“انتقام النرجس” لحنين رياض: مزيج من التحليل النفسي والرؤى الرومانسية

عمّان- ثقافات

تُقدّم حنين رياض في عملها الروائي الأول “انتقام النرجس” الصادر حديثًا عن “الآن ناشرون وموزعون” في عمّان مزيجًا من الرؤى الرومانسية التي تفرض نفسها في تجربة بطلة الرواية، ومن التحليل النفسي للبطلة التي عاشت خبرات قاسية في طفولتها، وامتدَّت حتى سنوات شبابها.

وتدور السردية التي جاءت في 485 صفحة من القطع المتوسط في إطارٍ يغلّفه الغموض الذي تنفكُّ عُقَدُه أمام القارئ واحدة بعد الأخرى، متَّخذًا من سيرة “نور” مادّة خصبة لهذا الغموض.

تستيقظ الفتاة الجامعيّة من غيبوبة قصيرة لتجد أن كل شيء من حولها تقريباً قد تغيّر وأنها تعيش كابوساً فتبدأ هنا مُعاناتها. بذكائها وحدسها تُقرّر بعد ذلك التّخلُّص من تلك المعاناة وحدها، خاصة بعد أن تتيقّن أن من حولها يُصعّبون الأمر عليها لاستمرارهم في لعبة الإنكار ظناً منهم أن ذلك سيحميها من الصدمة، تبدأ “نور” باستكشاف الأسرار تباعاً لتتوصل في النهاية إلى حقائق تقلب مجرى الأمور، الأمر الذي يدفعها لاحقاً للانتقام لكونها ضحية لعبة خداع كبيرة، ولإظهار الحقيقة، ولتثأر لنفسها ولمن تُحبُّهم.

تُسلط الرواية الضوء على أهمية الثقافة النفسية وضرورة التعامل مع المصابين باضطرابات نفسية بطريقة صحيحة وإيجابية بالإضافة الى دور الدعم النفسي من المحيطين بهم. وُظّف هذا الموضوع من خلال “نور” التي تظهر عليها أعراضٌ لأحد الاضطرابات النفسية، وهو الأمر الذي يدفعها إلى خيالات وتهويماتٍ تُضفي على العمل السردي مزيدًا من التشويق. وتعالج حنين رياض تلك المواقف ببراعة، وبلغة سهلة يُطوى معها العمل من أوله إلى آخره بسلاسة تشد القارئ وتقرّبه من الأحداث والأبطال كلما قطعت الرواية مرحلة جديدة من مراحلها.

وخلال الرواية التي اختيرت لغلافها لوحة من أعمال الكاتبة نفسها، تحرص “نور” على العودة بالأحداث إلى الماضي الذي سبق حياتها، فتقدم عبر ذاكرتها وصفًا لحياة والدها، وتحليلًا للصعوبات التي أدَّت به في النهاية إلى انتحاره، وتعرض تفاصيل حياته الجامعية، وعلاقته بوالدتها التي انتهت بزواجه منها.. ما يجعل القصة ذات امتدادات تهبها تماسكًا في أحداثها، وعمقًا في ربط المراحل بعضها ببعض.

تقول البطلة في تجسيد لحنينها إلى والدها: “ما تمنّيت في حياتي شيئاً مثلما تمنيت العودة إلى تلك الأيام، مع كل شمعة أطفأتها في أيام ميلادي من كل سنة بعدها، ومع كل شهاب لمحته وهو يشق كالسيف حلكة السماء. ولكنني في الوقت نفسه أقاوم تلك الرغبة التي قد تعيدني إلى كل ما قد مضى، فأنا أخاف الماضي يا أبي. نعم أشتاقك، بل أحترق شوقاً لرؤيتك وقد أوهنني الحنين، لكنني حقاً أخاف الماضي. يفزعني أن ألقاك فأفقدك من جديد، لم أعد أطيق الفقد يا أبي”.

وتصف نفسها وحبها في مقطع آخر: ” كانت أياماً غالية، دفعنا الكثير بعدها ثمناً لها من صحتنا وقوتنا. حكاية كنت أنا ثمرتها؛ فتاة مدللة عنيدة، ورثت عن أمها شعرها الحالك وعينيها العسليتين، وأخذت من والدها عشق الأدب وحب الموسيقى وقِلَّة الصبر. كان جلياً لكل شخص يعرفنا جيداً، أنني -بدون شك- النسخة المؤنثة والمصغرة لفؤاد بملامح نادية.

حكاية حب بدأت كحكايا السينما الرومانسية، ولم تنتهِ مثلها أبداً. حكاية حفظتها كاسمي، فقد سمعتها بقدر ما سمعت اسمي أيضاً.

 ربما كان حرياً بي أن أحذر الأماني، ولكن كلما كان أبي يقص الحكاية عليَّ كنت في داخلي أتوق لأن أُحَبَّ كنادية وأن يحبني أحد مثل فؤاد”.

أما البطل يوسف فيخاطب “نور” بلغة رومانسية بالغة الدلالة: “خلف زهرة النرجس التي لا تذبل، سيلتقي اسمانا بعد الغياب. سأعزف حينها مقطوعةً لكِ وحدكِ، وسأسمّيها باسمكِ، فلستِ أنتِ أقلَّ حظاً من ماريا، ولستُ أنا أقلَّ عشقاً من شوبان”.

ومن الجدير ذكره أن حنين رياض كاتبة أردنية حاصلة على شهادة البكالوريوس في التصميم الجرافيكي، وتُتابع حالياً دراسة الماجستير في اللغة العربية وآدابها في جامعة البتراء. وهي تعمل في مجال صناعة الرسوم المتحركة ثنائية الأبعاد، وتقود حاليًّا فريقًا خاصًّا يعمل على إنتاج تطبيق ومسلسل كرتوني ضخم مُوجَّه للأطفال

شاهد أيضاً

هموم قروية في رواية «الحورانيّة» للأردني مجدي دعيبس

هموم قروية في رواية “الحوارنية” للأردني مجدي دعيبس موسى أبو رياش تتقاطع هموم المجتمعات بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *