سرقوك يا الله!

( ثقافات )

  • أنس الغوري

أنا جار بيت الرب

أنا جار بيت الله 

بيتك كبير جدًّا يا الله 

من طابقين ،له قبة ومئذنة عالية

بيتك الآخر ،أيضًا ،كبير جدًّا ،وله برج يعلوه جرس كبير 

وأنا أقطن بينهما في غرفة صغيرة بالإيجار.

المؤجر يطالبني بإخلاء جدران بيته يا الله ،يا رب 

وأنا لا أملك ثمن الرغيف 

هل لي من حيز في بيتك للمنام ؟

تحت صندوق مالك يمكنني أن أتكور 

ألبي أحياناً نداء الصلاة لبيتك ،لكن في هذا الشتاء الصقيعي ألبيه غالباً .

بيتك فيه دفء أكثر من غرفتي التي تخلو من الدفء في أغلب أيامي .

في بيتك يا الله أجهزة تدفئة ،طويلة وضخمة ،يتجاوز طولها طول قامتي ،

قامتي التي مُسخت وأكلت منها أكياس الأسمنت والرملِ ،البلاط والأحجار ،

كراتين الكتب 

بيتك الآخر كذلك يا رب ،نعم !

في بيتك يا الله مياهٌ دافئة للتطهّر ،

للاغتسال من آثار السخام ،الحطب المحروق في مدفأتي،مدفأتي التي تلتهم 

كلَّ شيء ؛ لتمنحني الدفء؛ أغصان أشجار الجيران التي أسرقها ،أكياس النايلون 

والبلاستيك ،مخلّفات عبادك ،يا الله .

في بيتك مناشف عدة ،ملمسها ناعم ،يدغدغ ملامحي الخشنة .

في بيتك الكثير من الماء الصالح للشّرب ،ألذ من الماء الذي نغليه لنشربه،

نعم ،يا الله !!

يوزعونه بالمجان ؛ليتقربوا منك .

في بيتك أخلع جواربي ،ليس حرجاً من ثقوبها ؛ وإنما لأطرد الصقيعَ القديم من قدمي َّ!

إنني في حَيرة ،يا الله !

سمعت أحدَ حراس بيتك يقول للمصلين :إنهم بحاجة إلى المال ؛ من أجل تغيير السجادِ ،الذي لا يوجد به أيُّ خلل !

لماذا؟

ثمة صناديقٌ زجاجيةٌ منتشرة ؛ لجمْع التبرعات ،من أجل إصلاح بيتِك ،بيتك الذي لا يخلو من كل مظاهر البذخ !

لماذا يا الله ؟

حراسُ بيتك ،يا الله ،يا رب ،لهم أماكنُ مخصَّصة للصلاة ،وسجادٌ بديع ،وأنا لا أزاحمُهم عليها  فلماذا ينفرون من هيئتي ؟

لا ضير، فأنا راضٍ بالتنعم بالدفء ،ومشاهدة جمال بيتك .

أجمل لحظة في الصلاة هي حين نسجد ،نعم ،حين يلامس وجهي ويداي وقدماي هذا السجادَ !!

آه ،كم أسعد حين يطول السجود!

كم تمنيت أن أستلقي حينها ،لكنني خشيت من حراس بيتك أن يتهموني بالخطيئة ويطردوني!

لقد أضافوا لبيتك هذه الأيام كراسيَّ طويلةً وعريضة ،مُنجَّدة بإتقان عالي ،إسفنجها طريّ،وزعوها في محيط جدران بيتك ،لقد تمنيت لو أن أحدَها يكون سريري ،بدلاً من فراشي الذي تآكل وذوى من كثرة الاستخدام – من قبل ضيوف الأسرة وأفرادها- ،الفراش الذي حصلت عليه منذ تسع سنوات،عند دخولنا مخيم اللجوء .

إنهم يطردونني من بيتك بعد الصلاة فوراً ويغلقونه ،لو أنهم يتركونه مفتوحاً!!

أعدك أني سأكون ضيفك الدائم عدا أوقات عملي ،سأقوم بالمقابل بمهام التنظيف ؛ كي لا أكون ضيفاً ثقيلاً ،وسأدعو كل المشردين مثلي ونتقاسم الحب والدفء ،وأرغفة الخبز .

أنت تعلم ،يا الله ،أنني أصلي غالباً أمام صندوق التبرعات المخصص لكَ ،أحلم أن أحيا بمالِكَ وأتجاوز حلمي ،وأمام الصناديق المخصصة للأحذية .

في بيتك الآخر،أيضاً ،شاهدت أحذيتهم الفاخرة .إنهم ينتعلون أحلامنا ،يا رب !!

لقد حلمت أن أسرق بيتَك يا الله 

لقد حلمت أن أسرق بيتَك يا رب 

لكنهم سرقوك، يا الله ! سرقوك ،يا رب !

*سوري مقيم في الأردن 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *