هذا أبي، عبد الله الخطيب، سيرة وذكريات

( ثقافات )

  • مجد حمد

هذه السيرة التي كتبتها رشأ الخطيب عن والدها بعنوان: هذا أبي، عبد الله الخطيب سيرة وذكريات، ليست سيرةً لشخصٍ مشهور أو مؤثر، كما اعتدنا في السِّيَر الغيرية المعروفة، إنها سيرة إنسانٍ عادي عاش كما عاش غيره على أرضنا هذه، لم يكن يعرفه إلا أهلُه وأصدقاؤه ومعارفُه وجيرانه.. ممن صادف مرورُهم في حياته رابطة من دم أو صداقة أو جيرة أو رفقة.

تكمن أهمية هذا النص الصادر مؤخراً عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2020، في أهمية قراءتنا لذواتنا، إذ ربما استطاع الشابُّ منا أن يرى في هذه السيرة ما يجعله يدرك أن جميع القصص تستحق فعلًا أن تروى، كي تكون جزءًا من حيوات الآخرين ولحظاتهم القادمة، فلكلٍّ منا قصةٌ يرويها.

في هذا النص، الذي ينتمي إلى السيرة من جانب، وإلى الذاكرة والذكريات من جوانب أخرى، نقف على القصص التي مرَّت في حياة عبد الله الخطيب، أحد أبناء شمال الأردن، مروراً بجزءٍ من سيرة أبيه وجدّه، تجعلنا نشرف على بعض ملامح الحياة التي مرَّت على الأردن منذ مطلع القرن العشرين حتى مطلع القرن الذي يليه.

يبدأ النص من سيرة الجدّ الأكبر لعائلة المؤلِّفة، الشيخ محمد بن السيد المصري، الذي هجر بلاده مصر، أواخر القرن التاسع عشر، انتقل بين أراضي سوريا الطبيعية، التي لم تكن تعرف الحدود، وأقام في فلسطين زمناً، يعمل خطيباً ومدرِّساً في قرى القدس حيث تزوج أنجب أولاده فيها، ثم شدَّ رحاله من جديد، منتصف القرن العشرين إلى شرق الأردن، فنزل لواء عجلون، واستقر في منطقة الكورة.

وفي أثناء سرد هذه القصص تمسُّ المؤلفة بعضَ تفاصيل الحياة اليومية البسيطة لنموذج من العائلات الأردنية وتقاليدها في رحلة للبحث عمّا يسد الرمق ويحفظ لها العيش الكريم. دون أن يمنعها شظف العيش من أن تكون حياتهم مليئة بالعطاء. وفي المقابل تمسُّ السيرة جوانب من بعض الظواهر السلبية التي سادت المجتمع الأردني مع الفتيات خاصة، والمواقف التي تكشف الوعي المجتمعي تجاه التعليم والتدين والسلوك الاجتماعي.

ربما تروي السيرةُ حياةً عاش مثلها كثيرون في المنطقة نفسها، من ترحالٍ وسفرٍ وضيقٍ وبناءٍ للذات على الرغم من ذلك كله، ولكنها قصص الحياة التي تستمر لتطوير النفس وتأمين مطالب الحياة الأساسية، فتستمر السيرة لتحكي قصة عبد الله الخطيب وكيف انتقل من قريته إلى إربد، ثم في مستهلّ شبابه إلى العاصمة عمّان، سعياً وراء العمل ولقمة العيش، وكيف بنى حياته خطوةً خطوة، حتى حصل على وظيفة في مطار عمان المدني، وأنشأ أسرته الصغيرة.

وقد التحق عبد الله الخطيب بالجامعة متأخرًا عشر سنوات بعد الانتهاء من المدرسة لأسباب متعددة ما بين عدم وجود جامعات في الأردن أواخر الخمسينيات، وضيق اليد عن إكمال الدراسة في دمشق أو بيروت أو القاهرة، ولكنه حين استطاع ما تردد، ووقع اختياره على اختصاص التاريخ، وبدأ الدراسة عن طريق الانتساب إلى جامعة بيروت العربية، ومعها وقع في حب بيروت التي ما غادرت قلبه، وكان الأمل يحدوه بمتابعة دراساته العليا لكن الحرب الأهلية اللبنانية منتصف السبعينيات حالت دون تحقيقه.

وبين كل هذا يقف القارئ على بعض تفاصيل الحياة اليومية في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، للسفر بين بلاد الشام والزيارات الجميلة بين الأردن وسوريا ولبنان وفلسطين ومصر، زيارات قصيرة لكن بطلنا اختار أن يعيش الحياة بكامل تفاصيلها واستغلال كامل لكل أوقاته، كما لو كان بطل فيلم خاص به.

بعد أن تنتهي المؤلفة في كتابها هذا أبي: عبد الله الخطيب من سرد سيرة والدها، تعود لتروي سيرته عبر آثار أخرى باقية ومكتوبة بقلمه، وهي انطباعاته التي كتبها عن رحلة الحج التي قام بها في 2006. والرسائل التي كان يرسلها لابنته رشأ في أثناء إقامتها وأسرتها في بريطانيا بين 2000-2002، التي تروي من خلالها جانباً من سيرة الجد وعلاقته بأبنائه وأحفاده؛ التي تكشف لنا بعض ما كان يؤمن به من أسس التربية ويقوم به من واجب العناية والاهتمام والحنيّة تجاه الأبناء والأحفاد.

وبتمام كتاباته تنقلنا المؤلفة لنقرأ بعضاً من سيرته بعيون الآخرين؛ بأقلام أحفاده وعيونهم، وبكلمات أبنائه، لتُختَتَم السيرة ويكتمل التشكيل بصور من محطات مختلفة من حياته.

هذا النص التذكاري هو حالة استرجاع طويل المدى لحياة شخص عادي، لكنه لامس حياة الآخرين بشخصه وبـ”عاديّته” وبحياته التي تكمل جزءًا من فسيفساء ذاك الزمن الممتد حتى الآن، وتروي سيرة أبٍ وجدٍّ ورفيقٍ وجار… كان مهمًا في حياة كل من عاصروه؛ إذْ لكلٍّ منا قصصٌ تستحق أن تُروى وستُروى.

*******

هذا أبي، عبد الله الخطيب، سيرة وذكريات

تأليف: رشأ الخطيب

الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 2020

عدد الصفحات: 269

 ****** 

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *