“ماتيس أشبه بالرواية”.. معرض استعادي لفنان الألوان

  بعد أن اضطر المتحف الوطني الفرنسي للفن المعاصر إلى تأجيل معرض عن الرسام الفرنسي هنري ماتيس في مايو الماضي، بسبب جائحة كوفيد – 19، ها هو يستضيف هذا الحدث الفني بمناسبة الذكرى السنوية الخمسين بعد المئة لولادة الفنان، في حدث بارز خلال موسم الخريف رغم الموجة الثانية للفايروس التي تشهدها فرنسا.

واختار مركز بومبديو أن يعنون المعرض الفني بـ”ماتيس أشبه بالرواية”، في إشارة إلى تناوله مسيرة الفنان الممتدة طيلة قرابة خمسة عقود، والتي مرّ فيها بتحولات إنسانية طبعت نضجه الفنيّ ورمت به في رحاب مدارس تشكيلية عديدة، فجعلت حياته شبيهة بعالم الرواية.

ويقدم هذا المعرض الاستعادي 230 عملا كان مقررا عرضها في مايو الفائت، بينها مئة عمل تقريبا من مجموعة متحف الفن المعاصر الخاصة، فيما استعار بقية الأعمال المعروضة من متحف ماتيس في كاتو كامبريزيس (شمال) ونيس (جنوب شرق)، ومتحف غرونوبل (وسط شرق) الذي أرسل أحد أبرز الأعمال المحفوظة للفنان في بلده، “الداخل مع الباذنجان” (1911).

وتقول مفوضة المعرض أوريلي فيردييه “جميع الجهات التي أعارتنا الأعمال بقيت وفيّة لنا، وقد أبقينا على موعد تسلّم الأعمال في سبتمبر”.

ويعتمد المعرض التسلسل الزمني مستعيدا خمسة عقود من الإبداع في مسيرة هنري ماتيس (1869 – 1954)، منذ مطلع تسعينات القرن التاسع عشر في محترفات وليام بوغرو وغوستاف مورو إلى حين تكريسه كأحد أهم الفنانين الطليعيين مع بيكاسو بين العامين 1906 و1908، واختياره رغما عنه كبير فناني المدرسة الوحشية.

ويظهر المعرض عودة ماتيس إلى الفن التشخيصي بين 1918 و1919، في فترة اتسمت أعماله خلالها بالمزج الدقيق بين الظل والضوء، وصولا إلى إطلاق العنان للخطوط والألوان مع لوحات الغواش المقطعة الشهيرة التي أنجزها.

وتوضح أوريلي فيردييه “لا يوجد ماتيس واحد بل ماتيسات، فما يشغله هو وسائل الرسم، هو يهتم بما يمكن للرسم قوله وفعله، أما الشكل الظاهر في الرسم فليس له أهمية كبيرة في العمق”.

ويسلّط المعرض الضوء كذلك على موهبة النحت لدى ماتيس، مع عمل “لو سير” الذي يذكّر بمنحوتات رودان البرونزية الضخمة.

المزج الدقيق بين الظل والضوءالمزج الدقيق بين الظل والضوء

ويكشف المعرض تعدّد مواهب ماتيس الفنية، بعرض لوحاته المتنوّعة، إذ يمتلك الفنان الفرنسي لوحات مطبوعة على الحجر وأخرى مطبوعة بطريقة التحزيز بسن الإبرة وأخرى مطبوعة على الخشب المحفور.

ماتيس، الذي ولد في بلدة كاتو كامبريزي في شمال فرنسا، ودرس القانون في باريس واشتغل في المحاماة أولاً، أعادته موهبته الفنية إلى باريس لدراسة الرسم على يد المصور غوستاف مورو، الذي نصحه برسم مناظر الطبيعة التقليدية، إضافة إلى لوحات الأساتذة القدماء في متحف اللوفر، إلى أن استقر عام 1917 في مدينة نيس، واهباً نفسه لتصوير الطبيعة الصامتة والنساء داخل الدور في حوض البحر المتوسط.

إنه رسام يؤمن بأنّ “وظيفة الفنان ليست أن يرسم ما يراه ولكن أن يعبر عن الدهشة التي يسببها ما يراه وينجح في التعبير عنها بقوة “، ما جعله يدهش المهتمين بالفنّ الذين عاصروه ومن جاؤوا بعده أيضا، ودفعه لأن يصبح أحد روّاد المدرسة الوحشية، وكانت تجربته الفنية الثرية مدهشة لأجيال متلاحقة.

وتصدر دار “إيديسيون دو شين” للنشر بموازاة المعرض التشكيلي دليلا مفصلا يمنح القارئ مفاتيح فهم أعمال ماتيس من خلال أربعين فقرة. وقد وصّفت مؤلفة الكتاب هايلي إدواردز دوجاردان، وهي مؤرخة فنية، نهاية حياة ماتيس. وتقول “هو الذي لطالما بحث عن التعبير الأنقى للّون، نجح في بلوغ غايته. من البساطة ولدت لغة جديدة حسده عليها حتى خصمه اللدود الدائم بيكاسو”.

ويبقى مركز بومبيدو على برنامج زاخر بالأنشطة هذا الخريف وفي العام المقبل، مع معرض ماتيس وسلسلة معارض ملتزمة أخرى بينها “غلوبال ريزيستانس” الذي يقدم قراءة نقدية للمستجدات كما يراها فنانون.

وقد تراجعت نسبة ارتياد المركز في سبتمبر إلى الثلث مقارنة مع الأرقام المسجلة في الأوضاع العادية، كما أن الإيرادات لسنة 2020 لم تتجاوز 20 مليون يورو.

ويقول رئيس المتحف سيرج لافين “غزارة العروض خيارنا. لقد رفضنا الانخراط في دوامة الانكماش. من شأن الاقتطاعات في البرامج أن تولّد اقتطاعات في بيع التذاكر” ما من شأنه “تقليص البرمجة”.

ويضيف “علينا أن نقول ذلك بوضوح: الدعم الحكومي يفرض علينا ذلك. في 2021، تتيح لنا مساعدة استثنائية قدرها 8.5 مليون يورو أن نبرمج ونستثمر في المستقبل”.

ويستمر المعرض عن الرسام هنري ماتيس والذي انطلق في الحادي والعشرين من أكتوبر الجاري، حتى الثاني والعشرين من فبراير المقبل في مركز بومبيدو بالعاصمة الفرنسية.

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *