*دينا الواهب
يعتبر إصدار رواية جديدة للأديب الياباني هاروكي موراكامي، صاحب “سبوتنيك الحبيبة” و”كافكا على الشاطئ”، وغيرهما من الروايات، حدثاً بارزاً في اليابان، وهذا ما تكشّف في تهافت آلاف القرّاء على المكتبات لاقتناء روايته الجديدة عَقب الإعلان عن صدورها مؤخّراً.
أطلق المرشّح الدائم لجائزة نوبل قنبلةً في عمله الجديد الموسوم بـ “قتل القائد” أو “كيشيدانشو غوروتشي” بجزأين يقعان في ألفي صفحة، عبر اعترافه بمذبحةٍ ارتكبتها اليابان ضدّ الصين فيما تُنكر الرواية اليابانيَّة الرسمية للأحداث التاريخيّة تلك المذبحة. الرواية التي صدرت في اليابان يوم 24 شباط/ فبراير من عام 2017 وبُيع منها أكثر من مليون نسخة، على أن تُطرح طبعة ثانية منها بحدود 700 ألف نسخة، وباتت من أكثر الكتب مبيعاً، لاقت صدى واسعاً لدى القرّاء في اليابان، غير أنّها لاقت سخطاً أكثر لدى كثيرين، على خلفيّة موضوع الرواية التي تحدّث عنها موراكامي باقتضاب على أنّها تدور “حول قصّة نادرة”.
تتمحور الرواية حول رسام يبلغ من العمر 36 عاماً ويعيش في عالم ريفي ليستكشف، مع جاره، ألغازاً حول لوحة بعنوان “قتل القائد” الموجودة في مخزن لدى الرسّام منذ أمدٍ بعيد. يذكر الجار عدداً من الأشياء التي حدثت خلال عامي 1937 و1938، والتي وصفها على أنّها “قاتلة” بالنسبة لليابان، بما فيها غزوها الصين وذكر مذبحة (نانجينغ)، الأخيرة التي تسمّى لدى الغرب بـ “اغتصاب نانجينغ”، عاصمة الجنوب في الصين، التي قتل فيها الجيش الياباني، وعلى مدى أسابيعَ ستّة، مئات الأشخاص واستباح المدينة بأفظع الأساليب.
يكتب موراكامي على لسان الجار: “نعم، إنها مذبحة نانجينغ، حيث استولت اليابان على المدينة بعد معارك ضارية وقتلت الكثير من الناس هناك، سواء أثناء المعارك أم بعدها. كانت القوات اليابانية تقتل الأسرى، لم تكتفِ بذلك، بل إنّها قتلت كل من استسلم من الجنود والمدنيين”.
انتحار ناجٍ من الحرب
وتتوالى الحكاية ليتضّح أنّ صاحب لوحة “قتل القائد” قد جنّد شقيقه الأصغر البالغ من العمر 20 عاماً فقط في الجيش الياباني وتمّ إرساله إلى الصين خلال عام 1938 ليعود إلى بلاده في تموز 1939، مُقدماً على الانتحار بعد أوبته بوقتٍ قصير:
“لماذا على رجلٍ نجا من حربٍ ضروس دون أيّة إصابة أن يقتل نفسه؟”، يتساءل البطل في الرواية، الأمر الذي يعكس حيرة المؤلف أيضاً!
الجيش الإمبراطوري الياباني غزا الصين وقتل بوحشية أكثر من 300 ألف مواطن صيني، ناهيك عن قتله لجنودٍ عزّل واغتصاب المئات في أعقاب الاستيلاء على نانجينغ عام 1937 أثناء الحملة التي قادتها اليابان للسيطرة على الصين.
الرواية لاقت عاصفةً من الجدل السياسي والتاريخي، ووجهت إليها انتقادات كثيرة من بعض الفصائل السياسيّة اليمينيّة المتطرفة في اليابان، هؤلاء الذين كانوا دائماً يحاولون إنكار حصول هذه المجزرة أساساً، واتهموا موراكامي بأنّه “يحاول التزلّف إلى الصين ليفوز بجائزة نوبل بذكر اعترافٍ بمجزرةٍ في روايته الجديدة!”.
غير أن الرواية لاقت، في الوقت نفسه، استحسان العديد من نقّاد الأدب والقرّاء الذين أشادوا بشجاعة موراكامي لاستكشاف هذه القضايا الاجتماعية والتاريخية في عمله.
يكتب ماريكو أوزاكي، أحد أشهر المحررين في صحيفة “يوميوري شيمبون”، ذائعة الصيت في اليابان: “ذِكرُ موراكامي للحرب التي خاضتها اليابان وتطرّقه إلى القضايا التي أثارت النزاعات فيما مضى، شجاعةٌ لا مثيل لها”. كذلك أشار النقّاد إلى أنّ العمل الجديد لموراكامي “استمرار لموقفه من الحرب” الأخيرة التي خاضتها اليابان.
على اليابان أن تعتذر