الفن كمتنفس وجودي في رواية: “مأساة الفتاة التي” للروائي مصطفى الحمداوي

خاص – ثقافات 

 

صدرت مؤخرا  الرواية الخامسة للروائي المغربي مصطفى الحمداوي بعنوان: “مأساة الفتاة التي “، وهي رواية تحاول خلخلة بنية السائد حول أكبر اليقينيات الوجودية في حياة الإنسان.

 الرواية تفتح أسئلة معقدة حول الحب والموت والفن والفقر والثراء، وعلاقة كل ذلك بالجسد والحس الدفين في نفسية الإنسان؛ فمرزوق الراعي البريء، الذي لا يعرف سوى العزف والموسيقى، يرتبط بعلاقة حب كبير مع جارته المنحدرة من أسرة فاحشة الثراء.

وكما هو متوقع غالبا، فإن مثل هذا الحب ينتهي بالفشل. يرفض مرزوق مُقترح نعيمة بخصوص الهرب إلى منطقة بعيدة، بحجة أن الرعاة الأصائل لا يهربون، ويعد حبيبته بأنه سيحقق موتا رائعا، ولكنه يموت على طريقة غير متوقعة، ويغرق في بذاءة الحياة.

ويصادف أن تتعرض حليمة وأسرتها لابتزاز من قِبله، وتتذكر الفتاة تلك الحادثة عندما كانت مراهقة، وتقرر أن تنتقم من ذلك الشخص، ويسكن هذا الهاجس وعيها؛ لتخرج إلى الحياة في النهاية مُكرهةً لأجل إعالة إخوتها الصغار. وتظل دائما، ودون انقطاع، تحمل في نفسها وعيدا للانتقام من مرزوق، وتجرها الحياة لتشتغل في البيوت، وبعد ذلك عاهرة درجة أولى، ثم تنتهي راقصة في فرقة موسيقية رديئة، وتتعرض لأبشع صور استغلال خلال كل مراحل حياتها.

وفي الوقت نفسه، يجد الموسيقار جمال الكنزي نفسه – بعد انهيار حلمه الكبير في إبداع نمط موسيقي جديد، يتعلق بمزج موسيقى الغيوان بموسيقى الريغي – مرغما لقيادة فرقة موسيقية رديئة، تغني لأثرياء كل نهاية أسبوع؛ أثرياء السياسة والتجارة المغشوشة وكل الممنوعات. لكن جمال يجد متنفسا أخيرا عندما تفد إلى الفرقة راقصة جديدة لم  تكن سوى حليمة الشابة الحسناء، ويكتشف، من خلال تتبع حركاتها الأولى في الرقص، أنها موهوبة، وأنه يستطيع أن ينجز معها فنا كبيرا؛ كأن يعزف لها شعر الحلاج “والله ما طلعت شمس ولا غربت”، ويلحن لها القصيدة بكل مشاعره وأحاسيسه، ويشرح لحليمة كيف يمكن أن ترقص رقصة  تمزج فيها بين رقصة الدراويش ورقصة الفلامينكو. وتنجحُ حليمة، فترقص على نحو يصل درجة الصفاء.. عندئذ تتغير من الداخل جذريا، وهو الأمر الذي يحصل للموسيقي جمال.

وفي حالة غرائبية، يستمر مرزوق، طوال الرواية، يروي، من داخل قبره الافتراضي، أحداثا بعضها حقيقي، وبعضها متوهم.  ونكتشف مواقف سريالية، تجعلنا نرى كيف تستطيع_ الموسيقى تحديدا، والفن إجمالا_ في جعل الحياة أجمل، بل نفهم ان بمقدور الفن حل الكثير من الإشكاليات الوجودية التي تواجه الأفراد والمجتمعات. الرواية عبارة عن أحداث متشابكة وشخصيات بنفسيات مختلفة، وهذا التنوع يعطي صورة عجائبية عن واقع حقيقي ولكنه مصاغ في الرواية بتقنيات متنوعة، منها تقنية تفكيك وإعادة تركيب النص الروائي بتراتبية انتقائية تتيح للقارئ قراءة النص وفق تصور مستقل، بعيداً عن إملاءات الكاتب.

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *