أنا وهو.. وهذا الوباء

ثقافات – وفاء خرما

 

لا أعرف كيف أدّى الازدحام في الحديقة إلى أن يجاورني في المقعد حدَّ الالتصاق، ذلك الرجل الملتحي والأنيق. أجفلني صوته حال أغلقت كتابي وهو يهبُّ واقفاً يكاد يقبض عليَ بذراعيه المفتوحتين:

_ أنتِ “واو”!

_”واو” كيف عرفتَ” بأمر “واو”؟

_ أنا الهيكل العظميّ!

“لمعت ذاكرتي بالقصة التي كتبتها منذ زمن، بل نشرتها أيضاً. كان فيها الهيكل العظميُّ يمدُّ رأسه من خلال باب قبره الموارب ليطلب إليّ..”

_طلبتُ منكِ أن تأتيني بالماء والطعام ففعلتِ بكلِّ أريحية.

_ ثم ماذا؟ أراكَ تحفظ أحداث القصة بل تزيد فتتقمّص شخصية بطلها.

_ لا.. لا أنا بطلها حقيقة.. أنا الهيكل العظمي ذاته في قصتك.

” أذكر ذلك الهيكل في القصة كان قد امتلأ حياة وحيوية بما جئته به من طعام وشراب فطلبتُ منه أن يعود معي إلى البيت لنعيش في هناءة وأمان.”

_ ورفضتُ.. رفضتُ أن أعود لسبب تذكرينه لا شكّ.. قلت لكِ يومها: ألا تعرفين           أني متّ منتحراً؟

” يا إلهي.. هي العبارة إياها التي أنهيت بها قصتي!”

_ والآن.. سنعود معاً.. سنعيش معاً.. أنا لم أعد مجرد شخصية في قصتك.. أنا رجل حقيقي كما ترين.

_تقصد أنك هربتَ من القصة كما تفعل الشخصيات أحياناً في قصص ما وراء السرد؟

  – لا أعرف ما تقصدينه بما وراء السّرد هذا، لكني اعترف أني هربتُ من قصتك الى عالم الأحياء وانا أبحث عنك منذ ذلك الوقت.

-لكن لمَ هربتَ وأنتَ الذي لم..

-الوباء!

– ماذا تقول؟

-ولكني نجوت ُ.. نجوت . تعالي معي.

– هل تمازحني؟

-أمازحك؟ معاذ الله. أنا جادٌ بكل ما فيً من رغبة في توثيق رباطنا.

– اهدأ وتخفَّفْ من اندفاعك العاطفي هذا.

– ماذا تقصدين؟

– انا لستُ “واو” التي جاءتك يوماً في قبرك وهي ممتلئة بالحياة.

– من أنتِ؟

– أنا “واو” المحتَضَرة!

– ماذا؟

– هو الوباء البغيض يا عزيزي!

– يا إلهي، أنتم أيضاً؟ لا أُصدّق.. أنتِ.. أنت الحياة ذاتها مع هذه الابتسامة الرائعة.

– بل أنا مجرّد جثة ستدفع بها إلى جوفها تلك الشاحنة الممتلئة والمندفعة الآن نحوي بسرعة. ألا تراها؟

        هيَّا ابتعد!

 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *