د. سهير سلطي التل *
( ثقافات )
لم اكن واثقة
عندما بدأت بقراءة رواية الصديق المبدع محمود شقير( فرس العائلة) بقدرتي على
التعاطي مع الابداع الروائي، وبخاصة انني ابتعدت عن القراءات الادبية لفترة طويلة،
فضلا عن اعتيادي على قصص محمود القصيره جدا، ذات التأثير العميق، لما تحدثه من وقع
صاعق على القارىء/ القارئة، فهذا النوع من
الادب السهل الممتنع، قادر على التحليق بالقارىء/ القارئة بسرعة إستثنائية لا
يملك/ تملك، معها الا الاستسلام أمام قوة
الابداع وسطوته، الامر الذي اقلقني بداية عند التفكير بقراءة رواية طويلة نسبيا.
لا ازعم امتلاكي
لناصية النقد الادبي في كلمتي هذه، لكني اكتب بانفعال الصديقة أعادها صديق تحترم
قلمة وتجربته الى واحة الادب، لأجد رواية تشبة ذلك الثوب الحريري الذي طرزته الجدات
لينتهي لوحة منمنات تحكي تفاصيل سيرة شعب ووطن، من خلال تتبع سيرة قبيلة بدوية
تنتقل بهدوء من حياة البداوة الى حياة التمدن لتكتشف- كما قال الروائي ابراهيم نصر
الله عنها- انها جزء من شعب وقضية.
في فرس العائلة
يحيك محمود شقير لوحته بمزيج رقيق من المتخيل والواقعي، بلغة بسيطة عفوية مزجت بين
الفصحى واللهجة المحكية، ففي الوقت الذي يحملك النسيج اللغوي الى المتخيل على
اجنحة الحكايا القديمة، عوالم تمتلىء أمكنه وشخوص تثير بك، مشاعر الدفء والخوف
والقلق والشهوة، بما يصفه الراوي من اماكن و حيوات، يعيدك الى الواقع لتشتم رائحة
حواري القدس وتسمع رنين اجراس كنائسها و وتكبيرات مساجدها، لتحاور مع شخوص الرواية،
رموز المرحلة من سياسين وادباء وشعراء وثوار، فتقرا لطوقان وتتعرف الى خليل
السكاكيني والحاج امين الحسيني وفؤاد نصار، وغيرهم من رموز، ربما عرفها بعضنا، لكن
الجيل الذي يكاد لا يعرف ماضيه القريب يجهلها تماما، فيتجسد الوطن كائنات حية،
تدور حول فرس العائلة التي تجسد هواجس القوم احلامهم ومخاوفهم، حتى عندما تفرقوا
في حواري وازقة المدينة القديمة، وتنوعت خياراتهم بتنوع التمدن وما يقدمه، فضلا عن
ثراء المرحلة وما فرضته على الفلسطيني من خيارات.
لوهلة تبدو هذه
الرواية ذكورية لتمحورها حول شخصيات رجالية، الا أن القراءة المتمعنه تكشف عن بعد
نسوي بما تعطيه للشخوصها الانثوية من تأثير خفي فاعل في حيوات افراد القبيلة، فما
بين تنوع الاحلام والطموحات والطرق تقود النساء حركة التغيير، بعفوية وانسجام
وتكامل مع ارادات الرجال.
في هذه الرواية
يقدم محمود شقير نصا ابداعيا جميلا، وبالوقت ذاته نصا أمينا للتاريخ، بقدر امانته
مع تاريخه الشخصي بما فيه من تجربة سياسية وفكرية متقدمة، بلا مباشره ولا ادعاء……
* قاصة وباحثة من الأردن