عبدُه خال: أتركوني أكتب كما أشاء، ولا تقرأوا لي!

 دعا الروائي السعودي عبده خال إلى ثورة ضد كل الموروث الذي أوقف الأمة عن الحركة وجعلها تعيش في الماضي فقط، وعند المراجعة نجد أن الكارثة المهولة للعقل العربي أنه حمل الماضي معه وجعله هو المستقبل.

وأكد كاتب رواية “ترمي بشرر” الحاصلة على جائزة البوكر بنسختها العربية لعام 2010 ، ويعدّ من أكثر الذين ينتصرون للمهمشين أنه عندما يذكر الموروث فهو لا يشير إلى الدين، باعتبار الدين بحد ذاته ثورة على السائد، لكنها ثورة استمرت في عصر الرسول (صلى الله عليه وسلم) فقط، وعندما توفي بدأ بناء الماضي الذي بدأ تحديداً من سقيفة بني ساعدة والتي ما زلنا نبني عليها ماضينا منذ أكثر من ألف واربعمائة سنة، لذا فمراجعة الموروث الفقهي ضرورية لتحرير الأمة من قيود أخرت حركتها، وعلينا ألا نغفل في نفس الوقت عظمة الموروث الفني والأدبي والعلمي والمعماري للأمة.

جاء ذلك عندما حلّ ضيفاً على برنامج “كتاب مفتوح” الذي يعده ويقدمه الشاعران عبد الرزاق الربيعي ووسام العاني برعاية مركز حدائق الفكر للثقافة والخدمات في سلطنة عمان، وذلك مساء الخميس الماضي في أمسية افتراضية بُثت على جميع منصات التواصل الاجتماعي، حيث قدم الكاتب طروحاته وأفكاره في كثير من القضايا الفكرية المعاصرة والتحديات التي تواجه إنسان هذا العصر وجودياً وثقافياً.

وفي تعليقه على خبر فوز الشاعرة لويز كلوك بجائزة نوبل للآداب لعام 2020، والذي أعلن ظهيرة يوم الخميس، قال الكاتب عبده خال أن الشعر حضر هذا العام لأنه يتلاءم مع الجنون الذي يسيطر على أحداث عام 2020، رغم أنه يرى أن العالم بحاجة إلى السرد وليس الشعر، ولو لم يكن السرد هو المعجزة لما جاء القرآن سرداً وليس شعراً، وأن الكلمة لوحدها حكاية تحمل في طياتها سرداً تُملأ فراغاته من خلال مخيلة المتلقي لهذه الكلمة.

وأضاف أننا منذ زمن نشعر أن هذا العصر هو عصر الرواية، ولكن الزمن القادم سيكون زمن السينما، والعمود الفقري لهذا الفن هو الرواية لذا سنستمر بكتابة الرواية، مع أننا نقول ليس هناك زمن للفنون، حيث كل الفنون تتواجد وتتظافر لتثبت وجود الانسان، وميزة الرواية أنها وعاء حامل لكل هذه الفنون.

وعن طفولته، ذكر الكاتب عبده خال أنه خرج من قريته حاملاً الكثير من الأساطير الشعبية وإرثاً حكائياً كبيراً من الوالدة، وهذا نتاج التعايش في قرية لم يكن لها وسيلة من التواصل مع العالم إلا من خلال المتخيل الذي لعبت فيه الأسطورة دوراً كبيراً ومهماً. وأشار إلى أن المهتمين بالأنثروبولوجيا يقولون إن العالم يتحرك ضمن مدار ثلاث وعشرين حكاية مهمة تأتي في مقدمتها حكاية آدم وحواء وهبوطهما من الجنة، وأكد قائلاً “بما اننا نتحدث عن المتخيل فالحياة حكاية، ولولا خطيئة آدم وغواية حواء وإبليس لما كنا نتشارك الآن هذا العذاب الوجودي الذي تتناسل منه الحكايات لتثبت أن الحياة حكاية”

رواية حاصلة على جائزة البوكر بنسختها العربية لعام 2010 رواية حاصلة على جائزة البوكر بنسختها العربية لعام 2010 

وأضاف في نفس الصدد، أنه كان مغرماً منذ البداية بالأساطير والحكايات الشعبية التي حملها من قريته ومن عموم الجزيرة العربية، وأنه يرى أن لها عمقاً أيضاً في الأساطير العالمية، وأشار إلى أنه يؤيد مقولة الدكتور فاضل الربيعي أن أصل الأساطير العالمية هو من الجزيرة العربية ويعتمد على ذلك بالسرد القرآني لحقيقة أن أول بيت وضع للناس كان في مكة، وأن التقاء آدم وحواء كان في عرفة حسب الأساطير.

وحول تعايشه مع أزمة كورونا، استفاض الكاتب بالحديث عن طفولته وعن نشأته في قرية تجري فيها الوديان مع الأمطار فتنتشر معها الأوبئة والأمراض، وكيف أنه نجا في عمر الخامسة من حمى كادت أن تهلكه، وهي نفس الحمى التي قضت على خمسة من إخوته سابقاً، لذا تذكر خلال أزمة كورونا قول والدته حينها أنه لاحق بإخوته لا محالة، وهذه إحدى عجائب الصورة، حيث تم تغيير اسمه مرتين في طفولته ليتمكن من البقاء على قيد الحياة وفق الموروث الشعبي السائد. وأضاف ” في أيام كورونا لدي هاجس وكأن هذه الحمى تقول لي إلى أين أنت هارب؟ أنا قادمة هذه المرة لأزرع كل سخونة العالم في جسدك الهارب”.

ولم يخفِ الكاتب رعبه من حمى كورونا، ليس خوفاً من الموت، بقدر ما هو تشبث بالحياة، حيث أكد أن لديه الكثير من المشاريع السردية والحكايات التي تنظر الكتابة.

وطرح الكاتب فكرة أن الحكاية أنثى، ففي مجتمعاتنا النساء هن من يروين الحكاية ويعدن صياغتها واستلهامها، حيث يعد عيباً أن يروي الرجال الحكاية، لذلك لو كان الروائي رجلاً في ألف ليلة وليلة لما استطاعت أن تكون بهذه الخصوبة فالحكاية أو الرواية أو الصورة هي خصبة وولود لذا لا يستطيع الرجال انتاجها في العادة. وذكر أنه سئل في إحدى الأمسيات التكريمية بعد فوزه بالبوكر العربية عن رأيه في قول النقاد السعوديين أن الرواية تكتبها الأنثى، لذا أجاب بأنه امرأة مما أثار دهشة الحاضرين، ولكونه تربى على يد الأنثى واستلهم منها إرثاً حكائياً كبيراً لذا يفخر بكونه امرأة تكتب باسم رجل.

وفي سؤال حول إمكانية اعتبار الشِعر ذكراً مقابل كون الحكاية أنثى، أجاب الكاتب عبده خال أن جميع الفنون تنتمي للمرأة وليس للرجل، وأنه كلما تقرب من المشاعر الأنثوية، باعتباره تربى تحت سقف أنثوي طوال حياته، وجدها أرضاً خصبة لكل أنواع الفنون، ولولا الأمهات اللواتي حملن في أعماقهن كل هذه الفنون لما ظهر شاعر أو روائي أو تشكيلي، لذا فالشعر أيضاً أنثى.

وحول ارتكاز مشروعه السردي على الذاكرة الشعبية ومحاولة الحفاظ عليها طازجة وحيوية مقابل الرسمي والسلطوي، ذكر الكاتب أن الدين، الأعلى سلطوياً، يعتمد على الصورة كما جاء في القرآن أو في العهدين القديم والجديد، باعتبار حتى قصص الأنبياء مجموعة من الصور الحكائية، لذا فأن وجودنا في الحياة هو لتأكيد الأسطورة حتى إذا انتقلنا إلى نقطة أخرى من الزمن عبر الموت فحينها ربما سنعيش حقيقة وليس أسطورة.

وعن كيفية سيطرة عبده خال على الروائي داخله من الغرق في التصوير والتسجيل والرصد ليوميات البسطاء والمسحوقين على حساب فكرة السرد المركزية، خصوصاً وأنه يتناول قضايا المهمشين في أعماله كثيراً، ويوظف إبداعه السردي ليكون لساناً لهم، أجاب الكاتب إن الانتصار للمهمشين هو انتصار لذات الكاتب المهمشة، لذا فهو يجد في الرواية الموازي للحياة أو لجميع أنواع السلطات الضاغطة على الكاتب، لذا تتحول عنده الرواية إلى تاريخ صادقٍ موازٍ من خلال الكتابة وعيش اللحظة، فعبر لسان الشخصية الروائية نقول ما لا يقال خارج الرواية وبالتالي يتحول إلى الكاتب إلى سلطة، قد يحاول الناقد أحياناً انتزاعها من خلال الدعوة للحد من التفاصيل السردية التي يراها غير ضرورية. وأضاف أنه لا يهتم بمثل هذه الدعوات غالباً لأنه يجد متعة كبيرة في الكتابة ومتعة أكبر في الاستفاضة بالتفاصيل السردية وأنه حين يبذر بذرة كتابة واحدة تخرج منها سبعمائة بذرة أخرى، ليتنقل بين البذرة والسبعمائة وقال: ” أتركوني أكتب كما أشاء، ولا تقرأوا لي، لا أريد أحداً أن يقرأ لي. ولو علم الملوك والسلاطين بالمتعة التي يجدها الكاتب لحاربوه عليها “.

وعن مقولته “أن للتاريخ وجهان، رسمي واجتماعي، كلاهما يدعي الصدق” والتي وردت في روايته “الصهريج” آخر أعماله الروائية والتي تنتمي إلى صنف الروايات التاريخية، أجاب الكاتب أن التاريخ في الرواية يجب أن يكون خلفية ولا يكون هو الهدف بحد ذاته حتى لا يتحول إلى سجن للكاتب. وأن الوجه الاجتماعي للتاريخ هو الفن الصادق الذي يكتبه الناس سواء كان حكاية أو شعراً أو رسماً. ويؤكد أننا كلنا بقايا أساطير، فقط نعيد الحكاية بصورة أو بأخرى.

وأضاف “لا اتحامل حين أقول إن التاريخ كاذب، والبديل أن نكون نحن من يكتب التاريخ من خلال اللحظات التي نعيشها وألا نرضى أن يكتب أحد عنا تاريخنا” مؤكداً أن المهمش هو كل من حاول الخروج على سياق التاريخ والموروث وبالتالي اتهم بالزندقة.

وبخصوص فوزه بالبوكر العربية عن روايته “ترمي بشرر”، ذكر الكاتب أن القائمين على الجائزة رأوا تكريم المنجز الروائي للكاتب عبده خال، لكنها تحولت إلى لعنة على الكاتب عندما تحولت كل العيون باتجاهه مرة واحدة، وهو الذي كتب قبلها سبع أو ثمان روايات باسترخاء كبير لم يكن يعنيه فيها أحد، ظاناً ألا أحد يقرأ له، بعد أن درج على نشر رواياته خارج المملكة حيث كان الصحفي عبده خال معروفاً أكثر من الروائي. كما أكد أن الكتابة تمثل له متعة كبيرة وعشقاً ولا يشغل نفسه بالتفكير بالجوائز، فقد منحته الكتابة الكثير من المحبين والأصدقاء ولا يبالغ حين يقول إنه يتعبد بالكتابة التي قد تستمر في مشروع روائي واحد مدة أربع سنوات.

وحول طروحاته وآرائه الفكرية التي غالباً ما تثير الجدل في الأوساط الثقافية، والتي تقوده أحياناً إلى قاعات المحاكم كما حدث في خلافه مع الروائية السعودية قماشة العليان عام 2004، ذكر الكاتب أنه عادة ما يدفع ضريبة كبيرة، نتيجة الكتابة والرأي، سواء من صحته أو سمعته أو حتى علاقاته مع العائلة والمعارف والأصدقاء، وأشار إلى الجلطة الدماغية التي تعرض إليها بعد حوار صعب مع بعض رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذين هاجموه في معرض الرياض للكتاب قبل سنوات. ولكنه يناضل من أجل البقاء على قيد الحياة ويقاوم تقدّم العمر ففي جعبته الكثير من الشخصيات الروائية التي تنتظر الخروج إلى الضوء، والكثير من الحكايات التي لم يسردها بعد.

  • عن العرب – لندن

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *