الشاعر الإيطالي فرانشيسكو بترارك وهو أحد الناجين من الطاعون الأسود .. وصف ذلك الحدث بالقول: «إن الأجيال المقبلة من ذريتنا لن تصدق أن ما حدث لنا قد حدث فعلاً».
عبر العصور، ظل الأدب بمفهومه الواسع، والفن بمفهومه الأوسع، عالمَين موازيين للواقع، يتماهيان معه، يستندان إليه، يأخذان منه وحتى يتأثران به ويؤثران فيه أحيانًا كثيرة. فقد خلّد الفنانون التشكيليّون، والمخرجون السينمائيون، والنحاتون اللحظات البهيجة السعيدة، واللحظات الحرجة الحزينة من تاريخ البشرية، في أعمال فنية ما زال بعضها خالدًا في المتاحف والشوارع والمعابد وذاكرة السينما؛ غير أن الكتّاب كانوا دائمًا الأكثر قدرة على تخليد وقائع الكون، بكثير من الواقعية الممزوجة بالخيال؛ ولَم تكن الأوبئة التي ضربت كوكب الأرض ووضعت الإنسان أمام تحدي البقاء، بمعزلٍ عن أقلام الكتّاب، بل يمكننا القول إن من بين الحسنات القليلة للأوبئة، أنها ألهمت الكتّاب وغذت المكتبة العالمية بأرشيفٍ سرديٍّ عظيم.
“طاعون” ألبير كامو
أول ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن علاقة الرواية بالوباء رواية “الطاعون” للفرنسي ألبير كامو الذي أسس روايته على الطاعون الحقيقي الذي اجتاح العالم متتبعًا تصاعده المأساوي في مدينة (وهران) الجزائرية، واصفًا حال المدينة وأحوالها ورباطة جأش سكانها في مواجهة الطاعون، وحاصدًا في الوقت نفسه منفعة استثنائية تمثلت في حصوله على جائزة نوبل.. قدم للعالم واحدة من أهم الأعمال الروائية فقط، بل تميز بموقفه الإنساني المتقدم، وبمنسوب عالٍ من الإبداع، فلم يقف عند حدود الوصف الواقعي بل سرعان ما ارتقى بالوباء إلى مستويات رمزية لافحة تؤشر على عدم انتهاء الطاعون المجازي مع انتهاء الطاعون الحقيقي، القاتل الجبار الذي يقف أمامه الإنسان ضعيفًا، عاجزًا، مقهورًا، بلا أسلحة ولا قدرة على مواجهة جرثومة الطاعون.
فقد أودعَ ألبير كامو كاملَ طاقته في روايته الأبرز “الطاعون”، فعندما بدأت الجرذان النافقة تملأ الشارع والنَّاس يواصلون الموت دون توقف، كان لا بد أن تعزل (وهران) عن المحيط الخارجي، وأن يواجه سكانها الموت عزلاً إلا من طبيبٍ شجاع، وشحنات من إرادة الحياة تدب فيهم من حينٍ لآخر، ولا يتحدث كامو عن واقع، بل عن سلسلة من الإسقاطات ذات الأبعاد التاريخية والاجتماعية والسياسية، عن مدينته التي أحبها حد الوجع.
من هذه الحقيقة العلمية ينطلق كامو في بنائه للطاعون الرمزي/الجهل الفكري، متسائلاً عن مشكلات فلسفية كبرى مثل الوجود والعدم، والحرية والإرادة، في نوع من الأسطرة التراجيدية لمصائر الشخصيات التي تتحرر من محيطها الجغرافي لتصبح ذات كينونة عالمية، محققة في الوقت نفسه (إلى جانب عوامل أخرى بالطبع) عالمية هذه الرواية التي بدأت من جغرافيا ضيقة واتسعت لتماس مع هموم إنسانية عالمية.
“إن الرأي العام شيء مقدس، وينبغي ألا يثار الاضطراب فيه” رغم أن الجملة مأخوذة من رواية “الطاعون” لكامو فإنها تحيلنا لتعامل بعضهم مع كورونا، من محاولة التكتم والتستر لا التعامل الشفاف ومواجهة الضيف الثقيل.
ولم تخل رواية ألبير كامو من الخيال وإن حدد المكان (وهران) وجعل الوباء معروف الاسم ومحدد الزمان (1947)، لكنه وظف ذلك في الإشارة بالرمز إلى غايات أخرى يمكن إدراكها بالنظر لسياق الحرب العالمية.
ويقول نقاد أدبيون أن الأديب الفرنسي استخدم الطاعون رمزًا يشير إلى الغزو الألماني لأوروبا مدفوعًا بأيديولوجية نازية تتضمن الإبادة الجماعية.
وتناقش الرواية أمر البدايات التي لم تكترث لها السلطة في وهران، والتبريرات المعهودة، فمن ظهور جرذ أمام عيادة الطبيب إلى نفوق الجرذان الغازية لدائرة مكافحة الجرذان، ثم حالات الموت، وكما يقول الراوي “الواقع أن أحدًا لم يفكر في أن يتحرك ما دام كل طبيب لم يقف إلا على حالتين أو ثلاث، ولكن كان بحسب بعضهم أن يفكر بجمع الأرقام فيذعر ويبهت”.
“طاعون” ألبير كامو كان لجدل القدر والقضاء الواقع مساحة واسعة فيه بين طبيب ملحد وقس وصحفي جاء زائرًا، فصار من أهل المدينة لا يستطيع مغادرتها بعد أن عزلت وهران عن العالم، هذا الحجر منع الصحفي من حبيبته، وحال بين الطبيب وزوجته التي كانت خارج وهران للاستشفاء، لم يضمها الطاعون إلى قائمته السوداء، لكن الموت لم يتركها خارجه أيضًا.
غير إن روايات عدة تطرقت إلى مرض الطاعون، حقيقة وتخييلاً ومنها على سبيل المثل رواية “الطاعون في نيويورك” للكاتبين الأمريكيين غينيث كرافنوس وجون مار. يتخيل الكاتبان أن الطاعون يحل على نيويورك. تعود فتاة من إجازتها في كاليفورنيا إلى شقتها الفخمة في بارك إفينيو، لتكتشف أن عارضًا من السعال الحاد يصيبها فتنقل إلى المستشفى. وما أن يُكتشف مرضها الذي هو الطاعون حتى يبدأ في الظهور والتفشي في منطقة مانهاتن. هنا يبدأ دور الأطباء والممرضين الذين يعلنون حال طوارئ لمواجهة الزائر القاتل. ليست رواية “الطاعون في نيويورك” من نوع الروايات الخيال -علمية ولا الروايات السياسية التخييلية، بل هي رواية كارثة متوهمة، ولكن موثقة علميًا، غايتها فضح هشاشة الأمن الصحي في أمريكا والعالم الحديث.
رمزية بوكاشيو في “الديكاميرون”
الروائي الإيطالي جيوفاني بوكاشيو لم يقتصر هو الآخر حين وجد في الطاعون ما يشبع غليله الروائي، فالطاعون أيضًا هو لحمة وسداة رائعته “الديكاميرون” أو ألف ليلة وليلة الإيطالية، كما يحلو لكثير من الكتاب العرب أن يسموها. بدوره يرتقي بوكاشيو في الحكي عن الطاعون الحقيقي في سلسلة متتابعة من المستويات الرمزية التي يجري سردها خلال عشرة أيام؛ هي الزمن الروائي والزمن الواقعي في آن، وهي أيضًا الأيام العشرة الرهيبة التي حصد فيها الموت الأسود أرواح 25 مليونًا من الأوروبيين، أي ربع السكان في النصف الأول من القرن الرابع عشر. ما سيدفع بأبطال القصص إلى الهروب من “فلورنسا” إلى الريف، ليبعدوا عن أذهانهم ما عاشوه من أهوال، و”لينسوا” أو “يتسلوا” عن ذكرياتهم المؤلمة بروايتها. هكذا تولد 100 قصة تُروى خلال عشرة أيام على ألسنة سبع نساء وثلاثة رجال، في طقس من الخوف والشك الآتي في صيغة “حكي ماتع”.. الحكي القادر على إعادة التوازن للذات المرهقة والمتشظية والقادر في الآن نفسه على تجسيد كل ما تحمله وتحلم به هذه الذوات من أفكار وانتقادات تجاه قيم العصر، فضلاً عن مساءلة صميمية لمعتقدات الكنيسة بشكل خاص والدين بشكل عام وكل ما ثار في تلك المرحلة من جدل حول العلاقة الصراعية بين الفلسفة والدين أو العقل والإيمان، راسمة الصورة الحقيقية لتلك المرحلة بكل تفاصيلها ونزعاتها.
محفوظ وعالم الأوبئة
وربما يكون نجيب محفوظ من أكثر الروائيين توظيفًا للأمراض والأوبئة في أعماله، حيث رصد تفشي أمراض بعينها كالسل والطاعون ليكسبها أبعادًا جديدة، (وليس في الأمر غرابة فمحفوظ من العالم الثالث أو النامي ومن الطبيعي أن يعكس ما يجري حوله). ففي “الحرافيش”، مثلاً، نحن أمام طرح فانتازي لا ينقصه العمق الفلسفي الذي يضفيه محفوظ على واقعة تاريخية بعينها (انتشار الطاعون في القرن الثامن عشر الميلادي)، محولاً إياها إلى نوع من المحاكمة الفلسفية لفكرة العدل، فالإنسان أو الجنس البشري وهو هنا ممثل في بطل الرواية “عاشور الناجي” الذي نجا من الإصابة بالطاعون الحقيقي بعد فراره مع أسرته لا ينجو من الطاعون المجازي/الظلم، لأنه يفشل في بناء مجتمع العدل، المجتمع الجديد على أنقاض المجتمع القديم الموبوء. وعندما يعود إلى الحي الذي كان يسكنه يجده خاويًا من البشر، وهنا يجد فرصته ونسله في إنشاء مدينة العدل أو مدينته الفاضلة لكن محاولاته لإشاعة العدل ورفع الظلم تذهب أدراج الرياح بمجرد أن تدب الحياة في الحي ويكتظ بالبشر. إذن نحن هنا أمام وباء آخر، وباء يشابه الطاعون في فتكه بالأرواح والأخلاق، وباء يريدنا محفوظ أن نتساءل من خلاله عن مدى إمكانية تطبيق فكرة “المدينة الفاضلة” على الأرض وفي الواقع. وهكذا يسرِّب لنا محفوظ عبر السرد أو الحكي فكرة عبثية الصراع وعبثية الأدوات، وهي ثيمة تكررت لديه في “أولاد حارتنا” أيضًا، التي عالجت الصراع بين المعرفة العلمية التجريبية ممثلة في (عرفة) والمعرفة الغيبية ممثلة في (الجبلاوي) وقد انتهت الرواية بموت الاثنين (بالطبع الاستنتاجات التي يمكن الحديث عنها هنا كثيرة، إذ أننا أمام رؤية فلسفية للحضارة والتمدن تفتح قوسًا واسعًا على الجدل، لكن هذا ليس مكان الاستفاضة في تحليل الرواية) لكن هذا النوع من “التوظيف الفلسفي” للوباء يبدو أقل بطولة وأكثر هامشية في الجسد الفني لروايات أخرى، رغم أنه لا يخلو من بعد فلسفي، كما في رواية “خان الخليلي” حيث يموت البطل الشاب فجأة إثر إصابته بالسل الذي استشرى آنذاك، فتغيب بغيابه الشخصية المحورية في الرواية، وكأن محفوظ أراد القول إن المرض ومن ثم الموت يأتي فجأة فيهدم كل شيء، يخلط الأوراق، و”يخربش” كل المخططات، ويفتك بكل الأحلام، فالشاب الذي كان ممتلئًا بالحيوية والتفاؤل “قضى نحبه” وصنع له مصيرًا تراجيديًا تاركًا عددًا من الأسئلة الشائكة معلقة في وجوهنا.
وباء “الكوليرا” في الرواية
حضرت الكوليرا في عدة أعمال روائية في رائعة غابرييل ماركيز “الحب في زمن الكوليرا” يظهر الوباء كوحش يدمر كل ما يقع تحت يديه، هناك، في منطقة الكاريبي حيث تجري أحداث الرواية ينجز ماركيز في سردية ساحرة مطولة هجائية متعددة المستويات والأبعاد لذلك الواقع التعس والظروف القاسية التي تحيا فيها منطقة مهملة، مهمشة، تفترس أهلها الأمراض والأوبئة. وهكذا يصبح الوباء منصة إبداعية تستوعب مقولات الروائي الذي يدين الواقع بجرأة استثنائية، يشرّح العلاقات الاجتماعية والفكر التقليدي في المؤسسة الاجتماعية والدينية الرافضة للحب، ويسبر أغوار الشخصية الإنسانية في طيشها ونزقها وصرامتها وتبدلاتها العاطفية والنفسية.
الغريب أن ماركيز بعد أن يقوِّل الكوليرا كل ما يريده، ويفصح عن كل ما يعذبه على المستوى الفكري والاجتماعي، يقرر أن يستخدم الكوليرا استخدامًا غير عادي، واضعًا إياها في خدمة الحب. هكذا تبدو كوليرا ماركيز على النقيض من طاعون كامو؛ صديقة للحبيبين.
ويسلك غابريل غارسيا ماركيز طريقًا مختلفًا، حيث كتب رواية حب صافية، ذات زمنٍ طويل يؤرخ الحب ولكنه يمر على كل التغيرات في منطقة الكاريبي؛ ولكي يحظى الحبيبان بتجسيد حبهما معًا في “الحب في زمن الكوليرا”، كان على العاشق السبعينيِّ، الذي ربى حبه نصفَ قرن دون ملل، فلورنتينو، أن يعمد إلى خدعة بسيطة وهي رفع علم الكوليرا على سفينته كي تظل بمعزلٍ عن موانئ العالم ولا تزورها إلا لتتزود بالوقود.
إنها في المشهد الأخير ليست سوى كذبة صغيرة (غير بيضاء) يطلقها الحبيب الذي لا يريد لرحلته مع حبيبته على ظهر السفينة أن تنتهي، مشيعًا أن السفينة عليها وباء الكوليرا، فيتخلص من المسافرين الآخرين ويبقى مع حبيبته وحدهما لكن السلطات تصدق الكذبة وتتعامل مع السفينة باعتبارها “موبوءة” فلا يتاح لها الرسو إلا للتزود بالوقود. وفيما السفينة تروح وتجيء رافعة علم الوباء الأصفر يحتفل الماكر ماركيز بحصوله أخيرًا على غايته؛ الجمع بين الحبيبين العجوزين اللذين يبدآن في رحلة حب أسطوري أذهلت تفاصيله كل من قرأ الرواية.
وقد انطلت الخدعة لوقتٍ طويل ولكنها تنكشف أخيرًا، وتتوقف السفينة عن الإبحار، ولكن الحب لا يتوقف.
وفي رواية بديعة هي “موت في البندقية” للكاتب الألماني توماس مان وقد صدرت في العام 1922 ونقلها المخرج الإيطالي لوتشيانو فيسكونتي إلى السينما في فيلم بديع يحمل العنوان نفسه. بطل الرواية غوستاف فون أشينباخ كاتب ألماني معروف من ميونخ، في الخمسين من عمره، يقوم برحلة بعد إصابته بحال من الاضطراب، إلى الشاطئ الأدرياتيكي، تنتهي به في البندقية، المدينة التي لم يشعر يومًا بارتياح إزاءها. في فندق ليدو يكتشف الكاتب الخمسيني الفتى تادزيو، فتى بولوني يجذبه بل يفتنه بجماله النضر. لكنه لا يلبث أن يسعى وراء الفتى ومطاردته سرًا في شوارع البندقية. وبينما يتفشى في المدينة مرض الكوليرا، يصاب أشينباخ بحال من الكآبة ثم تعتريه الحرارة ولا يلبث أن يموت جراء إصابته بوباء الكوليرا. يموت على الشاطئ محدقًا بعينين رقيقتين إلى الفتى، في مشهد رائع وظفه فيسكونتي في فيلمه توظيفًا جماليًا فائقًا. وباء الكوليرا هنا هو حافز على الموت بصفته مادة إغراء وخلود، بل بصفته رغبة في الموت.
أما عند الكاتبة الفرنسية من أصل مصري، أندريه شديد، فلا يتسع “اليوم السادس” إلا للانتصار على الكوليرا. والرواية التي حولها الراحل يوسف شاهين إلى تحفة سينمائية هي رواية الوباء بامتياز، وفيها وصف لتفاصيله وأعراضه، وما يعانيه مريض الكوليرا ومراحل المرض وآلامه وكيف يفتك بأرواح من يعيشون مع المريض قبل المريض نفسه. أما “اليوم السادس” فهو عتبة الطفل الصغير نحو الحياة، ومن المعلوم أن مريض الكوليرا إذا وصل إلى اليوم السادس ولم يمت يكون قد نجا من الموت. هذه الحقيقة هي أهم النقاط الاستنادية للرواية التي تحكي قصة طفل بعد تجاوز مرض الكوليرا الذي أصابه، حيث خبأته الجدة كي لا يحتجز في المعزل الصحي ويموت. هكذا ببلاغة شديدة، تقول لنا شديد درسها الروائي المتمثل في إن الحب بإمكانه هزيمة الكوليرا والانتصار عليها، وعلينا أن نفحص صدق هذه المقولة على أمراض حياتنا كلها (العضوية والنفسية والاجتماعية و…)، وإن ثبت أنها خطأ فلا يلومنَّ أحد إلا نفسه لأنه وقع في حبائل المحبة التي نصبتها لنا هذه المرأة الجميلة عن سابق إصرار وحب.
ويلتفت غريب عسقلاني لكل هذا التراث “الكوليروي” (سواء صحَّ الاشتقاق أم لم يصح)، وهو يكتب روايته “أولاد مزيونة” التي يستثمر فيها الوباء ليقدم التغريبة الفلسطينية برؤية جديدة، واضعًا كل شيء في خدمة نصه: التاريخ والجغرافيا والسياسة والموروث والفلكلور وتفاصيل الصراع على الأرض والهوية والأحداث الدراماتيكية التي مرت بها الحالة الفلسطينية على امتداد قرن كامل. لكن حضور الوباء المأسوي في حياة الناس لا يرمز فقط لما عاشه الفلسطينيون من أحداث فجائعية وما واجهوه من مصائر غرائبية في رحلتهم الطويلة مع احتلال أرضهم، بل يعكس حالة مستمرة في التفشي. والوباء رغم قسوته لا يمنع المليحة مزيونة أن تتناسل عن سلالة عشاق ينشدون الحياة ويحترفون الحب، يموتون ويبعثون في أجسام جديدة.. بعد أن اجتاحت الكوليرا البلاد وحصدت؛ مع من حصدت؛ زوجها ومجيرها “مطلق” لتعود وحيدة مع ولدها حسن وطفلتها زانة، وتبدأ تغريبة جديدة يتجاور فيها السرد الواقعي والفانتازيا والتهويم المحمول على لغة شعرية تنبض بالرؤى والشفرات التي يكتنز بها هذا النص.
وإذا كان وباء الكوليرا قد “اجتاح البلاد، وحصد الآدميين صغيرًا وكبيرًا، وعزيزًا وحقيرًا” فإن الوباء المرادف له أي الاحتلال “حطَّ وسكن فهجّر الناس البيوت والقاعات والمشاغل والأسواق وتوزعوا في السوافي والكروم عند أعتاب البحر، فالوباء أخذ البركة وشل الحركة، وقصف الفروع عن الأصول، وترك العائلات مثل الأشجار بعد مرور عاصفة جائرة”.
ويستذكر علاء الديب حالة مشابهة لهذه الحالة في روايته “زهر الليمون” على لسان الشيخ حسين الذي يستعيد رحلته المفعمة بالألم والمعاناة، وفقدانه زوجاته وأبناءه جميعًا في وباء الكوليرا، هنا، يسبر المؤلف غور الشخصية مصورًا وحدتها وسأمها وحزنها وما يحمله الفقد من مشاعر الألم والوحدة التي تفري الروح.
وفي “دعاء الكروان” لطه حسين إدانة لكثير من مفردات الواقع الاجتماعي، وتحذير مما يمكن أن يحدث على مستوى الأخلاق والمجتمع من تفسخات وارتباكات في حال انتشار الأمراض والأوبئة. ومن الطريف أن الوباء هنا يستخدم لإخفاء الجريمة “جريمة قتل هنادي” التي ارتكبها الخال تحت دعوى “غسل العار” ووضعها في “ظهر الوبا” عندما سألته أخت هنادي عنها.
مثلت رواية المصابيح الزرق للروائي السوري الكبير حنا مينه عملاً فارقًا في مسيرة الرواية العربية، والسورية بخاصة، وكان لافتًا أن يموت اثنان من أبطال الرواية بمرض السل.
كما مثلت رواية سعد مكاوي “السائرون نيامًا” نموذجًا للمعالجة الاجتماعية التاريخية التي تستدعي العصر المملوكي وتغوص في خبايا صراعاته لتلقي الضوء على الحاضر، تمتد أحداث الرواية نحو ثلاثين عامًا وقسمت بنيتها إلى ثلاثة أجزاء هي الطاووس والطاعون والطاحون وكانت نهاية الرواية لتفعيلها ذات دلالة رمزية في إشارة إلى حتمية ثورة الفلاحين على السلطة الملتزم المملوكي بعدما استعرض مكاوي ما شهدته مصر آنذاك من انتشار للأوبئة والقحط.
وجد إبراهيم نصر اللـه ضالته الروائية في “القنفذة” وهي مدينة صغيرة في المملكة العربية السعودية، لكي يبني من خلالها أحداث “براري الحمى” التي تدين التخلف والجهل والمرض وتنعى غياب الحقوق. هناك في الصحراء المعزولة القابعة في الحرمان والعزلة تتلقى سيولاً حقيقية تغرق السكان بالماء، وسيولاً مجازية متمثلة في الفقر والمرض والسل، لا مكان لغير الحمى/الوباء الذي اختاره نصر اللـه لبناء تصوره الفلسفي حول المأزق الحضاري والإنساني واليومي الذي يعيشه الإنسان العربي بانيًا في الوقت نفسه معمارًا روائيًا ذا سوية فنية عالية، بأقل قدر ممكن من الشعارية وأكثر ما يمكن من الحميمية الإنسانية.
الحمى أيضًا كانت المتكأ التاريخي للروائي محمد سعيد الحبردي في روايته “حمى قفار”، وقفار هذه قرية في منطقة حائل السعودية حدث أن شهدت واقعة غريبة حيث مات جميع أهلها بسبب مرض قيل إنه الحمى، وصار يعرف لدى الناس بحمى قفار. وبين الحدث التاريخي والخيال المجنح يرسم الروائي مشهدًا لا يخلو من سوريالية عن مرض لا يصيب إلا ذوي البشرة البيضاء فيما ينجو منه أصحاب البشرة السوداء، وعبر الحكي ولعبة السرد والقصص والحكايات التي تختلط فيها الحقيقة بالخيال تتبدى الكثير من القيم الاجتماعية والتفاصيل التاريخية ما يجعل الرواية بمثابة وثيقة حافلة.
ومن الروايات التي جسدت المرض وحكت عن تجارب ذاتية مع المرض “استئصال” للروائي المغربي طاهر بن جلون، و”ساقي اليمنى” للشاعر المصري وائل وجدي، و”يوميات امرأة مشعة” للقاصة المصرية نعمات البحيري، وربما أتت في كتابة عن الآخر مثلما فعل القاص السوداني علي المك في نصه القصصي “للمستشفى رائحتان”.
خصوصية تجربة المرض وتأرجح المريض فيها بين احتمال الموت ورغبة الحياة والتغير الطارئ على المريض وتفاصيل يومه تجعل السرد يتوسل بطرائق مختلفة، ويلامس أشياء أخرى في الفكر والفلسفة والدين، وربما تتغير نظرة الكاتب للألم باقترابه منه كما فعل الكاتب المصري الراحل سيد بحراوي في كتابه “مديح الألم” حين قال “انشغلت بموضوع الألم وشغفت به نحو عام، قبل أن أبدأ علاج السرطان، ثم توقفت إجباريًا، لكن بعد انتهاء العلاج المؤلم أعود إليه، أريد أن أمجده باعتباره قرين الحياة، فلا حياة بلا ألم”.
رمزية عمى سارماغو
فيما جسّد الكاتب البرتغالي جوزيه ساراماغو إحدى أكثر الروايات شاعرية وإنسانية، من خلال تتبعه للعمى في روايته الأشهر، التي تحمل الاسم ذاته، فعندما يصاب الجميع بالـ”بياض المشع”، كنايةً عن فقدان البصر، سوى امرأة واحدة تنجو، وربما يكون وجودها المبصرُ في مجتمع يسوده العمى هو لب الرواية، وسؤالها الفلسفي الغرائبي الرئيسي.
استطاع سارماغو في روايته “الرمز” التعرض لأمراض كثيرة تضرب المجتمعات ولسلوك الحكومات، مركزًا على تبدل السلوك بتبدل الظروف وتغيرها، وكيف أن نظرتنا للأمور قد تتغير بتغير الظروف، وكتب “عندما تطوع الرجل الذي سرق السيارة لمساعدة الأعمى، لم تكن لديه أي نية سيئة في تلك اللحظة بالتحديد، على العكس من ذلك فما فعله كان الانقياد لمشاعر الشهامة والإيثار”.
وفي مقطع آخر من الرواية يقول الروائي الحائز على جائزة نوبل في الأدب “تبدي الحكومة أسفها لاضطرارها إلى القيام بالسرعة القصوى لما تعده واجبها الحق، لحماية الشعب بكل الوسائل الممكنة في هذه الأزمة الحالية، التي تبين أنها تحمل مظاهر وباء عمى أبيض يعرف مؤقتًا “بالمرض الأبيض”، ومثل حكومات عديدة كانت حكومة المدينة التي ضربها وباء العمى تحاول التصرف.
بنى سارماغو عالم روايته بشكل متخيل، وصنع وباءه في المدينة التي رسمها ولم يسمها مثل شخوص روايته، لكن هناك رابطًا دائمًا بين الواقع والمتخيل “تختلف قوته وحدته باختلاف العمل، لكنه موجود وإن بهت”.
ويعد أن النص الأدبي هو محصلة لتفاعلات الكاتب مع المحيط التاريخي والاجتماعي الذي يتحرك ويكتب فيه وتغذي تجارب الكاتب وذكرياته وعلاقته الاجتماعية ونزعاته الفكرية والفنية ذلك.
إيبولا.. الذعر وأحاديث أخرى
رغم تعدد روايات الأوبئة والأمراض فإن الروائي السوداني أمير تاج السر وضع بصمته الخاصة في رواية أكثر واقعية روايته “إيبولا 76″، بأمكنة حقيقية وتاريخ حقيقي، جاعلاً الفيروس قاتلاً بامتياز “وحده إيبولا الذي يرعى في دم عامل النسيج ودماء الآخرين الذين اقتنصهم من البارحة يعرف ويخطط وينفذ متى ما استطاع”.
عشرات الروايات الأخرى تطرقت للأوبئة، أثارت غبار الأسئلة وأحيت الجانب الإنساني الجمعي حينًا، والجانب الذاتي الشخصي حينًا آخر حسب رؤية كل كاتب، وموقعه من الأحداث.
وتقرأ لنا الروائية الكندية إيميلي مانديل ماذا حدث بعد الإنفلونزا الجورجية من خلال روايتها ذائعة الصيت “المحطة الحادية عشرة”؛ ويأخذنا الكاتب الأمريكي جاك لندن في جولة حول الحمى النزيفية، من خلال روايته المتشائمة جدًا “الوباء الوردي”؛ وتكتب ماري شيلي عن الوباء الأكثر حضورًا في تاريخ البشر، الطاعون، من خلال روايتها “الإنسان الأخير”.. وعلى ذكر شيلي، فإننا لا نجانب الصواب إذا استحضرنا روايتها العظيمة التي أثرت في أدب الرعب “فرانكنشتاين”، فما كانت هذه الرواية لترى النور لولا العاصفة الثلجية التي ضربت العالم سنة 1816،
والتي فرضت على الكاتبة المكوث حبيسة المنزل، مما حدا بها إلى كتابة فرانكنشتاين.
في رواية “الجحيم” للروائي الأمريكي دان براون (2013)، يصمّم أحد عباقرة علم الجينات فايروس قادرًا على إجراء تعديل جيني لدى الناس، بغرض إصابة ثلث سكان الكرة الأرضية بالعقم. العالم المذكور، والمهووس بكتاب الجحيم لدانتي، ولوحة بوتيتشيلي التي تصوّر ذلك الجحيم، صمّم الفيروس من منطلق بحثه عن حل لأزمة تفاقم عدد سكان الأرض.
لا يقتصر خلط العلم بالخيال فيما يخصّ الأوبئة على الأدب والسينما، إذ تنتشر نظريات مؤامرة حول منشأ كورونا فايروس في كافة دول العالم.
الأدب لا ينقل الواقع فقط، ولكنه أيضًا يتنبأ بالمستقبل أحيانًا، ولا أدل على ذلك من عديد الروايات والقصص القصيرة التي نقرأ فيها ما يشبه تنبؤًا بالكورونا الذي يضرب العالم في الوقت الراهن؛ فحين نقرأ الوباء الذي وصفه نجيب محفوظ في رائعته “ملحمة الحرافيش”، ندرك أنه يصف شيئًا يشبه من نمر به هذه الأيام؛ وقد تجاوز الدكتور أحمد خالد توفيق، الرائد في كتابة روايات الخيال العلمي، الخيالَ كثيرًا ليسمي الوباء باسمه “كورونا”، في كتابه المنشور قبل ست سنوات “شوربة الحاج داوود”.
الكتّاب ليسوا متفرجين على ما يحدث، إنهم يفعلون ما يستطيعون لينقذوا العالم، لينقذوا أنفسهم، يفعلون ما في وسعهم ليتعافى العالم بعد الأزمة وليتعافوا هم أنفسهم، يفعلون ما يستطيعون فعله، ما يتقنون فعله.. يكتبون. يطلقون رصاص كلماتهم ترياقًا في وجه الكوارث.
ما علاقة الأوبئة باللغة؟
ربما تكون رواية “نهاية العالم” قريبةً أيضًا مما حصل مع فيروس كورونا، وهي رواية كتبها عبقري الرّعب ستيفن كينغ عام 1978. في هذه الرواية، تبدأ نهاية العالم من شيء تافه وبسيط مثل الإنفلونزا لكنّها ليست إنفلونزا عادية، إذ تمّ تعديل هذا الفيروس في المختبرات العسكرية السرّية ليصبح سلاحًا بيولوجيًا فتاكًا. تصف الرواية خطوة بخطوة كيف ينهار المجتمع ويصبح شبيهًا بغابة، وكيف يرتقي النّاس المحصَّنون ضدّ المرض إلى مرتبة الآلهة الصغيرة. تتميّز شخصيات الرواية بالمناعة والصّلابة، مثل أغلب شخصيات ستيفن كينغ، على الرّغم من تهديد الإنفلونزا القاتلة التي اجتاحت العالم، بحيث يصعب عليهم التهرب طويلاً من المواجهة: فرض الحجر الصحي، وقوع خروقات أمنية وتزايد الاعتقالات، ثم أخيرًا سطوة غريزة البقاء الّتي لا تسمح بالنّظر إلى الحياة في شموليتها، وإنّما تركّز على الحلول الفردية الّتي تفرض على الشّخص التفكير في النجاة بجلده أوّلاً، حتّى ولو كان ذلك على حساب جميع البشر.
إنّ “أدب الأوبئة” يمثّل انعكاسًا حقيقيًا لهشاشة الإنسان، وهو لا يقلّ أهمية عن أي نوع آخر من الأدب الحقيقي. نجد هذا مثلاً عند رائد الخيال العلمي هـ. ج. ويلز في روايته الشهيرة “حرب العوالم”، حينما تخيّل هبوط مركبات تقودها كائنات فضائية متطوّرة، تستعمر الأرض وتستعبد الناس وتجرّدهم من كلّ ممتلكاتهم، بفضل أسلحتها المتقدّمة التي تهزمت بها الجيوش البشرية وتدمّر العمران. لكن، حين يئس الناس واستسلموا للعبودية، حدث ما لم يتوقّعه أحد: بدأت تلك المخلوقات في الهلاك بصورة مفاجئة، وأخذت تتساقط الواحد تلو الآخر من تلقاء نفسها. وبعد البحث والتقّصي اتّضح أنّ المخلوقات الفضائية لم تكن لديها مناعة ضدّ الجراثيم الأرضية، الأمر الذي أدّى إلى إصابتها بأمراض غير معروفة في مجالها الحيوي البعيد، إذ ليست لديها مناعة تحميها على كوكب الأرض. أيضًا تحضر الديستوبيا مرارًا في أعمال الكاتبة الكندية مارغريت أتوود، وهو ما نجده مثلاً في روايتها الشيّقة، وغير المعروفة بشكل غريب، “كريك وأوريكس”. وفيها تصف الدّمار إثر طاعون أهلك البشرية، حيث يعيش الناجي الوحيد من البشر في الغابة، ويتطلّع كلّ يوم إلى أنقاض مدينة عظيمة، وأثناء ذلك يتساءل عن معنى وجود الأطفال، وما هو شكلهم، لأنه لا يستطيع تخيُّلهم على الإطلاق. وهنا تطرح أتوود سؤالاً عميقًا بخصوص الهوية الإنسانية: ما علاقة الأوبئة باللغة؟ وتحاول الإجابة عنه بوضوح وألمعية من خلال أحداث هذه الرواية.
