-
لارا عبود
باستثناء مقالات قليلة نُشرت هنا وهناك، لم يُلتفت طويلاً إلى مرور مئة عام على ميلاد السوري نصير شورى، الذي يرتبط اسمه بتأسيس الفن السوري المعاصر خلال عقد الأربعينيات من القرن الماضي مع مجايليه من أمثال ناظم الجعفري ومحمود حمّاد وآخرين.
التقط هذا الجيل عناصر ومفردات تنتمي إلى الهوية والتراث السوريين بعد تلقيّهم تكويناً أكاديمياً منتظماً، حيث درس الفنان التشكيلي (1920 – 1992) الرسم في مصر، وساهم مع حمّاد وعبد النشواتي وجلال قصيباتي وأدهم إسماعيل في تأسيس “مرسم فيرونيز” سنة 1941، معبّرين عن قطيعة فنية مع التيارات التقليدية في الفن.
(نصير شورى)
تمثّل شورى الانطباعية في بداياته والتي كانت مهمينة على المشهد التشكيلي السوري، في تركيز على المناظر الطبيعية ومواضيع مستمدّة من الحياة الريفية والبورتريهات لأشخاص ينتمون إلى فئات اجتماعية متعدّدة، في طغيان للون الذي مثّل العنصر الأساسي للوحة آنذاك، وكانت الطبيعة وسيلة للتعبير عن أسلوبه وليست غاية في حدّ ذاتها.
يشير عدد من الباحثين إلى أنه لم يتأثر بدراسته في مصر حيث كانت الواقعية والسوريالية هما الاتجاهان السائدان هناك، ربما يعود ذلك إلى بدايات شورى حيث تعلّم الرسم على يد الرسام عبد الحميد عبد ربه ثم الفنان جورج بولص خوري؛ خريج المدرسة الوطنية العليا للفنون الزخرفية في باريس.
(من أعمال نصير شورى)
في مرسمه الخاص بحي أبو رمانة الدمشقي تشكّلت حلقة من الفنانين والكتّاب والموسيقيين نهاية الأربعينيات، وأنجز خلال هذه الفترة بورتريهاته الشهيرة التي تبادل خلالها مع حمّاد رسم بعضهما بعضاً، وفي عام 1953، أقام حماد معرضا فردياً في مقر الجمعية السورية للفنون قبل أن يسافر إلى روما في منحة من وزارة التربية من أجل دراسة الفن.
كان شورى أحد الفاعلين الأساسين في الثقافة السورية، حيث حيث ساهم في تأسيس كلية الفنون الجميلة عام 1960، كما أنشأ مع محمود حماد وإلياس الزيات وفاتح المدرس جماعة “د” التي يحيل اسمها إلى دمشق، ليكونوا بمثابة مؤسسي وعي حديث بالرسم.
تجلّت غنائيته اللونية في تلك المرحلة قبل أن يذهب في تحوّلات عميقة في مشواره، والتي يلخّصها في مقابلة صحافية بقوله إنه “مرّ بثلاث مراحل. كان في الأولى انطباعياً وفي الثانية تجريدياً، ويومها بدأ ولعه بمادة الإكريليك، أما في المرحلة الثالثة فإنه عاد إلى الطبيعة، بعدما علمته المرحلة التجريدية خصائص جديدة في اللون، سماها الواقعية الجديدة، منطلقاً في مقدمة اللوحة من مساحات هندسية ينهيها بأشجار متفاوتة الأبعاد، متصرفاً بحرية كاملة”.
(من أعمال نصير شورى)
انتقل شورى إلى التجريد في منتصف الستينيات مع ظهور مساحات مستطيلة بالألوان والخطوط في اللوحة، والتي اعتمد في بعض أعماله التجريدية على عناصر حروفية إلى جانب احتفاظه باللون دون أن يتخلّص من غنائيته، قبل أن يزاوج بين التشخيص والتجريد في مرحلة لاحقة ضمن تجريبه الخاص الذي كان يخضع لقواعده أو قيوده الذي يختارها بنفسه.
قبل رحيله بنحو سنتين، اتجه إلى رسم لوحات بلون واحد ومشتقاته، وكانت لوحات كبيرة لها مواصفات خاصة مبرزاً التدرجات الضوئية التي أصبحت تعكس الحالة الداخلية الوجدانية معبّراً عنها بدينامكية وحركة لونية تشير إلى حساسيته الشديدة تجاه مفهوم التناغم.
يصف الباحث والمؤرخ الفني السوري عفيف بهنسي تجربته فائلاً “عرف شورى منذ بداية ممارسته الفنية في الثلاثينيات أن هدف الفن هو التعبير عن جمال الطبيعة، ولم تكن المعرفة جديدة في ذاتها ولكنها لم تحمل دائماً المسؤولية التي تحملها الفنان، بدأ انطباعياً حين كانت الواقعية هي السائدة في كل لوحة من لوحاته. كان يطرح قضية جديدة ويفتح آفاقاً لم نكن نعرفها. لم يكن فناناً هادئاً بل كان ثائراً لم يستقر على أسلوب إلا بدله، ولم يكن يبدله فحسب بل يبدل في الرؤية، وفي كل مرة يقدم شخصية نصير الثائرة المتمردة التي طبعت جيلاً بأعماله”.
-
عن العربي الجديد