( ثقافات )
د. عهدي محمود عبد اللطيف
1 ـ عينان
فرصة قد لا تُتاح كثيراً.. ففي عام واحد، وبفارق أشهر، يظهر للدكتور عمار علي حسن كتابان: أولهما -صدوراً- تحت عنوان “التيار السلفي.. الخطاب والممارسة”، وهو دراسة علمية ثرية، على إيجازها، حول الظاهرة السلفية وجذورها ومنطلقاتها وواقعها ومستقبلها، والثاني رواية تحمل عنوان “السلفي”؛ ساطعاً –هكذا- ومُفرداً.
فرصة، دون شك، أن نراه نحن وهو يرى بعينين معاً: باحثاً، ومبدعاً.. يستحضر عقله الحاد مرة، ووجدانه وقلبه مرة.. أدواته التحليلية هنا، وكشوفاته الباطنية هناك.
وفق منطقٍ وجيهٍ، فإن اتفاقاً/انسجاماً/ تقارباً بين الرؤيتين من لوازم الأشياء وحتمياتها.. هو الشخص ذاته في نهاية الأمر من يرى..
لا لمنطق مثل هذا هنا، بل قطيعة شبه كاملة.. تنافر يكاد يكون تاماً بين أفكار الدراسة العلمية، وما يمكن استخلاصه من محتوى للرواية المضطرمة مشاعرَ وأحداثاً.
عين الباحث تنظر بكثير من التفاؤل إلى مستقبل تيارات السلفية المتنوعة، تنطوي قراءته للغد على ما يوشك أن يكون تقليماً للأشواك الحادة لساكني كهوف التاريخ وسطور كتبه العتيقة. يستخدم في وسط نصه التالي تعبير “لا شك”.. نعم “لا شك”.. يقول:
“إن التعرض لدراسات وتقارير وكتابات حول المشكلات المعاصرة يفكك مع مرور الوقت التصورات المنهجية الجامدة في أذهان السلفيين.. فالدراسات الحديثة مبنية على مناهج علمية جديدة هي بنت عصرنا، ولا شك في أنها ستتسرَّب رويداً رويداً إلى عقول النخبة السياسية السلفية، وتجعلهم قادرين، ولو بعد مدة، على أن يضعوا المقولات القديمة محل مساءلة ومراجعة”.
عين المبدع لا ترى إلا ظلمة تصفر فيها أرواح الشياطين.. جحيماً للنفس والروح.. خراباً ودماءً وتشويهاً لكل معنى إنساني سامٍ.. شهوانية وطمعاً ومخازي وقصوراً عن الفهم تتنوع أشكاله ودواعيه.. “لا شك” هذه المرة أكثر يقيناً. هكذا تقول الرواية:
-
.. ليس في رأسك سوى وهم الكتب الصفراء، وليس في مخيلتك سوى صورة شيخك وأميرك الذي تمتلئ يداه بالقنابل والدم. (العتبة الأولى)
-
.. شيخك الذي يمتلك أربع فيلات فاخرة متجاورة، يضع في كل واحدة زوجة، ويجلس بينهن، وذهنه غير مشغول إلا بالوصفات الطبية التي تمكنه من إشباعهن. (العتبة الثانية)
-
.. وتلطخت يداك بدماء الأبرياء، ولم تقف برهة لتلتقط أنفاسك، أو تراجع نفسك. (العتبة الثانية)
-
هكذا كانت تحلم أم حسن أيضاً حتى وجدوها ميتة وهي ممسكة بصورة قديمة له، مع أنه نهرها قبل رحيله بأيام، وهي العجوز الضامرة، حين وجدها جالسة أمام البيت كاشفة شعرها.. يومها صرخ فيها: ادخلي الله يلعنك. ولامه الناس وقرّعوه، فملأ عينيه بالغضب، وشد لحيته بأظافره، وأشاح بيده: لو عرفتم شرع الله يا كفرة لفهمتم ما فعلت. (العتبة الثانية عشرة)