أحمد علي البحيري
كتاب “صاحب الخبر في الدولة الإسلامية” لمؤلفيه الدكتور محمد حسن النابودة (الإمارات) والدكتور محمد عبد القادر خريسات (الأردن)، في 474 صفحة من القطع الكبير، منجز ممتع وجاذب ومثير في معلوماته وأهدافه، فهو يتحدث عن أمر يثير في النفوس الخوف والدهشة والرعب، خاصة في عالمنا العربي ودول العالم الثالث. إنّه في الواقع يلخص ويتناول أهمية (المخابرات والاستخبارات) في الدولة الإسلامية إبان عصورها الأولى، وقد اقتضى منهجه جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات المتعلقة بصاحب الخبر (رجل المباحث) من حيث مهماته واختصاصاته وتقاريره وطرقه في جمع المعلومات الاستخبارية، وشروط انتقائه ونظرة الناس إليه، ومكانته عند الحاكم، وغير ذلك من الأمور التي رصدت هذه الوظائف التي تقع ما بين السّرية والخطورة. وربما تكمن أهمية هذا الكتاب غير معلوماته الدسمة وجانبه التوثيقي وأسلوب بحثه العلمي المتوازن، في أنه مرجع يحتاجه جيل اليوم، بل والعاملين في حقول السياسة والإعلام وتكنولوجيا المعلومات، وغيرهم كثيرون، نحن نحتاج جميعاً إلى المعلومة بشقيها النافع والضّار حتى نستطيع مواجهة تحديات عالم مجنون. إنه كتاب مثير للفضول، تحبّه وتخاف من معلوماته في الوقت ذاته، حتى لتحسب نفسك وأنت تطالعه أنك في حالة مراقبة خاصة على داخلك وخارجك، لكننا في النهاية بحاجة إلى مثل هذه المراجع النادرة التي تقف على مفترق طرق مع حياتنا، ولك أن تقترب من هذا الموضوع أكثر إذا علمت أن أنجح الأعمال الدرامية هذا العام وأكثرها إثارة وتشويقاً وجذباً للمشاهد، كانت تلك التي تهتم مواضيعها بمسألة المخابرات وحرب الجواسيس، بدءاً من مسلسل “رأفت الهجان” لمحمود عبد العزيز، ومروراً بمسسل “فرقة ناجي عطا الله” للفنان عادل إمام، ومسلسل “الصفعة” لشريف منير، و”باب الخلق” لمحمود عبد العزيز، وقد نجحت هذه الأعمال بفضل تناول ومعالجة المعلومة والموضوعة الاستخباراتية، بحيث جعلت من المخابرات مؤسسة وطنية لخدمة الفرد، بل وقريبة منه الى حد كبير، إضافة إلى تقديمها حروب المخابرات وصورة اليهودي فيها بطريقة لا تخلو من صراع القوى في العالم.
مهمة خطيرة
يقع هذا الكتاب الفريد في معلوماته من إصدارات مركز زايد للتراث والتاريخ بمدينة العين في مقدمة وستة فصول، لكنه في الواقع يفتح عيون القارئ على خطورة وأهمية المعلومات الاستخبارية في تحقيق الحماية والأمن والسلامة لأي أمة ودولة، ولا يخفى على أحد اليوم أننا نغرق في عصر المعلوماتية، وبغيرها لا نكون محصنين من الاختراق بأشكاله كافة، كما أن الكتاب يلامس في رصده ومحتوياته جانباً من النفس البشرية المطبوعة على حب معرفة أسرار وظروف حياة الآخرين. يقول الجاحظ في رسالته “كتمان السّر وحفظ اللسان”: “طبع الإنسان على حبّ الأخبار والاستخبار”، فالرغبة في معرفة الأخبار عند الجاحظ طبع فطري متأصل في الإنسان منذ بداية التاريخ، فحياته على الأرض تتطلب منه استفسارات وأسئلة، يحاول البحث عن إجابات لها لحماية حياته، لذا فإن الاهتمام بجمع الأخبار عن الآخرين فطرة طبيعية عند كل البشر. أما الأهمية الكبرى لهذا المنجز، فتكمن في مادته العلمية الدقيقة الشاملة، التي لم يسبقه إليها أي كتاب، فالمؤلفان وبحكم تخصصهما الدقيق في مجال التاريخ والتراث قدما صورة تاريخية شاملة وموثقة لمهنة صاحب الخبر عبر تسلسل زمني والتعريف بحقيقته من خلال الروايات والوثائق والمراجع والرؤية الثاقبة لخطورة الموضوع وأهميته على المستويات كافة.
رصد المؤلفان في مقدمة كتابهما أهمية المخابرات الداخلية بالنسبة للحاكم، وضرورة معرفته بكل صغيرة وكبيرة تدور في أرجاء البلاد حتى يستطيع أن يدير بإحكام دفة الحكم، كما تتيح له المعلومات الصادقة المتكاملة فرصة تفقد أحوال الرعية في كل حين عن دراية ووضوح وتخطيط، وفي هذا على بساطته تأثير واضح على أمن الدولة. يؤكد ذلك ما جاء في صفحة 8 من المقدمة: ومنذ المراحل الأولى لقيام الدولة الإسلامية، أعطى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم اهتمامه لأصحاب الأخبار لجمع المعلومات عن أعدائه من مختلف الفئات، فأصبحت له عيون خارج المدينة المنورة ومكة، وبين القبائل العربية، وفي أرض الروم، يخبرونه بكل المعلومات، تضر أو يمكن أن تضر بمصالح الدول الإسلامية الناشئة.
ويعرض الكتاب وقائع كثيرة تتعلق برجال الخبر في عهد الخلفاء الراشدين، فقد كانت الحاجة إليهم ملحّة وذلك لما واجه الدولة من ارتداد بعض القبائل العربية عن الإسلام، وضرورة جمع المعلومات عن المرتدين، بل والعمل على تفريق شمل تلك القبائل، واستغلال الساخطين بين صفوفها، ومن ناحية أخرى، اقتضى اتجاه الجيوش الإسلامية إلى بلاد الشام والعراق الاهتمام بصاحب الخبر، وبثّ العيون لجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات، وقد أوصى الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) بقوله: “وإذا وطئت أرض عدوك فأذك العيون بينك وبينهم ولا يخف عليك من أمرهم شيء، وليكن عندك من العرب أو من أهل الأرض من تطمئن إلى نصحه، فإن الكذوب لا ينفعك خبره، وإن صدقك بعضه، والغاشّ عين عليك وليس عيناً لك”.
عمل سرّي
كما يتناول المؤلفان في كتابهما هذا الموضوع الشائك في عهد الدولة الأموية التي نشأت في ظروف سياسية عصيبة، جعلتها تواجه عدداً من التيارات السياسية والدينية النشطة التي لم تدخر وسعاً للإطاحة بها، مما جعل الدولة الأموية تهتم ومنذ تأسيسها بصاحب الخبر لرصد حركات المعارضة لها من الشيعة والخوارج والعمل على القضاء عليهم، في حين نجد أن عيون الدولة الأموية كانت مبثوثة على اتساعها في مختلف الأمصار، تقدم التقارير اليومية المفصلة عن مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية (هي صورة عصرية جداً لما يحدث في عالم السياسة اليوم)، وقد تفنن معاوية في إرسال العيون، بدءاً من مراقبة المساجد واجتماعات البيوت والحجاب والتنكّر والتركيز على الهاشميين والأمويين على حد سواء، خاصة الحجاز والعراق.
في الدولة العباسية، اختلف أمر المخابرات اختلافاً كبيراً، ذلك أن قيام الدولة كان تتويجاً لعمل سرّي منظم استمر سنوات طويلة دون أن تتمكن المخابرات الأموية من كشف مخططاته، وذلك بفضل دقة تنظيمه ووسائل (التمويه) التي كان يستخدمها في اتصالاته، مثل استخدام التجار وغيرهم، ولهذا فإن العباسيين أنشأوا منذ بداية حكمهم جهاز مخابرات غاية في الدقة والتنظيم، فحقق الهدف الذي أنشئ من أجله وأحبط مؤامرات كبرى، وكشف عن تنظيمات سرّية مناوئة للدولة تعمل على الإطاحة بها. لكنك قد تدهش إذا علمت أن العباسيين كانوا أول من أناط أمر المخابرات إلى صاحب البريد الذي كان يعمل تحت إمرته عدد كبير من العيون المبثوثين في مختلف أرجاء الدولة، والذين كانوا يقدمون له التقارير المفصلة عن أوضاع المناطق المكلفين بها، وكان صاحب البريد بدوره يقدّم خلاصة هذه التقارير الى الخليفة ليرى رأيه فيها.
رائد المخابرات
يقول المؤلفان في هذا السياق في الصفحة 11 من كتابهما: “ويعد أبو جعفر المنصور، (دامت خلافته من 136 هـ إلى 158 هـ) من أوائل خلفاء الدولة العباسية الذين اهتموا بجمع الأخبار عن رعيته، واعتمد على جهاز مخابراته في إدارة شؤون دولته، فقد عدّ هذا الجهاز ركناً من أركان الملك التي لا يصلح إلا بها، ويعد المنصور رائد التطوير الاستخباراتي في الدولة الإسلامية من حيث التوسع في المهمات والتنوع في الأساليب، وليس غريباً أن يشيع الناس أن لدى المنصور(مرآة) يرى بها ما في الأرض جميعاً لشدة معرفته بدقائق الأخبار، وهو المبتدع للرسائل السرية (لاحظ أن المخابرات المعاصرة تستخدم الشيفرة ورسائل الحبر السّري)، حتى لا ينكشف مضمونها، بل لقد كان أول من استخدم كاتباً لها، وأول من استخدم لهذه المهنة ذوي العاهات وأصحاب المهن والتجار”.
رغم أن الكتاب جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات المتعلقة بمجالات الأمن المختلفة من خلال صاحب الخبر، لكنه في الوقت ذاته أشار إلى جملة من المحاذير والنتائج، من بينها أن وظيفة صاحب الخبر أو (المخابرات) كان من ضروريات الحكّام، إلا أن الناس كانوا لا يتلقونها على أهميتها بالقبول الحسن، بل اعتبروها مصدر خوف الرعية وشؤماً عليها، فكان الواحد منهم إذا جاءته خيل البريد ترتعد فرائصه وتجفّ عروقه، ولا يهدأ له بال إلا إذا عرف الغاية من ذلك، ولو كان من أقرب المقربين للخليفة أو الوالي.
كما ورد في السياق أن كثيراً من الخلفاء قد مارسوا مهنة صاحب الخبر بأنفسهم وكثيراً منهم خرج متنكراً، وقد قام الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم جميعاً بأنفسهم بهذا الدور التنكري والخروج إلى الأسواق العامة، يسترقون السمع عما تتحدث به العامّة لتفقد أحوال الرعية والوقوف على حاجات الناس وشكاواهم، كما أن بعض الخلفاء مارسوا المهمة الاستخباراتية بأنفسهم، فكتبوا رسائل للمشكوك في إخلاصهم وولائهم على لسان الخارجين عليهم ليتأكدوا من صدق ولائهم ومواقفهم السياسية. فيما ينتهي مؤلفا الكتاب من تسليطهما الضوء على وظيفة صاحب الخبر، من أن كان لها دور مهم في مختلف العصور الإسلامية، مبينة الدراسة أن هذه الوظيفة عرفت فترات ازدهار وقوة وكانت هيبتها مستمدة من هيبة الدولة نفسها، وأحياناً كانت ضعيفة يقوم عليها أناس غير صالحين، تغلب على أخبارهم الوشاية، ما ينعكس أيضاً على ضعف الدولة وتهافت المتآمرين عليها.
محطات وفصول
احتوى الفصل الأول من الكتاب على عناوين عديدة تعرّف بصاحب الخبر ومهامه ومواصفاته، وكيفية تعامل الآخرين معه، بل ونظرتهم إليه، وأخيراً مسمياته، ومنها وظيفة (حراس الدروب) وهم المكلفون الطواف في الدروب والأزقة، ويذكر الاصفهاني (بحسب ما ورد في صفحة 44): أحدهم وهو مبارك صاحب درب عون في بغداد، كان يلبس ثياباً نظيفة سرّية، ويركب حماراً، فيطوف على السوق بالليل، ويكري الحمار بالنهار، فإذا رآه من لا يعرفه ظنّ أنّه من بعض التجار، وكان يصل إليه في كل شهر من السوق ما يسعه ويفضل عنه، وفي أوقات أخرى كان يطلق على حارس الدروب اسم قيّم الدروب.
صاحب الخبر في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين هو عنوان الفصل الثاني من الكتاب، ويشير المؤلفان إلى أن الخلفاء الراشدين قد اهتموا بأصحاب الأخبار في إدارة شؤون الدولة، إلا أن هذه الوظيفة لم تظهر بصورة واضحة خلال تلك الفترة، وأنها اعتمدت بالدرجة الأولى على المهارات التي يكلف بها هؤلاء الأشخاص دون أن تصبح وظيفة مثل الوظائف الإدارية الأخرى في الدولة، كما يلحظ كذلك أن عمر بن الخطاب يعتبر من الخلفاء المؤسسين لهذه الوظيفة لما كان له من باع طويل في إرسال العيون إلى جميع أنحاء الدولة وموافاته بالأخبار، فوصلت الدولة في عهده الى أوج مجدها من التوسع ومن الاستقرار. يقول المؤلفان في هذا السياق في صفحة 93: “لقد كان التهاون في جمع الأخبار عن أحوال الولايات في الدولة وعدم كتم الأسرار من الأسباب التي أدت الى إثارة الفتن والنزاعات داخل الدولة، ما جعل الأمر يخرج من بين يدي أهل الحجاز إلى الشام، وينتهي بذلك عصر الخلفاء الراشدين، ويأتي عصر الدولة الأموية على يد معاوية بن أبي سفيان، ليصبح لهذه الوظيفة شأن خاص”.
قدّم المؤلفان دراسة تفصيلية توثيقية شاملة لموضوع صاحب الخبر في الدولة الأموية الفرع السفياني خلال الفترة من 41 ـ 64 هـ/ 661 ـ 683 م، حيث كان معاوية بن أبي سفبان رجل دولة لا يضاهى، يعتمد في إدارته على السّرية المتناهية، وكثيراً ما كان يشيد بسلوكه هذا حتى أنه قال: “ما أفشيت سرّي الى أحد إلا أعقبني طول الندم وشدة الأسف، ولا أودعته جوانح صدري فخطمته بين أضلاعي إلا أكسبني ذلك مجداً وذكراً وسناء ورفعة”. وفي موضع آخر قال معاوية: “ما كنت كاتمه عن عدوك، فلا تظهر عليه صديقك”. ومن الروايات الكثيرة التي وردت في هذا الفصل عن اهتمام معاوية بمسألة نقل الأخبار، فقيل إنه لم يكن يتوانى عن التدخل حتى في أبسط الأمور، وذلك لاعتقاده أن الأمور البسيطة قد تتطور ويحدث ما لا يحمد عقباه، لا سيما إذا كان ذلك في الحجاز والعراق، ومن ذلك قراره بمنع القصّاص من أن يلقوا القصص في المساجد إلا بإذن الدولة.
في الفصل السادس والأخير، تناول المؤلفان الملامح الاستخبارية العامة لمهنة صاحب الخبر في العصر العباسي الثاني وحتى السقوط. فقد تميزت تلك الفترة من الناحية الاستخبارية بأمور عديدة أملتها طبيعة الظروف التي مرت بها الدولة العباسية، والتي من أبرزها سيطرة العناصر الأجنبية، مثل الترك والبوهيين والسلاجقة، بالإضافة إلى التطورات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي مرّ بها المجتمع الإسلامي وما أبرزته هذه التطورات، سواء كان ذلك إيجابياً أم سلبياً. يقول المؤلفان في الصفحة 272: “لقد كان من الطبيعي وفي ظل التنافس الشديد بين الخلقاء والعناصر التي سيطرت على الدولة العباسية أن يبقى للأجهزة الاستخبارية مكانتها لتزويد الفئات المتصارعة بالأحداث والمستجدات على الساحتين الداخلية والخارجية، ومن هنا نجد أن هذه العناصر أخذت تتفنن أكثر وأكثر في اختيار المخبرين وتدريبهم، فكان منهم النساء والخدم والتجار والزّراع والرعاة والنّساك والشحاذون والصبيان والمعلمون. ويلحظ أيضاً أن هذه الفترة تميزت بإسناد وظيفة صاحب الخبر إلى رجال لهم بالعلم والمعرفة، لا سيما العاملين في حقل الجغرافيا والتاريخ وكبار الشعراء أمثال أبي تمام”.
لكن في المحصلة العامة، وما أن تسلّم المستعصم بالله الخلافة (640 ـ 656 هـ/ 1055 ـ 1258 م) وكان قد ورث فترة عصيبة بعد توّلي المستضيئ ومن ثم الناصر (575 هـ ـ 622 هـ/ 1180 ـ 1225 م) وكان الأخير قبيح السيرة في الرعية ظالماً، فخرّب في أيامه العراق وتفرّق أهله في البلاد، وأخذ أملاكهم وأموالهم وكان يفعل الشيء وضده، كما أتهم بأنه راسل التتار وأطمعهم في بلاد المسلمين، وقد أدت السياسة الخاطئة وإهمال أمر الاستخبارات الصحيحة الوثيقة إلى تدهور الدولة، فقد كانت طلائع المغول تتقدم نحو بغداد، ورافق ذلك أن الخليفة لم يكن يقظاً حازماً، فدخل التتار بغداد سنة 656 هـ، فكان السقوط الكبير.
دور الولاة
ينهي المؤلفان كتابهما الشائق في معلوماته وأخباره ورواياته التي يصعب إيرادها لكثرتها، بخاتمة يلخصان فيها ما وصلا إليه من دراستهما من أن صاحب الخبر كان يقوم بنقل ما تتناقله الألسن وما يحاك في الصدور، وأن أهم ما يقلّص دوره ومهنته ويقلل خطره هو تحفّظ النّاس وعدم الثرثرة والإكثار من الكلام في المجالس، فقد كان الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه (بحسب المؤلفان في الصفحة 456 عن الذهبي في سير أعلام النبلاء) من المقدرين لمخاطر كثرة الكلام، فكان يدعو إلى حفظ اللسان، لأن القلوب أوعية الأسرار والشفاه أقفالها والألسنة مفاتيحها. ويتصل بذلك ما ذكر أنّه قيل لأبي مسلم الخراساني القائد العباسي المشهور: بأي شيء أدركت هذا الأمر؟ فقال: ارتديت بالكتمان، واتزرت بالحزم، وحالفت بالصبر.
يشير المؤلفان إلى قضية في غاية الخطورة وربما تكون إسقاطاً مهماً على وضعنا المعاصر، فيقولان في الصفحة 452 من الخاتمة: “وخلفاء الفرع المرواني، خاصة عبد الملك والوليد وعمر بن عبد العزيز وهشام، فنتيجة لاستقرار الدولة الأموية ورخائها في عهدهم، فقد كان جلّ اهتمامهم منصباً على تأمين مصالح الناس وخدمتهم، فعبد الملك خرج للتنكر، والوليد وضع عيوناً على أولاده، وعمر بن عبد العزيز وضع عيوناً (رقابة) على نفسه، وهشام طبّق برنامجاً يومياً للجلوس للاستماع إلى شكاوى الناس وقضاء حاجاتهم.
فيما يعد الخليفة المهدي أول من استخدم الحرس الخاص وأوجد وظيفة الأمناء، أما الرشيد فهو أول من خصص لأصحاب الأخبار مهمة محددة، ويعد في طليعة الخفاء الذين يكافئون على التقارير الإيجابية، وقد وضع أصحاب الأخبار على القضاة (رجال القضاء) لمعرفة ما يجري من مشكلات وتجاوزات وأحكام وقضايا لتحقيق مبدأ العدل على اعتبار أن الإنسان مؤشر ميزان.
الناظر بعناية إلى مادة هذا الكتاب المرجع، يقف أمام كثير من الاستنتاجات والأدلة والشواهد التي تتطابق كثيراً مع أحوال العصر، فما جمعه المؤلفان بدقة وعناية شديدة حول مجال الاستخبارات ودور صاحب الخبر في توطيد أركان الدولة الإسلامية وتحقيق انتصارتها ونشر تراثها، يستحق القراءة والمتابعة والاستفادة منه في تثبيت الأمن والاستقرار، فأمان أي مجتمع وأمة ودولة هو مفتاح بقائها ونجاحها ووضع اسمها على الخريطة بقوة واقتدار.
◆ يعد أبو جعفر المنصور من أوائل خلفاء الدولة العباسية الذين اهتموا بجمع الأخبار عن الرعية وعدّ جهاز مخابراته ركناً من أركان الملك التي لا يصلح إلا بها
◆ قيل لأبي مسلم الخراساني القائد العباسي المشهور: بأي شيء أدركت هذا الأمر؟ فقال: «ارتديت بالكتمان واتزرت بالحزم وحالفت الصبر»
◆ ◆ يلحظ أن فترة العصر العباسي الثاني تميزت بإسناد وظيفة صاحب الخبر إلى رجال لهم إلمام بالعلم والمعرفة، لا سيما العاملين في حقل الجغرافيا والتاريخ وكبار الشعراء
الرشيد هو أول من خصص لأصحاب الأخبار مهمة محددة وكان يكافئ على التقارير الإيجابية، ووضع عيوناً على رجال القضاء لمعرفة ما يجري من مشكلات وتجاوزات
◆ أفردت للمرأة دائرة خاصة في جهاز الاستخبارات وكان للمأمون ألف وسبعمائة عجوز يتفقد بهن أحوال الناس من الأشقياء ومن يفسد حرمات المسلمين
دائرة خاصة لتجنيد المرأة.. واستخدامها
يشير مؤلفا كتاب “صاحب الخبر في الدولة الإسلامية” الدكتور محمد حسن النابودة والدكتور محمد عبد القادر خريسات، إلى قضية مهمة في مجال العمل الاستخباري في عهود الدولة الإسلامية وتتعلق بتجنيد المرأة في وظيفة صاحب الخبر، ويذكران أن ذلك لقي عناية خاصة عند خلفاء العصر العباسي على وجه الخصوص، نظراً لكثرة الثورات والفتن وانتشار (الزندقة)، ويبدو أنها أفردت للمرأة (صاحب الخبر) دائرة خاصة في جهاز الاستخبارات، كانت ترتبط بالخليفة مباشرة، ويذكر أنه كان للمأمون ألف وسبعمائة عجوز يتفقد بهن أحوال الناس من الأشقياء ومن يفسد حرم المسلمين، وكان يجلس إلى دار الخلافة حتى تأتيه أخبارهن
العنوان يشير الى ان المقال سيناقش ويوضح ما اذا كان ابو تمام عضوا في المخابرات ..ام لا
ثم نجد انه لا يذكره الا في جملة مقتضبة (وكبار الشعراء كأبي تمام).
…شيء من المصداقية يا مثقفون!!!