-
عزيز الحدادي
المهرجان هو احتفال، والاحتفال يوحد بين كل فرد. فمن طبيعة الاحتفال المهرجاني، بالنسبة لأولئك الذين يشاركون فيه بالفعل، نوع من الحضور للكينونة التي تتشوق للمتعة الجمالية الناشئة عن السينما باعتبارها تحررا زمانيا من الوجود اليومي. الجميل يبهر الروح، ويدهشها، ولذلك فإن مهمتها هي تقديم أفلام جميلة، بذوق استيطيقي، لا يهم الكم، بل الكيف، لأن القليل من الحلو إذا امتزج بكثير من الماء يفقد حلاوته.
الوظيفة الحقيقية للمهرجان هي تقديم الفن، وليس الاتجار بالفن. الفن يحب البساطة؛ إنه الابن الشرعي للتراجيدية اليونانية، التي توحد جمهورها. وكانت الأفلام المشاركة متنوعة ورائعة، ومن بلدان مختلفة (المغرب، إيطاليا، بلجيكا) كما كانت المداخلات بمثابة استشكالات فلسفية للأفلام، استندت إلى تصورات وأطروحات بارزة في فلسفة الجمال؛ فها هنا نجد هايدغر ينظر للفن باعتباره ما يحفظ الحقيقة من الانهيار، ويشير غادامير إلى أن الفن نتاج الوعي الجمالي، من خلاله يتعرف المشاهدون على أنفسهم، أما هيغل فينظر إلى الفن كشيء من الماضي. إنه متعة بصرية توقظ الروح من سباتها، وهو فضاء تواجه فيه الإنسانية ذاتها، هو وعي تاريخي استطاع تجاوز الوعي الجمالي المغترب.
ولكن أين كل هذا من الشعور بواقع الاغتراب والصدمة الراهنة؟ أين هو الفن العظيم؟ هل يوجد في الميتافيزيقا فقط؟ مهمة الفيلسوف هي اكتشاف ما يكون عاما، حتى في ما يكون مختلفا. وبلغة أفلاطون: «أن يتعلم رؤية الأشياء معا من جهة الواحد». هكذا يشير إلى أن الوعي التاريخي يعني أن الحواس تنتظم بطريقة روحية، من أجل أن تصبح قادرة على إدراك الفن، ثم نمو الوعي الذاتي.
لماذا يسرنا الجميل؟ فالأرواح الشاردة ارتمت على الأرض، وقد احتفظت بتذكر غامض للحقيقة، هكذا فقدت أجنحتها وأصبحت مثقلة بالهموم الأرضية، وغير قادرة على أن تتسلق قمم الحقيقة، ولم يعد أمامها سوى خبرة الحب والجميل، وهذا هو طريق الفلسفة. وأفلاطون يصف الجميل بأنه الذي يتألف بوضوح ويجتذبنا إلى ذاته، ففي الجميل الذي يتمثل في الطبيعة والفن نعاين التنوير، ونقول هذا حقيقي.
فاللقاء بالجميل يمنحنا الثقة بأن الحقيقة لا تقع بعيدا عنا. فالوظيفة الأنطولوجية للجميل هي عبور الهوة بين المثالي والواقعي، ولذلك فإن استحقاق الفن لصفة الجميل تمدنا بمفتاح جوهري لتأملاتنا الاستطيقية.
*كاتب مغربي
-
عن القدس العربي