تصنيع البلاهة … فيلم ” ايديو كراسي-Idiocracy

* لطفية الدليمي

..

يتخيل مخرج الفلم الامريكي الكوميدي ” ايديوكراسي Idiocracy ” او مايمكن ترجمته “المعتوهية ” على ايقاع الديموقراطية ما سيؤول إليه حال البشرية في أميركا بعد بضعة قرون عندما يستخف المجتمع بالنخب الثقافية والفكر والمفكرين ويحتقر القراءة والتعليم ويسخر من الكتب والفلسفة و يعدها إرثاً سخيفاً من القرون السالفة ؛فيصبح العلماء والمفكرون فئة منبوذة إذ يعتبرون محرضين على التفكير الذي يوّلد الحزن والألم ، عندئذ يظهر مجتمعٌ مذعن يتساوى جميع افراده في البلاهة وعدم النضج و يقف الجميع على شفير الفناء بسبب الجفاف ونضوب موارد الأرض وجهل الناس بمهارات الزراعة وانتاج المحاصيل، فمجتمع يقوم على الشعبوية البائسة وتقوده مصالح مجموعة صغيرة من المتنفذين يستبعد فكرة الزراعة بعد أن أذعن لما فرضته عليهم الشركة العملاقة التي تقوم بتصنيع شراب أخضر يسمى (براوندو) يستهلكه الجميع ويعطى للرضع بدل الحليب ويحتسيه الكبار كوجبة غذائية وبه ينظفون وجوههم وأجسادهم، ويروون به المزروعات فيؤدى ذلك الى موت النباتات و الأشجار تباعا على مر السنوات واستيلاء الشركة على جميع مصادر الغذاء الأخرى في أرض المستقبل.

يبارك الرئيس -وهو أمريكي من أصل افريقي ولاتخفى الإشارة العنصرية هنا الى سبب الخراب – يبارك قرارات الشركة بمنع استخدام المياه للشرب او الطبخ أو الزراعة و الحياة اليومية إلا في دورات المياه والاكتفاء بالشراب الأخضر ( براوندو) الذي يعمل ملايين البشر كعبيد في مصانعه الكبيرة وهي المصانع الوحيدة التي تبقت بعد انهيار الاقتصاد الشامل.

أي مستقبل مريع يشير إليه هذا الفلم الخيالي ؟ وأي مصير ينتظر المجتمعات الخاملة التي تستهين بالمفكرين والمثقفين و تتخلى عن منتجات الفكر و الثقافة وتنمية التعليم وتكتفي بسد حاجاتها الأولية لتبقى على قيد حياة اقرب إلى حياة البهائم؟؟

2

يكشف لنا هذا المصيرَ المأساوي الذي ستؤول اليه البشرية في الفلم شابٌ أمريكيٌ متوسط الذكاء أخضعه البنتاغون لتجربة علمية عن السبات الصناعي عبر الزمن وتنجح التجربة ليستيقظ الرجل بعد مرور 500 عام ليكتشف أن المجتمع بلغ حداً من التخلف وقد سادت البلاهة والإذعان حياة الناس فلا مدارس ولا كتب ولاعلم بل حياة بدائية بليدة تفتقر إلى القيم الانسانية وتُمارس فيها مشاعية حيوانية حيث تباح النساء لكل الرجال كما تفعل الجماعات المتشددة في زمننا.

يصبح رجل البنتاغون متوسط الذكاء هذا أذكى شخص على وجه الأرض ويطلبون منه أن يحل لهم مشكلة الغذاء ،يقترح عليهم أن يقرأوا الكتب ليجدوا الحل فيقابلونه بالسخرية، يناقشهم بضرورة إعادة تعليم أنفسهم لتستمر الحياة لكنهم يسأمون النقاش ويستسلمون للنوم أو ممارسة اللعب والجنس والرقص ويقرر استخدام الماء لريّ المزروعات فيستنكرون الأمر ويسخرون من فكرته، لكنه ينثر البذور في حقل محروث ويواصل ريـّها بالماء بدل استخدام آلاف زجاجات الشراب ، فتحشّد شركة (براوندو) مظاهرات بحجة أن عمله سيتسبب في طرد آلاف العمال من المصنع إذا توقف استهلاك الشراب، وعندما يتأخر إنبات البذور يتّهمونه بالخداع ، يحكم بالاعدام وقبل تنفيذ الحكم تشاهد صديقته نبتة خضراء مورقة في الحقل ؛ فتنقذه من الموت في اللحظة الاخيرة وتبدأ معالجة الموقف

بطريقة ميلودرامية فجّة ليصبح الرجل رئيساً للوزراء ويخطب مبشراً بإعادة الهيبة للكتب والعلم والمدارس لمقاومة تصنيع البلاهة وترويجها في مجتمعات المستقبل.

(( ملاحظة : الفلم متوفر على يوتيوب مترجم للعربية

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *