مدينة كان الفرنسية.. العاصمة الأوروبية للسينما

*حسام أبو جبارة

إذا سلّمنا بأن حدثاً واحداً يمكن أن يضع مدينة ما على سلم الشهرة، ويجعلها معروفة في شتى بقاع الأرض، فإن (كان) Cannes الفرنسية هي المثال الأبرز على ذلك، فرغم عدد سكانها الذي يقدر بحوالي 73 ألفاً فقط، إلا أن مهرجانها السينمائي السنوي يجذب اهتمام عشرات الملايين من البشر في مختلف دول العالم، لهذا الحدث الفني الذي يقال إنه ثالث الفعاليات الدورية جذباً لاهتمام المشاهدين ووسائل الإعلام بعد دورة الألعاب الأولمبية وبطولة كأس العالم لكرة القدم.
تقع كان في جنوب فرنسا، وتحديداً قرب مدينة نيس Nice، وهي تمتاز بشواطئها الجميلة المطلة على البحر الأبيض المتوسط، وفنادقها الفاخرة التي لا تقل عن خمسة نجوم، ومطاعمها الراقية التي تقدم ألذ الأطباق، كما تضم أسواقها أفخم البضائع والمنتجات من أشهر العلامات التجارية، وهذا ما جعلها مقصداً رئيساً للأثرياء والمشاهير الذين يجدون فيها ملاذاً آمناً وساحراً ومرفهاً في أوقات الراحة وخلال الإجازات.
ويقدر المسؤولون في البلدية، عدد زوار المدينة سنوياً بنحو ثلاثة ملايين سائح، وقد يبدو هذا الرقم عادياً بالنسبة للكثير من مدن العالم الكبرى، لكن ما يميّز زوار كان هو أن جيوبهم مليئة بالنقود، وبالتالي فإن مستوى إنفاقهم كبير جداً، وبخاصة إذا علمنا أن مستوى الأسعار في فنادق المدينة ومطاعمها وأسواقها مرتفع إن لم يكن باهظاً حتى من وجهة نظر ميسوري الحال.

قصة مهرجان كان
على أن الميزة الأكبر التي جعلت من (كان) ماركة مسجلة، كما يعتقد أهلها، هو مهرجانها السينمائي السنوي، الذي يقام في شهر مايو من كل عام، ويستمر لمدة 12 يوماً يتكرر خلالها اسم المدينة في مختلف وسائل الإعلام وبكل اللغات، ويزورها عشرات الآلاف من النجوم، والمشاهير، والسياح، والإعلاميين، وهذا بالتأكيد يسعد أهل المدينة وأصحاب المصالح التجارية والخدماتية المقامة فيها.
تعود فكرة إقامة مهرجان كان إلى عام 1935، عندما أراد الفرنسيون قطع الطريق على ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية اللتين احتكرتا اختيار الأفلام المميزة وتكريم أصحابها في تلك الفترة، فعمد مخترع السينما الفرنسية لويس ليميير Louis Lumière، وبناءً على تعليمات من الحكومة الفرنسية؛ إلى ترتيب إقامة أول مهرجان للسينما العالمية في كان، وذلك في سبتمبر 1939، لكن اندلاع الحرب العالمية الثانية عشية الافتتاح أدى إلى قطع الفعاليات، فتوقف المهرجان قبل أن يبدأ، وعلى مدار سنوات الحرب حتى وضعت أوزارها. وفي عام 1946 أقيمت الدورة الأولى من المهرجان، وأصبحت (كان) مدينة نجوم السينما وعشاقها، حيث بدأ المئات من الممثلين والممثلات يتوافدون إليها، وكانت المدينة محطة عبور لهم على طريق الشهرة والمجد، ومنهم مثلاً كلوديا كاردينالي، وبريجيت باردو، وصوفيا لورين، وجينا لولوبريجيدا، اللواتي لم يصلن إلى العالمية إلا على البساط الأحمر في كان.

 السينما في كل مكان
كل شيء في هذه المدينة يذكرك بالسينما، وكل شيء فيها أيضاً هو على ارتباط بكل ما يمت إلى الفن السابع بصلة، فبالإضافة إلى واجهات المباني المزدانة بصور النجوم، توقفك واجهات المحال التجارية التي صممت على شكل شرائط الأفلام، وعلب الهدايا أيضاً تشبه الشرائط، أما الآلات القديمة لعرض الأفلام فقد وضعت على العديد من مفترقات الطرق وكأن كل شيء في هذه المدينة يروي قصة واحدٍ من الأفلام السينمائية أو قصة ممثل شهير.
وفي أيام مهرجانها السينمائي، تتحول شوارع كان إلى عرس تمتزج فيه الثقافات المختلفة: موسيقيون من مختلف أنحاء العالم يأتون مع فرقهم للعزف والغناء على الشواطئ، وصحفيون وإعلاميون يركضون في الشوارع بحثاً عن أحد المشاهير، وجماهير متعطشة لالتقاط الصور مع نجومهم المحبوبين.

احتفاء بالسينمائيين المبدعين
يقام مهرجان كان السينمائي عادة في قصر المهرجانات Palais des Festivals et des Congrès الواقع في شارع La Croisette الموازي لساحل البحر، وتقع في هذا الشارع أهم فنادق كان وأغلاها ثمناً مثل: Majestic Barrière، وHôtel Martinez، وLe Carlton، وPalais Stéphanie، وهذه الفنادق الأربعة تكون في فترة المهرجان محتلة بالكامل من قبل كبرى وسائل الإعلام لقربها من مكان انعقاد المهرجان، ولأن معظم النجوم يقيمون فيها، ومع ذلك فإن هناك 70 فندقاً آخر تتوزع في أرجاء مختلفة من المدينة ويمكن أن تتسع لبقية الزوار.
أما التفاصيل المعتادة للمهرجان، فتختار لجانه حوالي 50 فيلماً طويلاً و30 فيلماً قصيراً لنيل الجوائز المرصودة، وهذه الأفلام يمكن أن تكون بأي لغة (بما فيها العربية)، وبغض النظر عن مضمونها (سياسي، ديني، اجتماعي.. إلخ) أو أسلوبها (روائي، تسجيلي، .. إلخ)، وتعرض معظم هذه الأفلام كاملة أو ملخصات عنها أمام الجمهور، وهناك عروض خاصة لمختارات من أفضل الأفلام الكلاسيكية، وأفلام الأطفال، والأفلام القصيرة، وأفلام الطلبة.
وتمنح جائزة (الكاميرا الذهبية) لأفضل فيلم في كل قسم، وهي جائزة مادية وعينية، وتهدف إلى إبراز موهبة المخرجين ومساعدتهم على إنجاز عملهم التالي، وهناك جائزة (السعفة الذهبية) التي تتوج أفضل أفلام المهرجان، وهي بالتالي حلم كل مخرج، وعدا عن ذلك يوجد جوائز لأفضل الممثلين، وجوائز لجنة التحكيم، وجوائز أخرى عديدة تقدمها جهات مختلفة خارج الإطار الرسمي، ولكنها تمنح خلال فترة المهرجان، ما يجعلها مرتبطة بهذه المدينة التي يبدو أنها ستظل رمزاً للسينما ونجومها.

  • عن المجلة العربية 

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *