-
علي السوداني
أشتهي الآن ممارسة لعبة الاحتمالات القديمة التي قد تعينني على مسك سعد ابن أم سعد ، أو تدلني على أثر قليل يؤدي إلى مأواه التائه حتى الآن .
قبل الوصول الى مقهى العم زكي ، ثمة مقاه أُخر تتعلق في الطبقات العليا من البنايات الضعيفة المصفوفة بانتظام خائف مرتجف ، يشبه سرب طلاب صغار يرفرف فوقهم علم الخميس العسكري وتلويحة عصا مرعبة بيد المعلم قاسم محمد صالح مصطفى .
شلتُ من رأسي احتمال جلوس سعد بمطعم كوارع أبو موسى المشهور المرتفع قليلاً عند طلوع المصدار ، حيث بمستطاع سكنة المشفى الإيطالي شم عطر الكوارع والتشهي بمنظر افتراضي لمسلوق اللسان والمخ والكرشات ولحم الرأس والمرق الساخن والبصل والطرشي وخبز الطابون البديع ، وهم يتلون تراتيل الله على مقاعد الشفاء محروسة أرواحهم اللائبة بقرع أجراس كنيسة الناصرة الهابة من شمال المكان الطويل .
سأجرب مقهى الجامعة العربية الصاخبة التي لا ينقطع فيها الطرب والعياط إلا إذا هاجمتها مكبرات الصوت الهائل القادم من الجهة المقابلة حيث المسجد الحسيني المعروف .
لم أخسر أزيد من خمس دقائق هنا حتى هبطت ثانية الى الشارع الذي بدا أكثر ضيقاً مما وجدته أول مرة ، فلا سعّودي ولا محمود النايف مختار المكان ولا فتق صغير بباب الأمل .
سأترك الكثير من التفاصيل المملة والمصادفات التعجيزية وأذهب فوراً الى الباب الأعظم الذي قد ينام خلفه صاحبي المفقود .ش
نزل صغير مبني من الحجر المطيّن بألوان شامية وقدسية ، يعلو الشارع بسلّم ضيق معمول من ثلاثين درجة ، وقد أخذ من الملك غازي اسمه وصورته المهيبة بالبياض وبالسواد .
على مبعدة نفس سيجارة أخير ظهر قبالتي مهيب الأشهب وهذا فأل سيء على الدوام .
صافحني بقوة خمسين حصاناً وباسني من رقبتي بطريقة الشم واللطع ، وتلك كانت من طرائقه المبتكرة للحصول على نصف ليرة من جيبي المثقوب حتى الآن .
منحته ربع ليرة وبريزة وأربع سجائر من صنف سومر العراقية ، وإمعاناً في حرق ما تبقى من أعصاب جسمي القليل ، أعاد الصعلوك الشاعر تقبيل وجهي وترك بمنخري الشمّام كمية هائلة من عطر ثوم جاجيك الليلة الفائتة التي قضاها بائتاً على سطح فندق فينيسيا المزروع قبالة مطعم هاشم الشهير.
هذا النزل كان قد خصص منطقة السطح للصعاليك والفقراء المفلسين واللاجئين الذين كان أشهرهم الشاعر جان دمو ، حيث المبيت الليلي بغرفة مشتركة بدينار والنوم الطيب فوق فراش أرضي بنصف دينار ، والخدمة الوحيدة التي تقدم في الأعلى ستكون من رحمة الله الكريم الذي سيجعل من نجومه وقمره تدويخة حسابية قبل بداية معزوفة الشخير الجمعي الكبير .
أظنني سأكمل لكم الحكاية بعد انفناء سبعة أيام من الآن.
-
عن الزمان