتفاق الطرفين على الشروط التي يضعونها ويتفقان عليها، وفي الزواج المدني قد يتم الزواج بغض النظر عن دين أي من الطرفين. وهو مرفوض شرعاً.

فات السيدة السعداوي شيئان: الأول أن توثيق العقود مستحدث أيام الدولة العثمانية، والثاني أن استحداث هذا الأمر كان لفساد الكثير من الذمم، سواء من الزوج أو الزوجة، وأن خير مَنْ يفصل بين المتخاصِمَين ويُبين الحقوق هو ورقة العقد وما كُتب فيها.

الطــــــــــــــــــلاق:

طالبتْ بمنع الطلاق الشفهي، وبالتالي هي تريده أن يكون محصوراً بالقضاء فقط. واعتبرت في لقائها مع برنامج «بلا قيود»، على تليفزيون «بي بي سي»، أن مجلس النواب في مصر «ضعيف»، وأنه كان يتعين عليه العمل على حظر الطلاق الشفوي عندما لوّح السيسي بهذا المطلب أمام شيخ الأزهر.

وكتبتْ “منة الله الأبيض” [مديرة أعمال السعداوي] عن أفكار السعداوي بشأن الطلاق الشفوي، فقالت: انتقدت الكاتبة نوال السعداوي، خلال لقائها الفكري، بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، (2/2/2017) الطلاق الشفوي، وتساءلت في حديثها، “كيف يمكن فسخ عقد مكتوب وموثق بشهود، بكلمة شفوية يطلقها الرجل على زوجته؟” معتبرة أن في ذلك مهانة وظلمًا للمرأة.

ورأت “السعداوي”، أن قانون الأسرة في مصر من أسوأ القوانين في العالم كله، لأن الرجل بهذا القانون يهدد المرأة المثقفة المتعلمة بالطلاق، وأشادت بما طالب به الرئيس عبد الفتاح السيسي، حول تقنين الطلاق الشفوي، وضرورة أن يقع مكتوبًا مثل عقد الزواج.

وأكدت “السعداوي” أن الطلاق لا يعيب المرأة في شيء، وليس كما يشاع أن المرأة المطلقة درجة عاشرة، مشيرة إلى أن المرأة التي تخاف من الطلاق هي في واقع الأمر مقهورة، ولا تتمتع بأيّة استقلالية اقتصادية بذاتها.

وأشارت إلى تجربة انفصالها عن زوجها، وقالت: ” خيرني زوجي بين كتاباتي وبينه، فلا يمكن أن أتنازل عن حقي في الكتابة أو التفكير، من أجل أن أكون زوجة، لكن للأسف المرأة المصرية لم تترب على الجسارة”، وأكدت: “المرأة الحرة كالجبل الوعر لا يمكن صعوده، إنما العبد يمكن صعودها وخداعها”.

وأوصت نوال السعداوي، ضيفة شرف مهرجان ثويزا (يعني التعاون بالأمازيغية) في طنجة المغربية عام 2017 النساء المغربيات بعدم الخوف من الطلاق والتشرد وكلام الناس، داعية إياهن إلى تكسير حواجز الخوف وإطلاق العنان لبناء شخصية مستقلة تضمن لهن الاستقلالية المادية. عربي بوست 20/8/2017

نَسَبُ الأبناء غير الشرعيين:

  ترفض السعداوي أن يكون لأحد الزوجين أي علاقة جنسية خارج إطار الزوجية القائمة بينهما على اعتبار أن هذه العلاقة هي امتهان للمرأة وخيانة لها، ولكن لما كانت أي علاقة زوجية خارج الزواج سواء كانت من أزواج في ظل زوجية قائمة، أو لدى شبان غير متزوجين قد تنتج أطفالاً سيكونون بلا آباء، فإنها ترى أن حل مشكلة هؤلاء (اللقطاء) بمنح اسم الأم لهم.

تعدد الزوجات والأزواج

   “يعني إيه تعدد الزوجات… دي دعوة صريحة للانحلال وممارسة الرجل للزنا علنا! لازم نحارب تعدد الزوجات بكل الوسائل اللازمة لأن التعدد فيها ضياع وتشرد للأسر والأبناء”. . .  نوال السعداوي.

في حوار مع نوال السعداوي أجراه الصحفي أحمد عدنان، سألها عن حق الجماعات الإسلامية في الوصول للحكم، فرفضت ذلك بشدة بحجة أنهم لن يحققوا المساواة التامة بين المواطنين، وتساءلت باستنكار لماذا أكون كامرأة أقل مواطنة من الرجل! لأن الدين الرسمي للدولة هو الإسلام! لماذا يتزوج الرجل أربع نساء وأنا لا! هذه إهانة لي! وعندما ذكَّرها الصحفي بأن تعدد الزوجات مشروع من الله ردت باستنكار أيضاً وقالت: من قال هذا؟ ثم أردفت قائلة: أنا دَرَسْتُ القرآن، لقد وضع العدلَ شرطًا (للتعدد) ثم قال “ولن تعدلوا” أظن أنه ليس هناك ما هو أوضح، الرجال واستنادا على فسقهم يدَّعون ويكذِّبون على القرآن ويقولون إنه نادى بالتعدد، كيف يتزوج الرجل أربعاً؟ هذا فساد أخلاق وإساءة للقرآن والإسلام! كيف ينتقل من فراش امرأة إلى فراش امرأة أخرى! واللهِ لو ذهب زوجي لامرأة أخرى لطردته، هل يرضى الرجل أن تتنقل امرأته بين فرش الرجال، هو أيضا سيطردها، أنا أيضا تملي علي كرامتي الإنسانية نفس الفعل وردة الفعل، تونس منعت التعدد وغيرها من الدول الإسلامية .. هل ستكْفُرُ هذه الدول؟ تعدد الزوجات وصمة عار على العرب وعلى أي دولة تسمح بهذا الفعل الشائن، والقانون الذي ترتكز عليه قانون فاسدٌ وغير أخلاقي.

تدخل الصحفي ثانية وقال لها: دعيني أرتدي العباءة الإسلامية وأقول لكِ إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان متزوجا بـ تسع نساء؛ وبعض الصحابة رضوان الله عليهم مِن بعده كان نصابهم من الزوجات كاملا؟

فأجابت: ولماذا تجعل الرسولَ صلى الله عليه وسلم مَثَلَكَ؟ وهو لم يقل لك أن تفعل مثله، وهناك حديث مهم إن إحدى زوجاته وجدته في ليلتها على فراشها مع زوجة أخرى، فقالت له مستنكرة “في ليلتي وفي فراشي يا رسول الله ؟!” فقال بعد اتعاظ واعتبار “اسكتي ولا تذكريه لن أعود لمثلها أبدا” لأنه نبي ورسول يجب أن يكون مثلا للعدل، والفعلُ الذي فعله مناف للعدل وهو حديث موجود في “الطبقات الكبرى”، إذا كان النبي محمد قد أخطأ لأنه بشر يخطئ ويصيب فكيف تريدني أن أمشي خلفه في الخطأ، مرة أخرى أقول لك أن الرجل بسبب فساد أخلاقه؛ يفسر وينتقي من الإسلام ما يشاء.

تعقيب على ما قالته السعداوي:

  1. القصة المذكورة اختلف أهل العلم في ثبوتها، وقد رجَّح ابنُ حجر في التلخيص الحبير ثبوتها ونُقل عن علماء آخرين في الحديث تضعيفها. (موقع إسلام وايب).
  2. في حال ثبوت الرواية: الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخطئ بدعوة إحدى نسائه إلى أي حجرة من حجراته، فالبيت ملكه أولاً وأخيراً.
  3. حاشا للنبي صلى الله عليه وسلم أن يمارس فعلاً يتنافى مع العدل، ولكن السيدة السعداوي قاست الفعل بمقياسها هي الرافض للتعدد فقالت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أخطأ، وهو المعصوم، وتصرُفه هذا يمكن أن يُبنى عليه حكم شرعي، فكيف يُبنى حكم شرعي على تصرف خاطئ؟!

مرة أخرى تؤكد السعداوي على أن تعدد الزوجات ممنوع كلياً، حتى إنه لا يُعتبر حلاً لمشكلة العنوسة، فقالت للصحفي عندما سألها: ما رأيك في حُجة أن التعدد يقضي على العنوسة؟ فقالت: هذا تبرير لفساد الرجال الأخلاقي، والتعددية الجنسية ليست وسيلة للقضاء على العنوسة المزعومة، والمرأة التي ترضى أن تتزوج رجلاً متزوجاً من ثلاثٍ قبلها هي جارية ولا تستحق أن تكون امرأة.

وقالت لقناة الحوار: تعدد الزوجات حلٌ غير إنساني في حالة كثرة عدد النساء على عدد الرجال، لأن المرأة قد تقبل بأن يُعدد زوجها الزواج عليها بسبب ظروفها (الاجتماعية والاقتصادية) ولأن وضعها أقل من وضع الرجل.

وكما نلاحظ هي تفرض استنتاجاتها ووجهة نظرها في المسألة، فماذا لو قبلت المرأة وارتضت بملء إرادتها أن تكون ضرة؟

سألها الصحافي أحمد عدنان: بحكم اختصاصكِ في علم النفس، ثمة حجة قرأناها تقول إن الرجل بفطرته يميل إلى أربع نساء وإن المرأة تخلص لرجل واحد فقط؟ وهنا يتدخل رأيها وأحكامها المسبوقة غير المبنية على دراسات علمية، لتقول: العكس هو الصحيح، ومن الناحية البيولوجية فقط لا تحتمل قدرة الرجل أكثر من واحدة، على الرغم من أنني لا أفصل بين البيولوجيا والسياسة والاقتصاد، أنا مع الأخلاق والاستقامة وعدم الازدواجية، كما يجب أن تكون هناك أخلاق للرجل تكون كذلك للمرأة، الأخلاق للأغنياء وللفقراء أيضا، وليس لطرف واحد دون الآخر.

وعن مسوغاتها لرفض فكرة تعدد الزوجات قالت: “إنّ تعدد الزوجات يخلق الكره بين الأطفال والزوجات، كما يزيد من الحوادث، وإن تعدد الزوجات كذب، وليس في القرآن ما يسمح بالتعدد، ومنعته بلاد عربية مثل تونس”.

لم تكتفِ السعداوي بالدعوة إلى منع تعدد الزوجات، وادعائها أن القرآن منع التعدد إذ اشترط العدل الذي هو مستحيل لأن الآية وصفته بالقول “ولن تعدلوا” فقد أعلنت أن التعدد حرام، فقالت خلال مؤتمر “قانون الزواج المدني والأحوال الشخصية”، إن “القرآن حرَّم تعدد الزوجات تمامًا”. وتابعت بأن “الفقهاء لعبوا في الأمر لمصلحتهم الشخصية”، وتساءلت: “ألا يحق للمرأة المتزوجة من عقيم أن تتزوج عليه كما يفعل الرجل؟”. وقالت إن “معارضة تعدد الأزواج للمرأة بحجة اختلاط النسب، أمر لا يمكن حدوثه في حالة عقم الزوج الأول”. ومرة أخرى ادعت أن المصلحة تسمح بذلك، فقالت: إن هناك مدرسة في الإسلام تقول “إذا تعارض النص مع المصلحة، غُلِّبت المصلحة على النص؛ لأن النص ثابت، والمصلحة متغيرة”.

كان السؤال الذي واجهها في قناة الحوار عن حل مشكلة الزوجة العاقر، ألا يكون الحل بأن يتزوج الرجل غيرها مع إبقائها زوجة له؟ فقالت بأن الحل هو “في افتراق الزوجين”، وكما نرى فإنها آثرت هدم بيت زوجي قائم، وأن تترك المرأة العاقر لمصيرها الذي قد يكون مجهولاً محفوفاً بالمخاطر، ولم تقدم حلا يرضي جميع الأطراف.

تناولنا الكلام حول المصلحة عندما تحدثنا عن موقفها من النص، ولا بد هنا من القول بأن دعوتها لتعدد الأزواج لم تكن أكثر مماحكة، فكيف تنادي بمنع تعدد الزوجات وتسمح بتعدد الأزواج، ونسألها إن كانت دعوتها لتعدد الأزواج صادقة، فلماذا لم تسمح بتعدد الزوجات للحَاجَة والمصلحة وسمحت بتعدد الأزواج إن كان الزوج عقيماً، فهنا لو كانت الزوجة عقيماً ألا يجوز التعدد!.

أما عن تعدد الأزواج والسماح به مقابل السماح بتعدد الزوجات، كما فهم بعض الناس من قولها “ألا يحق للمرأة المتزوجة من عقيم أن تتزوج عليه كما يفعل الرجل؟”. فقد قالت هذا القول بصيغة الإنكار وليس أن يكون في مقابل السماح بتعدد الزوجات، وقالت صراحة “أنا ضد تعدد الزوجات وضد تعدد الأزواج”.

القِــــــــــــــــــــــــــــوامة:

يقول تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا *النساء 34}

مفهوم القوامة في الإسلام: قيام الرجل برعاية شؤون أسرته والإنفاق عليها، يقول الشيخ محمد الطاهر بن عاشور: “وقيام الرجال على النساء هو قيام الحفظ والدفاع، وقيام الاكتساب والإنتاج المالي، ولذلك قال: {بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} أي: بتفضيل الله بعْضهم على بعض وبإنفاقهم من أموالهم، وقال أيضاً: وقوله: {وبما أنفقوا} جيء بصيغة الماضي للإيماء إلى أنّ ذلك أمر قد تقرّر في المجتمعات الإنسانية منذ القدم، فالرجال هم العائلون لنساء العائلة من أزواج وبنات. وأضيفت الأموال إلى ضمير الرجال لأنّ الاكتساب من شأن الرجال… وهذه حجّة خَطابية لأنّها ترجع إلى مصطلَح غالب البشر، لا سيما العرب. ويَنْدُر أن تتولّى النساء مساعي من الاكتساب، لكن ذلك نادر بالنسبة إلى عمل الرجل”(التحرير والتنوير، المجلد الثاني، ص37) وتفسير ابن عاشور هو التفسير (التقليدي) لمعنى القوامة، فلماذا رفضت السعداوي هذا المفهوم؟ وماذا تريد؟

سألها الصحفي أحمد عدنان وهو يحاورها: ما هو شعورك وأنت تسمعين مَن يقول أو من تقول: “طاعة الزوج من طاعة الله” و ” الرجال قوامون على النساء”؟ فأجابت من فورها: هي عبدة وجارية، ولا تفهم القرآن أو الإسلام. فبادرها الصحفي بالسؤال: ما هو تفسيرك إذا لقول الله تعالى: “الرجال قوامون على النساء “؟ أجابت مذكرة بقوله تعالى: “بما أنفقوا من أموالهم” ، فهي تقول بأن للرجل حق القوامة إذا أنفق على زوجته، (وكأن النفقة على المرأة التي ليس لها مصدر مال هو أجرتها، لذلك قالت): تماماً كما تجلب الخادمة، ألست تطعمها وتعطيها المال؟  نفس الأمر ينطبق على المرأة والرجل، أما لو كانت المرأة مستقلة فهذا لا ينطبق.

وتقول باللهجة المصرية: (ليه الرجال قوامون على النساء؟ معقوله واحد جاهل يبقى قوام على وحدة دكتورة مثلا؟ وإذا كانت المرأة هي إللي بتنفق على الراجل يبقى إزاي الرجال قوامون؟). أي: (لماذا يكون الرجال قوامون على النساء؟! هل يعقل أن يكون رجل جاهل مثلا قواما على زوجة تحمل شهادة الدكتوراة؟ وفي حالة أن المرأة هي التي تنفق على الزوج ما معنى القوامة؟)

مرة أخرى نقول بأن القوامة هي رعاية شؤون الأسرة وقيادتها وتدبير مصالحها، وهي مسؤولية الرجل بالدرجة الأولى وليس لها علاقة بالشهادات ولا المستوى الثقافي أو المالي أو الاجتماعي حتى لا تتعدد الرؤوس في الأسرة ولا يعود للسفينة من يقودها فتغرق، وأما قوله تعالى “وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ” فكما قال ابن عاشور: “وأضيفت الأموال إلى ضمير الرجال لأنّ الاكتساب من شأن الرجال… وهذه حجّة خَطابية لأنّها ترجع إلى مصطلَح غالب البشر، لا سيما العرب”.

المـــــــــــــــــــــــــــــــــــــيراث

وضع الإسلام نظاماً محدداً وواضحاً لتقسيم الميراث يقوم على إعطاء الورثة نسباً متفاوتة من وارث لآخر، وبقي المسلمون يطبقون هذا النظام إلى يومنا هذا، ولكن برزت دعوات في الآونة الأخيرة تنادى بإعادة النظر في هذا النظام بحيث يتم مساواة جميع الورثة في الميراث، وكانت الدكتورة نوال السعداوي على رأس هؤلاء المطالبين، فما وجهة نظرها في الموضوع:

اعتبرت الكاتبة المصرية، نوال السعداوي، أنه “لا يوجد عدل في الميراث، ولا توجد قوانين دينية ثابتة”، مضيفة أن “المرأة مازالت تعيش في الفقر وعدم المساواة وجميع أشكال التمييز”. عربي بوست 20/8/2017م.

تقول السعداوي: “نظام الميراث الإسلامي ظلم المرأة كثيراً ومن حقنا كنساء أن نطالب بتغييره، تونس غيرت نظام الميراث ويجب على مصر أن تغير نظامها ” وفي حوار أجرته الصحافية “إيمان ملوك” معها بثته محطة لـDW: م سألتها: كيف تنظرين إلى خطوة مشروع المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة في تونس؟ فأجابت:

بالطبع هي خطوة ايجابية جداً، ويجب على جميع البلدان العربية أن تخطوها. يجب أن تكون هناك مساواة كاملة بين النساء والرجال في بلادنا العربية والإسلامية. المساواة موجودة في العالم بأسره، في أوروبا وأمريكا وآسيا وحتى في الهند. المساواة بين الرجال والنساء أصبحت موجودة في بلاد كثيرة، لكن في بلادنا العربية هناك تخلف شديد. المساواة لا يجب أن تقتصر على الإرث، وإنما في كل شيء، في الإرث والنسب وفي الزواج والطلاق وكل شيء. يجب أن لا تكون هناك أي تفرقة بين البشر على أساس الدين أو الجنس أو الطبقة أواي شيء آخر، لأن هذه أشياء برأيي أشياء بديهية ولا تحتمل النقاش.

وقالت لبرنامج “مساء القاهرة” بأن هناك مدارس إسلامية تورث النساء مثل الرجال. (بطبيعة الحال دون أن تذكر تلك المدارس).

رد الدكتور محمد عمارة على نوال السعداوي في موضوع ميراث المرأة وبيَّن أنها قد تُعطى في حالات كثيرة أكثر من الرجل، وقال: هناك معايير لتقسيم الميراث لا علاقة لها بالذكورة والأنوثة:

المعيار الأول: درجة القرابة، فكلما كانت الدرجة أقرب كان نصيب الوارث أكبر

المعيار الثاني: موقع الجيل الوارث: كلما كان الجيل الوارث مستقبلا للحياة يكون نصيبه أكبر من الجيل الأكبر سناً.

المعيار الثالث: العبء المالي الذي يوجب فيه الشرع على الوارث القيام به حيال الآخرين، في هذه الحالة يرث الرجل مثل حظ الأنثيين، وفيها يتطابق المعياران الأساسيان وهما: معيار القرابة ومعيار موقع الجيل الوارث من استقبال الحياة، وهنا يكون الوارثان ذكوراً وإناثاً من أبناء المتوفى، فيجب علينا أن نعرف سياق الحياة ونظام المجتمع لهذين الأخوين ابن وبنت المتوفى.. الابن مسؤول عن زوجته وأبنائه وبناته، وهو الذي يدفع المهر عندما يتزوج ويوفر المسكن والمأكل والمشرب والملبس وأسباب العيش للأسرة، بل إنه ملزم بتوفير ذلك كله لأخته إذا كان هو وليها.

أما أخته فهي لن تدفع مهرًا عندما تتزوج، بل إنها ستأخذ المهر، ولن تتحمل مسئولية أسرتها ومصاريفهم وعيشهم وسكنهم، وهي ليست ملزمة بدفع أي شيء من ذلك عن زوجها إلا إنْ رغبتْ بمساعدته. بل إنها ليست ملزمة بدفع أي شيء من لوازمها هي. وعلى ذلك فإن التفاوت بين الأخوين الذكر والأنثى في الميراث هو غاية العدل.

وقد صدرتْ عدةُ كتب توضح الحالات التي يمكن للمرأة ان ترث فيها أكثر من الرجل، منها كتاب “إتحاف الكرام بمئة وأربعين حالة ترث المرأة فيها أضعاف الرجل في الإسلام” للباحث الأزهري علي محمد شوقي، ويقع الكتاب في 233 صفحة.

    خلاصة حالات المواريث كالتالي:

  1. المرأة ترث نصف الذكر فى 4 حالات من أصل 34 حالة، أي بمعدل 11.76 % من حالات الميراث. مع إلزام الرجل بالإنفاق على المرأة بينما لا تلزم المرأة بالإنفاق على الرجل.
  2. المرأة ترث ميراثًا مساويًا لميراث الذكر، وذلك فى 11 حالة من أصل 34 حالة؛ أي بمعدل 32.35 % من حالات الميراث.
  3. المرأة ترث ميراثًا أكثر من ميراث الذكر، وذلك فى 14 حالة من أصل 34 حالة، أي بمعدل 41.18 % من حالات الميراث.
  4. المرأة ترث ولا يرث الرجل وليس له حق الميراث، وذلك فى خمس حالات من أصل 34 حالة، بمعدل 14.71 %.

في هذه المسألة لم يكن الصواب فيها بجانب السعداوي. فهي لم تعلم شيئاً عن قوانين الميراث في الإسلام والتي منها أحكام لم تفرِّق بين الرجل والمرأة. ربما دعوتها المستمرة للمساواة بين الرجل المرأة هي التي جعلتها تتحدث في أمور لم تكن على علم بها.

المثلية

“الزواج المثلي مش حرام؛ ثلث العالم مثليين وتغيرت القوانين ليتزوجوا من نفس جنسهم” . . . نوال السعداوي

سألها سامي كليب: اسمحي لي دكتورة أن أسهِّل السؤال على حضرتك، لا تمانعين في علاقة بين رجل ورجل وبين امرأة وامرأة؟ فأجابت: لست أنا التي تمانع، وقالت بأنها لم تمارس المثلية بحكم تربيتها وظروف حياتها، فقد كانت علاقتها الجنسية مع الرجل، ولكنها لا تمانع أن تكون هذه العلاقة بين الآخرين؛ فهم أحرارٌ، وأن لديها صديقات وأصدقاء يحبون نفس الجنس، وعقَّبت قائلة: لكن أنا أفهم لماذا يحدث ذلك! لماذا المرأة تحب الرجل فقط؟ لماذا المرأة تحب المرأة فقط؟ يوجد ناس لـ bysexual يعني يحبون الرجال والنساء، أنا أرأي أن أغلب النساء هن هكذا. يعني مزدوجات الجنس لأنهن مزدوجات في تركيبهن البيولوجي والنفسي، وقالت: يعني أنا في داخلي أمومة وأبوة، يعني الاثنان معاً، ونحن لو ابتدأنا نتسع قليلاً نتسع وآفقنا تتسع سنبدأ نفهم ونبدأ نلغي الثنائيات.

اعتبرت السعداوي أن المثلية وأي ممارسة جنسية أخرى لها أسباب يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، فقالت: “الجنس عادة وتعوّد، والمثلية لها أسبابها، وجزء منها وراثي بجانب التربية والخوف، والأمر يتطلب تحليله وإرجاعه لأسبابه الاجتماعية والبيولوجية، وليس وضعهم في السجون، لأنّ هذا ليس الحل، ويجب أن تتوفر الحرية، فالمجتمع والدين لا دخل لهما بالجنس”. وقالت: “لم نتربّ على حرية الجنس، والعلاقات الجنسية شخصية”.

سخرت السعداوي ممن يعتبرون “المثلية الجنسية” خطيئة من فعل الشيطان، ويطالبون بعقاب المثليين بأن نقلب عالي أرضهم سافلها، ليكونوا عبرة لغيرهم.

وأنكرت أن تكون المثلية مخالفة للإسلام، فقالت: لماذا؟ مَنْ قال؟، كلُّ شيء ينسبونه للإسلام! الاسلام لم يقل ألا أن تكون صادقا، يقول لك كن صادقا حين تحب. الاسلام لا يقول لنا اكذبوا وأنا أريد أن أقول لك شيئًا: في البلاد التي يكون فيها فصل بين الجنسين، السعودية مثلاً: تجد العلاقات التي هي Homosexual المثلية أكثر.

وقالت “إن زواج المثليين ليس حراما أو عيبًا”، وذكرت إن طبيعة الإنجاب تتغير بتغير الزمن وفي تطور، وأن الدين الإسلامي مخطئ في أمر الختان والتبني”، وذلك في الملتقى الشهري للكاتبة نوال السعداوي بأتيليه الإسكندرية (القدس العربي 23/7/2015).

من الملاحظ أن إجابتها ليس فيها من الفقه النزر اليسير، ومن المعروف أن الإسلام قد اعتبر اللواط فاحشة، فقال تعالى: {أَتَأْتُونَ الذكران مِنَ العالمين وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ * الشعراء 165}. وقال تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ* 80 الأعرافْ}

منهجها في التفكير والبحث العلمي

  1. عدم الدقة في التوثيق: كتب محرر موقع (بنك القارئ النهم) التابع لدار الفكر في دمشق في عرضه لكتاب “المرأة والدين والأخلاق بين نوال السعداوى وهبة رءوف” الصادر عام 2009، والآن إذا أردنا أن نقارن بين الكاتبتين فماذا يمكن أن نقول؟ إن أول ما يواجه القارئ منذ أن يتوكل على مولاه ويشرع فى قراءة ما خطه قلم د. السعداوى هو هذا السيل من اليقينيات والقطعيات التى تبنى عليها أحكامها ولا ترى لها نقضا ولا إبراما، مع أنها لا تستند فيها إلى شىء ثابت بالمرة، إذ كل عمادها مجرد أقوال مرسلة من عندها تذكر فيها أن العلماء يقولون ذلك. ولكن أي علماء يا ترى؟ وفى أي دراسة نجد هذا؟ لا جواب البتة. بل إنها لتهاجم البحوث العلمية التى تتناول مثل هذه الموضوعات تحت شبهة أنها مملة وجافة ولا تقنع أحدًا، ومن ثمَّ لا تأتى بأي نتيجة. وعلى هذا فمن العبث الذي لا طائل من ورائه أن يبحث القارئ عن مراجع لبحثها، وكل ما يجده فى آخر البحث قائمة بعدد هزيل من الكتب ليس فيها ما يخبرنا إلى أي مدى اعتمدت على هذا المرجع أو ذاك، ولا كيف، ولا إلى أي حد يمكن الوثوق فيه أو فى صاحبه. ليس ذلك فحسب، بل إن هذه الكتب كلها تقريبا لها هى نفسها.
  2. تكثر السعداوي من الإشارة إلى أسماء مؤلفين وكتب وعلماء أخذت عنهم دون أن تقوم بالتدوين الصريح لنقولاتها، وهذا أسلوب شائع في التأليف، إلا أنه يضعف مصداقية الاعتماد على الكتاب واعتباره مرجعا علميا، فنحن هنا لن نميز عبارة الكتاب الأصلية من عبارتها هي وفي هذا إضعاف للمصداقية العلمية.
  3. التعميم في الأحكام.
  4. تكرار الأفكار والأحكام.
  5. التسرع في إصدار الأحكام، فعند الحديث عن ختان الذكور مثلاً؛ رأت أنه مضِرٌ علمياً وصحياً وأن خبرتها الطبية تقول ذلك، ولكنها لو بحث قليلاً في الأمر تاركة أحكامها المسبقة جانياً لرأت أن جهات صحية عالمية تقول بفوائد الختان للذكور، وكذا عن المثلية التي اعتبرتها ممارسة طبيعية تخضع للحرية الشخصية وأن الطبيعة البشرية تتوافق معها، وهذا مخالف للأبحاث الطبية المحايدة، لا سيما قبل أن تنقلب النظرة الطبية للمثلية سنة 1974 عندما ارتأت جهات غربية تعديل النظرة العامة للمثلية واعتبارها ممارسة طبيعية تمشياً مع مفاهيم الحريات الشخصية التي تنبثق من المبدأ الرأسمالي.
  6. اتخاذ الواقع مصدراً للتفكير، لا مصدراً للتغيير، فالأصل أن يلاحظ الباحث المشكلة أو المسألة موضع البحث، ثم يحاول تغيير هذا الواقع إلى وضع جديد، فيناقش أسباب المشكلة، ثم يبحث عن حلٍ لها، فعندما نادت مثلاً بالمساواة التامة بين الذكور والإناث في الميراث تمشياً مع الشعارات الرأسمالية التي قالت بذلك، كان عليها أن تدرس المسألة في مصادرها الشرعية وتدرك كيف أن الإسلام قد أعطى المرأة نصيباً أكبر من حظ الرجل في حالات كثيرة من حالات توزيع الميراث. ولكنها نظرت إلى ممارسات خاطئة (تخالف الشريعة مخالفة واضحة) من بعض الناس في إساءة توزيع الميراث وعدم توريث النساء؛ وجعلت من هذه الحالات مصدرها الشريعة وبناء عليه يجب أن يكون الحل في المساواة التامة في توزيع الميراث.
  7. الكيل بمكيالين، وتجلى ذلك في نظرتها لسجون عبد الناصر بناء على من هم المسجونون! فهل ما تعرض له المعارضون الإسلاميون في سجون عبد الناصر لا يندرج تحت بند حقوق الإنسان؟ وما تعرضت له الإسلاميات خاصة لا يندرج ايضاً تحت عنوان حقوق المرأة؟ أم أن حقوق الإسلاميين عامة ليس لها حساب عند السعداوي وهذا ما أشار إليها به الدكتور محمد عمارة في مناظرته الشهيرة معها عندما ذكرها بحقوق النساء المسلمات المغتصبات في البوسنة أثناء العوان الصربي هناك.

موقفها من الدين، الله، الموت، البعث والنشور، الجنة والنار والجزاء؟

الديانات السماوية اختراع بشري ….. ن. س.

اعتبرت نوال السعداوي، ضيفة شرف مهرجان ثويزا في طنجة (2017) وأبرزت المتحدثة نفسها، أن الدين ليس سوى “أيديولوجية سياسية تقف أمام تحرر الإنسان وتمنعه من الإبداع”، مستدلة على ذلك بأن أوروبا لم تقفز نحو الإبداع والابتكار إلا بعد أن تحررت من سلطة الكنيسة، التي كانت تحكم خلال حقبة العصور الوسطى. عربي بوست 20/8/2017

في مقابلة لها مع برنامج بلا قيود قالت بأنه ليس من الضروري أن يؤمن الإنسان بإله.

 رؤية السعداوي لمفهوم (الله) والآخرة والجنة والنار والعدل والمساواة والتقدم العلمي…

موت الإله: . . . مسرحية “الإله يقدم استقالته في اجتماع القمة”

في هذه المسرحية تتضح الرؤية الفكرية لنوال السعداوي في الأمور الدينية ورؤيتها لمفهوم (الإله / الرب) وهل هو رب حقيقي موجود، أم هو فكرة متخيلة مخترعة؟!

كتبت السعداوي هذه المسرحية عام 1996 وهي في أمريكا، وتقول بأنها كتبتها خلال ثلاث عشرة ساعة متواصلة دون أن تقوم من مجلسها (المسرحية، ص 13 المقدمة).

تدور أحداث المسرحية بين كل من الرب وأنبيائه المطيعين، من بينهم موسى؛ عيسى، إبراهيم ومحمد وكذلك الشيطان الذي جسَّد دوره إبليس. حيث يحاول كل واحد منهم من خلال حججه إقناع الآخرين بأنه كان نبيًا مظلومًا ويجب على الإله أن ينصفه ويميزه هو وشعبه عن باقي الأنبياء الآخرين وشعوبهم.

تتحدث الكاتبة في هذه المسرحية عن حوار مطول يجري بين شخصيات الأنبياء إبراهيم، موسى، عيسى ومحمد إضافة إلي رضوان حارس الجنة الذي تصوره نوال كسكرتير خاص للذات الإلهية، كما صورت إبليس شاباً وسيماً في الثلاثين من عمره، بينما قدمت الإله كرجل في الستين من عمره ولا يتحرك من مكانه، كما أنه يرتدي ملابس الملوك ومِن حوله الجنود، وبجانبه بحيرة من الماء وأنهار من الخمر.

يدور الحوار أساساً حول ظلم الإله للأنبياء وذلك بسبب تفضيله واحدًا على آخر، مما يجعلهم يعقدون محاكمة (أسمتها اجتماع القمة) للنظر والتقرير في هذه المسألة. (موسوعة وكيبيديا).

قُدِّمت المسرحية على مسرح جامعة ديوك الأمريكية يوم 25/11/1996 قام بتمثيلها الطلبة والطالبات بقسم الأديان وتحت إشراف الدكتور بروس لورانس (المسرحية ص 5).

تكونت المسرحية من ثلاثة مشاهد، (وتقع في 113ص) وكان وصف الشخصيات كما هي صورهم في الأذهان أو واقع أقوامهم، فتصف الكاتبة شخصية (الله أو الرب) [تعالى الله عما يصفون] في تقديمها للشخصيات بأنه “شيخ وقور جدًا في الستين من عمره، شعره أبيض، لحيته طويلة، بشرته بيضاء، ملابسه واسعة بيضاء، لا يتحرك إلا قليلاً من مكانه الذي يشبه العرش العظيم، يظهر من وراء ستارة خفيفة بحيث لا نراه جيدًا، وصوته منخفض شديد الوقار والبطء، لا يحرك رأسه إلا نادراً بإيماءة خفيفة أو يده يرفعها بكبرياء عظيم، وقد يغضب بشدة” (ص 16 المسرحية).

أما بقية الشخصيات فهم: “موسى، عيسى، محمد، إبراهيم، رضوان خازن الجنة، حواء، مريم العذراء، بنت الله، إبليس، رابعة العدوية، رئيس البوليس”،   واما عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقالت:” سيدنا محمد: إنه نبي المسلمين يظهر داخل ملابس شيخ سعودي، طويل القامة، عريض الكتفين، وسيم الوجه، خطوته ليست سريعة، ثابتة فوق الأرض فيها ثقة، يرتدي خُفَّاً في قدمه مثل البدو، له لحية طويلة، يتحدث بصوت هادئ، وقور، تعلو محياه ابتسامة مَن يثق في كلامه وتأثيره في السامعين” (ص 14) [ ملاحظة: كلمة سيدنا التي تسبق أسماء الأنبياء أحياناً في المسرحية هي من وضع الكاتبة نوال السعداوي].

في المسرحية يبدو صراع الأنبياء فيما بينهم وتآمرهم على بعضهم، ففي المشهد الأول يكون كل من (موسى وعيسى) داخل مغارة، ويلمحان (محمداً) من بعيد فيقول سيدنا موسى موجها الكلام لعيسى: أتصدق أن الله قال لهم إنهم خير أمة أخرجت للناس؟ هذا كذب وافتراء على الله، وانظر ماذا قال عن اليهود والنصارى؟ هذا الرجل هو العدو الخطير، علينا القضاء عليه قبل أن يقضي علينا. (ص27).

في المشهد الثالث في هذه المسرحية تظهر شخصية الله تعالى من خلال قوله:

… سئمت الخلود والعزلة عن الناس: ففي حضور شخصيات المسرحية جميعهم، يوجه (الله) خطابه لرضوان خازن الجنة، فيقول له:

“لا يا رضوان، لم أعد راغباً في البقاء أبد الآبدين، لقد مللتُ الخلود والوحدة والانعزال عن الناس في السماوات العليا، حين طلبتم مني الحضور لاجتماع القمة هذا جئت إليكم بهذا الشكل الآدمي وإلا فزعتم من أي شكل آخر، أردت أن أهبط إليكم على شكل (روح) لكن الروح لا شكل لها ولا وجود لها إلا في الخيال، كيف يتحول الخيال إلى مادة أو قوة، هذه هي كتبي السماوية حين تُطبع وتتحول إلى دساتير تحملها الأحزاب الدينية، وهي أحزاب سياسية تتصارع على السلطة وعلى الأرض والمال كما هو حادث في العالم كله شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، وقد غضبتُ مثلكم بسبب المذابح التي ذهب ضحيتها الآلاف من الشعب الفلسطيني أو الشعوب الأخرى في إفريقيا وآسيا وغيرها، وغضبتُ مثلكم لما يحدث من قهر النساء باسمي أو نهب لموارد الشعوب وأراضيها باسمي.

  الإله غارق في عبادة ذاته، وهو مجرد فكرة خيالية:

يستأنف الرب كلامه: وكنتُ غارقاً مستغرقاً في عبادة ذاتي لأكثر من خمسة آلاف عام لأفرض عليكم عبادتي وأنا مجرد فكرة في الخيال.

إله متحيز للذكور ولليهود:

يقول: … وبعد أن استمعتُ بأذني إلى كل أقوالكم وأقوالكنَّ، أنتم الرجال وأنتنَّ النساء، أعترف (لكم ولكنَّ) أنني قد تحيزت للرجال دون النساء، وجعلتُ الرجل مسيطراً على المرأة دون وجه حق، وتحيزتُ لقوم إبراهيم ووعدتهم بأرض شعب آخر دون وجه حق.

إله يخطئ ويعترف بخطئه وتناقضاته:

ويقول:… لقد وقعتُ في أخطاء وتناقضات كثيرة لكنني، كنتُ دائماً أعود إلى طبيعتي الإنسانية الأولى وأعود إلى الخير والعدل والمساواة والرحمة والحب، وربما لهذا السبب بَقِيَتْ كتبي سلاحاً للدفاع عن حقوقهم وحقوقهن، كما وَجَدَ فيها أيضاً الملوكُ ورؤساء الدول والحكومات سلاحاً لقهر الشعوب والنساء والفقراء.

  انتهاء دور الإله نتيجة التقدم العلمي:

…. ولكن أيها السادة والسيدات إن البشرية تتقدم للأمام ولم يعد أحد يرجع إلى نظرية الخلق التي وردت في كتابي، أصبح العلم الحديث هو المرجع الوحيد للمعرفة الحقيقية، ولم تعد كتبي إلا للحفظ في المتاحف وفنادق الفقراء، وأقسام التاريخ والدين في المدارس والجامعات، هذا من الناحية الأكاديمية فقط، لكن من الناحية السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية فلا تزال كتبي هي الأساس، رغم التقدم في العلوم الأخرى، وهذا خطير أيها السادة والسيدات.

  من أخطاء الإله الفصل بين الجسد والروح:

… هذا الانفصال بين العلم والسياسة والثقافة وهو انفصال أنا المسؤول الأول عنه لأني فصلت الجسد عن العقل أو الروح، في حين أنه لا يوجد جسد بدون روح ولا توجد روح بدون جسد وعقل.

  إله يسرق أفكار الآخرين ولا يعزوها لهم… فقدان الأمانة العلمية: فكرة الروح والجسد، والحساب والعقاب الأخروي … أفكار فرعونية الأصل. . .

هذه الفكرة لم تكن فكرتي في الأصل، نقلتُها عن الملكة (تي) أم الإله أخناتون، وهو نقلها عن أمه ثم حذف اسم أمه من التاريخ، ونقلتُ عن أخناتون كلماته ووضعتُها في كتابي دون أن أشير إليه، بل إن فكرة وجود الروح منفصلة عن الجسد لم تكن فكرتي في الأصل، ولكنها فكرة الآلهة الفراعنة الذكور في مصر القديمة في حربهم ضد الإلهة الأم الكبرى إلهة الحكمة والخصب والطبيعة اخترعوا فكرة تقول إنَّ لكل طفل يولد شبيهان له يولدان معه ولا تراهما العين البشرية، لا تراهما إلا عين الإله فرعون، الشبيه الأول اسمه (كا) والشبيه الثاني اسمه (با) وهما الروح التي تلبس جسم الطفل حتى يكبر ويموت ثم يفارقان جسمه ويطيران في السماء على شكل طائر هو الروح، واخترعوا فكرة عقاب الأرواح بعد الموت على يد إلهة تشبه الوحش هي عدوتهم الإلهية (نوت) وكانت إلهة السماء وزوجها (جيب) إله الأرض واخترعوا دار الحساب في الحياة الأخرى بعد الموت، وجعلوا فيها ميزاناً يزن السيئات والحسنات، كان يوضع مع كل ميت في القبر كتابٌ اسمه “كتاب الموتى”، وقد أخذتُ عنهم كل هذه الأفكار ووضعتها في كتبي الثلاثة عن الحياة الأخرى والجنة، والحقيقة أيها السادة والسيدات أنني كنت أعيش في مصر القديمة، وكنت أسعى إلى الحكم بعد أن أحارب فرعون وأقتله، عاصرت الفراعنة وقت رمسيس الثاني الذي حكم مصر من 1301 حتى 1235 قبل مولد عيسى المسيح الذي جعلته ابني.

إله يكذب ويسرق العوامل الطبيعية ويدعي أنها عقاب منه… الجراد نموذجاً:

إله لا يعاقب إلا الفقراء والضعفاء…

… أما موسى فقد عاش في مصر معي في عهد رمسيس الثاني وكان يُسمى الفرعون منفتاح (وهو فرعون الخروج) الذي حارَبْتُه وانتصرتُ عليه مع موسى وقومه إسرائيل، كانت هي الحرب التي انتصرنا فيها وتصادف أن هجم على مصر من الصحراء أسراب من الجراد فانتهزت الفرصة وقلت أنا الذي أرسلت هذا الجراد، أما الفراعنة الأغنياء والطبقات العليا فقد نجوا جميعاً من الأذى، هكذا كنت أوجه ضرباتي دائماً إلى الضعفاء والفقراء من النساء والأطفال والعبيد.

   الختان عادة فرعونية أُقحمت على الدين:

…. وكانت عمليات الختان والإخصاء تجري للعبيد فقط، ولا تجري للآلهة الفراعنة أو الأسياد، وحين  صارت مصر تحت حكم المقدونيين بعد انتصار الإسكندر الأكبر المقدوني 334 ـ 323 قبل مولد عيسى المسيح وأنشئت عاصمة جديدة على شاطئ البحر سميت الإسكندرية على اسم الغازي الإسكندر الأكبر فرضَ الحكامُ الجدد اللغة اليونانية على الشعب المصري بدلاً من اللغة المصرية،  وتم إلغاء ديانة إزيس وحُرِقَتْ كتُبها وصورها، فُرض على الشعب المصري عبادتي من خلال كتابي التوراة المترجم إلى اليونانية السكندرية وهي الترجمة السبعينية، وبعد موت الإسكندر الأكبر استولى البطالمة على مصر وفلسطين التي وقعت تحت حكم ملوك سوريا السلوقيين (198)  قبل ميلاد المسيح، وفي جميع الأحوال أيها السادة والسيدات لم تكن ترجمة كتابي التوراة أو الإنجيل أو القرآن تتم إلا بقرار من الحاكم المسيطر، أنتم تقولون إن الحكام كانوا يحاربون باسمي، ولكني كنت أحارب باسم الحكام في الحقيقة.

   الإله يفر من مصر لإقامة إمبراطورية في مكان آخر …

…. وكنت واحداً من الفراعنة اضطر للفرار من مصر وأراد أن يستعيد أكبر إمبراطورتيه في أرض كنعان وفلسطين مع موسى وبني إسرائيل، ولهذا جاءت التوراة باللغة العبرية لأني كنت أخاطب قومي من بني إسرائيل ولم أكن أخاطب الشعب المصري المحكوم برمسيس الثاني وهذا هو تاريخي أيها السادة والسيدات.

  لم يكن إلها حقيقة، لا بد للعالم أن يستمر دون إله:

…. وقد حذفت اسم أمي من التاريخ كما فعل أخناتون؛ وحذفتُ أمَّ آدم أيضاً ووضعت نفسي مكان الأم الكبرى التي ولدتْ أول إنسان على الأرض، وجعلتُ نفسي خالق الكون في ستة أيام حتى جاء العلم الحديث فكشفني ولا يمكن لي بعد اجتماع اليوم أن أستمر في هذه اللعبة ولا بد من وضع الأمور في نصابها، والاعترافُ بالخطأ أفضل من الاستمرار فيه، وقد آن لهذا العالم أن يواصل حياته وتقدمه بدون إله وبدون شيطان أيضاً. وبدون هذا التقسيم الخطير بين الجسد والروح، هذه الآفة التي عذبت الإنسان أكثر من خمسة آلاف عام وجعلت الجسد أدنى من العقل والروح، لأصبح أنا العقل وأنا الروح العليا، ويصبح الإنسان بجسده هو الأدنى، انقسم الإنسان إلى رجل يرمز إلى العقل البشري وإلى امرأة أدنى ترمز إلى الجسد والعقل والروح كما وضعتُ عداوة بين الإنسان والطبيعة والكائنات الحية الأخرى ومنها الحية والثعبان.

الجنة والنار مخترعتان لفرض الخوف على الناس:

إن أخطر شيء يهدد قوة الإنسان هو ذلك التقسيم لكنني كنت في حاجة إلى إضعاف الإنسان لأكون أنا الأقوى، حتى يصبح الإنسان عبداً يعبدني، ويخاف من ناري أو يطمع في جنتي.

الله محتاج للحب الخالص، ويؤنبه ضميره!:

قالت نوال على لسان الرب…. لم يحبني أحد حباً حقيقياً لأن الحب والخوف لا يجتمعان في قلب واحد وأنا في حاجة إلى الحب أيها السادة والسيدات، الحب الحقيقي بلا خوف من نار أو طمع في جنة، هذا الحب لم يقدمه لي أحد من البشر إلا رابعة العدوية، ولم تكن تطمع في الجنة أو تخاف النار، لكنها وقعت في الخطأ الذي أنا سببه الأول، فَصَلتْ رابعة بين الجسد والروح، فصلت بين جسدها وروحها، حين كانت تنظر في المرآة لم تكن ترى لا وجهها ولا وجهي وإنما هي نصوص وحروف مطبوعة في الكتاب الإلهي، لم تكن ترى في المرآة إلا صورتي في خيالها وخيال الناس.  صورة وحي الخيال كانت تراها، عاشت رابعة في الخيال، ولم تعش حياة المرأة الحقيقية، حكمتْ على جسدها بالإعدام كي تراني في مرآتها، وهذا ظلم أيها السادة والسيدات، وإن كنت أنا خالقكم نساءً ورجالاً فقد خلقتكم نساءً ورجالا بأجساد، وعقولاً وأرواحاً متحدة داخل كيان الجسد.

إذا حُرِمَ الجسد من حياته ورغباته حُرِمَ العقل أيضاً وحُرِمَتِ الروحُ أيضاً، لهذا السبب لم تكن “رابعة العدوية” سعيدة في حياتها الحقيقية كما كانت هي سعيدة في حياتها الخيالية الوهمية، إني أشعر بتأنيب الضمير، فهذه المرأة التي أعطتني كل هذا الحب لم أعطها أنا إلا الحرمان، كنت إلها قاسياً في الحقيقة أعوض عن قسوتي بالكلام عن الرحمة والعدل، كنت أنا أيضاً منقسماً على نفسي أفصل بين جسدي وروحي، أنكر جسدي وأتصور أنني لست إلا روحا في الهواء، وحين جاءت اللحظة الحاسمة لأهبط إليكم فوق الأرض لم يكن لي مفر إلا الرجوع إلى الحق  وارتداء جسدي الذي ترونه أمامكم أيها السادة والسيدات، وهو جسد رجل يدَّعي أنه ليس بشراً، وجسد إنسان يدعي أنه إله، وقد آن الأوان أنْ أظهر على حقيقتي، وأعلن عن استقالتي من منصبي، منصب الإله الواحد الخالق إلى الأبد، إن الخلود نقمة وليس نعمة، تصوروا الحياة بلا موت ماذا نكون؟ إني أفضِّل أن أكون إنسانًا ميتاً يستمتع بالحياة والحب والجنس والحرية وجميع زينات الدنيا عن أن أكون إلها حياً بلا حياة ولا جنس ولا حب ولا حرية إلا الفراغ الخالد. إن قضية الحب مثل قضية الحرية لا تتجزأ. وإذا خلت السماء من الحب والحرية خلت الأرض أيضاً من الحب والحرية، وإذا كان إله السماء دكتاتورياً فهل يعرف الحكام فوق الأرض شيئاً آخر غير الدكتاتورية؟!”

ينتهي الفصل هنا بهذه النهاية: استقالة الله من منصبه. ولكن لم تنته المسرحية باستقالة الإله الذي تبين أنه مجرد فكرة فرعونية خيالية، هو وتعاليمه وما أعد من آخرة ونار وجنة، وأنه إله منحاز للذكور والأغنياء ضد النساء والفقراء والضعفاء، وأنه بظهور العلم الحديث لم يعد له دور في تسيير أمور هذه الحياة، فبعد أن اكشفت حقيقته وكشفها كان لا بد أن ينسحب عن المسرح.  فرأينا في نهاية المسرحية أن “الصمت يدب في القاعة، الجميع جالسون صامتون واجمون، يختفي الضوء ثم يظلم المسرح تماماً، ثم يأتي رجال الشرطة ويلقون القبض على “بنت الله” بتهمة كتابة هذه المسرحية”.  أي أن حرس فكرة (الله) كما تعرفها الأديان لم يرق لهم هذه النهاية فزجوا بها ببنت الله / المؤلفة في الزنزانة.

في المشهد الأخير نرى بنت الله جالسة فوق الأرض التراب مكبلة بالسلاسل الحديدية وتغني أغنية فيها أنها ولدت ابنها الذي أرضعته وعلمته القراءة والكتابة وأعطته عقلها، ولكنه كان ابناً عاقَّاً وهو يضرب جدتها، ويدفنها في الأرض، ثم يخرج للناس يقول إنه لم يلد ولم يولد ولم يكن له أم.

(وهنا ملمح أن أصل الإنسان أزلي، هكذا وُجِد على الأرض، وهكذا سيبقى وجوده على الأرض)

وتقول ابنة الله عن هذا الابن العاق القاتل: هذا هو أبي المعبود الأعظم، أراد أن يقتلني أيضاً أنا ابنته ولا يعترف إلا بأبنائه الذكور، ويمحو من الوجود ذاكرتي.

(المسرح يُظلم إلا من ضوء خافت، نسمع أصواتاً كثيرة وضجة بالخارج، صوت نساء، وأطفال وشباب يكسرون باب الزنزانة، يدخلون إلى “بنت الله”، نرى من الوجوه في الضوء الخافت وجه إزيس ورابعة العدوية وسيدنا إبراهيم وموسى وعيس ومحمد وجميع الشخصيات التي اختفت في المشهد السابق، تعود كلها (المسرحية 103 ـ 113)

هنا يظهر البديل لهذا الإله، أنه نوال السعداوي التي تصرح في المسرحية أنها هي المؤلفة، فالبديل ما تمثله من أفكار تحررية وعدل ومساواة وعلم وبحث وتجريب، ذلك أن “بنت الله” التي ظهرت في المسرحية هي نوال السعداوي نفسها كما جاء في المسرحية صراحة.

وعن سبب تسمية صاحبة الرواية نفسها في المسرحية ببنت الله قالت: لأنها حرة، ولأن المسيحيين يسمون المسيح بابن الله.

كأني بالكاتبة تريد التأكيد على مقولتها بحق الأديان كلها وأنها فاشلة وسببت النزاع بين البشر، ولما كان (الإله) الذي أرسلَ الأنبياء بهذه الأديان قد (فشل) في هذا الأمر وهو إرسال أنبياء برسالات للبشر، فإنه يقدم استقالته في إشارة إلى (موت الإله) وموت الديانات وانتهاء أمرها…. مقابل أم يعلو شأن البديل لهذه الديانات: العلمانية، والابتعاد عن الدين كلياً.

يبدو أن هذه المسرحية لم تُشبع طموحات السعداوي في طرح أفكارها بكل وضوح، فقالت بأنها تريد عمل مسرحية أخرى أكثر جرأة من مسرحية “الإله يقدم استقالته”

الموت مرة أخرى وبشكل أوضح:

كررت السعداوي في الكثير من مقابلاتها أن أمها قالت لها بأن الجنة والنار مجرد رمز، وهذا ما آمنت به السعداوي، وقالت بأنها لا تعترف لا بالوحدة ولا بالموت، فالموت هو جزء من الحياة، وهذا يعني أن الحياة تشمل الموت والحياة، هذا ما قالته للمذيعة ماغي عون في برنامج (بصمتي) المذاع على قناة (الآن).

في آخر مقابلة لها، بثتها القناة الفرنسية الحكومية (فرانس24)، قالت وهي على وشك الموت، وبكل وضوح: إن المرأة مقهورة في كل الأديان. استدركت مُحاورتها -مع أنها تعمل للقناة الفرنسية نفسها -لتقول: “هم طبقوا الأديان غلط”، فأكدت نوال: لا، لن أخدعك في آخر عمري، ولن أدور في الفلك الذي يبرر للدين. تقاطعها المحاورة مرة أخرى، فتؤكد نوال أن الكتب السماوية المنزلة من عند “ربنا” هي الظالمة، وتعترض على المنطق الذي يبرئ الرئيس ويلصق التهمة برئيس الوزراء، وهو الذي نكرره بتبرئة الإله وإلصاق الشر بالشيطان.

قالت: أبدا، (المعرفة) عندي ليست قابلة للانتكاسة، من قرأ كتبي واستوعبها يسترد إنسانيته، تذوق الإنسانية إحساس جميل مثل تحرر العبيد، غير قابل للانتكاسة، فمن تنفس هواء الحرية لا يمكن أن يتراجع عنه، المتراجعون هم أذيال الخطاب الرسمي، أنا لي شعبية كبيرة جدا في مصر والعالم العربي، اسأل نفسك لماذا تجري حوارا معي !! حتى جريدة (عكاظ) جاءتني من قبلك وكذبت على لساني وتقولت علي.

العبادات:

قالت بأن العبادات ليست ضرورية من صلاة وصيام وحج

الوصية: لا جنازة

كشفت “منة الأبيض”، مديرة أعمال الكاتبة المصرية الراحلة نوال السعداوي وأحد المقربين منها في سنواتها الأخيرة وصيتها الأخيرة قبل وفاتها. وقالت الأبيض في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن السعداوي أوصت بألا تقام لها جنازة وأن يقتصر الحضور فقط على أولادها، وبعض المقربين.

وأضافت الأبيض أن “عدم اقامة جنازة لنوال السعداوي لا علاقة له بالإجراءات الاحترازية لمواجهة كورونا، كما أشاع البعض”.

وحسب “المصري اليوم” في مقال بعنوان “آخر كلمات نوال السعداوى قبل رحيلها: “انتصرت على الحياة والموت” «لقد انتصرت على كل من الحياة والموت. لأنني لم أعد أرغب في العيش، ولم أعد أخشى الموت»، كانت هذه آخر كلمات الدكتورة نوال السعداوى، حين نشرتْ صورتها مع ابنتها على مواقع التواصل الاجتماعي بعد أشهر قليلة من بلوغها التسعين عامًا.

وفي حديثها لـ “بوابة الأهرام” في أيامها الأخيرة، قالت السعداوي: “أنا امرأة ممنوعة من التداول، يريدون إخفات صوتي وكتبي وفكري، لكنني لست نادمة على أي شيء، ولو عاد بي الزمن سأكون أكثر تمردًا وثورة مما كنت في جميع مراحل حياتي، ولا أضيع وقتًا فيما لا يتصل بإبداعي الأدبي والفكري”. وجاء أيضا في حديثها لبوابة الأهرام: كانت السعداوي تتحدث عن الموت في أيامها الأخيرة بكبرياء، لا تهابه وتنتظره، لديها قدرة على مواجهته، لكنها ضعيفة أمام الألم، ذلك الألم يهزمها ويطرحها في الفراش، وكانت تقول: “لم أعد أخاف الموت فهو جزء من الحياة وهو جميل كالحياة الجميلة، الحياة بدون الموت غير محتملة وبائسة، لكن ألم المرض يهزمني”. نوال السعداوي امرأة قوية، واجهت السجن والنفي والمنع، فتقول: “تغلبت على الخوف من السجن والنفي والفصل من العمل والجوع والمطاردة والعزلة والوحدة وتشويه السمعة، وقد عرفتها جميعًا لهذا فقدت خوفي منها، نحن نخاف من المجهول، وإذا تحررنا من الخوف من نار جهنم وعذاب القبر تحررنا من خوف كبير يجثم على قلوب الكثيرين، وإذا عرفنا أن موتنا لا نشعر به حين يحدث لأننا لا نكون هنا، نتحرر تمامًا من الخوف من الموت، وتبدأ الحرية الحقيقية بكسر جدران الخوف”.

كلمة أخيرة:

نوال السعداوي هي الآن بين يدي ربها، بعد أن عاشت تسعين سنة، وهو عمر مديد، فكرتْ وقدَّرتْ، وناقشتْ وحاورتْ، وخرجتْ بهذه المنظومة الفكرية، ما يعنينا منها الآن هذه الأفكار وهذا التراث الفكري والأدبي، وهو الذي يجب أن ننظر فيه الآن مجرداً عن شخص كاتبه، فنحاكم هذه الأفكار، ونحاورها ونجادلها، وكلٌ منا ينظر في هذه الأفكار ويحدد موقفه منها بناء على منظومته الفكرية.

آمل ان تُتاح لي الفرصة في المستقل لأطور هذه الخطوط العريضة إلى دراسة وكتاب يحيط بفكر السعداوي بشكل أوسع

 

ziadaslameh@yahoo.com

 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *