*ترجمة وتقديم : لطفية الدليمي
ثوماس كينيللي Thomas Keneally : روائي و مؤلّف مسرحيات و كاتب أسترالي معروف على الصعيد الأدبي العالمي برواياته التأريخية
و شخصياته المسكونة بماضيها الشخصي ، و تصويره للأفراد المحترمين و عظم معاناتهم مع النظم السلطوية في كافة المجالات .
ولد كينيللي عام 1935 في مدينة سيدني الأسترالية و دخل و هو بعمر السابعة عشرة سيمناراً seminary يؤهّله ليكون كاهناً كاثوليكياً لكنّه ترك المدرسة الكهنوتية قبل رسامته كاهناً و قد أثّرت هذه التجربة كثيراً في أعماله المبكرة . تأسّست شهرة كينيللي كروائي مغرم بالوقائع التأريخية مع نشره رواية ( أجلب القبّرات و الأبطال Bring Larks and Heroes ) عام 1967 التي يحكي فيها عن سنوات أستراليا المبكّرة كمستعمرة كولونيالية بريطانية مخصّصة لكي يقضي فيها بعض السجناء عقوباتهم الطويلة ، ثم تتابعت رواياته التأريخية التي كان من أهمها ( العار العظيم The Great Shame ) عام 1998 التي استلهمها من حكايات أسلافه و فيها يروي تفاصيل ثمانين عاماً من التأريخ الإيرلندي مرويّة من وجهة نظر مدانين إيرلنديين أرسِلوا ليقضوا محكوميّاتهم الطويلة في أستراليا في القرن التاسع عشر . تعدّ رواية ( قارب شندلر Schindler”s Ark ) التي حازت جائزة البوكر للرواية عام 1982 العمل الأكثر شهرة للكاتب كينيللي و قد تحوّلت على يد المخرج العالمي ستيفن سبيلبيرغ إلى فلم رائع تحت عنوان ( قائمة شندلر Schindler”s List ) الذي حاز على عدة جوائز أوسكار عام 1993 و يحكي فيها كينيللي حكاية أوسكار شندلر : الصناعي الألماني الذي أنقذ أكثر من ألف و ثلاثمائة يهودي من المحرقة النازية و بضمنهم بولدك بفيفربيرك أحد الشخصيات الرئيسة في الرواية ، و كعادة كينيللي مع كل شخصياته الرئيسة في رواياته فإن شندلر ليس أكثر من شخصية إعتيادية تسلك طبقاً لما يمليه عليها الضمير الحيّ بصرف النظر عن أجواء الشر المحيطة بها .
حصل كينيللي عام 1983 على وسام استراليا برتبة ضابط ، كما عمل كأستاذ زائر في جامعة كاليفورنيا في إيرفن عام 1985 ثم عاد ثانية ليخدم فيها للفترة 1991 – 1995 أستاذاً في مادة الكتابة الإبداعية . ظهر كينيللي في أدوار صغيرة في بعض الأفلام السينمائية – و بعضها مأخوذة من رواياته هو ذاته – ، و يعرف عنه أنه من مناصري إعلان الجمهورية في أستراليا و التخلص من إرثها الملكي و قد نشر بهذا الصدد كتاباً بعنوان ( جمهوريّتنا Our Republic ) عام 1993 و ظهرت العديد من مقالاته المؤيدة للجمهورية الاسترالية على الموقع الألكتروني للحركة الجمهورية الاسترالية ، و من الجدير الإنتباه إليه في تأكيد مكانة كينيللي أن رئيس وزراء أستراليا الأسبق كيفن رود قدّم هديّة دولة إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما أثناء زيارته للولايات المتحدة عام 2009 و كانت نسخة موقّعة بقلم كينيللي للسيرة التي كتبها عن الرئيس الأميركي لنكولن . لا يزال كينيللي إلى يومنا هذا واحداً من أكثر الكتّاب شعبية و إنتاجاً في أستراليا : فقد نشر 29 رواية و 17 عملاً في غير ميدان الرواية و القصة و أربع مسرحيات . يحكي كينيللي في عمله المنشور حديثاً و هو رواية ( بنات المريخ The Daughters of Mars ) عن سيرة أختين تعملان في سلك التمريض و تنخرطان في الحرب العالمية الأولى على جبهة الدردنيل في الحرب ضد الإمبراطورية العثمانية الآفلة ثم على الجبهة الغربية لاحقاً و قد أعتبرت الرواية تلويحة عرفان و إمتنان لكل الممرضات الاستراليات اللواتي شاركن في كل الحروب التي كانت أستراليا طرفاً فيها .
الحوار الآتي مع كينيللي أدارته جوي هوروفيتز و هي ذاتها كاتبة تسكن في ولاية ماساشوستس الامريكية و تعمل محررة مشاركة في دورية لوس أنجلس لمراجعة الكتب Los Angeles Review of Books ، و قد نشر الحوار في موقع ( Goodreads ) الألكتروني في حزيران 2013 .
المترجمة
الحوار
* هل يشير عنوان روايتك الأحدث ( بنات المرّيخ ) إلى المريخ بكونه ألهة حرب ؟
•نعم يشير إلى المريخ بكونه ألهة حرب . عندما قدّمت عملي إلى الناشر سألته : ” هل يبدو هذا العمل رواية غارقة في الخيال العلمي ؟ ” لكنني فكّرت لاحقاً كم سيكون رائعاً لو أنّ الناس إبتاعوا العمل المنشور ظانّين أنه ينتمي لصنف الخيال العلمي !!
* روايتك ( بنات المريخ ) مؤسّسة على يوميات كتبتها ممرّضات عملن في فترة الحرب العالمية الأولى . ما الذي قادك إلى هذه اليوميات و أين وجدتها أصلاً ؟
• عندما فكّرت بالكتابة عن الحرب العالمية الأولى رأيت أنّ من الأفضل أن أكتب عن الممرّضات و الجرّاحين و المسعفين و ناقلي حمّالات المصابين لأنهم كانوا يتعاملون مع أشلاء الجثث و الأجساد المشوّهة القادمة من الخنادق مباشرةً ، لذا قرأت الكثير عن ما كتبته الممرضات في المجلات الطبية و عرفت كيف كنّ يتعاملن بكل جلد و كفاءة مع هذه الحالات المقزّزة و قد قاسين قدراً لا يطاق من الرعب : إنفجارات قنابل الهاون ، و هجمات الغاز السام ، و محاولة مساعدة الجراحين في ترميم وجه مشوّه ، و سماع صرخات المصابين بصدمة نتيجة هول الآلام التي كانوا يعانون منها و لكم أن تتصوّروا كيف كان الحال حيث كانت معظم جهود الممرضات تنصرف للعناية بالجروح المتقيّحة الكريهة الرائحة حتّى لا تتسبّب في تسمم الدم Sepsis و الغانغرينا . عثرت على الكثير من هذه التفاصيل في مكتبتنا الوطنية و في متحف إستذكار الحرب الأسترالي الذي لطالما خدم كمتحف و إرشيف لذكريات الحرب الأليمة و برهنت التفاصيل الدقيقة التي وجدتها هناك أنها كاشفة إلى حدّ بعيد .
* الثيمة الأساسية التي تشغل المركز في روايتك الأخيرة ذاتها تكمن في موضوعة قدرة المرأة على التعامل مع المشقّات بطريقة أفضل بكثير من تلك التي يبديها الرجل . كيف تعلّق على هذا ؟
• من الملفت للنظر بشكل عجيب هو الجلد العظيم الذي تبديه النساء في مجابهة الصعاب و الأخطار و تلك إحدى الميزات الفارقة التي تسم النساء ، و ثمة شيء أخر تنهض به النساء من دون الرجال : ذلك هو الأعباء المتعددة Multitasking التي تقع على كاهل النساء . أنظروا مثلاً ما يحصل في يوم الشكر Thanksgiving Day حيث يتسمّر الرجال في العادة أمام شاشة التلفاز لمتابعة آخر أخبار دوري كرة القدم الأميركية في حين تنهمك النساء في واجبات عديدة في المطبخ من غير أن يبدين أي شعور أو حتى إشارة بالإمتعاض !!
* أحببت للغاية قصة الأختين الممرضتين في روايتك الأخيرة و قد شعرت كم هي معقّدة و حقيقية معاً هذه العلاقة بالنسبة لي : التوتّر و الحب بين سالي و نعومي و كيف أصبحتا أكثر قرباً بمرور الوقت . هل إعتمدت شيئاً من تأريخك العائلي في هذا العمل أم هو محض نتاج خلقك الروائي ؟
• تُفتِنُني دوماً و منذ عهد بعيد العلاقة بين الأخوات ، فأنا لديّ إبنتان و لم تكن لي أخت بل كان لي أخ واحد فحسب ، و قد كانت تجربتي مع إبنتيّ جزءاً ممّا تعلّمته و حكيته في رواية ( بنات المريخ ) و قد وجدت كم أنّ العلاقة معقّدة بين الأخوات !! و أردت تصوير شيء من هذا التعقيد في الرواية . ثمة مشهد في الرواية تتناول فيه الأختان الشاي في فندق الإسكندرية و تسأل الواحدة الأخرى : ” هل تظنّين أنّ بأمكاننا أن نكون صديقتين ؟ ” و ذاك سؤال في غاية الأهمية بين الأخوات لأنهن قد يسلكن بأكثر الطرق عدوانية تجاه بعضهنّ و أحياناً تكون علاقتهن أقل حتى من علاقة صداقة إعتيادية و ليست الأخت بالضرورة هي الشخص الأول التي تفكر أخت ما لها بالإتصال بها عند وقوعها في مشكلة خطيرة ما . إن موضوع إخوّة النساء sisterhood ممتع للغاية و يضم تفاصيل معقدة في ذات الوقت .
* لِمَ أهديت روايتك الأخيرة إلى ممرّضتيك : جوديث و جين ؟
• جوديث و جين هما زوجتي و أختها و قد تكفّلت الأختان بتمريضي في الخمسينيات و لطالما ذكرتا أن الأمور آنذاك لم تكن لتختلف كثيراً عن ما كان سائداً في أجواء الحرب العالمية الأولى بإستثناء توفّر المضادات الحياتية . أخي الطبيب الذي توفي العام الماضي بالسرطان كان بمثابة مؤرّخ طبي و قد أجرى مسحاً نقدياً شاملاً للرواية من الناحية الطبية ، و أذكر تماماً كيف كانت الممرضات تتحلّق حول سريره عندما كان مريضاً لأنه إعتاد أن يعاملهن بكل كياسة و احترام و كان ينظر لهنَّ كزميلات على قدر المساواة مع الأطباء بعكس النظرة الطبقية المترفعة الرقيعة السائدة عند بعض الأطباء سابقاً و حتى يومنا هذا أيضاً .
* هل ترى نفسك الآن كاتباً أفضل عمّا كنت عليه و أنت شاب ؟ هل ثمة أشياء ترى نفسك اليوم أكثر حرية في فعلها ؟
• أعتقد أنني أفضل اليوم من الناحية التقنية و المسألة لا تعدو كوني كاتباً فوضوياً و أنا كروائي أشبه ذلك الذي يرمي بكرات ملونة في الهواء و يسعى لإلتقاط أكبر عدد منها و أشعر أنني في عملي الأخير قد إلتقطت كل الكرات بطريقة مقبولة لي . على العموم اعتقد انني أصبحت أفضل من ذي قبل و لكن ربما فقدت شيئاً من الشغف الثمين الذي كان لديّ عندما كنت شاباً .
* هل ثمة من كِتاب ما غيّر حياتك ؟ إذا كان ثمة هكذا كتاب أخبرنا عن الطريقة التي غيّر بها حياتك فعلاً ؟
• أوووووه ، نعم ثمة الكثير من الكتب و لكن الكتاب الذي غيّر حياتي أكثر من سواه هو ( سولا Sula ) للكاتبة توني موريسون فهو بالنسبة لي ليس محض الكتاب الأفضل بين الكتب التي قرأتها بل هو عمل رائع يحكي عن تجربة من ولد ليكون إبناً لأبوين من الرقيق . الكتاب الآخر الذي ألهمني كثيراً هو ( سلوك الفرار Flight Behaviour ) للكاتبة باربارا كينك و هو كتاب يتناول التغير المناخي بأسلوب جذّاب بعيد عن السردية الجامدة المملّة و بطريقة درامية مقنعة و باستخدام نثر رفيع المستوى ، و قد التقيت الكاتبة مؤخراً في إحتفالية في بريطانيا و أخبرتها كم لامس كتابها شغاف قلبي ثم – و يا عجبي – إنفجرت باكياً و أنا العصيّ على ذرف الدموع !! فتعاطفت معي الكاتبة كثيراً و أخبرتني : ” إذا داومت على القراءة فستختبر دوماً مثل هذه اللحظات الكاشفة كل الوقت ، فكلّ الكتّاب المرموقين هم قرّاء شغوفون في ذات الوقت ” .
* ما الذي يُدهشك في رواية حروب القرن العشرين و لماذا يظلّ هذا النوع من الروايات مصدراً لإلهامك ؟
• لست أنكر أنني أبتغي أن أكون داعية سلام و مناهضاً عنيداً للحرب ، و لكن ريائي يكمن في أنني أرغب دوماً في الكتابة عن الصراع البشري : فلو كنّا جميعاً رقيقي الحال و كرماء في التعامل ولا نحمل عناصر صراعية في سلوكنا مع بعضنا فربّما لم يكن ليوجد شيء يستحق أنْ نكتب عنه نحن – الروائيين – !! . الحقيقة إنني نشأت طفلاً وسط أجواء الحرب العالمية الثانية رغم أنّي نشأت بعيداً للغاية عنها فقد قضى والدي ثلاث سنوات مع قوات الحلفاء في شمالي إفريقيا و اعتاد أن يرسل لي تذكارات من مخلّفات النازيين في علب الكيك المستعملة ، كما كان للقصف الجوي الياباني لشمالي أستراليا و هجمات الغوّاصات اليابانية على ميناء سدني أبلغ الأثر في نفسي . إن فكرة ذهابنا إلى الحرب ما تزال تمثّل اللغز الأعظم لي و ليست كل كتبي تدور حول الحرب بل هي في الأساس تتحدث عن الإنقسام الإثني بين البشر و عن السمة الأخوية التي يمكن لها ان تجمع بين الإثنيات البشرية بصرف النظر عن خلفياتهم الأخرى .
* أخبرنا شيئاً عن عاداتك في الكتابة ؟
•أكتب في العادة لفترات معقولة في الصباح و بعد الظهر و أحرص على المشي طويلاً لفترة الظهيرة من كل يوم ، فأنا أسكن قريباً من ساحل البحر حيث يمكن للمرء أن يحظى بفترات طويلة من المشي على ساحل ميناء سدني و المحيط الباسيفيكي . أتمشّى في العادة لساعة و خمس دقائق و هذا التوقيت مهم للغاية لإنتظام العمل في كامل يومي !! . أنا من ذلك النوع من الروائيين الذين يكتبون نسخة أولى من الرواية بقصد أن يحصل على تصوّر لشخصية ما ثم يعملون في نسخة ثانية على إيجاد علاقة بين الشخصيات و متابعة الفروقات الدقيقة التي غابت في النسخة الأولى ، و في النسخة الثالثة تظهر الشخصيات كأنها جالسة وسط غرفة ساطعة الضياء في وقت كانت في النسخة الأولى قابعة في قلب الظلمة ، و في العادة أرسل نسختي الرابعة إلى الناشر ثم أواصل العمل عليها لاحقاً وفقاً لإقتراحات المحررين العاملين في مكتب الناشر . أكتب في العادة قدر ما أستطيع بعد أن أنتهي من جولة التمشّي الطويل و حتى موعد العشاء الذي يحلّ في العادة في السابعة و النصف من مساء كل يوم ، و بعدها يكون لي وقت لأقضيه صحبة احفادي الذين آراهم أكثر أهمية لي من كل أعمالي الروائية و غير الروائية .
* ما الذي تقرؤه هذه الأيام ؟
• لن تصدّقوا !!! إنه لأمر مخجل ما سأقوله الآن لأن الناس يتوقّعون أن كاتباً مثلي قد قرأ كل شيء . أقرأ الآن رواية ( إلى الفنار To the Lighthouse ) للمرة الأولى ( يضحك ،،،،،، ) . ( إلى الفنار : إحدى أكثر الروايات شهرة للروائية البريطانية فيرجينيا وولف ، المترجمة ) .