ثنائيات التمييز في مجتمع مهزوم

*ثقافات – خاص – جهاد الرنتيسي

يطفو على سطح احداث رواية ” على درب مريم” للفلسطينية نادية حرحش عدد من الثنائيات وهي تحاول لملمة شظايا الخلفيات الاجتماعية والثقافية التي تقف وراء تناسل قضايا المرأة في المجتمع الفلسطيني.

في السياق العام للاحداث يطل “فرعون” رام الله ليقدم نموذجا للمناضل الذي تحول الى رجل سلطة تظهر العقد النفسية التي راكمها تحول حالاته في سلوكه الجنسي وعلاقته التسلطية مع النساء فيما يأخذ التسلط في قطاع غزة شكلا اخر نتيجة لاختلافات لا تخرجه عن افرازات سلطة التفكير الذكوري حيث المرأة الكائن الاكثر عرضة للخذلان وتأثرا بمفاهيم اجتماعية راسخة.

يقابل غياب الهوية السياسية للنظرة الى المرأة غيابا للهوية الدينية حيث لا يتجاوز اختلاف معاناة الـ “مريمتين” المسيحية والمسلمة في مجتمعهما الشرقي وخارجه الشكل والتفاصيل التي تفقد قيمتها امام جوهر القضية التي تتناولها الرواية.

اللافت للنظر في طريقة التناول التي ترصد انماط تفكير وحياة ومعيشة في مراحل مختلفة من التاريخ الفلسطيني ان قضية المرأة الفلسطينية كما تراها حرحش ليست محصورة بزمن محدد فهي ممتدة ومتوارثة وتستمد حيويتها من خلال اشتباكها مع التاريخ والجغرافيا.

ولم تخف محاولة الوصول الى الصندوق الاسود لتجليات الوعي الاجتماعي المشرقي البعد الاممي للمسألة النسوية الذي يفتح افقا لاجراء مقارنات ضرورية تكشف تشوهات نظرة الرجل وعلاقته بنصفه الآخر.

من خلال شخوص الرواية لا تبدو المرأة العربية متوازنة في ردود افعالها على ما تتعرض له لا سيما وان التمييز ضدها قاعدة ومساواتها بالرجل خاضعة لاستثناءات مما يبقي قضيتها مجالا للبحث وحلولها مرتبطة بتغيرات في الوعي .

يظهر غياب التوازن في السلوك النسوي من خلال التمييز الذي تمارسه المرأة لصالح الرجل حيث تفضل النساء ابناءهن على بناتهن في حياتهن اليومية مما يحولهن الى شريك في ديمومة التفكير الذكوري.

تكتمل الصورة بعض الشئ مع تحديد موقع الرجل في خارطة علاقات “المجتمع الذكوري” حيث توفر الرواية ما يكفي من الايحاءات بضعفه الناجم عن نمط العلاقات الاجتماعية الذي يفتقر الى التوازن .

على هوامش هذه التشوهات والتناقضات تنمو تطرفات اخرى لا تقل خطرا عن اضطهاد المجتمع الذكوري لذكوره واناثه قد يكون اكثرها وضوحا التطرف الديني الذي تساهم النساء بشكل او بآخر في صناعته ويدفعن القدر الاكبر من فواتير تداعياته وانعكاساته.

 ديمومة اعادة انتاج التمييز الذي تتعرض له المرأة في المجتمع الفلسطيني احد الخلاصات التي تنتهي اليها الرواية  حيث تلتقي التناقضات السياسية على ارضية مجتمع ذكوري لم يعترف بما قدمته الفلسطينيات خلال ثورات وانتفاضات اخفقت في اخراج البني الاجتماعية من نمطيتها مثلما فشلت في هزيمة المشروع الصهيوني وتحرير البلاد .

شاهد أيضاً

طه درويش: أَتكونُ الكِتابَة فِردَوْسَاً مِنَ الأَوْهامْ؟!

(ثقافات) طه درويش: أَتكونُ الكِتابَة فِردَوْسَاً مِنَ الأَوْهامْ؟! إلى يحيى القيسي لَمْ نَلْتَقِ في “لندن”.. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *