من “كتاب الطيور” – شعر

( ثقافات )

من (كتاب الطّيور)

( أَفي الرّيحُ تَسْأَلُ )

* مهند ساري

تُفَكِّرُ : /

هذا الّذي الآنَ يَبْكي-

الّذي فيكَ يَبْكي ويُبْكيكَ …

ما هُوَ ؟!

مَرَّ أَمَامكَ ، أَمْ

كانَ فيكَ .. يَمُرُّ السّحابُ ؟!

تُفكِّرُ : /

هذا الّذي يَسْطَعُ الآنَ في

جَوِّ نفْسِكَ ،

هذا الّذي يُبهِجُ الطّيرَ فيكَ –

الّذي أَنتَ تَعرِفُهُ

والّذي ما وجَدْتَ لهُ اسْمًا ” بتاجِ

العَروسِ ” ، ولا بِسِوَى التّاجِ …

ما هُوَ ؟!

لا أَنَا أَعرِفُ ، أَوْ أَنْتَ !

غُمَّ علينا مَعًا .. يا كِتابُ

تُفكِّرُ : /

هذا الّذي اتّضَحَ الآنَ ،

هذا الخَفيُّ الجَليُّ الّذي

ليسَ يُفْهَمُ مِنْ قُرْبِهِ

وبداهَتِهِ .. في هَواءِ البراهينِ …

ما هُوَ ؟!

لوْلا يُكشِّفُ لي نَفْسَهُ

– مرّةً – ويقولُ !

ولوْلا يَخِفُّ

– عنِ العقْلِ والكَلِماتِ – الضّبابُ !

تُفكِّرُ : /

هذا الّذي ظَلَّ يَحمِلُ قلْبَكَ في

الرّيحِ .. من بَلَدٍ مُجْهَدٍ نحوَ آخرَ ..

هذا الّذي ظَلَّ يَحنو ويَقْسُو

ويُبقيكَ في الرّيحِ …

ما هُوَ ؟! /

إنْ عُدْتَ يومًا لِبَيْتِكَ تَعرِفُ يا

صاحبي

ولكنْ :

أَفي الرّيحِ تَسْأَلُ ؟!

وَيْحَكَ !

في الرّيحِ ليست لِمِثْلي سؤالٌ

وليسَ لمِثْلِكَ

فيها .. جَوابُ !!

*******

( هكذا أَنتَ أَنتَ )

غافِلُ /

أَمْسِ نِمتَ ولَمْ تَقُمِ اللّيلَ …

مَرَّ زمانٌ عليكَ .. ولمْ تَقُمِ اللّيلَ !

أَيُّ المباهِجِ تلكَ التي

قَعَدَتْ بكَ دونَ مَسَرّتِهِ فتَلهّيتَ ؟!

أَيُّ الشّواغلِ قد صَرَفَتْكَ إِذًا

فتقاعَسْتَ عَنهُ .. وأَخْلَدْتَ للنّوْمِ ؟!

كم أَنتَ يا صاحبي الآنَ

– مُسْتيقظًا/ نائمًا –

غافِلُ !

.

.

ذاهِلُ /

ثُمّ قُمْتَ منَ اللّيلِ ما قُمْتَ ..

تَقْرَأُ ” ذِكْرًا ” .. وتَسرَحُ ،

تأْخُذُكَ الكلماتُ إلى روحِها ،

حيثُ تفْهَمُ ما لم تَكُنْ

– قبلُ – تَفْهَمُهُ …

وعَجِبتَ ؟!

أَنا المُتَعَجِّبُ منكَ !

أَمِنْ أَجْلِ فَهْمِكَ أَمْ ذِكْرِهِ أَنتَ تَعجَبُ ؟

مِنْ أَجْلِ أَيِّهِما

أَنتَ – في أُخْذَةٍ – ذاهِلُ ؟!

.

.

وابِلُ /

البُحَيْراتُ تَخْطِفُ حِسَّكَ …

كيف اجْتَمَعْتِ هنا قَطْرةً قَطْرَةً

وسكَنْتِ مَناكِبَ هذي الجبالِ ؟!

كأنّكِ ما كنتِ غيمةَ تلكَ السّماءِ

ولا بِنْتَها !

وحَطَطْتِ على الأَرْضِ كي تستريحي

إذًا :

وَجَدَتْ ديمةٌ في الثّرى سَبْتَها

ثُمّ ما عادَ فيكِ منَ التّوْقِ ما

يَسْتَفزُّكِ كي تَنْهَضي

فاثْبُتي

قدْ يُبدِّلُ .. أَشْواقَهُ الوابلُ !

.

.

راحِلُ /

وأَنا قد أَزوْرُكِ كي أَجِدَ الفارقَ

الهشَّ بين مَقامينِ ..

لي نُزُلٌ في الرِّياحِ أُغادِرُهُ خِلْسَةً لأَراكِ

وأَنْظُرَ في بلَدِ الآخرينَ ..

ولكنّها الرّيحُ تُرسِلُ لي طائرًا يَتَفقّدُني :

” عُدْ سريعًا ” …

فَأَهْمِسُ : يا أَخَواتي البُحَيْراتِ ،

لا أَستطيعُ المُكوثَ على الأَرْضِ أَطوَلَ

فانْعَمْنَ بالنّومِ فيها ، ودِفْءِ

السّكِينةِ فوقَ السّهولِ

لعلّيَ لن أَلْتَقي ، بعَدَ يوميَ هذا ، بِكُنَّ

وداعًا ونُعمَى .. أَنا راحِلُ

.

.

زائِلُ /

هكذا يَسْكُنُ الطّيْرُ في ريحِهِ

ويُؤاخي جَناحَيْهِ …/

إنْ حَمَلاني معًا .. رَمَياني إلى

غايةٍ تُشْتَهَى

ثُمّ خَفّا بقلبي إلى غيرِها …

كلُّ غاياتِ قلبيَ حَصّلْتُها غيرَ أنْ

أَسْكُنَ الأَرضَ …!

هذا ويُوْجِعُني بَعضُ ما يُوْجِعُ الطّيْرَ

يُوْجِعُني .. المنزِلُ الزّائِلُ

.

.

عاقِلُ /

حَبّةُ القمحِ تَكْفيكَ ،

كلُّ حقولِ السّنابلِ في حَبّةِ القمحِ

كلُّ البُحيْراتِ في قطْرَةٍ

فَقُمِ اللّيلَ ، واعْرِفْ حقيقةَ هذا

الكلامِ .. لِتَعرِفَ نفْسَكَ ..

يُوْلَدُ من قلبِهِ الطّيْرُ إنْ هوَ طارَ

ومن عَقْلِهِ

– حينَ يُجْمَعُ في نَفْسِهِ –

يُوْلَدُ الرّجُلُ العاقِلُ

.

.

كامِلُ /

ثُمّ سِيّانَ أَنْ تَسْكُنَ الأَرْضَ

– مِن بعْدِ ذلكَ –

أَوْ مَوْجَةً من هباءٍ

فلا شيءَ فيها يَضُرُّكَ

لا شيءَ يُنْقِصُ قَلْبَكَ

قُلْ بَعدَها – عازِمًا – :

ما حَييْتُ .. أَنا عامِلُ

ثُمّ قُلْ – مُشْفِقًا – :

عَمَلي ناقِصٌ ،

– لا أَشُكُّ بذلكَ –

لكنّني ، مِثْلُ قلبي ، سَكنْتُ رياحي

أَنا مثْلُهُ ” ساكِنٌ “

وأَنا مثْلُهُ .. طائرٌ كامِلُ !

.

.

وقُمِ اللّيلَ أَوْ نَمْهُ

مُستيقِظٌ قلبُكَ الآنَ ليسَ

ينامُ

وفي شَرْقِهِ واقفٌ

مثْلَما هُوَ

في غَربَهِ .. جائلُ !

.

.

هكذا : أَنتَ أَنْتَ ،

تَرُوْحُ بهذي الحياةِ .. وتَغْدو

وقلْبُكَ مُنْتشِرٌ فيكَ – بينَ

نهارِكَ واللّيلِ –

قلبُكَ .. طائرُكَ الطّافِحُ الهائلُ

… … …

… … …

[ خَبَرٌ لا يَهُمُّ سوايَ على

شاشةِ الأَبديّةِ :

( أُوْتيتَ سُؤْلَكَ

فاذْهَبْ إلى البيتِ … )

هَبّتْ رياحي ، هناكَ ، على

غيرِ عادتِها.. فَرَحًا !

لِسِواها – أَنا مائِلُ

ورَأَتْني ” سَكَنْتُ ” وغادَرتُها .. !!/

فإذًا :

قدْ تأَخّرْتَ مثْلي كثيرًا

تَأَخّرْتَ مثْلي وأَشْقَيْتَني ..

كيفَ أَبْطَأْتَ – موْتًا وعُمْرَينِ – في

الرّيحِ حتّى ظَهَرْتَ هُنا طائرًا مُسْرِعًا

أَيُّها .. الخَبَرُ العاجِلُ ؟! ]

.

.

تَتَمنّى وتَرميْكَ ريحُكَ في الشِّعرِ !

ما نَفْعُ ذلكَ ؟!

– : لا شيءَ .. فيما أَظُنُّ !

ولكنّهُ

ظَلّ يَحدُثُ في هذهِ الأَرضِ

أَنْ يَتَمنّى ويَكتُبَ

– في آخِرِ اللّيلِ ، مُسْتَوحِشًا –

شاعِرٌ .. آمِلُ

.

.

هكذا

تَأْنَسُ المُدُنُ الحجريّةُ بالشُّعَراءِ

كما أَنِسَتْ

– ذاتَ يومٍ –

بِشاعرِها .. بابِلُ

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *