* د. عامر هشام الصفّار
المجهر
عماد… طبيب عراقي في منتصف العمر.. ها هو ينظر في مجهره الالكتروني في مختبر مستشفاه التعليمي في ويلز..
يرتب أوراقه قبل أن ينشر بحثه الجديد، وفيه كما يظن ما لم تشهده الأوساط العلمية. راحت خطواته تأكل مساحة الغرفة الواسعة جيئة وذهاباً.. ذهاباً وجيئة.. ينظر للوحة الحاسوب الآن.. ينتظر أيميلا من زميله في النرويج.. ليقول له إن فريق العمل هناك قد وافق على فكرته التي توصل إليها في البحث حول علاج مبتكر لم يجرّب بعد ضد فايروس الكورونا..
تذكّر أستاذه الدكتور سعدي في وحدة المجهر الألكتروني في بغداد يوماً.. كان يعلّمه كيف يصوّر خلية الأنسان، وقد غزاها فايروس مشابه للكورونا هذا.. كان أستاذه قد حصل على المجهر العظيم من اليابان، ذلك البلد الذي درس فيه يوماً الأستاذ سعدي وتزوّج من نسائه.. تذكّر السيدة زوجته نفسها وهي تدخل عمادة كلية الطب ببغداد يوما باكية تبحث عن زوجها الدكتور سعدي الذي سجن يوما بسبب بحث له لم يخرج منه بنتيجة على مجهره ذاك.. عماد لا يريد أن يتحدث مع أحد الآن .. تتسارع نبضات قلبه، وعيناه لا تفارقان شاشة الحاسوب .. يسمع طرقات على باب غرفته.. .لن يتحدث مع أحد.. ردّد مع نفسه.. راح يقرأ الأيميل الذي وصله.. يقرأه بسرعة خاطفة.. انزعج .. طأطأ رأسه .. كتب رداً في الحال.. لن تسرقوا أفكاري… نظر في عدسة مجهره مرّة أخرى.. رتّب شرائح نماذج البحث.. وراح يسجّل بهمّة نتائج تجربته المختبرية التي لن يبق صداها بين هذه الجدران الأربعة.
العدسة