أخيرًا، لقد ألهم هذا النوع من الأوبئة الكثير من الأدباء، وكتّاب الخيال العلمي بشكل خاص، من بينهم مثلاً جورج ر. ستيوارت في رواية “بقايا الأرض”، وهي تصف عالمًا خاليًا من البشر بعد أن فتك بهم فيروس غريب. ومن الإصدارات الحديثة أيضًا، رواية “إقفال” لجون سكالزي، وهو آخر الكتّاب الكبار في هذا النوع من الأدب، وهي تحكي عن فيروس تظهر أعراضه على شكل إنفلونزا بسيطة، يشبه فيروس كورونا الحالي، إذ يصيب واحدًا في المئة فقط من السكان، لكنّه لا يؤدّي إلى الموت وإنّما يشلّ ويجمّد حركة المصاب ويتركه مستيقظًا واعيًا، بحيث يصير غير قادر على الاستجابة لأيّ محفّز. من هنا تبدأ رواية بوليسية تجري أحداثها في فضاء مرعب، كما هي الحال في مدينة ووهان الصينية وإيطاليا وإسبانيا وأمريكا.
وتعد رواية “عيون الظلام” الصادرة في 1980 للكاتب الأمريكي دين كونتر الذي قد يكون أول من تنبأ “بفيروس كورونا” (COVID19) الذي يهدد العالم وظهر في مدينة ووهان الصينية، والرواية ورغم أنها كتبت قبل 40 عامًا من ظهور خطر الفيروس، إلا أن أحداثها تدور في مدينة ووهان (بؤرة كورونا)، حيث يطور علماء في مختبر تابع للجيش الصيني فيروسًا كجزء من برنامج هذا البلد للأسلحة البيولوجية، وأطلق مؤلف الرواية على الفيروس اسم “وهان – 400”.
وتدور القصة الرئيسية حول الأم كريستينا إيفانز التي تتلقى خبر مقتل ابنها داني في حادث سيارة من الشرطة، مع نصيحة بعدم البحث عن التفاصيل والكشف عن الجثة. ولا تمضي سنة حتى تكتشف الأم جملة مكتوبة بالطبشور على اللوح الأسود الذي يملكه ابنها. لعبة أم حقيقة؟ تصاب بصدمة، وتقرر خوض مغامرة البحث عن ابنها الذي كان قصد الصين في رحلة سياحية. هنا تبدأ مغامرة أخرى تكشف أسرار الفيروس الصيني.
تنجح الأم في تعقب ابنها الذي كان محتجزًا في منشأة عسكرية بعدما أصيب عن طريق الخطأ ببكتيريا تم تطويرها داخل المركز الأبحاث في وهان وتدعى الشائعة أن الفيروس أطلق عن طريق الخطأ في مختبر سري.
وجاء في الرواية “انتقل عالم صيني اسمه لي تشن إلى الولايات المتحدة، وهو يحمل قرصًا مرنًا لتخزين البيانات (floppy disk) يحتوي على معلومات عن أهم سلاح بيولوجي صيني جديد وأخطرها خلال العقد الماضي. يطلقون عليه اسم (ووهان – 400)، لأنه طور في مختبرهم للحمض النووي المعاد التركيب، الواقع خارج مدينة ووهان”. وهنا يشير النص إلى أن المختبر يقع خارج مدينة ووهان، وهي مصادفة تجعل من أحداث الرواية وما يجري اليوم متطابقًا، لأن معهد ووهان لأبحاث الفيروسات، والذي يضم المختبر الوحيد من الدرجة الرابعة للسلامة البيولوجية في الصين، وهذا التصنيف هو الأعلى من نوعه للمختبرات التي تجري دراسات على أخطر الفيروسات. يقع على خارج مدينة ووهان بعد 33 كيلومترًا.
كذلك من الإصدارات الحديثة رواية “الإغلاق التام” للأسكتلندي، بيتر ماي، التي كتبها في عام 2005، عن جائحة عالمية تجتاح العاصمة البريطانية، فرفض الناشرون طباعتها لأنها غير واقعية بتاتاً، الآن بعد 15 عاماً تبين أن الرواية تصور واقعنا المرير بتفاصيله الدقيقة.
تدور الحبكة داخل مدينة لندن المغلقة بالكامل بسبب تفشي فيروس فتاك، وتستعرض تجارب إنسانية وسط عالم مدمر من وحي الخيال العلمي “الديستوبيا”.
بطلها مفتش يحقق في جريمة قتل طفل وُجدت عظامه في موقف مستشفى مؤقت، وفيما يختمر العنف في المدينة وتغرق الخدمات الصحية بما يتجاوز طاقتها، يواجه المفتش الذي دُمرت مهنته، وانتهى زواجه، وأصيبت أسرته بالفيروس، قوى تعرقل خطواته عند كل منعطف.
- عن مجلة فكر الثقافية