نساء شمس التبريزي في رواية “قواعد العشق الأربعون”

( ثقافات )

*عايدة جاويش

تبدو ال#رواية من عنوانها أنها رواية للحب، إلا أنها رواية صوفية فكرية في العشق الإلهي والوجودي، رواية فيها من الإثارة والتشويق ما يجعلك تتسابق مع الزمن للوصول لقواعدها قاعدة تلو الأخرى، كأنك تريد أن تصبح مريداً من مريدي #شمس التبريزي لتنهل ما تريد من “الكفر الحلو” بلا قيود. رواية تؤكد على فرديتك كإنسان وعلى تميزك وتفردك، فالله يسكن داخلك من دون اتّباع أي ديانة وبعيداً عن أي تشريعات، وفي أي مجتمع من المجتمعات تصل إلى الله من دون أي وسيط، فهو لم يضع قاعدة واحدة للعشق… هو وضع أربعين قاعدة “لا تحكم على الطريقة التي يتواصل بها الناس مع الله، فلكل امرئ طريقته وصلاته الخاصة، إن الله لا يأخذنا بكلمتنا بل ينظر في أعماق قلوبنا، وليست المناسك والطقوس هي التي تجعلنا مؤمنين بل إن كانت قلوبنا صافية أم لا”. 

 

المرأة أين هي من هذا الكلام؟ وهل استطاعت أي من نساء الرواية الوصول إلى الطريق الذي رسمه شمس التبريزي؟

 

رواية “#قواعد العشق الأربعون” صدرت في نسختها العربية عام 2012 للكاتبة أليف شافاق. رواية من خمسة أجزاء، كل جزء فيه عدة عناوين فرعية، العناوين عبارة عن أسماء المتحدثين بذلك الجزء حيث يصبح كل متحدث راوياً يعرض وجهة نظره فتغرق في سحرها وأحداثها وشخصياتها. 

(شمس التبريزي- إيلا- الرومي- القاتل- المتعصب- سليمان السكران- علاء الدين- سلطان ولد- كيميا- كيرا- وردة الصحراء).

 

إيلا بطلة الرواية هي امرأة أميركية يهودية في الأربعين من عمرها، أمّ مثالية لثلاثة أولاد، زوجها يخونها وهي تتجاهل خيانته وتؤمن أن العلاقات التقليدية هي الأكثر ثباتاً واستقراراً والحب شيء ثانوي في الحياة المستقرة.

 

عملت إيلا لصالح وكالة أدبية، كلّفتها بقراءة رواية “الكفر الحلو” لكاتب أوروبي غير معروف و#كتابة تقرير عنه، تبدأ إيلا بقراءة الرواية ونحن أيضاً، فتتقاطع قصة “إيلا وعزيز كاتب الرواية في القرن الواحد والعشرين مع قصة جلال الدين الرومي وشمس التبريزي في القرن الثالث عشر، روحياً تندمجان استجابة للحب الإلهي.

 

“الكفر الحلو”، رواية تتكلم عن جلال الدين الرومي وشمس التبريزي، الرومي شيخ وخطيب وفقيه وعالم بالشريعة يعتقد أن حياته اكتملت وحقق فيها ما كان يصبو إليه، لكن بعد تعرفه على شمس يختار طريق الزهد والتصوف فيرقص ويشرب الخمر ويكسر كل أمر يتعلق بالشريعة. 

 

التبريزي متصوّف يدعو للتسامح والمحبة والسلام والعفو وتقبل الأديان والابتعاد عن الشعائر والتعلق بالوجود الأسمى الميتافيزيقي لله، وهو وليٌّ مصطفى يكلم الله ويرى المستقبل بنور العلم الباطني ويطوف البلدان ويؤثر في جميع الذين يلتقيهم، وهو المحرك الحقيقي للأحداث في الرواية.

 

في هيكلية الرواية، نقرأ فصلاً عن إيلا عام 2008 ، وفصلاً في رواية “الكفر الحلو”، 1242 وفي كل فصل نلاحظ التناقض بين إيلا وأفكار الرواية، ومع تقدم الأحداث في الروايتين نلمس التغير الذي يطرأ على إيلا والذي لم يشمل سوى الجانب العاطفي، فكل الأفكار الصوفية في رواية “الكفر الحلو”، لا نجد لها تأثيراً واضحاً على إيلا الأم المثالية والزوجة المستلبة، تأثرها ينحصر بقرارها بترك بيتها والسفر مع عزيز زاهارا كاتب الرواية، لتعيش اللحظة الراهنة في الحب. آخذةً بالقاعدة: “حياتك حافلة، مليئة، كاملة، أو هكذا يخيل إليك، حتى يظهر فيها شخص يجعلك تدرك ما كنت تفتقده طوال هذا الوقت. مثل مرآة تعكس الغائب لا الحاضر، تريك الفراغ في روحك، الفراغ الذي كنت تقاوم رؤيته”.

 

أحبت إيلا الصوفية وأعجبت بأفكارها فركزت على الشمعة ونسيت أن وظيفة الشمعة أن توفر لنا النور للانتقال من الظلام إلى النور ونسيت إلى أين ذاهبة. 

 

على خلاف الرومي الذي كانت لديه القدرة على التغيير العميق في الشكل والجوهر. 

باستثناء الرّاوية، الشخصيات الأنثوية في العمل أغنت العمل وجمّلت السرد القصصي، لكن نساء شمس التبريزي تاهت في بحر الصوفية ولم تدرك أفقها وجميع التحولات التي طرأت على حياتهن بعد التعرف على شمس، كانت تغيرات في إطار الحياة العامة بعيدة كل البعد عن المضمون الجوهري الباطني للصوفية، ونلاحظ أن غياب أي شخصية من الشخصيات الأنثوية، لن يؤثر على جوهر العمل وعلى مجريات الأحداث ولا حتى على الشخصيات الرئيسية. 

كيميا التلميذة الذكية التي تركها أبوها عند الرومي كانت طفلة غير عادية موهوبة، قرر أبوها أن يتركها عند الرومي كي تتلقى التعليم على يديه…

 

عاشت كيميا في بيت الرومي كإبنة حقيقية ونهلت من علمه ما استطاعت… وبعد دخول شمس إلى حياتهما تغير كل شيء. 

كيميا غارقة في عيني شمس وشفتيه تحدّث نفسها سراً: “عندما أقف إلى جانبه… أشعر بأنني امرأة على استعداد لإذكاء لهيب الحياة في رحمها”، بينما هو يحاول أن يفسر لها طرق الغوص في المستوى الرابع للبصيرة. 

 

كيميا تقول: سأمنحه الكثير من الحب وأجعله سعيداً، لذلك يجب أن يتغير وسأعلمه كيف يكون زوجاً صالحاً وأباً صالحاً… لكن شمس لم يتغير. 

لم تستطع كيميا الغوص في المستوى الرابع للبصيرة أو معرفة طريقة واحدة من طرق الصوفية، وانشغلت بحبها لشمس وماتت قهراً بسببه، هو الذي رفض أن يقرّبها لكي لا يبتعد عن الله ويؤكد أن لا عشق غير العشق الإلهي، فكانت كيميا ضحيته وضحية الصوفية. 

 

أما كيرا التي اعتنقت الإسلام ولم تنسَ مسيحيتها، أحبت الرومي حباً كبيراً، هو الذي كان يرفض أن تقرب أي كتاب من كتبه، لم تتقبل دخول شمس إلى حياتهما وحمّلته مسؤولية ابتعاد زوجها عن بيتها وتمنت أن يختفي من حياتهما وشجعت كيميا على حب شمس التبريزي ليعود الرومي إليها، وكانت بعيدة كل البعد عن الفكر الصوفي ولم تدرك منه شيئاً ولم تكن معنية أبداً بكلام شمس أنّ “التحدي الحقيقي هو أن يحب المرء الأشياء الجيدة والسيئة معاً، لا لأنه يحب أن يتقبل الأشياء بحلوها ومرها بل لأنه يجب أن يتجاوز هذه الأوصاف وأن يتقبّل الحب برمته”.

 

وردة الصحراء التي كانت تستخدم أنوثتها لإغواء الرجال وكسب المال تركت بيت الدعارة بمساعدة شمس ثم عاشت وحيدة تسبح في مسبحتها وهي في الحقيقة كل ما تريده أن يحترمها الناس وأن تستطيع العيش بسلام، وكل ما كانت تتمناه أن تجد مأوى بعيداً عن الخوف من الفقر والظلم؛ هي لم تبحث إلا عن الأمان في الصوفية. وجدت شيئاً من هذا فأصبح لديها نكران لأنوثتها فنجدها تبكي وهي تبرّج كيميا وكأنها مذنبة. 

 

“إذا أراد المرء أن يغير الطريقة التي يعامله فيها الناس، فيجب أن يغير أولًا الطريقة التي يعامل فيها نفسه”.

لم تستطع أيّ منهن ومعهن إيلا استكشاف ذاتها وهويتها كامرأة، أو معرفة نفسها، فكانت بعيدة كل البعد عن الصوفية، “فما دمت أعرف نفسي فإن الأمور ستسير على ما يرام، فمن يعرف نفسه يعرف الواحد الأحد”.

 

الوسطية التي دعا إليها شمس كانت غاية لم تدركها أي من الشخصيات الأنثوية المطروحة في الرواية، “في هذه الحياة تحاشى التطرف بجميع أنواعه لأنه سيحطم اتّزانك الداخلي”.

كيميا ووردة الصحراء وكيرا وإيلا… كلهن تحطم اتّزانهن الداخلي فكن نساء ضعيفات محطمات بنهاية الرواية. 

 

النساء في رواية “قواعد العشق الأربعون” كانت حالهن كحال الراعي الذي التقاه النبي موسى وسمعه يصلي قائلاً: “يا إلهي الحبيب، إني أحبك، سأفعل أي شيء من أجلك، فقط قل لي ماذا تريد، حتى لو طلبت مني أن أذبح لأجلك خروفًا سمينًا في قطيعي، فلن أتردد في ذلك، أشويه وأضع دهن إليته في الرز ليصبح طعمه لذيذًا، ثم أغسل قدميك، وأنظف أذنيك، وأفليك من القمل، هذا هو مقدار محبتي لك”، صاح موسى: توقف أيها الرجل الجاهل، ماذا تظن نفسك فاعلًا؟ هل تظن أن الله يأكل الرز؟ هل تظن أن له قدمين تغسلهما؟ هذه ليست صلاة، هذا كفر محض. اعتذر الراعي ووعد أن يصلي كما الأتقياء، فعلمه موسى الصلاة، ومضى راضيًا عن نفسه كل الرضا، وفي تلك الليلة سمع موسى صوتًا، كان صوت الله: ماذا فعلت يا موسى؟ لقد أنّبت الراعي المسكين، ولم تدرك معزتي له، لعله لم يكن يصلي بالطريقة الصحيحة، لكنه مخلص في قوله، إن قلبه صافٍ، ونيته طيبة، إنني راض عنه، قد تكون كلماته لأذنيك بمثابة كفر، لكنها كانت بالنسبة لي كفرًا حلوًا. فهم موسى خطأه، وفي الصباح الباكر عاد إلى الجبال ليجد الراعي يصلي، لكن بالطريقة التي علمه إياها موسى، ولكي يؤدي الصلاة بالشكل الصحيح كان يتلعثم مفتقدًا للعاطفة والحماسة كما كان يفعل سابقًا، ربّت موسى على ظهره: يا صديقي، لقد أخطأت، أرجو أن تغفر لي، أرجو أن تصلي كما كنت تصلي من قبل، فقد كانت صلاتك نفيسة وثمينة عند الله. لم يشأ الراعي العودة لصلاته القديمة، ولم يلتزم بالصلاة الرسمية التي علمه إياها موسى، وهكذا كان حال النساء في الرواية، فهن لم يعدن قادرات على الاستمرار بحياتهن القديمة ولم تستطع أي منهن بلوغ الصوفية. 

 

الصوفية لم تناسب نساء الرواية، ولكن رأين فيها جزءاً من حقوقهن المستلبة وبحثاً منهن عن الاحترام والحب والاستقرار. وجدن في الصوفية متنفساً يشعرن بأنهن كيان مستقل. 

سأل شمس الرومي سؤالاً خفياً: ماهو حجم كوبك؟

 

أخذ الرومي وقته للإجابة عن هذا السؤال “بحجم رواية”. 

 

وأنا أقول: ما حجم الكأس التي كانت تعبّئ به النساء من نهر الصوفية والإيمان؟ 

إن النساء لم يكن يحملن كوباً يا شمس! 

 

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *